الفصل الرابع

لفصل الرابع4
قد يضيع التردد الكثير من الفرص التي أمامنا. لأنه يدخل في نفوس البعض كم العجز والضعف الذي يكمن في شخصياتنا. لا نستطيع تجاوز الكثير من العيوب الخاصة بالتردد. بعد الكثير من الصمت والتردد الذي لا يمكن يكون الناتج بعد ذلك غير الرفض.
شعر بالارتياب من حالة الصمت التي قد بثها في نفسي منه فأنا بطبيعة امري لا أستطيع ان اجلس صامتة مترقبة كل هذا الوقت أخذت أتحرك علي المقعد يميناً ويساراً، أعبث في خصلات شعري ،تارة أخري بوجهي انتظر أن يقول شيء فانهي ذاك الحوار العقيم من جذوره لكنه ظل جالساً خجولا الم أخبركم أنه لابد له أن يلتحق بموسوعة جنيس رجل ويخجل حقاً اكتشاف ولي السبق في ذلك .
نظرت له وأنا أقول: "حاتم عايز ايه ؟ أخذت أكثر من ساعة وأنت ماتكلمتش."
شرع حاتم في تجفيف أمطار عرقه الشديد الذي علي وجهه رافعاً وجهه إلي فالتقت عيناه بعيني فانخفض هو خجلاً لا سفل وهو يقول: "سهيلة أنا ....."
نظرت له اختنقت من حالة الضجر التي أصبحت عليها منه وأنا أحدث نفسي قائلة: أظن أن كان جميع الضباط كابن خالي حاتم فيمكن أن تزداد معدل الجرائم في مصر بنسبة 100٪ مادام هم علي نفس هذه الشاكلة.
استجمع حاتم شجاعته مجمعاً كلماته الضالة وقال: "سهيلة أنا أحب......."
صمت قليلا ثم عاد يقول :"أنا بحبكِ وعايز اتجوزكِ."
نظرت له أقول في نفسي لقد جاء الغيث لقد تحدث حاتم وقال شيء كنت أظن إنني سأموت قعيدة بهذا المقعد عن أن يتحدث حاتم ويقول ما في داخله .
قولت حينها له :"حاتم من وأحنا صغيرين أنا بعتبركَ أخ وصديق وبس."
حاتم رفع وجهه لم يقول شيء نهض يجلس معهم. نهضت لحجرتي وقفت أمام مرآتها الكبيرة اقلد حاتم في كل ما فعله ضاحكة بشدة حتي أدمعت عيني من شدة الضحك بعدها بكثير جاءت إلي أمي لتعلم ماذا حدث مع يقيني بأن حاتم أخبرها بكل شيء فهو يعتبرها بمثابة امه وهي أيضاً لا تري أفضل منه لي إلا أني في حقيقة الأمر لا أراه هكذا مطلقاً .
جلست علي الفراش ترتل علي مسامعي أناشيد المدح والثناء علي حاتم كيف فقدت جوهرة غالية ،عن شجاعته حين ، رجاحة عقله ،اتزانه ، نضجه ، ثقتها به وما شابه ذلك بكثير .
وأنا أصدق خلفها في كل حديثها أقول:" بجد وأنا اللي ظلمته دا أنا شريرة جامد موت ."
وما أن خرجت أمي فاقدة الأمل في نهائياً فشرعت أقول أقسم إنني لن اطلت الحديث معه قليلاً أظنه كان سيدمع لا بل ربما سيبكي بانتحاب حقاً لا ينقصه شيء لكنه لا يعني لي شيء.
نهضت في الصباح إلي المعرض أنهي ما تبقي من اللوحات هناك استعداداً لافتتاحه وطبعت الدعوات بالأشكال والطريقة التي اخترتها مع نيرة أنهي العاملون بالمكان كل شيء يلزمه من الإضاءة ، أعمال الديكور ، النظافة حتي يكون معد لوضع اللوحات الفنية التي أنهيتها أنا ونيرة تماماً .
شرعت حينها نيرة تستعد إلي خطبتها من سليم بعد أن ذهب لمقابلة والديها والحديث معهما في شأن نيرة أن والدها لم يجبرها علي شيء فإنه وضع الأمر بين دفتي قرارها وافقت نيرة وتم تحديد موعد الخطبة ذلك قبل المعرض بعدة أسابيع شرعت في أن أساعدها في كل شيء فهي رفيقة دربي الوحيدة .
أنهيت كل شيء معها ذلك قبل موعد الخطبة بوقت كافي اشترت هي الذهب الذي اختارته مع سليم ووالدتها تزغرد من خلفها فرحة بها وبهذا اليوم .
شرعت والدتها تعد كل شيء لذلك اليوم كنت معها أهم شيء كنت سعيدة به هو سعادة نيرة الذي أحبت سليم وهو أيضاً رغم أنني لا أطيق سليم أو رؤيته إلا أنني أجبرت علي تحمله هو الآخر لا جل نيرة انطلقت أصوات الأغاني والفرحة من شرفات منزل نيرة لك أن تتخيل الأفراح في الأحياء الشعبية .
نساء الحي بأكمله في منزل نيرة والزغاريد كمجاملات اجتماعية لنيرة ووالدتها التي تدور عليه بالمياه الغازية وهم ينتظرون سليم وعائلته للقدوم يصطفون النساء والرجال بالمنزل من كل حدب وصوب يتوافدون لرؤية نيرة وهي ترتدي فستان وردي اللون نقشت عليه ورود بارزة تغلفه طبقة أخري من الأسفل لتعكس النقوش التي عليه .
بل هو من الأعلى جزء يظهر جسدها من أسفل الثوب وسهيلة بجوارها وما أن توقفت السيارة التي بها عائلة سليم حتي انبرت جميع النساء في صوت واحد تزغرد صعد سليم وعائلته التي يبدو في هيئتهم لا يختلفون كثيراً عن مستوي عائلة نيرة.
قدمت لهم الحلوى والمياه الغازية ثم قدمت والدة نيرة تحمل علبة الذهب ذات اللون الأحمر الداكن علي صنيه مزخرفة وضعت عليها الكثير من قطع الحلوى حول علبة الذهب فأخذها سليم وأخرج منها خاتم الزفاف ليضعه بيد نيرة التي تنحني بنظرها إلي الأسفل في خجل واضعة هي الأخرى خاتم الزفاف في يده .
ووضع القلادة حول جيدها وانبرت النساء في الزغاريد تتنافسن معا في ذلك فما أمهر النساء في البكاء الزغاريد والحديث أخذت سهيلة تتراقص من بينهن حتي انتهت الخطبة ذهب الجميع إلي منازلهم سعدا بنيرة وسليم .
أخذت استعد مع نيرة للمعرض الذي نشرع في افتتاحه قريبًا. نظمت كلاهما كل شيء معا ونيرة سماعة الأذن لا تغادر أذنها فحديثها مع سليم لا ينقطع نهائياً لا أنكر مساعدات سليم لنا في أنه في جمع لنا عدد كبير من الصحفيين والمصورون بحكم عمله بهذا المجال بالإضافة للكثير من الدعوات لأساتذة الجامعات لحضور أول معرض لنا.
جلست سهيلة تكمل الأشياء الأخيرة في لوحاتها فدق الباب فخرجت سهيلة من حجرتها كذلك والدتها تفتح الباب وجدت أمامها مجموعة من الرجال الذين يرتدون جلاليب بلدي فضفاضة وعمامة رأس أما النساء فيرتدون ملابس تخفي كل شيء فيهن....
أخذت سهيلة تجوب فيهم بنظرها هي ووالدتها فقطعت والدتها ذلك. رحبت بهم ودعتهم للدخول وسهيلة لا تفهم شيء مما يحدث فجلست ونظر الجميع لها يتعجبون من ملابسها الضيقة القصيرة وشعرها قدمت لهم والدتها بعض الاشياء لضيافتهم .
نظرت المرأة لسهيلة وكأنها لا تصدق ما تراه من ملابسها، نظراتها المتعجبة منهم، اقتحامهم للمنزل بهذا الشكل فقطعت تلك المرأة هذا وقالت:" ودي بقي سهيلة بتنا."
نظرت سهيلة تحرك رأسها موافقة علي حديثها فأنها بسطت يدها سهيلة لكي تسلم عليها لكنها احتضنتها وضمتها بشدة أن سهيلة لم تعتاد مثل هذه الأشياء فنظرت لها تلك المرأة تقول لها: " انتِ بت اخوي سليم ."
فقالت والدة سهيلة موجهة الحديث لسهيلة :" ايوة دي أخت بابا ياسهيلة."
ابتسمت سهيلة وهي تعلم كم تكن لها تلك المرأة من مشاعر أنها تدعي صفية وحضر معها أخوتها الاثنين محمد ومحمود أخوة والدي رحبت بهم أمي إلا أنهم لم يأتون إلا للتأكد علي سلامتنا لا أكثر فما أعلمه أنهم لا يحبون أمي بل يرونها سبب انفصال والدي عن أخوته بل عائلته بأكملها إلا أنني كنت لا أتذكرهم جيداً فهذه ثاني مرة أراهم فيها اذكر أنني ذهبت مع والدي ذات مرة إليهم حين توفي جدي لا أكثر أما عن ملامحهم شعوري تجاههم بشي لا يوجد أننا أقارب فقط بالأسماء والأملاك حتي هم لم يحاولون التقرب إلينا نهائياً ان هذه الزيارات لتأكيد القرابة لا أكثر وأنهم قاموا بدعوتنا علي عرس ابن عمي محمد الذي سوف يتزوج من ابنته عمه عما قريب فلم يحدد موعد الزواج بعد انصروا عائدين للصعيد.
أظن أن هناك شيء آخر من قدومهم إلينا لا أعرفه ربما بسبب أملاك والدي التي هي بالصعيد وخوفهم أن نتصرف بهذه الأرض دون اللجوء إليهم بحكم أنها أملاكنا فانهم وجهوا لنا أمر مباشر بعدم التصرف في الأرض دون اللجوء إليهم .
انصرفوا عنا لم أتحدث مع والدتي في شيء فهم لا يعنون لي شيء وبالبديهي لن أترك حياة القاهرة لكي اقطن بالصعيد بجوار أرض والدي أخذت أخبر أمي بأمر المعرض وأنه سوف يتم افتتاحه عما قريب أهم شيء هو أن تكون بجواري كي تكتمل سعادتي لكنها دائما ما تقلب الأمور لصالح حاتم فنظرت لي قائلة :" بعتِ دعوات لخالك وحاتم؟"
سهيلة بنبرة حادة:" آه."
الأهم أن المعرض يوم الخامس والعشرين من أبريل المقبل علينا الاستعداد جيدا لذلك اليوم أخبرت نيرة أن تستعد هي الأخرى أنهيت كل شيء ليوم الاحتفال لم يبقي سوي بعض الدعوات أردت أن أعطيها إلي هؤلاء الذين آمنوا بفشلي منذ أن درست في كلية الفنون الجميلة أرسلتها لهم لكي يرون كما أنا فشلت في أن تحقق كل شيء وكم هم لا يعرفون شيء فإنني اعتدت إلا اترك حقي وأن بعد مئة عام سأسعي في أخذه فقط انتظر عدالة القدر.
مضت الأيام سريعاً لكن هذا المتصل مجهول الهوية مازالت كل يوم أنفاسه المتصارعة للخروج منه تطاردني حين أجيب هاتفي فيجيبني بصمته المعتاد فاشتعل غضباً من هذا الصمت واغلق الهاتف المحمول في وجه أنفاسه..
جاء ذلك اليوم الموعود يوم خمسة وعشرين أبريل أقبلت الوفود من كل حدب وصوب علينا أنا ونيرة ، سليم بفريق تصويره الذين يغطون المعرض ، أسرتي ، الأساتذة الجامعيين والكثيرين بيعت الكثير من اللوحات الفنية التي قمنا برسمها لم أكن أتوقع هذا النجاح فوضعت حينها خط منخفض لنجاح أول معرض لي عما حقق هو من نجاح التقطت لنا الكثير من الصور الفوتوغرافية بالمعرض أنا ونيرة وبعض اللوحات الفنية والكثيرين مما توافدوا للشراء سعدت بهذا النجاح المدوي فأنا لا أحب الإنصاف من الأشياء فإما كل شيء وأما لا شيء فالإنصاف لا تشبهني ولا تشبعني تشعرني أن هناك شيء به خطأ أو خلل.
أثناء ذلك المعرض جاء حاتم إلي مرة أخري بعد أن كان مضي الكثير علي ما حدث إلا أنه لم يشعر بالفتور قط لكني رفضته للمرة الثانية أظنه اعتاد الرفض من قبلِ إلا أنه لا يتجنب ذلك ذهبنا بعد انتهاء المعرض نحتفل في أحدي الفنادق أنا، أمي ، حاتم ، نيرة وسليم الذي فرض علي جبراً أن احتمله لأجل صديقتي العزيزة.
مضي الوقت خرجنا لمنازلنا وقد أصر حاتم إلا يتركني أقود السيارة فوجدت والدتي تسقط أرضاً صرخت مما حدث كانت نيرة بجواري حملتها معها إلي السيارة ذاهبين لأقرب مشفي كي اطمئن عليها طوال الطريق أحاول أن أيقظها أعيدها للوعي أخذت ابحث عن شيء فلم أجد في حقيبتي سوي زجاجة العطر الفرنسي الذي استخدمه وضعته قرب أنفها لم تستفيق شعرت بذعر مفزع فنظرت إلي حاتم اصرخ بوجهه :" يلا بسرعة."
تقبل ذلك مني مراعاة للظروف الذي أنا فيه وبالفعل وصلنا لأقرب مشفي خاص حملت أمي للداخل أنا معها لا أعرف ماذا أفعل ؟تركتها حينها علمت كل شيء عن مرضها من الطبيب فحاتم كان يعلم كل شيء عن مرضها فنظرت له أقول:" أزاي ماتقوليش كدا دي أمي ؟"
لم يجيب حاتم بشيء تحاشياً أن نتشاجر .
جلست انتظر ونيرة بجواري تربت على ظهري وتضمني إليها أما سليم يقف بجوار حاتم ينتظر أن يري ماذا سيحدث؟ خرج الطبيب يخبرنا أنها بحاجة لعملية جراحية الآن واستئصال الجزء المصاب في المخ هنا نظرت للطبيب وأنا أقول: " طيب أجري هذه العملية بأسرع وقت ممكن وأنا للمسئولة الاهم سلامة وحياة أمي ."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي