3 الفصل الثالث

حان موعد رضوى التي دخلت بهدوئها وشعرها الأسود الحالك السواد الذي يستكين على ظهرها مسترسلًا، وبعد التحية للطبيبة جلست على الشيزلونج لتكمل روايتها:
- انتهت إجراءات الشركة وتركنا لبنان وأصبحنا في القاهرة، لأول مرة يكون مكان إقامة سادن بعيدًا عنه ڨيلا سادن تقع في منطقه نائية، تعلل بعدم وجود المواصفات التي تعجبه إلا في ذلك المكان، أما ڨيلتنا فكانت في منطقة حيوية.
ومرت أيامنا وأنا أدفن نفسي في العمل، إلى أن تمت خطبة أختاي لرجلي أعمال لبنانين، وتحدد موعد سفرنا لإقامة حفل الزفاف في لبنان، وقبيل موعد الحفل كان هناك مهم اجتماع مهم للعمل في لندن وسافرت مع سادن لحضوره وكان الاتفاق أن ألحق بهم في لبنان لحضور الحفل، لكني لم ألحق بهم أو بالأحرى ماتوا.
وبكت رضوى، ناولتها سمرا المناديل، لتكمل:
- قد يكون فقد شخص عزيز لديك صعبًا، أما أن تفقدهم جميعا دفعة واحدة فلعمري إن ذلك قاتل، كنت كالمغيبة حين شاهدت خبر تحطم الطائرة التي تقلهم في المطار، لم أبك ساعتها كنت متأكدة أن الخبر كاذب أو أن هناك التباس ما، بعد اجراء سادن اتصالاته ذهبنا المشرحة للتعرف عليهم، وقفت ساكنة في هدوء اتطلع لأجسادهم المسجاة امامي وأنا مذهولة، أنظر لوالدتي الممددة أمامها، لن أرتمي في حضنها بعد الآن وأنعم بحنانها وهي تملس على شعري بعد ليالي تعبي، لن أجد بعد الآن من أتشاكس معه وهي أنظر لأختاي الجميلتين الصغيرتين، يا الله اللهم صبرًا أفقدتهما حقًا! مع من سأتسامر الآن؟ مع من سأقضي لياليّ ساهرة على السرير؟ أسأعيش وحدي؟ حتى والدي ومغامراته إنه متمدد أمامي لا حول له ولا قوة، صرخت ساعتها حتى جُرحت أحبالي الصوتية كما جُرح قلبي
(لماذا أنتم ساكنون هكذا؟ أأنتم فرحون لتركي وحدي؟ هيا انهضوا، لا تتركوني كلكم، هذا كثير يا الله)
ساعتها تيقنت أنهم لن ينهضوا مرة أخرى أخذت أصرخ وأصرخ حتى فقدت الوعي،
سادن لم يتركني كان بجواري في كل لحظة، أذكر فترة انهياري ووجودي بالمشفى كلما فتحت عينيّ أراه إما واقفًا بجواري أو جالسا على الكرسي بجوار السرير، أو ممددًا على الأريكة.
ما أن خرجت من المشفى حتى وجدت رجلان يطلبان مقابلتي، عرفاني نفسيهما على انهما عمي وولده، العم يطالب بحقه في الميراث وابنه يطالب بزواجي لا يسأل لا بل يأمر، نعم كان يريدني لنفسه يريد أن يكتب صك ملكيتي له ليضمني لمقتنياته، عرض سادن شراء حق عمي في التركة والفيلا، فوافق العم بكل بساطة، وطالبني ابنه بأن أجهز لأعود معهما، قفزت الفكرة إلى ذهني بقوة وبسرعة، فاقتربت من سادن وأمسكت ذراعه، و أعلنت لهما أنه زوجي.
طالب عمي بالاطلاع على وثيقة الزواج فأخبره سادن أننا كنا سنعقد القران مع زفاف أختاي، ووقع عمي على عقود البيع وعلى عقد زواجي من سادن.
وغادر عمي وغادرت مع سادن للفيلا الخاصة به، وهو يعدني أنه سيحميني دائمًا،
دلني على الغرفة التي ستكون لي، قررت أني يجب أن أنسى دالي حبيبي وحبه فلا مكان لحب الموتى بين الأحياء، لقد فقدت أهلي، يجب أن أُنشأ لنفسي عائلة، يجب أن أتم زواجي من سادن، لا يهم مشاعري السابقة نحوه أنه مثالي وقدوتي، أنا لم يعد لديّ سواه في هذه الحياه، أمضت الليل أفكر وأقنع نفسي بما أنا مقدمةٌ عليه، و في الصباح ارتديت قميص نوم أسود في تضاد صارخ مع بياضي يكشف عن ساقيّ وصدري وأرسلت شعري خلف ظهري ووضعت عطرا نفاذًا وأحمر شفاه بلون قاني.
وذهبت لغرفة سادن متعللة بإيقاظه.
جلست بجواره على السرير وأخذت ألعب في شعره، فتح عيناه ناظرًا لي، وجلس، ثم قام من على سريره متوجهًا للحمام، خرج من الحمام نظر لي نظرة من رأسي لأخمص قدمي، نظرة غريبة لم أستطع ساعتها أن أفهمها، ثم بكل برود طلب مني أن أرتدي ملابس لائقة وأنزل للحديقة لتناول الافطار، وقتها أحسست أنه جرح كرامتها كأنثى، طعنني في جمالي الذي يتقاتل الكثيرون من أجله، عقدت العزم أني لن أيأس سأكون عائلة معه فأنا لم يعد لي سواه، نعم إن دالي ما زال يحتل كل نبضة بقلبي، ولكن يجب أن يكون لي عائلة، كالعائلة التي كانت لديّ وفقدتها في طعنة من الزمن لي.
جلست أتحدث معه وصدمت عندما أعلمني أن المال الذي دفعه لشراء نصيب والدي من عمي هو مال والدي من حساب مشترك بينه وبين سادن لا يعلم أحد عنه شيئا، أخبرني أنه سيحول لي باقي تلك الأموال، رفضت وطالبته أن يظل المال معه، نظر لي نظرة غريبة ولمعت عيناه وكأنما جال بخاطرة خاطر سره، طالبت سادن بعرض فيلا أبي للبيع، فأخبرني أن المشتري جاهز وأن أذهب للفيلا لألملم منها ما أحتاج، ذهبت للفيلا تجولت أستعيد ذكرياتي، دخلت غرفة والديّ، جلست على السرير أبكي، سقط سواري الذي أهدته لي أمها، فانحنت لألتقطه، فوجدت بروزا من جانب السرير، كأنه زر ما ضغطت عليه ليفتح درج سري، لأجده يحوي دفترًا ورديًا مغلقًا؛ له قفل صغير ومع الدفتر وجدت قلائد وأساور وأقراط، لم أر والدتها ترتديها أبدًا، جمعت ما في الدرج وبحثت عن مفتاح الدفتر الوردي، وجدته في درج مكتب والدي، تعجبت فقد كنت أظن الدفتر لوالدي بما أنه وردي فلماذا مفتاحه في درج مكتب والدي؟
وصلني اتصال من سادن، فذهبت للبنك وضعت تلك الذكريات وما وجدته في المخبأ في صندوق خزينتي بالبنك، ولكن أبقيت الدفتر معي، هاتف خفي نبأني ألا أخبر سادن عن الدفتر وعن ما وجدته.

وهنا قالت سمرا سنكمل المرة القادمة رضوى، لتغادر رضوى،
وتحضر شيماء بع دها بساعة.
جلست شيماء و قالت:
- تعلمنا كل ما كان يحبه أدهم من أصناف الطعام والشراب، أدهم لم يكن يضع موضوع ارتباطه المحتوم بعشق في رأسه كان مهتمًا بدراسته، كان يحبها نعم، لكنه يحبها ويهتم بها كما يحبني ويهتم بي كأخت له.
كبرنا وزاد تعلق عشق بأدهم، وزاد نفور أدهم ورفضه لهذا الارتباط المفروض عليه سواء وافق أم لا، لقد كان يريد حرية قراره، لا فرضه عليه فرضًا.
أدهم دائمًا ما كان يطلب مني أن أجعل عشق تفهم أن مسألة ارتباطها به شيء ثانوي في حياتها، لكني لم أجرؤ أبدًا أن أخبرها أو حتى ألمح لها بذلك، فثلاثي القوة لم يدعن مجالًا لها لتفكر بغير أدهم منذ كانت طفله، كان أدهم يحاول إفهامها أنها مثلي بالنسبة له لكن كانت تظن أنه يشاكسها.
بعد أن أصبحنا بالصف الثالث الثانوي كان الخُطاب يتوافدون على المنزل، بالطبع كان عمي أحمد يرفض بحجه أن البنت لابن عمها، وأنا تحجج أبي أني ما زلت صغيره وسأكمل دراستي.
دخلنا الجامعة، كلية تجاره سويًا، طبعًا وهل نفترق؟
كان لأدهم سنتان باقيتان في الطب فكنا نرافقه، يوصلنا في الصباح بسيارته وعندما ننتهي تأتي السيارة بسائقها لإيصالنا للمنزل, كل من سأل من زملاءنا عن أدهم كانت عشق تجيب أنه خطيبي.
أدهم كان حلمًا لأي فتاه، أسمر، وسيم، غني، طبيب.
لكنه كان يشعر بفرض عشق عليه، ورفض ذلك وصرح به، قال لن تكون عشق زوجة لي أبدًا أنا أحبها مثل شيماء.
قامت الدنيا ولم تقعد، عشق فقدت وعيها وترك أدهم المنزل.
أحضرنا الطبيب لعشق، شخص حالتها بانهيار عصبي واكتئاب، ظلت هكذا قرابه الشهرين، أحضر عمي أدهم للمنزل.
بعد أن كان أبي يرفض أن يدخله لكن عمي قال كلاهما ولدايّ و سأخطب بنفسي لأدهم،
أنهى أدهم دراسته وكذلك نحن.
طلب الطبيب سيد ناصر من أدهم أن يتدرب لديه في مستشفاه الخاص (مستشفى الناصر) التي بها قسم خاص للعلاج الخيري ولها فرع في إيطاليا موطن زوجته السيدة صوفيا.
أما باسل صديق أدهم والذي كنت أعشقه فقرر السفر للخارج وسافر قلبي معه.
كنت أدفن نفسي دفنًا بأي شيء دورات تعليمية في التجارة والمحاسبة، اللغات، وعشق معي طبعًا، طلبنا من والدينا أن ننزل للعمل معهم في تجاره الأخشاب، في البداية كان الرد الرفض، لكننا لم نستسلم أبدًا طلبنا من أدهم المساعدة فتحمس و ساعدنا في اقناعهم، بعد إلحاح منا وافقوا.
نقلنا العمل لمستويات جديده بالكومبيوتر والأجهزة الحديثة ودخلنا مجال التصدير أيضًا، وصفقات مع مصانع الورق، لم يكن جدي أو والدي أو عمي ليصدقوا ما استطعنا فعله وكان الجميع فخورين بنا، لم يأت ذلك بين يوم وليلة، أخذ ذلك منا مجهودا كبيرًا وتركيزًا أكبر، لم يخلو الأمر بالطبع من دعاء القوة الثلاثية لنا بأن يهدينا الله ونتزوج لنرحم من عمل الرجال ولبس الرجال وشكل الرجال فلقد عشنا الشخصية الرجولية بحذافيرها، حتى أننا قصصنا شعرنا كاريه بدون أن نخبرهم، خاصمتنا القوه الثلاثية لمده شهر لكنهن تعودن علينا بمنظرنا الجديد بعد ذلك.
مرت سنتان كنا مصرتين فيهما على عملنا وعلى رفض الارتباط، علمت أن باسل عاد من الخارج وعادت معه الطيور التي كانت هجرت عش قلبي، وجه لنا باسل الدعوة لحضور حفل زفاف أخته هبه، لم نكن لنرتدي حُلة رسمية بالطبع فكل مننا كانت تريد أن تُري رجل أحلامها كيف أنها تستطيع أن تكون أنثى متى تريد.
سبقنا أدهم للفرح، وكذلك سبقتنا القوه السداسية جدي وجدتي وأبي وأمي وعمي و خالتي لأننا كنا ذهبنا لمركز التجميل.
دخلنا القاعة فتعلقت بنا كل الأنظار، حتى أدهم لم ينزل عيناه من على عشق، أكاد أقسم أن أدهم وقع في غرام عشق أخيرًا، أو لنقل نفض الرماد من على جمرات حبه لها.
وصارحني باسل يومها برغبته في الارتباط بي لأهرب من أمامه و شكلي بالطبع يوحي بموافقتي، و طلب أدهم من عشق أن تتزوجه، لكنها رفضته، وساعتها خدعها بأن هددها بأنه سيلقي بنفسه من الشرفة إن لم توافق وبالطبع لم تتحمل ووافقت، وتمت خطبتنا،
مرت أيام جميلة علينا هادئة يغلفها الحب والجو الأسري، لكن الأيام تأتي بما لا نتوقع، في أحد الايام بينما والدا باسل قادمان ليسهرا معنا سهرة عائلية كالعادة إذ بسائق في غير وعيه يصطدم بالسيارة، ليتوفيا في الحال، كانت الصدمة شديدة الوقع على الكل فلقد كانوا من خيره الناس وأطيبهم سيرة، ولم نر منهم أو نسمع عنهم سوى كل الخير، بعد مراسم العزاء أصر الجد أن يظل باسل مقيمًا معنا، فهو وحيد لا أحد له بعد وفاه والديه، لم يكونوا ليتركوه وحيدًا يقاسي مرارة الفقد.
وبعد عدة أيام تم الاتفاق على أن نتزوج أنا وباسل في الشقة المخصصة لي بالدور الخامس، لكي لا نقيم بعيدًا عن العائلة.
كان سكن أدهم في الدور الرابع بالمنزل.
تم الزفاف بسيطًا، عائليًا، في أجواء هادئة احترامًا لذكرى والدي باسل، صدحت طيور الغرام تتوج اتحاد قلوبنا التي أضناها العشق، وأنهكها البعد، سبحنا في بحار الحب برباط مقدس.
بعد شهران اكتشفنا حملنا كانت فرحة لا مثيل لها، وجهزت كل منا احتفالًا بالشموع لزوجها الحبيب.
باسل كاد أن يطير من الفرحة بعد أن أخبرته، وأمضينا فتره بعد العشاء في أحضان بعضنا أمام التلفاز.
أدهم كان في قمه سعادته بالطبع وأصر أن ينزل مع عشق للتنزه على البحر، أسرت إليه عشق بأنها كانت مرهقه قليلًا وقلبها منقبض، لكن أدهم أصر أن تنزل معه للسير.
وهنا أعلنت سمرا انتهاء الجلسة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي