ونس روحي

Shaimaa46`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-03-11ضع على الرف
  • 21.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

- كل عام و انتِ بخير يا ونس
- ‏و انت بخير يا ضياء
قالتها بخجلها المعتاد و هي تأخذ منه هديته بهدوء انثى كبيرة و ليست كطفلة في الثالثة عشر من عمرها، تنهرها امها لانها تجرد اسمه من الالقاب فتناظرها ونس بتحفز مع قولها
- هو يود ان اناديه بإسمه، أليس كذلك؟
و ناظرته ليومئ لها بالايجاب و ابتسامة ساحرة تظهر غمازة وجهه قد ظهرت فإحمر وجهها خجلا لتدخل غرفتها سريعا بقلب خافق و مازالت تستمع لضحكاتهم، لتزيل تلك الورقة اللامعه التي تغلف هديته لتفتح الصندوق الذي يحتوي على دمية جميلة ذات شعر اشقر و عينان بنيتان تشبهان عيناها و تكتب ورقة صغير بتاريخ اليوم لتعلقها في ملابسها و تضعها بجوار الاخريات و تغمض عيناها و هي تتمنى ان يديم الله وجود ضياء.. الذي يضيء حياتها.

______

كانت تقف في شرفة منزلهم و هي تفكر به، ليلة العيد تبعث في نفسها الذكريات التي كانت تغذيها يوما بعد يوم، ضياء سيظل دائما في قلبها، طفلة او انثى.. سيظل دائما حبيبها الذي لن تسامحه على رحيله.
سمعت اصوات الهتاف القادمة من الاسفل فنظرت لتجد اطفال حيهم يلعبون كرة القدم و اخرون يرسمون بالطباشير على الارض و البقالة المجاورة ينطلق منها صوت الست بأغنيتها الخالدة التي تكتمل بها فرحة العيد
" يا ليلة العيد آنستينا، و جددتي الامل فينا "
مع رائحة مخبوزات والدتها التي تملأ البيت، واصوات التكبيرات القادمة من التلفاز، ذاك المزيج الذي يتخلل اوردتها فتشعر بسحر اللحظة، و مع النسمات الرقيقة التي داعبت وجهها فتحت دفترها في ذاك الوقت من كل عام و هي تتطلع في عرائسه المتراصه على احدى الارفف لتكتب له

"اتذكرني الان و كأنني طفلة صغيرة
تستيقظ مبكرا على اصوات التكبيرات القادمة من الراديو
ترتدي ثوب العيد الجديد بقلب سعيد
تُقبل يد والدها من اجل العيدية و تنطلق للبقالة المجاورة
تلهو بمفرقعات العيد مع اطفال الجيران
و يحضر لمنزلها شاب لطيف يكبرها بعشرة اعوام، تنتظره امام الباب و كأنما بطلّته يكتمل العيد
يحضر لها احدى ألعاب الفتيات فتأخذها بخجل انثى فطري
و مرت السنوات
و انقطع اكتمال العيد بقدومه
و الان هي تجلس في ليلة العيد كل عام امام عرائسه و تسألهم و كأنهم سيجيبوها بمعجزة
" اين هو؟"
و تنظر بعدها للسماء، تتطلع في النجمة اللامعه و تخبره بيقين و كأنه يسمعها
" كل عام و انت بخير يا ضياء "

املها يتجدد كل عام، ضياء سيعود و ستنتظره.

" " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " "

استيقظت من نومها على صوت المفرقعات و ضحكات رجولية تأتيها من غرفة المعيشة، لقد نامت بعد الفجر و اضاعت صلاة العيد كعادتها، فهي تجاهد لتظل مستيقظة و لكن قبل الصلاة بنصف ساعة تغوص في احلامها، ارتدت جلباب بيتي جديد و بسيط بإحدى درجات اللون البني و لفت حجابها بأناقة لتخرج من غرفتها و تدخل غرفة جدها المجاورة لغرفتها
- صباح الخير يا جدي
- ‏صباح الخير يا نور عينايّ
إلتفت لمصدر صوتها القادم من الباب ليرفع يداه تلقائيا لتدخل هي في احضانه الدافئة ليربت على ظهرها بمحبه قائلا
- اتريدين العيدية
تنحنحت بخجل و هي تخرج من احضانه مشاكسه
- الامل فيك يا " عبدو" فوالدي يظن انني كبيرة
- تأكلينني بكلماتك
يقولها بإبتسامته الطيبة ليخرج من جيب جلبابه بعض الاموال ليقول لها
- اريدك ان تخبريني بالمبلغ الموجود هنا و تضعين الاوراق المتشابهه مع بعضهم
اخذت منه الاوراق لتنظر لعيناه البيضاء ببعض الاسى فهو يعاني من ضعف بصر يكاد ينعدم، فأخذ يهز رأسها مكبرا و ممسكا بسبحته الطويلة في يده محركا اصبعه عليها بحركات رتيبة
انتهت و اعطته المال و اخبرته بقيمته ليخرج لها اكبر ورقة قائلا
- حتى تتذكريني اذا توفيت يا نور عينايّ
لتدمع عيناها تلقائيا و هي تقبل يده قائله بمشاكستها
- اطال الله في عمرك يا عبدو، مازلت في ريعان شبابك فأنا ابحث لك هذه الايام عن عروس تبدد بها وحدتك
ليضحك بإنطلاق و تظهر اسنانه القليلة فيسعل من بين ضحكاته قائلا
- اضحك الله سنك يا ونس، و من تلك التي تبدد وحدتى و معي اجمل ونس
ليكمل قائلا و هو يحثها
- هيا اذهبي لغرفة المعيشة، فهناك ضيوف و اظن ان والدك نزل صباحا
- ‏حسنا و لكن لا تظن انك تخلصت مني
قالتها لتسمع صوت امها تدعوها
- تعالي يا ونس، لن تصدقي من هنا
لتدخل الغرفة و هي تلقي السلام على رجل يجلس في الكرسي المقابل للباب و على قدميه طفلة تجزم انها في عمر الخامسة
لتسمع ذاك الصوت الرخيم الذي لن تنساه ابدا يرد تحيتها بهدوء و يتخللها بنظراته، انه هو.. ضياء
ايمكن للكون ان يتوقف لدقيقة، تستوعب ان فارس احلامها، امل حياتها، ضي قمرها يقبع الان امامها
تفصلها بضع خطوات، ابتلعت ريقها بصعوبة بالغه و افاقت من شرودها على صوت امها
- تعالي يا ونس، انه ضياء ، اتتذكرينه
" و هل نسيته"
قالتها لنفسها و هي تتقدم منه بينما وقف هو قبالتها بطوله الفارع، نبتت له لحية كثيفة، اصبحت نظرات عيناه اعمق، بحرها الواسع يبتلعها الان، جسدها ارتجف على اثر لمسته، لمسة رقيقة شعر هو بها، يدها الناعمة الصغير التي احتضنت كفه لثوان شعر معها بمعنى الدفء
كبرت، اصبحت انثى و ليست مجرد طفلة، هل غاب كثيرا، نظر بلهفه لاصابع يدها ليجدها فارغة لترتاح نظرته، و إلتقطت هي نظرته لتشبك اصابع يدها مع بعضهما في توتر واضح و هي تجلس جوار والدتها التي قالت بترحيب
- انرتنا يا ضياء، و انتِ ايضا يا صغيرة
ليبتسم لها بوقار و يعيد نظراته لونس
- كيف حالك يا ونس
و تلكأ في حروف اسمها و كأنما يتذوقها لتجيبه بعينان واثقتان
- بخير يا ضياء، و انت كيف حالك طوال تلك السنوات
ما بالها لا تخجل هكذا، عاتبتها امها بنظراتها ليرد قائلا و عيناه تزداد غموضا و تتعمق في عيناها
- سافرت
خفق قلبها
- و تزوجت
توقف قلبها
- و رزقت بـ ونس
خفق قلبها
- و ماتت زوجتي
توقف قلبها لينبض بعدها بعنف و مع كل دقه كانت ملامح وجهها تختلف
تلك الانفعالات كثيرة على قلبها، و كأنما يضربها احدهم و يحتضنها في آن واحد، لتنظر للصغيرة، كيف لم تلاحظ منذ دخولها تشابه العينان في اللون و ليس النظرة
رمشت بعيناها لعده مرات كي لا تبكي و هي تنظر للصغيرة التي انشغلت بأكل قطعة شوكولاه بينما انشغل هو في سبر اغوار عيناها و امها تخبره
- مبارك يا حبيبي، اسميت الصغيرة ونس
- ‏نعم، لم اجد افضل منه
قالها و عيناه تتحركان في اتجاهها لتقف سريعا في الوقت الذي سقطعت قطعة الشوكولاه على ملابس صغيرتها فأخبرتها امها
- خذيها لتنظفي لها ملابسها يا ونس
تقدمت بخطواتها حتى وقفت امامه لتلتقط منه الصغيرة، فلامست اصابعه يدها بعفوية او هكذا ظنت
ارتجف قلبها بجنون و هي تحمل الصغيرة، الان هي تحمل قطعة من ضياء، يكفي انها منه
وقفت امام الحوض لتغسل يد الصغيرة بالصابون و هي تحتضنها من الخلف، فأغمضت عيناها و هي تشم رائحته التي تعلقت بصغيرته، و انتشلها من سحر اللحظة ضحكات الصغيرة التي تلعب بفقاعات الصابون، فتشاركها الضحك و هي تسألها
- ما اسمك
- ‏ونس
اجابتها الصغيرة بصوتها الرقيق، رقيق لدرجة تدفعك للبكاء، غسلت لها يدها و ملابسها بمشاعر متفرقة حتى وجدته يطل من باب الحمام و هي تجفف لها يدها ليعلن قلبها العصيان و صدرها يعلو و يهبط و هي تستمع لصوته
- عذبتك ونس
- ‏لا ابدا، انا احب الاطفال
قالتها سريعا و هي تتطلع للمكان الفارغ جوار الباب لتعبر منه، فأفسح لها المكان و هو يناظرها
- اريد رؤيه جدك
اومأت برأسها و هي تتقدمه ليسير خلفها و في يده الصغيرة
وقفت امام غرفة جدها لتدق بابها حتى سمعت صوته يأذن لها بالدخول
- جدي معي ضيف
تقدم ضياء من سريره بينما ابتسم و هو يفهم مغزى كلمة " ضيف" فصغيرته الكبيرة تعاقبه
- كل عام و انت بخير يا طيب
- ‏ضياء، هذا انت يا ضياء
قالها جدها بلهفه دمعت لها عيناها، ليقترب منه ضياء مقبلا رأسه بوقار
- نعم انه انا، كيف حالك
- ‏بخير يا ولدي تفضل
و افسح له مكانا بجواره على السرير ليسأله عن ما حدث له في تلك الفترة ليجيبه مختلسا النظر للواقفه امامه
- حمدا لله انا بخير، ذهبت منذ عشرة اعوام بعد وفاة امي لاحدى الدول العربية، عملت هناك و تزوجت إمرأه من تلك البلد
و ناظرها بينما تحاشت هي النظر، فتطلعت في الفراغ امامها
- و لم يعد لي احد هنا لذلك لم اعد سوى بعد وفاتها بفترة
ليقاطعه جدها بحزم
- و اين نحن؟
- ‏ليطل الله بعمرك يا جدي و لكن خشيت ان اثقل عليكم و كان علىّ ان ارى مستقبلي و اعتمد على نفسي، كونت مبلغا من المال و رزقني الله بونس الصغيرة
و إلتفت حوله فلم يجدها لتلتف هي ايضا و لكنها لم تكن بالغرفة و بينما كانت تخرج ونس للبحث عنها خارج الغرفة، كانت الصغيرة تدخلها و بين يديها احدى عرائسها ليشحب وجهها و تتجمد امامه و لم تجد القدرة على رفع عيناها لوجهه
- ابي، انظر
و اشارت للعروس التي تحتضنها لتضيف
- هناك الكثير منها هناك
و اشارت على غرفة ونس، فإلتقط والدها العروس من بين يداها قائلا بجديه
- لا يصح ما فعلتيه يا ونس، هيا اعتذري
دمعتا عينا الصغيرة و هي تذهب لونس فإرتجف قلبها تأثرا لتجلس القرفصاء امامها قائلة
- هذه العروس هدية لكِ، لا تعتذري، و اعتني بها جيدا
و قبلتها على وجنتها الممتلئة، فذهبت الصغيرة لوالدها و هي تأخذ العروس قائلة بتحفز
- هي تود ان اخذها، أليس كذلك؟
اومأت لها ونس، لتسمع ضحكات ضياء التي انطلقت فإختلج قلبها لسماع ضحكاته و شاركه ايضا جدها الذي قال
- ليس التشابه بالاسم فقط
- ‏نعم، انهما متشابهتان
ليحمر وجهها خجلا و هي تتلعثم بكلمات مرتبكة و عقلها يردد
ضياء هنا، و لكن مع ابنته.

" " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " " "

بعدما رحل مع ابنته علمت من جدها انه استأجر بيتا قريبا منهم، فلم يعد له احد هنا سواهم بعدما باع بيته، هم اقرباء و لكن بدرجة بعيدة، و ام ضياء صديقه امها، و حالما ماتت انقطعت السبل بينهم، فدخل ضياء في نوبة اكتئاب و عندما تعافى قليلا سافر للخارج و انقطعت اخباره عنهم، و اليوم عاد ليبقى قريبا، و سمى ابنته ونس، ابنته
ضياء تزوج
من كانت تحلم بقربه.. تزوج
و معه فتاة هادئة، و جميلة
أكانت زوجته جميلة مثلها، لقد ماتت منذ عامين و جاء هو هنا منذ اسبوع ليستقر في بلده
جاء ليزعزع ثبات كل شئ حولها، جاء بعد عشر سنوات لم تنساه خلالهم، إلتحقت بكلية الهندسة من اجله، من اجل ان يبقى بينهما رابط
عاد ضياء..

____

- اخيرا، سنلتحق بهذا الصرح العظيم
- ‏انه مجرد تدريب يا شهد
- و لكنني متفائلة، يمكننا بعد الانتهاء ان اثبتنا كفاءتنا ان نعمل في احدى الوظائف، و حتى ان كانت تقديم القهوة
اخذت تضحك ونس على ملامحها المبهورة، لتتطلع هي ايضا حولها، هي لن تنكر، هذه الشركة فخمة و كأنها قطعة لا تنتمي لباقي الارض، البشر بها متأنقون بشكل مغيظ، لقد نظرت لمكان حذائها عشر مرات لانها تخاف ان يترك اثرا على هذه الارض الملساء
وصلتا لاحدى القاعات المفتوحة لتدخلا و هما تبحثان عن مكان فارغ ليجلسا فتبادرها شهد بالقول
- انا متفائلة، انه مكان رائع
- ‏نعم، انه جميل
و صمت الجميع عندما شاهدوا احدهم يدخل
ابتلعت هي ريقها بصعوبة و زاغت عيناها و هي تميزه من خلف نظارته الشمسية التي خلعها فور دخوله
فكان هو " ضياء"

" نهاية الفصل الاول "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي