الفصل الأول

وقف بسيارته أمام الفيلا الأنيقة ثم إلتقط هاتفه ليتصل برقم ولده عامر:"أنتظرك بالخارج"
أغلق الهاتف وما هي إلا دقائق وكان عامر يغادر البوابة المعدنية للفيلا حاملاً الكثير من حقائب المشتريات التي تحمل أسماء محال إشتهرت بتصميم أزياء المحجبات للمشاهير فتسلمها السائق بينما فتح عامر الباب الخلفي بجوار والده وإستقل السيارة التي بدأت تتحرك بعد لحظات متجهة للبلدة..حاول عامر أن يخنق فضوله وتساؤلاته فهو يعرف والده جيداً ينزعج من الأسئلة والتطفل..يقول ما يريد قوله وعليهم جميعاً أن يكتفوا بذلك ولا يسألوا عن ما خفي ورغم كل ما يعرفه ولكن الفضول غلبه:"أتحبها والدي؟"
"ألا تحب زوجتك؟"أجاب على سؤال ولده بسؤال.
"نعم أحب زوجتي لكن الوضع هنا مختلف...أعني..."
"ماذا تعني؟وكيف الأمر مختلف؟ياسمين إختياراك وتزوجتها على سنة الله ورسوله وغالية إختياري وتزوجتها على سنة الله ورسوله" أجاب رشوان بنبرة حازمة يشوبها الغضب.
تلعثم عامر:"كان مجرد تساؤل يدور بخاطري والدي لا أكثر"
"حسنا تريد الأجابة،قلبي يميل لها،أي رجل بهذا العالم سيميل لإمراة جميلة تمتلئ بالحيوية والغنج والدلال..إمرأة ذكية لا تسأل كثيراً وتتطفل فتزعجني ولا تهمل فتجعلني أشعر بعدم إهتمامها"
أجابه رشوان ثم إستدار نصف إستدارة بجسده وأضاف محدقاً بوجه ولده بإدراك:"إن مكانة والدتك بقلبي لا مساس بها فهي والدة أبنائي وبيننا سنوات طويلة وذكريات حسنة وسيئة مرت علينا سوياً..لكن غالية أيضاً زوجتي ولها حقوق"
"بالطبع والدي..لكن أكان يجب أن تصطحبها معك الى اليونان؟"
"ما تقدمه لي لا أستطيع أن أتنازل عنه لأسبوعين كاملين،هي تعفني عن المعصية"أجاب رشوان بنظرات ثاقبة نحو ولده الذي إرتبك قليلا تحت وقع نظرات والده الذي أضاف:"بعد ما حدث منك بآخر مرة سافرت بها،ستصطحب زوجتك دائما بسفرك بعد ذلك"
"والدي،الأولاد لديهم دراسة و... "
قاطع ولده بنبرة حازمة غاضبة:"ولديهم جدهم وجدتهم لوالدتهم ووفقا لما أعرفه فهما بإمكانهما الإعتناء بأحفادهم حينما تسافر زوجتك معك..تريد أن تكون بحياتك إمرأة سوى زوجتك واجهها وأخبرها أنك ستتزوج،لكن الرجل الخائن جبان ..إرتكب فاحشة وسيسقط من نظر زوجته أيضاً حينما تعرف،وإبن رشوان البنا ليس جباناً،أليس كذلك؟"
"نعم والدي"تمتم عامر بطاعة فهو يدرك أن هذه لم تكن أجابة ولم يكن حتى خيار بل تعهد بعدم تكرار ما حدث بدون جدال.
دق الهاتف فإلتقطه رشوان من جيبه وأجاب بنبرة منخفضة:"مرحباً..لا إنني بالطريق..حسناً لن أتأخر..وأنا أيضاً أفتقدك غاليتي"
أغلق رشوان هاتفه وإلتفت نحو ولده الذي يحدق به فهتف:"ماذا بك؟"
"لا شيء والدي..هل.. هي،أعني زوجتك حامل؟"
"وماذا لو كانت حامل؟هل أخبرك أحدهم أن والدك أصبح كهلاً خرف لا يقوى على الإنجاب؟"أجاب بنبرة ذكورية متباهية.
"لا بالطبع والدي،لا أعني هذا،لكن توددك لها.."
"ألا تتودد لزوجتك إلا إذا كانت حامل؟يالا الكارثة!ويسألون لما تتزايد نسب الطلاق!لأن جيلكم أصبح جاف أكثر من اللازم...يركض بكل إتجاه إلا الإتجاه الوحيد الذي يجب أن يركض نحوه"
"إيقاع الحياة أصبح سريع والدي،وليس الجميع لديهم رفاهية القدرة على التودد والتدليل.. "
"الأمر ليس رفاهية،بل هي ضرورة،سنفترض أنه عامل أو موظف مطحون بشركة عاد للمنزل بعرقه و همومه ورغم هذا عانق زوجته وقام بتقبيل يدها..الأمر لن يستغرق دقائق لكن تلك المرأة نفسها هي من ستتلقف على كتفيها كل إرهاقه وتعبه، وستحتويه بكل مشاكله وضغوطه..سيمنحها دقائق وستمنحه واحة راحة"
"لك فلسفة بالحياة أعترف أنني أحترمها والدي،لا أتذكر أنني إستمعت لوالدتي تشكو منك ولو لمرة واحدة"
"على عكس زوجتك دائماً ما تشكو من إهمالك لها،حينما أعود من اليونان ستأخذ عطلة من عملك وسنكون قد إنتهينا من عملنا وحينها إصطحبها وسافرا معاً لأي مكان"
توقفت السيارة بعد عدة ساعات أمام باب المنزل فهبط منها رشوان وولده الذي إلتف نحوه قائلاً:"إذهب أنت مع سالم لتتأكد من الحمولة قبل أن تخرج من المخزن وأنا سألحق بكما"
أومأ عامر وغادر بالسيارة مع السائق بعد أن حمل رشوان حقائب المشتريات وإتجه نحو الباب الداخلي بمنزله..
"غالية..غالية"هتف وعلى الفور خرجت تركض من إتجاه المطبخ وخلفها إحدى النساء التي تخدم بالمنزل.
"حمداً لله على سلامتك"أجابته بإبتسامة واسعة وهي تقترب منه،إحدى يديها إلتفت حول عنقه والأخرى إستكانت فوق صدره.
"ماذا كنتِ تفعلين بالمطبخ؟"سأل بدهشة فليس من عادتها أن تنتظره سوى بغرفتهما أو بغرفة المعيشة.
"يحتاجن لبعض الشدة حقاً فغرف نوم الضيوف لا يتم تنظيفها سوى مرة بالأسبوع ويصبح التراب متراكم بها،ليس معنى أننا لا نستخدم غرف النوم الأخرى ألا يتم تنظيفها يومياً،أليس كذلك؟"قالت بنبرة مرتفعة لتستمع لها المرأة فقد باتت تدرك بثقة أنه لن يخذلها أمام إحدى خادمتها.
"غاليتي أنتِ سيدة هذا المنزل إذا أردتِ شيئاً عليهن الطاعة،هكذا هو الأمر ببساطة"أجاب أيضا بنبرة مرتفعة موقناً أن هذا ما تريده منه لذا منحها إياه.
إتسعت إبتسامتها أكثر وبدأ الزهو جلياً بعينيها وهي تهمس هذه المرة:"إفتقدتك للغاية"
"هيا لغرفتنا لديّ مفاجأة لكِ ثم دعيني بعدها أشعر بكم إفتقدتيني"أجابها بهمس مماثل قبل أن يهتف على المرأة أمامه لتحمل الحقائب لغرفة النوم.
صعدا معا للغرفة وما أن أغلقت الباب حتى إستدارت تعانقه بقوة جاذبة رأسه بذراعيها التي تلتف حول عنقه ووقفت على أطراف أصابعها تُقبله فبادلها قبلتها بشغف تاركاً إياها هي من تتراجع بحاجة للتنفس قبل أن يرفع يده ويجذب الوشاح حول شعرها ملقياً به على الأرض.
"قبلاتك المشتاقة أغلى وأفضل من مفاجأتي لكِ"غمغم بنبرة قوية عميقة بينما يمرر أصابعه بمنحنى عنقها برقة شديدة تتناقض مع هالة القوة والسلطة التي تبدو جلية واضحة بهيئته..فإنحنت رأسها طلباً للمزيد من لمساته.
إبتسم بزهو ذكوري فالصغيرة إهتمت بلمساته أكثر من أمواله:"ألن تسألينني عن المفاجأة؟ألن تري ما أحضرته لك بالحقائب؟"
فتحت عينيها تبتسم له:"ما هي المفاجأة؟"
"سنسافر سوياً بعد غد للقاهرة، سنبيت ليلتنا هناك ومن ثم سنستقل الطائرة لليونان باليوم التالي" قال ثم أضاف:"وبالطبع لن تسافري اليونان بعباءات،لذا إشتريت لكِ هذه الملابس..هيا دعينا نراها وأنت ترتديها"
إلتفت للخلف حيث الحقائب التي وضعتها المرأة على الأرض فحملتها وإتجهت نحو الفراش وبدأت بإفراغها،لترى سراويل واسعة و تنورات،فساتين وأوشحة للرأس مناسبة لكل ثوب،أحذية وحقائب يد.
"سأبدأ بهذا"
إلتقطت فستان باللون الأسود يصل لما بعد الركبة بقليل يحيط بأكمامه شريط عريض من الفرو باللون الأحمر الداكن للغاية ورقبة عالية بنفس الفرو.
"هذا الفستان ترتدي معه هذه الجوارب الثقيلة والحذاء عالي الرقبة هكذا تم تصميمه ليخفي ساق المرأة المحجبة"قال موجهاً لها مدركاً إنها بحاجة لذلك من الحيرة التي بدت على وجهها ثم إتجه للفراش يجلس على حافته نازعاً سترة بدلته وحذاؤه.
إلتفت تلاقي عينيه وهي تنحني لترفع عباءتها للأعلى تنزعها بتمهل ثم وقفت أمامه عارية تقريباً قبل أن ترتدي الفستان بذات التمهل بينما هو مستمتعاً بمحاولتها إغواءه..لقد طاف العالم كله وحضر حتى عروض لرقص التعري كنوع من الترحيب به من بعض الموردين الذين يتعامل معهم ولكن تلك الفتاة التي لم تغادر بلدتها سوى لتقيم لبعض الوقت بحارة بأحد أحياء القاهرة مع خالتها ثم تعود البلدة مرة أخرى،كانت تملك من الإغواء والغنج والذكاء ما يفوق العديد والعديد من النساء..اذا كانت بزمان آخر وظروف أخرى فربما أصبحت سيدة أعمال قوية لا سبيل لخسارتها أبداً.
إنتهت من إرتداء كل القطع المكملة للفستان ووقفت أمام المرآة تتأمل هيئتها المختلفة تماماً عنها بالعباءة لقد بدت كسيدة أنيقة راقية فإتسعت عينيها بسعادة وركضت بإتجاهه تعانقه:"إنه رائع..أبدو مختلفة تماماً وكأنني لست غالية"
"بل أنتِ هي نفسها غاليتي..غالية الإسم والوصف"همهم وهو يضع يديه حول خصرها بينما تقف بين ساقيه.
"هيا،إرتدي أحد السراويل دعيني آراه عليكِ" أضاف فإنحنت بجواره تلتقط أحدهم وتضعه على حافة الفراش قبل أن تبدأ بنزع الفستان وإرتداء السروال الواسع والقميص الخاص به.
أومأ برضا فالسروال أشبه بتنورة واسعة لذا لا يجسد مفاتنها وإنحناءات جسدها..ظلت تدور أمام المرآة تتأمل هيئتها الجديدة وكأنها تحولت لغالية أخرى..أنيقة راقية،وما أن تخرج وهي تمسك بذراعه سيبدأ الجميع بالتودد لها بدلاً من تجاهلها وإقصاءها بعيداً عن فتياتهم وكأنها وباء معدي..ماذا كان سيحدث في هذا العالم من خلل لو كان هذا الرجل هو والدها؟! هكذا كانت تفكر بصمت..
"ليس والدك غالية..إنه زوجك،الذي لا يرد لكِ طلباً لذا يجب أن تطلبِ منه المزيد..بل إنك أيضا بحاجة لطفل..صبي يكون له كل حقوق أبناءه الآخرين"تردد صوت عقلها بأذنيها.
فإستدارت بعيداً عن المرآة وعادت لتقف بين ساقيه وبدأت بنزع ملابسها الجديدة قطعة قطعة وهي تناظر عينيه التي إنحدرت بتملك لتتجول بتمهل على جسدها...حينما إنتهت من نزع ملابسها إرتفعت يدها تحل أزرار قميصه وهو يراقبها ثم دفعت به عبر كتفيه وإنخفضت رأسها تقوم بتقبيل كتفه معانقة له.
"لدي موعد هام غاليتي"همهم بنبرة مختنقة من دفعها لرأسه بين حنايا صدرها.
"هل هو أهم من إشتياقي لك؟"غمغمت وذراعيها تتشبث أكثر بعنقه.
"لا شيء أفضل لديّ من بقاءك بين ذراعاي ولكن بالفعل لديّ عمل هام مع عامر..أعدك لن أتأخر وحينما أعود أريد ان أجدك كما سأتركك الآن"قال وهو يعيد إرتداء قميصه عاقداً أزراره ثم بدأ يرتدي سترته.
"سيزداد إشتياقي لك حتى أعود"أضاف وهو يعانق جسدها الغض الناعم ثم إلتفت مغادراً الغرفة.
زمت شفتيها بقوة وغضب فكلما أيقنت بداخلها أنها ملكت ذلك الرجل كلما أثبت لها أن لا أحد له سلطان عليه..هو فقط من يستطيع أن يُدير عالمه حول سبابته وقتما يشاء وكيفما يشاء.
إنحنت تلتقط ملابسها الجديدة وتعيد ترتيبها بالخزانة ولم تزعج نفسها بأن ترتدي عباءتها مرة أخرى فجلست في الفراش بملابسها الداخلية من الحرير والتي تحمل توقيع أحد أكبر ديار الأزياء المتخصصة بالملابس النسائية الداخلية..ثم إلتقطت هاتفها لتستبدل شريحة الهاتف وتفتح صفحة الفيس بوك وبدأت تكتب.
(أردت أن أخبرك أنني سأسافر لأسبوعين، وربما لن أستطيع التحدث معك خلالهما)
حينما لم تتلقى أجابة على الفور شعرت بغضبها يزداد فضغطت اتصال..
وعلى الجانب الآخر كان خالد قد عاد من عمله ويجلس حول المائدة يتناول غداء متأخر كالمعتاد مع زوجته ووالدته..إستمع لصوت رنين الهاتف الذي يضعه بجانبه و لكن وكالمعتاد أيضاً أصبح يضعه بطريقة معكوسة فشاسة الهاتف تواجه المنضدة،خشية أن تمسك عين سلمى بأحد الرسائل من الفتيات اللاتي يتحدث معهن عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
إلتقط الهاتف وبدأ يكتب بملامح متجهمة لاحت على وجهه وبدت جلية لعين سلمى فقالت:"تبدو متجهماً، هل هناك أخبار سيئة؟"
"هاه..لا،فقط..أحد اصدقائنا بالعمل سيعود نهائياً لبلده"
إبتسمت سلمى وإمتدت يدها عبر الطاولة تربت على يده قائلة:"أنت تعرف الغربة هذا هو الحال دائماً"
"نعم.."أجابها بشرود ثم وقف مضيفاً:"لم أعد أشتهي الطعام"
"خالد أنت بالكاد مسست الطعام"هتفت سلمى فإلتفت لها قائلاً:"ربما بعد قليل"
دخل غرفة نومه وأغلق الباب بالمفتاح من الداخل وبدأ يكتب:(ستسافرين إلى أين؟أليس هناك إنترنت بالمكان الذي ستسافري فيه؟)
(سأسافر اليونان مع والدي،ونعم بالتأكيد يوجد إنترنت ولكن والدي سيكون معي)
(لن يظل معك طوال الوقت،حاولي ان تجدي فرصة لتتحدثي معي)
(سأحاول) كتبت بسأم لاح على وجهها فقد بدأت تشعر بالملل منه وربما يجب أن تسرب الصور لسلمى حينما تعود من رحلتها لتضع نهاية لحديثها معه..فهو رجل ضعيف،أحمق وهي تبغض هذا النوع من الرجال..تبغضهم كما لم تبغض شيء من قبل بحياتها.
(ألن تمنحيني شيء يواسيني بسفرك؟)
(ولما لا..ولكن أريد صورة أخرى لك أولاً لتكون معي بالسفر) كتبت له ثم على الفور أضافت
(لما لا تحصل على عطلة بعد أسبوعين وتعود للقاهرة؟اذا عدت سنلتقى)
عقد خالد حاجبيه وقد بدأت تروق له الفكرة..لما لا؟سيخبر سلمي أن أحد أصدقائه منذ الجامعة أصيب بحادث ويريد ان يراه..سيحصل على عطلة يومين فقط ثم يعود،يومين بعيد عن عالمه بالكامل،حر بدون قيود..سيقيم بفندق ضخم ويستأجر سيارة..
(حسناً لما لا،سأتدبر أمر العطلة حتى تعودي من السفر)
(وماذا ستخبر سلمى؟)
(سأتدبر مبرر ما)
(أين أنت الآن بالحمام مرة أخرى)
كانت تكتب متعمدة أن تجمع ما لا يقبل الشك بما ستقدمه لزوجته..
(لا بغرفة النوم)
(بمفردك..مسكين)
(مسكين للغاية،لكنك يمكنك أن تمنحي هذا المسكين عطفك حينما أحضر للقاهرة) كتب ثم ألقى بالهاتف على الفراش لينزع ملابسه بثوان قبل أن يرقد بالفراش ويلتقط صورة لنفسه ثم يضغط إرسال ويمسحها من الهاتف بعدها.
تسلمت الصورة ونظرت نحوها بإشمئزاز وتهكم ولكنها كتبت:(تستحق كل العطف بعد هذه الصورة)
(ألن تمنحيني أنتِ أيضاً صورة؟)
(لا..سأكون لك بالكامل حينما نلتقي بالقاهرة) كتبت وبدأت تتوالى رسائلها بهدف واحد هو إثارته..تكتب عما سترتديه له..تكتب عن ما سيفعلونه خلال اليومين..تكتب وتكتب لتثيره وهو يقرأ ويشعر أن جسده قد إتقدت به النيران وفجأة كعادتها.
(سأغلق والدي على وشك العودة) كتبت ثم أغلقت الهاتف تاركة إياه محدقا بالشاشة ينتظر ويكتب إسمها ولكنها كانت قد إختفت.
رفع عينيه نحو مقبض الباب الذي يتحرك ثم قفز من الفراش بينما سلمى تطرق الباب:"خالد..خالد،لما تغلق الباب؟"
إرتدى سرواله بسرعة ثم فتح الباب قائلاً:"لا شيء كنت سأستبدل ملابسي لأخرج مع أحد أصدقائي ثم تراجعت..سأبقى هنا معك..إنني بحاجة لك"
دفع الباب ليغلقه ثم دفعها نحو الفراش وإعتلاها على الفور ويده تدفع ملابسها جانباً محاولاً إفراغ رغبته المكبوتة لكنها هتفت به وصاحت:"خالد..لا..لا أريد.. لا..ليس بتلك الطريقة"
دفعته بقوة بينما جسدها يتملص ويتلوى أسفل جسده حتى أستطاعت أن تفر من الفراش ووقفت بجانب الفراش تحدق به بأنفاس لاهثة غاضبة ودموعها تنحدر على وجنتيها:"أخبرني ماذا يحدث معك؟لن أسمح لك أن تنال مني مرة أخرى بتلك الطريقة.. لن يحدث خالد"
جلس بالفراش وهو يشعر كأن دلواً من الجليد قد سكب على جسده فتلاشت رغبته وظل يحدق بزوجته لثوانٍ عاجز عن إيجاد مبرر لقد نسى تماماً أنها بوقت دورتها الشهرية،أراد أن يضرب رأسه بالجدار من خلفه لغبائه.
"انا آسف..آسف حقاً،لقد نسيت تماماً أنكِ في فترة دورتك الشهرية،سامحيني سلمى" قال بينما غادر الفراش محاولا الإقتراب منها ولكنها تراجعت للخلف مبتعدة عنه.
"هل هذا كل ما توصلت إليه؟أنني غاضبة لأنك نسيت إنني في فترة دورتي الشهرية؟" تمتمت سلمى بصدمة ثم أضافت:"ألا ترى أن هناك شيء آخر يستحق غضبي؟"
تمتمت من بين دموعها وهذه المرة هي من إقتربت منه لتستكمل حديثها:"أخبرني خالد ماذا بك؟أخبرني لما كل هذا التغيير حتى في أشد علاقتنا خصوصية؟"
"ما كل هذه المبالغة!لقد إعتذرت لكِ سلمى،لست أول زوج يمكنه أن ينسى ولا حتى أول زوج يريد زوجته بلهفة"
حينما سمعت نبرته اللامبالية تحول ألمها لغضب وصاحت:"هذه ليست لهفة..اللهفة هي ما كنت آراه بعينيك وأنت تعانقني وتقبلني..اللهفة هي التي كنت آراها بعينيك وأنت تطلب مني أن أرقص لك..اللهفة حينما كنت توقظنى من النوم على قبلاتك حتى ولو بعد منتصف الليل..هذا ما أسميه لهفة وإشتياق..لكن هذا لا مسمى له سوى تفريغ نفاياتك..وكأنني إمرأة من الشارع تقضي حاجتك منها"
غادرت الغرفة مسرعة وإتجهت للحمام حتى لا تراها خالتها وهي تبكي تاركة إياه يمرر يده بشعره بغضب فقد بدأ الأمر يخرج من نطاق سيطرته لقد كان دائماً لديه يقين أن سلمى ستتقبل منه أي شيء ولكن يبدو أنه مخطئ.
*****
بمكر لم تكن تعلم حتى أنها تملكه وكصائد ماهر يتربص بفريسته لتقع بفخه تربصت هي أيضاً به،قاومت النوم الذي يصارع جفنيها وألهت نفسها بالتفكير في الأمنية والحلم الذي أصبح يسيطر على عقلها،"الثمن"يجب أن يكون هناك مقابل وثمن لكل ما فعله بها،والمقابل هذا المنزل الكبير،حلمت أن تطهره من أنفاس هذا الحقير،تفتح جميع شرفاته على مصرعيها لتستقبل أشعة الشمس بالحديقة وهي تركض وتلهو مع حسين الصغير بينما يزحف أحمد على العشب الأخضر،وخالتها فضيلة تراقبهما من نافذة المطبخ وهي تحتسي الشاي وتضحك ورابحة لا تفعل شيء سوى التنقل خلف هاشم كعادتها فلربما تحظى بإبتسامة عابرة منه..خنقت تنهيداتها حتى لا يدرك أنها مستيقظة بينما شعرت به وقد بدأ نخيره ينخفض حتى توقف تماما وتحرك جالساً بالفراش مُسقطاً ساقيه للأسفل على وشك مغادرته فإستدارت وإدعت النعاس وهي تثرثر بلا توقف:"ماذا هناك يا حاج لقد أيقظتني أكثر من خمسة مرات خلال هذه الليلة فكلما ذهبت للحمام شَعُرتُ بك وأنت تغادر الفراش،ليت نومي ثقيل مثلك ولكنني أستيقظ من أقل حركة"
لم يتفوه بكلمة ففتحت عينيها وجلست:"لما لم تذهب للحمام...."قطعت جملتها وهي تحدق بالفراش.
"يالا المصيبة!!"
إدعت الصدمة والفزع وهي تضرب على صدرها وتلوي شفتيها يميناً ويساراً قبل أن تهتف:"يالا المصيبة!يا حظك الأسود يا صبا،يا شماتة الأعداء بكِ يا صبا،أتبولت على الفراش يا رجل؟!"
بوجه شاحب وجسد يرتجف تنقلت نظراته الزائغة بينها وبين الفراش المبتل وسرواله الأبيض القطني،وفتح فمه ليتحدث ثم أغلقه ثم عاد ليفتحه وأغلقه ثانية بتلعثم بينما إستغلت هي إرتباكه وواصلت ندب حظها:" شوفولي حزينة يا حريم متلي أبكي أنا على حالي وهيه تنوح لي"
غادرت الفراش وعلى وجهها علامات الإشمئزاز وإتجهت نحو الخزانة ثم فتحتها وجلبت منها بعض الملابس ووضعتها بين يديه:"إذهب لتتحمم يا رجل وأنا سأجفف الفراش،وإستبدل الملاءة،هيا قبل أن تستيقظ سعدية"
"لا أدري...كيف..لا أدري" تلعثم ولازال وجهه شاحب والخزي يلجم لسانه بينما تهدلت كتفاه وكأنه كبر فجأة عشرة سنوات فوق عمره.
"كنا بديارنا نعرف كل ما يحدث بهذا المنزل فور حدوثه،لذا أسرع قبل أن تصبح سيرتك على كل لسان بالبلدة"أضافت وهي تدفعه نحو باب الغرفة مواصلة لوي فمها يميناً ويساراً..تحرك بآلية وشرود وهو يتمتم محدثاً نفسه بكلمات غير مفهومة والشعور بالمذلة والعار يثقل كاهليه بينما تبعته صبا حتى الباب وهي ترمقه من ظهره بنظرات شماتة وإستحقار،بدون ذرة شفقة على شيبته التي كستها المهانة فهي تعلم جيداً إنه لم ولن يملك نحوها ذرة رحمة فلما تكون هي رحيمة به...حينما أغلقت الباب خلفه إتجهت نحو الخزانة وفتحتها لتخرج المكواه الكهربائية ووضعت القابس في مصدر الطاقة ثم بدأت تمرر المكواه فوق الفراش لتقوم بتجفيف المرتبة القطنية وهي تبتسم بخبث فلو علم أن ما جلب له الخزي لم يكن سوى فضلاتها لقتلها على الفور.
أعادت ترتيب الفراش حتى عاد من الحمام حاملاً ملابسه بين يديه يتلفت حوله وكأنه يبحث عن مكان يخفيها به فتقدمت صبا منه وقالت:"سأخذهم لأغسلهم مع الملاءة قبل أن تستيقظ سعدية وتبدأ بالتساؤل"
أمسكت بملابسه ثم بمكر قادته نحو الفراش مواصلة:"لازال الوقت مبكر إسترح قليلاً لكن كن حريصاً هذه المرة"
و إلتفتت نحو الباب لتغادر الغرفة ولكن قبل أن تفعل إستدارت نحوه وألقت ما بجعبتها ببراءة ماكرة، قائلة:"هذه المرأة غريبة حقاً لا أعلم كيف تعرف بكل كبيرة وصغيرة بهذا المنزل،منذ عدة أيام أخبرتني أن هناك رجل حضر وجلب لك الحبة الزرقاء ثم أخبرتني أن أولادك تشاجروا معك من قبل خوفاً عليك من تناولها"
حينما إنتهت من غسل الملابس والملاءة هبطت على الفور للمطبخ تعد الإفطار وقررت وضع حبة اللازيكس في كوب الشاي بالحليب الذي يشربه قبل الإفطار بدلاً من الإنتظار لوضعه بكوب الشاي فهي قررت أنها لن تتوانى في مضاعفة شعوره بالخزي حتى يغادر المنزل بدون إفطار..حملت الأطباق على صينية كبيرة متجهة بها نحو المائدة فلمحته يجلس فوق المقعد على رأس الطاولة كعادته وقد إستعاد وجهه بعضاً من لونه وإختفى الشحوب بالرغم من أنه أخفض عينيه حتى لا ينظر بوجهها فوضعت الطعام وهذه المرة لم تغادر بل جلست على المقعد المجاور له ترمقه بتهكم حتى تأكدت أنه أنهى كوب الشاي بالحليب وما كاد يضع لقمة بطبق الفول حتى قالت:"لقد سألتني سعدية عن سبب غسل تلك الملابس والملاءة فأخبرتها أن كوب الشاي بالحليب سقط من يدك،لا طاقة لي بإختلاق الأكاذيب حاول أن تكون حريصاً فيما بعد...يا شماتة الأعداء بكِ يا صبا لو علموا بحالك!!"
ترك اللقمة بالطبق وإنتفض من فوق مقعده مغادراً المنزل فتبعته بنظراتها المنتصرة الشامتة من النافذة ثم عادت لتجلس على مقعده برأس المائدة وبدأت بتناول الطعام بتلذذ وإستمتاع.
"أين الحاج؟"قالت سعدية ما أن دخلت الغرفة حاملة الهاتف الأرضي بيدها بينما تحدق بدهشة في صبا التي تجلس بالمقعد المخصص لعبد الرحيم.
"غادر" أجابت بإقتضاب وهي تواصل مضغ الطعام أمام عيني سعدية المندهشة.
"بدون أن يتناول إفطاره؟"
"تناول بضعة لقيمات على عجل وقال أن لديه موعد هام"أجابتها وهي تحرك كتفيها بدون إهتمام.
فرفعت سعدية سماعة الهاتف لأذنها وقالت:"لقد غادر يا سليمان،أخبر صبا أن لديه موعد هام"
إستدارت سعدية لتغادر غرفة الطعام بينما تواصل:"لقد أثقلتم عليه بعد أن كبر يا سليمان،الأرض تحتاج عافية الرجال وجميعكم...."
تلاشي صوت سعدية وما عادت صبا تسمع ما تقوله حينما إبتعدت حاملة الهاتف معها ولكن حديثها جعل إصرار صبا يزيد فتمتمت:"هذه المرأة يجب أن تغادر المنزل"
****************
وقف بالشرفة الخارجية يتطلع نحو البحر الواسع أمامه وهو يستنشق نسائم الهواء الناعمة عدة مرات بنبضات قلب تنبض بالسعادة،سعادة لا يصدق أنه حظى بها بعد كل تلك السنوات وكأن القدر إدخر له كل نصيبه من المنح لتتجسد في إمرأة سرقت قلبه وتملّكته فيخفق بجنون بطرفة من أهدابها ويدق بقوة حتى يكاد يقفز خارج صدره ليستوطن هناك بصدرها حيث يريد وحيث ينتمي..فقلبه لها وما هو إلا ضيف بصدره يرغب بالعودة لموطنه.
إلتفت نحو داخل الغرفة يراقب باب الحمام المغلق بإبتسامة علت شفتيه فزينة قلبه لازالت تتوارى خلف رداء الخجل،ورفضت أية محاولة منه لإقناعها بمشاركتها الحمام،أغلق عينيه وعاد ليتنفس بقوة ليملئ صدره بالهواء ثم زفر بإسترخاء وتلاعبت أمام عينيه ذكرى تعسة للمرة الأولى التي مارس حقوقه الزوجية مع إبنة عمه هكذا تذكرها إنها إبنة عمه فلم تكن أبداً زوجته كما ينبغي للزوجة أن تكون،لم يعد يستطيع أن يضع لقب زوجة مع إسمه بعد أن إقترن بزينة..شهر كامل تركها فربما تداوي أحزانها،أراد أن يمنحها المزيد من الوقت لكن عين والده ووالدته كانت تحاصره،نظرات والدته كانت تخبره أنها تعلم بما يحدث خلف الجدران..الإستمرار في المطالبة بوريث للأرض وإسم العائلة لم ينقطع والإلحاح على أن طفل من رحمها سيربط بينهما ويهب لقلبها السعادة التي تفتقدها،كل هذا جعله يُقدم على إنهاء حالة الزواج الصورية ولكنه ما حيا أبداً لن ينسى جسدها المتيبس وعينيها المغمضة الباكية،والدموع التي إنسالت على وجنتيها وكأنها تُغتصب،إنكماشها وتوليتها ظهرها له بمجرد أن انتهى،تباعدت عنه وإستمع لنحيبها الخفيض،وباءت كل محاولاته للتقرب منها بالفشل،حزن من أجلها وغضب منها بنفس الوقت في تناقض غريب مضطرب، لكن غضبه لم يكن موجه نحوها فقط بل ومن نفسه أيضاً ومن إستسلامه لميراث العادات والتقاليد التي تجبر إمرأة على الزواج بعد رحيل رجل إمتلك قلبها ليس لشيء سوى لأن الجميع حتى هو فيما مضى كان يظن أن المرأة لا تقوى على الحياة بدون رجل..يجب أن تكون بعصمة رجل ليحميها،تكون بعصمته ليعصمها من ثرثرة الألسن،كره كل ما فعله معها وظلت همهمات نجيبها تؤرقه لليالي طويلة،بالرغم من مشاعر الغضب والحمية التي إجتاحته بتلك اللحظة،لم تكن غيرة وكان يعرف هذا جيداً ولكن كونه على يقين بأنها غارقة بذكرياتها مع رجل آخر وهي بعصمته وعلى فراشه وكأنه هو زوجها دخيل،محتل،مغتصب لحق ليس بحقه،رغما عنه إشتعلت نيران العزة والكبرياء بصدره وأمسك بمرفقها بقوة ينهرها:"توقفي عن النحيب والبكاء على رجل آخر بفراشي..أنا لست مصنوع من حجر"
ترك مرفقها حينما إزداد صوت نحيبها وانتفض جسدها ذعراً،وإزداد كرهه لنفسه بسبب رضوخه لوالده وموافقته على إتمام زواجه،ولم يجد مفر سوى مغادرته الفراش بعد منتصف الليل والتجول بالأرض فربما يطفئ الهواء البارد سعير ثورته.
نفض رأسه وعاد ليتنفس بقوة مجبراً عقله أن يدفع بذكرياته لزاوية مظلمة بعيداً،وتجلت بعينيه على الفور صورة زينة..أنفاسها،همهمتها بإسمه،خجلها،مداعبة أصابعها للحيته..لمسات يديها المضطربة المتعثرة بحياء على جسده،سعيها نحو ذراعيه حتى وهي نائمة،إبتسامتها التي تضئ بعينيها الناعسة ما أن تفتحهما وتراه يحدق بها.
تحرك نحو الداخل وأغلق الباب الزجاجي ذو الإطار المعدني للشرفة وإتجه نحو باب الحمام يسترق السمع قبل أن تلوح إبتسامة عابثة على وجهه ثم فتح الباب فجأة فهتفت زينة بتأنيب وخجل وهي تتمسك بالمنشفة الكبيرة التي تلتف حول جسدها:"علي!!"
إقترب منها ووقف خلفها أمام المرآة ثم أمسك بالمنشفة الصغيرة التي بيدها وبدأ بتجفيف شعرها بدلاً عنها بيد حازمة قوية ولكن بتمسيد لطيف مغمغماً:"تنطقين إسمي بخمسة طرق،هل تعرفين هذا؟"
رفعت عينيها لتلتقي بعينيه بالمرآة وإبتسمت بنظرة تساؤل متمتمة:"حقاً؟"
"نعم،الأولى حينما تخجلين حينها تتمتمين علي بنبرة منخفضة مرتجفة،الثانية حينما نتناقش بالعمل أو بأي موضوع جاد حينها تكون نبرتك واثقة حازمة ولكن باللحظة التي تتفوهين بها بإسمى أستمع للرقة والنعومة كلها تتجسد بالثلاثة حروف،الثالثة حينما أفعل شيء نهيتيني عنه مثل دخول الحمام الآن حينها تهتفين بنبرة بها تأنيب ودلال العالم كله علي،وللتو يذوب قلب علي"
أخفض رأسه ليقوم بتقبيل كتفها العاري فهمست بأنفاس مضطربة ونبضات قلب تخفق بعشقه":والرابعة؟"
"حينما تكونين قلقة من أجلي،مثل تلك الليلة بالبلدة حينما شاهدتيني أغادر المنزل ليلاً وحينما عُدتُ أيضاً حزين بسبب الحقيقة التي ألقاها سعد بوجهي..حينها كانت نبرتك ناعمة،حانية وكأنها تربت على قلبي"أضاف ويديه لازالت تواصل تجفيف شعرها الطويل بإهتمام.
"والخامسة؟"همست بوجنتين متوردتين من حرارة جسده التي إنتقلت لجسدها وشفتيه التي تنخفض بين الفنية والأخرى لتقوم بتقبيل كتفها.
ألقى بالمنشفة من يده ثم إستقرت يديه على كلا كتفيها قبل أن ينخفض ثانية ليقوم بتقبيل كتفها صاعداً للأعلى بتمهل لينثر قبلاته على طول عنقها وهو يهمس:"الخامسة حينما تكونين بين ذراعي..تهمسين بها بنبرة ناعمة مدللة عاشقة،لاهثة،خجلة..لتختذلي كل كلمات العشق في ثلاثة حروف هي إسمي"
"علي.."همست وهي تستند على جسده لتجد الدعم فساقيها أصبحت ترتجف كالهلام وعضلات جسدها تراخت.
"هذه هي الخامسة"همس من بين قبلاته قبل أن تلتف ذراعيه ليحتوي جسدها بالكامل معانقاً لها بقوة ثم أضاف:"ملكتِ القلب والعقل يا زينة النساء،حتى أصبحتُ أغرق بتفاصيلك"
إستدارت بين ذراعيه ووضعت يدها فوق صدره العاري بموضع قلبه لتشعر بخفقاته تداعب راحة يدها بينما عينيها تلاقي عينيه هامسة بمشاكسة:"عاشقة أنا يا سيد الناس..أليس هذا اللقب ما تناديك به روحية أحياناً؟"
ضحك عالياً فأضاء وجهه ولمعت عينيه وكأنه حينما فعل أضاء عالمها بوهج من آلاف النجمات..
"نعم هكذا تطلق عليّ روحية أو غيرها من نساء البلدة،لكنني أفضل أن تناديني علي فحروف إسمى الثلاثة تشتاق لو غابت عن شفتيكِ"
وضعت رأسها على صدره العاري فإنحنى يقوم بتقبيل جبينها قبل أن ينخفض فجأة ويحملها بين ذراعيه فشهقت:"علي!!"
"يا ويل علي من عشقك الذي يعصف بنبضات قلبه يا ضي العين"أجابها بينما يشعر بدمائه تتدفق بقوة بشرايينه وتسري بجسده بهدير صاخب يدوى بأذنيه فملامسة شفتيها لصدره بقبلة ناعمة كانت أكثر مما يحتمل ولكنهما يجب أن يذهبا للغداء بالفندق لذا عليه تأجيل خططه لما بعد.
"هيا أحضري مجفف الشعر،لأننا لو إنتظرنا أكثر من ذلك سينتهي بنا الأمر للخروج للعشاء بدلاً من الغداء"
إمتدت يدها نحو مجفف الشعر تلتقطه قبل أن يسير حاملاً لها عبر غرفة النوم ليجلسها فوق الفراش ثم جلس خلفها ووضع القابس في مصدر الطاقة وبدأ يساعدها بتجفيف شعرها فحاولت أن تستعيد مجفف الشعر من يده قائلة:"انه آمر لا يستحق دعني أجففه بنفسي"
"لا شيء بشأنك أو يخصك يمكنه أن يكون لا يستحق يا زينة القلب..ثم أنني أرغب في مساعدتك بتجفيف شعرك"
بعد نصف ساعة كانا بطريقهما للمطعم وما أن إستقرا بطاولتهما وطلبا الطعام حتى دق هاتف زينة ففتحت حقيبتها لتحضر هاتفها وحينما وجدت المتصل سلمى أنهت الإتصال وأعادت تشغيل شبكة الإنترنت قبل أن تكتب رسالة لسلمى:
(مرحباً سلمى،كيف حالك؟هل هناك حالة عاجلة؟)
(لست بخير يا دكتورة،لست بخير أبداً،ونعم أنا هي الحالة العاجلة،هل أطمع في أن تستمعي لي؟اعتذر على تطفلي فأنا أعرف أنك بشهر العسل مع زوجك)
كتبت سلمى بسرعة قبل أن تتراجع خجلاً فهي تدرك أنها تقتحم عطلة زينة حاملة لها مشكلة لا يجب أن تفكر بمثلها وهي بشهر العسل ولكنها لم تعد تحتمل فمنذ عدة أيام وهي تتجنب خالد ولا تتحدث معه ولكنها بحاجة لإستشارة ولا تعرف سوى زينة لتمنحها النصيحة.
(لا عليك سلمى،سأتصل بكِ)
كتبت زينة ثم رفعت عينيها نحو زوجها قائلة:"آسفة ولكن يجب أن أقوم بإجراء إتصال"
"بالطبع"همهم متأملاً ملامحها القلقة وهي تضغط إتصال على هاتفها.
"ماذا حدث سلمى؟"قالت ما أن إستمعت لصوت سلمى على الجانب الآخر من الهاتف.
واصلت الإستماع بصمت وبدا التفكير العميق على ملامح وجهها بينما على الجانب الآخر كانت سلمى تسرد لها ما حدث من زوجها ودموعها تنهمر على وجنتيها:"هذه ليست المرة الأولى يا دكتورة،لكنني هذه المرة رفضت ودفعته بعيداً،لم أستطع أن أجعله يفرغ نفايته بحيوانية وكأنني فتاة ليل جلبها من الشارع..لا أعرف كيف أخبرك بالأمر يا دكتورة ولكنه...إنه لم يستغرق أكثر من مجرد ثواني وكان قد إنتهى وإستدار مولياً ظهره لي..لم يكن يراني،لم يشعر بي،كان بعيداً..بعيداً جداً،لم يتحدث حتى معي،وكأنه لم يكن معي أنا"
"أين كان قبل أن يفعل ذلك؟"همست زينة بنبرة منخفضة عبر الهاتف فتواجدها بالمطعم جعلها حريصة بالرغم أن كل من حولها جنسيات مختلفة تثق أنهم لا يجيدون اللغة العربية ورغم ذلك وجدت أنها لاإرادياً تتلفت حولها وتتحدث بصوت منخفض.
"ماذا تعنين يا دكتورة بأين كان؟"سألت سلمى بحيرة وهي ترفع يدها لتجفف دموعها.
"أعني..ربما كنت ترقصين مثلاً كعادتك لقد مزحت حول هذا الأمر كثيراً معنا،أو ربما شيء من هذا القبيل...جعله.."تلعثمت وهي تتحدث على غير عادتها ولكنها كانت تدرك لتحديق علي بها ونظراته العابثة والذي بدا أنه مستمتعاً بخجلها.
"لا،لم أكن أرقص..خالد كان بالحمام في كل مرة فعلها،يغيب لأكثر من نصف ساعة بداخله وحينما يخرج يحدث ما حدث،وآخر مرة حينما رفضته كان بالغرفة بمفرده"
صمتت زينة قليلاً محاولة إستجماع أفكارها قبل أن تقول:"دعيني أخبرك بما أفكر به وإذا كان صحيح سنجد حل أعدك بذلك"
صمتت سلمى على الجانب الآخر من الهاتف تنتظر يترقب بينما أضافت زينة:"حسناً يجب أن تجدي وسيلة لتبحثي في هاتف زوجك"
ثم رفعت زينة عينيها نحو ملامح وجه علي المصدومة وواصلت:"إبحثي في متصفحات المواقع عن آخر عمليات بحث،إذا كان هناك مواقع أفلام إباحية ام لا..وعلى الفيس بوك إذا كان منضم لمجموعات تقدم محتويات إباحية..اذا وجدت أياً من هذا أخبريني فقط ومن فضلك لا تقلقي إنه نوع من الإدمان مثل التدخين أو الكحوليات أو لعب الميسر له علاج"
جففت سلمى دموعها وهي تهتف بغضب بدأ يستعر بصدرها:"ولما يلجأ لهذا؟إنه رجل متزوج،لما يحتاج لمثل هذه المواقع؟"
"ربما بالبداية كان الفضول أو البحث عن متعة جديدة ولكن بالنهاية تحول لإدمان..إبحثي سلمى ثم أخبريني بما وصلتِ إليه"
أغلقت زينة الهاتف باللحظة التي حضر النادل ووضع أطباق الطعام والسلطات ولكن حينما غادر رفعت عينيها نحو وجه علي قائلة:"بالطبع ليس من الصحيح أن تبحث بهاتف زوجها خلسة ولكن بهذه الحالة يجب أن تكتشف إن كان زوجها يعاني من هذا الإدمان أم لا"
أجلى علي حنجرته ثم قال:"البحث بهاتف زوجها خلسة ليس حلاً،يجب أن تواجهه،تتحدث معه عما يزعجها،الصدق والوضوح بين الزوجين مع عدم ترك تراكمات بصدر كل منهما..هذا هو السبيل للوصول إلى حاول جذرية لأية مشكلة تواجهم"
"وإذا كانت قد تحدثت وحاولت أكثر من مرة معرفة ما الذي طرأ عليه ليتبدل حاله بتلك الطريقة؟"وضعت زينة الشوكة من يدها وهي تنتظر أجابته.
"عليها أن تلجأ لطرف أكبر وأكثر حكمة من أهلهما"
"والده متوفي وكذلك والدها ووالدتها،وهم بالغربة لا أعمام ولا أخوال،ليس هناك من أهله سوى والدته وشقيقته الأصغر وكليهما ليس لديهما حيلة معه"قالت بينما وضعت قطعة من شريحة اللحم بفمها وحينما إبتلعتها أضافت:"لم ألجأ لهذا الحل معها سوى لأنني أعرف كل ظروف حياتها" صمت علي محاولاً إيجاد حلول أخرى فهو لم ولن يقتنع ببحث الزوجة خلسة في هاتف زوجها أو أوراقه أو أي شيء من هذا القبيل...لمحت زينة عدم الإقتناع على وجهه فأضافت بتساؤل ونبرة منخفضة:"لما يمكن أن يلجأ الرجل لهذا النوع من الأفلام أو المواقع؟"
"أياً كانت أسبابه فلا مبرر له،إنها معصية وإذا لم يكن يخاف الله فلن يردعه أحد"أجاب علي بنبرة حازمة غلب عليها لكنته الصعيدية الصارمة.
فإبتسمت زينة بتقدير وهي تتأمل الرجل الجالس أمامها ببشرته السمراء وملامح وجهه الجادة ثم أجابت:"يا دكتور نحن أخصائيين علم نفس،ولدينا شهادات عديدة في ذلك التخصص،أنا معك أن هذا النوع من الإدمان معصية ولكن أليس إدمان الكحوليات أيضاً معصية؟الله يقبل التوبة ونحن علينا أن نصل للسبب الذي سهل له المعصية ونعالجه وهذا أفضل من أن نستسلم ونتركه غارق بها"
"وما السبب الذي تعتقدي أنه دفع بزوج هذه الحالة لهذا النوع من الإدمان؟"سألها بينما بداخله يدرك أن زينة ستكون صوت العقل المتروي أمام عصبيته وحميته.
"لا أعرف حقاً،زوجته إمرأة جميلة تهتم به لأقصى حد،تزوجا عن قصة حب،علاقتهما الزوجية على ما يرام تماماً حتى وقت قريب..ربما الفتور؟أو الإعتياد؟أو مرض ذكوري يتسبب له بمشكلة ما يحتاج معها الإثارة حتى يقوم بواجباته الزوجية فلجأ إلى هذا البديل بدلاً من الحرج من إخبار زوجته أو العلاج؟"تحدثت زينة بمهنية شديدة بينما عيني علي تراقبها بإبتسامة فهي حين تتحدث بمهنية تنسى خجلها وتتحرر من حياء الأنثى بداخلها.
"كلها أسباب واردة ولكن كيف ستصل زوجته للسبب الحقيقي؟"
"علينا أن نتأكد أولاً من أنه يعاني هذا النوع من الإدمان وبعدها سنجد الحل بالتأكيد"أجابت بثقة وحزم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي