ثقة

lamisLamis`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-05-28ضع على الرف
  • 64.3K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

في وسط ازدحام المدينة الكبيرة التي لايعرف جيرانها عن بعضهم سوى الأسماء و ذلك بسبب انشغال كل بيت بهموم و مشاكل متعددة و مختلفة على عكس عيشة القرية
اختار ابو أيهم أن يعيش هو و زوجته المريضة في المدينة التي كانت تتلقى العلاج فيها ، فقد بات السفر يحمل لها مشقة كبيرة مع تتطور المرض.

أم أيهم لديها مرض عضال منذ مدةٍ بعيدة و هي تتلقى العلاج ولكنها لم تشفى منه

لقد تزوجت من أبا ايهم بعد قصة حب طويلة ، و أنجبا طفلين هما أيهم و سالي
كانا أجمل هدية من الخالق بالنسبة لهما .
و في ليلةٍ سوداء كالحة تعبت فيها أم أيهم و أدركت أنها النهاية
أم أيهم تفقد التوازن : آه .. آه ..
تمسك بمقبض الباب وتقع على الأرض بقوة
أبو أيهم يركض نحوها مسرعاً و يشعر بأن قلبه سقط و وقع بين أقدامه ..

ـ ماذا حدث يا عزيزتي ، مابك ؟ !


أم أيهم : لا أعلم أشعر بدوار في رأسي
وقلبي يخفق بشدة ، أشعر به و كأنه يريد أن يخرج من صدري آه .. آه ..

يحملها إلى السرير ويعود ليتصل بالطبيب
يمسك الهاتف و يداه ترتجف بشدة ، يطلب الرقم بصعوبة و يقول بصوت مرتجف : ألو .. دكتور مروان أرجوك تعال بسرعة زوجتي في خطر

الطبيب : حسناً أنا قادم بسرعة .

أم أيهم تنظر إلى أرجاء الغرفة و تشعر بضيق شديد وكأنما هنالك أحد ينظر إليها من الأعلى.

يعود أبو أيهم نحوها مسرعاً و بيده كأس من الماء

أبو أيهم : اشربي الماء ياعزيزتي و يعطيها حبة الدواء

لا تستطيع ابتلاعها و جسدها يرتجف وينتفض .


أبو أيهم : لا تقلقي يا عزيزتي ، لقد تحدثت مع الطبيب و
هو قادم بسرعة


أم أيهم : عزيزي لا وقت للطبيب ، اسمعني ارجوك
تعال و اجلس بجانبي..

جلس أبو أيهم بجانب أم أيهم وهو يرتعش من الخوف عليها

أم أيهم : أشعر أنها النهاية يا أبا أيهم .

أبو أيهم : لاتقولي ذلك يا عزيزتي ستكونين بخير اطمأني

أم أيهم : أرجوك اسمعني و لا تقاطعني

لقد عشت معك أجمل سنين عمري ، تزوجت بك و أنا طفلة في الثامنة عشر من عمري احتضنتني و علمتني و عطفت علي و عوضتني عن أمي و أبي و أخوتي ،
تحملتني في مرضي و في ضعفي و أعنتني على تربية اولادي و الاهتمام بهم .
و كنت تتغافل عن أي تقصير مني تجاهك و تجاه المنزل

أنت أفضل زوج و أرق أب رأتهُ عيني ، لن أوصيك بأولادي
فأنا اعرف مدى حنيتك ورقة قلبك عليهم ،
ولكن أريد منك أن تسامحني على كل تقصير بدر مني
لقد تعبت كثيراً من أجلي في الفترة الأخيرة
شكراً لك يا عزيزي .....

صمتت أم أيهم عن الكلام و بقيت تنظر إلى الأعلى ، ولكن بدون أن ترمش بعينيها ! لقد كانت هذه النهاية حقاً..!!

انفجر أبو أيهم بالبكاء كان كالمجنون يحضنها تارةً ويضرب على وجهه تارةً أخرى ، فقد كانت زوجتهُ حبيبة و صديقة و معينةً لهُ
بالمختصر كانت كل حياته !!
هلع الاولاد على صوت أبيهم و بدأوا بالبكاء
لا يا امي ... !!
لاتتركينا و حيدين في هذا البلد الغريب
لا يا أمي لااااا
لقد خلق الوداع للغرباء... و ليس للأحبة
أكره مراسيم الوداع ، الذين نحبهم لا نستطيع أن نودعهم !!

ازداد صراخ أبا أيهم لما سمع نحيب أولاده

نعم إنه الفراق أبشع شعور يمكن أن يعيشه المرء

كنّا معاً دائماّ نتقاسم الأفراح و الأحزان ، كنّا دائماً نحاول أن نسرق من أيّامنا لحظاتٍ جميلة ، نحاول أن تكون هذه الّلحظات طويلة ، نحاول أن نحقّق سعادةً و حبّاً دائمين ، حاولنا دائماً أن نبقى معاً لآخر العمر ، لكن لم يخطر ببالنا أنّ الّلقاء لا يدوم ، و أنّ القضاء والقدر هو سيّد الموقف ، وأنّه ليس بيدنا حيلة أمام تصاريف القدر وتقلّباته ..

رحمك الله يا أم أيهم و أسكنك فسيح جناته..

حمل أبا أيهم جثمان زوجته و أخذ أولاده و ذهب إلى قريته
يجب أن تدفن هناك في بلدة أهلها و بين أحبابها
ألا تكفيها سنين الغربة عنهم ! !

مضت أيام العزاء بكل صعوبتها
كانو ينهارون بالبكاء تارةً و يتجملون بالصبر تارةً أخرى

ولكن يجب عليهم العودة إلى حياتهم
فالحي أبقى من الميت ، و كان أهل القرية يواسون أبا أيهم و يقولون له :
هذه سنة الحياة ، و هذا كأس سيشرب منه الجميع ،
كلٌ في ميعاده
وأنت يجب أن تكون قوياً ، وتعود لحياتك
من أجل اولادك ، فهم وصية المرحومة !

عاد أبو أيهم لعمله في المدينة و لكنه ترك قلبه في قبر زوجته
إنه إنسان وفي ، قليل من يشبهه في هذا الوقت

عاش أبو أيهم مع أولاده و كرس كل حياته من أجلهم لم يكن لديهم أقارب و لا معارف في تلك المدينة الكبيرة
كان الأولاد يذهبون إلى المدرسة بنفس الوقت الذي يذهب فيه أباهم للعمل ، و يعودون في نفس موعد عودته كان ذلك يسهل عليه الأمور قليلاً ..

مرت السنين و تخرج الأولاد من الجامعة و بدأوا بالعمل بشهاداتهم

كان ابو ايهم فخوراً باولاده جداً
فخور لأنه حقق أمنية زوجته المتوفية
و لم يذهب تعبه أمام أولاده في كل هذه السنين سداً

و من ثم تزوج أيهم وتزوجت سالي ،كانو سعيدين بذلك الزواج وهذا جعل أبا أيهم يشعر بالسعادة
ويتمنى لو عاشت أم أيهم لترى هذه اللحظة


و بعد مرور فترة قصيرة توفي أبو أيهم بسبب سكتة دماغية مفاجأة
لم يخرج أيهم و سالي من فاجعة فقدان أبيهم بسهولة فقد كان كل شيء بالنسبة لهم
ولكن هذهِ حال الدنيا ف كل من عليها فانٍ

ازداد ترابط الأخين ببعضهم أكثر

أيهم يكلم أخته سالي وعيناه تبرق حناناً عليها : أختي أريدك أن تأتي للعيش معي في منزل أبي

سالي تنظر في عيون أخيها و عيناها تبرق أيضاً و تقول :

ماذا تقول يا أيهم أنا لا أستطيع ترك زوجي و أولادي

أيهم :ولماذا تتركيهم سيأتون معك أيضاً ،المنزل كبير سأترك لك الطابق السفلي بكامله

أرجوك يا سالي فأنا لم يبقى لي سواك !

سالي : أخشى أن تنزعج زوجتك من وجودي يا أيهم و تتقيد حريتها

أيهم :هذا حقك ! ! و أنا كلمتها في هذا الموضوع و هي موافقة ، هي تحبك كثيراً !

سالي : حسناً سأخبر زوجي .

سالي في بيتها بعد العشاء تقدم فنجاناً من الشاي لزوجها وتقول : عزيزي لقد اقترح علي أخي اليوم الذهاب للعيش معه في منزل أبي المرحوم ، رحمة الله عليه

زوج سالي يأخذ الشاي من يدها ويقول : رحمة الله عليه ، و لماذا تتركيني و تذهبي ؟ !

سالي لن أتركك ! سوف نذهب جميعاً هذا ما يريده أخي

زوج سالي : لا أنا لست موافق .

سالي : و لما لا ؟ سوف نتسلى مع بعضنا !

زوج سالي : هكذا سوف تقيدين حريتي و حرية زوجة أخيك

سالي : لا تقلق ! أخي سيعطينا الطابق السفلي بكامله
و هذه حصتي من الميراث ،
و أنا لا أريد أن ابتعد عن أخي ، و لا أعرف أحد في هذه المدينة الكبيرة غير زوجته

زوج سالي : حسناً كما تشائين .


وافق زوج سالي على فكرة أيهم و قدموا مع اطفالهم للعيش ببيت أبيها المرحم و كان كل شيء يدور على ما يرام حتى أصيبت سالي بزكام شديد طرحها في الفراش لمدة إسبوع.

كانت زوجة أخيها تنزل إليها لتنفيذ طلباتها هي و أولادها في وقت مرضها

كانت فتاة في منتصف العشرين شديدة البياض ذات شعر أسود طويل وعينين خضراوتين ،
تأسر القلوب و تشد الناظرين .

و في كل يوم و بنفس الموعد الذي تكون فيه في منزل سالي
يكون زوجها قد عاد إلى البيت من عمله منهكاً ومتعباً
تدخل زوجة أيهم على سالي و تقول :

كيف حالك اليوم يا سالي ؟

سالي ترفع نفسها بصعوبةعلى الكنبة : أشعر بتعب شديد في جسمي ، هل ذهب الأولاد إلى المدرسة ؟

زوجة أيهم : نعم ذهبوا لاتقلقي ! اشربي هذا العصير و ستكونين بخير إن شاء الله !

سالي :لا أريد ! لا أعلم لماذا أشعر بالنعاس عندما أشربه

زوجة أيهم : ههههه لاتكوني كالأطفال هذا من تأثير المسكن هيا اشربي العصير كي تتحسني بشكل أسرع

سالي : حسناً سأشربه .

و بعد وقت قليل وصل زوج سالي من عمله ،
لتستقبله زوجة أيهم و هي في كامل أناقتها و جمالها و رائحتها العطرة

كانت تتعمد الظهور أمامه بمظهر أنثوي كما كانت تتعمد إظهار مفاتنها و هي تقدم له الطعام

بالرغم من كل ذلك كان زوج سالي يتجنب النظر إليها
كان رجلاً خلوقاً مخلصاً لا يسعى لدمار منزله
و في اليوم التالي و بعد مجيء زوجة أيهم لبيت سالي و بعد أن حضرت لها الطعام و العصير و أرسلت أولادها للمدرسة ، جلست بجانب سالي تنظر إلى الساعة باستمرار .

سالي تنظر لزوجة أخيها وتقول : أنا مدينة لكِ ، لقد أتعبتكِ معي

زوجة أيهم :لا تقولي ذلك أنتي بمثابة أختي

سالي : حسناً أريدك أن تجلبِ لي كوباً من الماء ريثما أشرب العصير

زوجة أيهم : حسناً أنا بأمرك

سالي تتكلم في عقلها : لن أشرب هذا العصير اللعين ، أشعر أنه من يجعلني أنام ، سوف أسكبه على النبتة وأتظاهر أنني شربته .

وفعلت ذلك قبل قدوم زوجة أخيها

زوجة أيهم : تفضلي الماء ، هل شربتي العصير كله ؟!

سالي :نعم شربته .

زوجة أيهم : إذاً ارتاحي قليلاً و حاولي أن تنامي و أنا سأبدأ بتنظيف المنزل
بدأت سالي تتظاهر بأنها تغرق في النوم بينما هي تراقب زوجة أخيها بحذر .
صوت الباب ! بدأت زوجة أيهم بترتيب نفسها وركضت إلى الباب لتفتحه ، إنه موعد قدوم زوج سالي

زوج سالي :مرحباً

زوجة أيهم : أهلاً بك أعطني ذلك المعطف .
تأخذ المعطف من يد زوج سالي وتحاول أن تجعل يدها تلامس يده و تقول : سأبدأ بتحضير الطعام لك

زوج سالي ينظر لها بتعجب واستفهام و يقول : حسن نظماً ، شكراً لك ؟!

ألقى نظرة على سالي و قال : أشعر أنها تنام كثيراً في هذه الفترة !

زوجة أيهم : لاعليك ستكون بخير .

وضعت الطعام أمامه وجلست

أخذت لقمة صغيرة و قالت له ما رأيك أن أطعمك اليوم بيدي

(سالي تسمع وتراقب بحذر)

زوج سالي لزوجة أيهم : مابك ؟! لماذا تتصرفين هكذا ؟! هل جننتي ؟!
هنالك حدود يجب أن تقفي عندها .

زوجة أيهم و هي تصرخ : مابك أنت ؟! لماذا لاتفهم علي ؟! أنا أحبك ! !

زوج سالي : أخفضي صوتك سوف تسمعك سالي ! !

زوجة أيهم تبتسم ابتسامه شريرة وتقول : لا تخف لن تستيقظ قبل العشاء
فهي تحت تأثير المنوم.

زوج سالي : ماذا تقولين ؟ !

زوجة أيهم :نعم انا من اعطيها ذلك الدواء حتى اتمكن من القدوم لرؤيتك

يجب أن تطيعني انظر إلى جمالي سيكون لك وحدك
تطلق سالي ! و أنا أترك أيهم و نسرقهم و نعيش سوياً يا حبيبي

زوج سالي : أنتي شيطان شيطان اخرجي من منزلي حالاً

سالي : لقد سمعت ورأيت كل شىء ! !

أنا لا أصدق ؟! لماذا تفعلين ذلك يا زوجة أخي
و أنا التي أعتبركِ اختاً لي ، و أخي المسكين الذي يفني عمره ليقدم لك كل ما تحتاجينه
أهكذا يكون جزاء المعروف؟ !
أنتي حقاً شيطان و أخي يجب أن يعلم بكل ما تفعلينه.

في هذه اللحظة أخذت زوجة أيهم السكين من على الطاولة و ضربت سالي و هي تقول : أكرهك يا سالي أكرهك !
لأنك أفضل مني
أنت متعلمة و موظفة
و أنا جاهلة أقضي يومي في المسح و التنظيف
أباك ترك لك بيتاً و أموالاً
و أبي كان يجعلني أنام و أنا جائعة
لديك زوج يحبك و يدللك
و أنا زوجي قلبه معلق بك !
لست أفضل منك سوا بهذا الجمال الذي لا أستفيد منه بشىء
و بدأت بالبكاء و الضحك في آنٍ معاً..

سمع الجيران أصواتهم و طلبوا الشرطة و الإسعاف
دخلت سالي العناية المركزة و نقل اليها الكثير من الدماء لتعوض النزف الذي حصل.

لقد نجت سالي من تلك الطعنة ولكنها باتت تشك في أقرب الناس لها وفقدت ثقتها بالجميع ..

بدأ أيهم يعيش نفس الحياة التي عاشها والده مع اولاده
بعد ان طلق زوجته
و حكمت عليها المحكمة بأن تعالج نفسياً ، ثم تعود للسجن لتكمل حكمها .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي