الفصل الثالث

الفصل الثالث3
نستعين علي نسيان البعض بالعمل والانغماس في حيواتنا. لعلنا نستطيع تجاوز الكثير والكثير من الألم الذي نظن أننا قد خرجنا من قوقعته. ما أن نفتأ أن نستشعر مرارة الحزن الذي مزق قلوبنا. بعض الحب يعبرنا والبعض الآخر نعبر لنصل غليه. فقد كان الحب واقعاً أجبارياً علي قلوبنا.
ذهبت سهيلة ترسم في لوحاتها علي موسيقي موزارت فإنها تهوي العمل ليلاً مستمتعة بالهدوء من حولها .أرهقها ذلك كثيراً فهاتفت نيرة التي لم تجيبها علي الهاتف فعلمت سهيلة أنها تحاكم على يد والدتها ويجري عليها القصاص العادل .
في منزل نيرة تتشاجر مع والدتها من خلف باب حجرتها فوالدتها ترفع عليها الحذاء لتاخرها في العودة استمر هذا الوضع حتي جاء والدها ناهيا حالة الاستنفار الأمني بين نيرة والدتها فعنف نيرة بشدة علي تأخيرها. لم تسلم والدتها فعنفها بشدة علي قسوتها الزائدة عليها في كل شيء فإنه يعلم سبب هذه القسوة هو خوفها أن تنحرف أو شيء ما شابه لذلك.
رأت نيرة اتصالات سهيلة إلا أن حديث والدها أشعرها بالألم الشديد فقضت ليلتها تبكي من حديثه فلم ترسم شيء كذلك لم تفرح بحديثها مع سليم .
في الصباح هاتف سهيلة تخبرها بأنها لن تذهب ترسم بالمنزل لان والدها قد حرم عليها الخروج هذه الفترة وأنها لا تملك من الأمر شيء احزنها حديث نيرة في الصباح فإنها لا تملك أن تفعل لها شيء إلا أنها طلبت منها أن تستمر في الرسم أنها سوف تنهي ما تبقي من أعمال بالمعرض لحين أن تنتهي أزمتها بالمنزل.
أخذت تمارس سهيلة تمارينها الرياضية والملاكمة التي عشقتها من والدها فإنها تعلمتها كي تمارسها مع والدها فكانت كثيراً ما انتصرت عليه وكثيراً ما هزمها هو ظلت محافظة علي تلك الهواية لأجله هو فهي تحبه كثيرا أنه يعني لها كل شيء .
أنهت تمارينها فلم تتناول طعام بالصباح فإنها لا تحب وجبه الإفطار نهائياً أعدت قهوتها المميزة جلست تحتسيها مفكرة في فكرة جديدة لرسم اللوحات الفنية تجعل لها بصمتها المميزة .
في منزل نيرة مازالت تشب مستنكرة علي ما حدث أعدت الشاي المميز الذي يحبه والدها وجلست بجواره تقول بحرص شديد مدققة في كل حرف : " بابا أنا كبرت وبشتغل مع سهيلة في المعرض مافيش داعي للخوف أتحمل مسئوليه نفسي كاملة ."
والدها:" عارف كل دا بس أحنا مش لوحدنا في العالم وكمان ألأهم أننا في حي شعبي والناس تفكيرها غلط عن البنات لما تتأخر برا البيت؟"
نيرة: " أنا غلطت عشان اتأخرت بس دا شغلي ."
والدها:"لا للكلام في دا يا نيرة."
نهضت نيرة ترسم علي وجهها علامات التعجب الحزينة نادي عليها والدها فابتسمت نصف ابتسامة تقول:"نعم يا بابا انا راضية بكل كلامكِ"
والدها:" وأنا مايرضنيش ان يتعطل عملكِ بسببي مسموح لكِ حتي الساعة السادسة"
نيرة:" طيب ."
والدها:" فين الأبتسامة الحلوة اللي بابا بيحبها."
ابتسمت نيرة ناظرة إليه :" بابا عايزة منكِ رد صريح حقيقي ."
والدها:" علي ايه ؟"
نيرة:" هي الست اللي بقولها ياماما هي ماما ولا لا؟"
ابتسم والدها:" هما قالوا أنها امكِ يبقي امكِ..أمشي من هنا لتقتلكِ."
نهضت نيرة ذاهبة فاستدارت إلي والدها تقول:" أنتَ أحاتم بابا في العالم."
والدها:" يلا علي المعرض."
سمعت والدتها فجاءت تنظر إليه قائلة:" موافق علي خروجها ؟"
والدها:" هي بتشتغل أنا واثق فيها جدااا ."
هاتفت سهيلة تخبرها أن تستعد ليلتقيا في المعرض خرجت سهيلة تستعد للذهاب لهناك لشراء اللوحات والالوان الزيتية والفرش مختلفة الأحجام والأشكال ذاهبة بعدها للمعرض وجدت نيرة هناك فقالت :"تأخرت يا سهيلة."
سهيلة:"اشتريت اللوحات والألوان وكل ما يتعلق بالرسم."
نيرة:" يلا بسرعة عشان مش مسموح لي بالتأخير ."
سهيلة يلا نخرج اللوحات من السيارة."
نيرة:" يلا."
استعدت كلاهما للرسم فأردفت نيرة تقول:" أيه رايكِ في سليم؟"
سهيلة:" ماليش دعوة بس ماتثقيش فيه ."
نيرة:"أنا بحبه وهو كمان ."
سهيلة:" مش عارفة بس خليكِ حريصة برضو الحرص لازم خاصة انتِ متعرفيهوش كويس ."
نيرة:" صدقتيني ان بحبه."
سهيلة:" اقولكِ قوليله أنك رافضة كل اللي قاله وشوفي رد فعله"
نيرة:" أكيد هيمشي ويسبني ."
سهيلة:" يبقي مابيحبكيش ."
نيرة:" أديله فرصة الأول.؟"
سهيلة:" كدا هيبان هل شخص جاد ولا جاد هيرجع مرة واثنين وثلاثة."
نيرة:" دا من منطلق أن أحببت شيء بشدة فأطلق صراحه فإن عاد إليك فهو ملكك وأن لم يعد فهو لم يكن لك من الأساس ."
ابتسمت سهيلة تقول:" أيوة بالظبط ."
نيرة:" الجملة دي غلط كلها فإن أحببت شيء بشدة فأمسك به بشدة ولا تطلق سراحه فإن ذهب لن يعود إليك كما كان ابدأ."
سهيلة:" يمكن .بس مش عجباني تمسك به بشدة."
نيرة:" مافيش مانع أعمل كدا .....بس لو رجع."
سهيلة:" يبقي بيحبكِ."
نيرة طيب أنا همشي قبل ستة ."
سهيلة:"وأنا كمان."
خرجت سهيلة عائدة إلي منزلها ونيرة أيضاً قبل أن تتأخر فرات والدها جالس بانتظارها فإنها صدقت في حديثها معه فنظر إلي والدتها يقول:" أناقولتلكِ أنا واثق فيها."
والدتها: "وأنا بس خائفة عليها ."
دلفت سهيلة إلي منزلها هاتفها يدق فأجبته قائلة:"انكَ دقيق جداً في أوقات اتصالكَ ."
أنه نفسه المتصل مجهول الهوية يستمتع بصوت أنفاسها الملتهبة صعوداً وهبوطاً عبر الهاتف لا يجرؤ علي التحدث معها ومحادثتها أقصي طموحه هو أن يسمع صوتها الذي عشقه .
هاتف سليم نيرة ليعلم جوابها عما قاله لها ورفضت كما أخبرتها سهيلة وأنه طلب منه أن يراها فقالت :" سبني أفكر."
أخبرت سهيلة فقالت لها :" قوليه يجيي المعرض."
نيرة: " طيب."
هاتفت سليم أن يأتي إلي المعرض لرؤيتها فهي لا تذهب مع أحد لا تعرفه إلي أي مكان .
وافق سليم علي ذلك أخبرها أنه سيأتي غداً للمعرض ليراها ويتحدث معها أخبرت سهيلة بذلك قالت لها :" حافظي علي هدوئكِ قدامه."
نيرة بصوت أنثوي رقيق :" هحاول ."
أغلقت سهيلة الهاتف ترسم بعدها فباغتها ذاك المجهول الذي أدمن صوتها أنفاسها الملتهبة انفعالاتها الدائمة إجابته أخذت شهيقها ضيق من كل هذه المهاتفات من أرقام مجهولة جميعها يحمل نفس صوت الرجل ذاته التي اعتادت عليه هي لم تهتم لمثل هذه الأمور اعتبرته رجل أخرق يداعبها عن كثب فكل يوم يهاتفها من رقم هاتف مختلف تارة يظهر اسم سليم، رجب ، خلدون، محمد وبدر ...........
ذهبت سهيلة ونيرة للمعرض للعمل به وجدت سليم بانتظارهما همست سهيلة لصديقتها :" أعتقد انه مانمش من أمبارح."
سليم: " عايز أتكلم معكِ يانيرة."
سهيلة:" طيب ندخل بس الأول."
دلفت معهم سهيلة للداخل ثم قالت لنيرة: "سليم تشرب ايه؟"
سليم باضطراب وهو يمرر يده أسفل ذقنه:" ولا حاجة ."
سهيلة :"لا لازم تشرب حاجة."
سليم:" قهوة."
سهيلة:"نيرة هاتِ قهوة ."
نيرة: " حاضر."
نظرت له سهيلة تقول:" عايز ايه من نيرة؟"
سليم:" وأنتِ دخلكِ ايه أنتِ؟"
سهيلة:" هي صديقتي و أخت لي."
سليم:" أنا بحب نيرة."
سهيلة:" ها وبعد كدا؟"
سليم:" سأتزوجها ."
سهيلة:" طيب أحترم صراحتكِ بس لو طلعت بتكدب مش هرحمكَ ."
جاءت حينها نيرة تحمل القهوة فنهضت سهيلة تركتهما ممسكة بقهوتها الساخنة ترتشف فيها أخذت نيرة تتحدث مع سليم ثم طلبت من سهيلة أن تأتي حضرت سهيلة فنظر إليها سليم وهو يقول:"سهيلة عايز أتقدم لخطبة نيرة."
سهيلة:" وانا مالي أنا؟"
نيرة: " طيب يبقي بعد المعرض."
سليم:" وأنا أقول لأهلي ."
سهيلة:" مبروك ."
انصرف سليم يحلق في الهواء من السعادة فقد تبادل رقم هاتفه مع نيرة كي يسهل عليه حديثها بشكل رسمي ذلك لحين قرب انتهاء المعرض والتقدم لخطبتها سعدت سهيلة بذلك فقد خشيت أن يكون سليم يعبث بصديقتها .
فما أن خرج سليم أخذت تتابعه نيرة ببصرها حتي عادت تصرخ فرحة في وجه سهيلة تحتضنها بشدة فرحة بما حدث فقد نجحت خطة سهيلة في معرفة نوايا سليم أخذت نيرة تقول:" سليم موظف تصوير في أحدي الجرائد القومية ."
سهيلة : " بيحبكِ ."
نيرة: " خائفة ماأنجحش في حياتي معاه."
سهيلة:" ليه نستبق الأحداث يانيرة."
نيرة:" هحاول ."
سهيلة: "أهم حاجة هو نجاح المعرض ."
نيرة:" يلا للعمل ."
سهيلة :"قبل أن نتأخر ."
نيرة:" طيب. برضو عشان أترحم من أسطوانات ماما شوية."
خرجت سهيلة إلي منزلها فوجدت هناك اجتماع به من أمها التي جمعت أقاربها علي رأسهم خالها وزوجته والضابط حاتم يتناولون الطعام في منزلنا شبه احتلال صغير لطاولة الطعام.
نظرت لي أمي تقول:" تعالي هنا."
ابتسمت ابتسامة غاضبة محاولة إخفاء ما بداخلي عنهم : " طيب حاضر لحظة بس."
وضعت حقيبتي أنظر في المرآة وأقول: " ماما خلدونها ماهتبطل تصرفاتها دي ابدأ بس ماشي ولا يهمني."
خرجت لهم جالسة معهم علي طاولة الطعام فجاءت جلستي في الجهة المقابلة لحاتم فأخذت أتناول الطعام وخالي يجذبني بأطراف الحديث وأمازحه فهو بمثابة أبي كذلك زوجته التي لا أعرف سبب واحد لموقفها العدائي تجاهي ربما لعلمها أن حاتم يحبني لا أعرف.....
نظرت لي تجوب في ملابسي بسخرية: "بنات اليومين دول مايعرفوش يعملوا حاجة خالص"
نظرت لها فهي تسوق الحديث إلي فأنا من هذا النوع من البشر الذي لا يستطيع الصمت ابتسمت لها كي أزيد غضبها:" معلش اصل أحنا ماجناش من قديم الأزل زيكِ ."
تبدلت تعبيرات وجهها انعقد حاجبيها في منطقة ما بين عينيها رافعة حاجبها الأيسر تقول:" تقصدي ايه؟"
سهيلة:"نفس اللي أنتِ قصدتيه من كلامكِ."
نظرت أمي تقول مشيرة إلي نظراتها إلا امتد معها في ذلك سهيلة بس."
غضبت حينها فنهضت من طاولة الطعام فاستوقفني صوت حاتم يقول:"سهيلة عايز أتكلم معاكِ."
ابتسمت سهيلة موافقة عي طلبه فهي تعرف ما يريد أن يحدثها به إلا أنه هو من لا يعرفها جيداً فحبه لها أعماه أن يري أنها لا تحبه بل لا تشعر تجاهه بشيء لا تشعر به من الأساس.
جلست سهيلة جلس هو الآخر بالجهة المقابلة لها عادت بظهرها لتستريح علي ظهر المقعد أما عنه جلس علي حافة المقعد الأمامية ناظراً بالأسفل يضع يديه علي فخذيه فاردف يقول: "سهيلة أنا أنا....."
نظرت له فحين التقت عيناهما انحني بنظره لا سفل مبتعد عن نظراتها الحادة القوية رغم أنوثتها كل هذا تنتظر أن تسمع منه شيء آخر غير ما كان يعيده علي مسامعها وهو:"سهيلة أنا أنا......"
بدأ يتصبب عرقاً فإنه أبيض اللون أصبح أحمر الوجه من شدة توتره يعبث بأصابعه ، تارة أخري يتخلل شعره بأصابعه كل ذلك وأنا جالسة أمامه أحاول أن اكف وابل من الضحكات المتطايرة بداخلي خوفاً أن أتسبب له في أي حرج وضيق ذلك علي أمل أن يكمل ما شرع في الحديث عنه .
تأملت أنفاسه الملتهبة التي تخرج عنه بسرعة فائقة يفرغ لهيبها علي يدي لأنه يتجه بنظره لا سفل أصادقكم القول بل كنت أحسب له أنفاسه المتصارعة علي الخروج كأنه يقاتل علي الجبهة ليس يجلس أمام فتاة أخذت أقول في نفسي ضاحكة :أعتقد أني وجدت الاختراع الذي أدخل به إلي موسوعة جينيس للأرقام القياسية هو حاتم فهو رجل في عامه السابع والعشرين ضابط شرطة مازال يتصبب عرقاً حين يحادث فتاة نعم إنه اختراع رائع رجل في القران الحادي والعشرين يخجل نعم إنه كائن حقاً يستحق أن تذهب به إلي موسوعة جينيس فأين هذا الفصيل المنقرض.
قطع كل ذلك علي قائلا: "سهيلة أنا أنا....."
عدت لنفس ضحكي الداخلي وأنا أقول في نفسي: "مكسوفة يبيضه."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي