الفصل الرابع

راقبها بينما تفتح الحقائب الكثيرة التي نتجت عن رحلة تسوقهم وهو يبتسم فقد بدت بعينيه أكثر جمالاً من فتيات أوروبا،بشعرها الأسود الذي إكتسب مع الوقت والعناية لمعاناً وبريقاً جذاباً وعينيها التي تكحلت بمهارة على يد خبيرة تجميل تابعة للفندق الذي يقيمان فيه..إبتسم وهو يتذكر مدح خبيرة التجميل في نقاء بشرة زوجته ولونها الخمري وإمتن من نفسه لأنه لم يوافق على قدوم رجل لتزيين زوجته وأصر عليهم بأنه يريد إمرأة.
إمتدت يدها للخلف تحاول فتح سحاب فستانها الطويل الذي يصل حتى كاحليها فأسرع نحوها وأمسك بيدها ليقوم بتقبيلها ثم فتح سحاب الفستان ببطئ قبل أن ينحني ليقوم بتقبيل ظهرها العاري مغمغماً:"هل أنتِ سعيدة غاليتي؟"
همهمت وهي تستند لصدره:"إنني سعيدة للغاية"
إتجهت يديه لتدفع الفستان عبر كتفيها ثم مرره عبر خصرها حتى إستقر أسفل قدميها فإمتدت يديه تجوب جسدها بتملك وهي تقف بين ذراعيه ترتجف من أثر لمسات يديه الخبيرة والتي يعرف تماماً لأين يوجهما فيسرق بهما أنفاسها وينتشي بسماع لهاثها بإسمه:"رشوان!!"
"غالية رشوان أنتِ وكنزه"همهم بجانب أذنها وهو ينثر قبلاته على طول عنقها بتمهل شديد مثير يدفع بعقلها ليدخل بغفوة بينما يستسلم جسدها له طواعية فيمنحه الزهو والفخر بذكورته وهيمنته.
إلتفت بين ذراعيه تطالبه بالمزيد وهي ترفع شفتيها نحوه فهبطت شفتيه تلتقم شفتيها بعمق بينما إستدارت راحة يده حول مؤخرة عنقها لتثبتها حتى ينتهل من شفتيها الدافئتين متذوقاً متعة هيمنته وقدرته على جسدها الفتي الغض من بين تنهداتها وهمهمتها...إمتدت يديها لتتسلل أسفل التيشيرت البولو الأبيض ولكنه أوقفها قائلاً:"إن فعلتِ لن نغادر الغرفة،ولدينا رحلة بحرية يجب أن نغادر الآن حتى نبدأها،ستكون تلك المرة الأولى التي تركبين بها يخت ولا يجب أن تفوتك"
تنهدت بإحباط بينما لازال يمسك بكلتا يديها بين يديه فرفع كلتا يديها لشفتيه يقبلهما قبل أن يغمز بعينه قائلاً:"يمكننا إستكمال ما بدأناه باليخت"
عادت ذراعه لتلتف حول جسدها وهو يلتقط سروال أبيض واسع مع تيشيرت أزرق شاحب بلون البحر ووشاح أبيض إزدان بورود صغيرة بدرجات اللون الأزرق والوردي ثم أضاف:"هذا سيكون مناسب لرحلتنا"
تنهدت بعمق قبل أن تبدأ بإرتداء ملابسها فقال:"سأقوم بإجراء إتصال هاتفي مع عامر لأطمئن على سير العمل حتى تنتهي من إرتداء ملابسك"
استدار تاركاً إياها فتنهدت بإحباط وألقت بجسدها على الفراش وهي تستمع لضحكته الفخورة قبل أن يخطو نحو الشرفة الخارجية مغلقاً الباب الزجاجي خلفه..
"تم الانتهاء من التفاوض،أيام ويصل السياح لأولى محطات توقفهم،إستعد لأنهم سيصلوا خلال أسبوع على الأكثر..أعد لرافع مكافأة نهاية الخدمة وقل له وداعاً"
"علم يا حاج،سيكون كل شيء على ما يرام"
"لا تهمل عملك،ولا أريدك بالقرب من السياح أبداً،دع الرجال يرحبون بهم،وإبقى بعيداً"واصل رشوان بتأكيد صارم على ولده.
"حسناً والدي سأكون بمقر وزارة الخارجية طوال اليوم فلديّ عمل كثير مؤجل إذا أردت شيء إتصل بي"
أغلق رشوان هاتفه وإلتفت نحو زوجته الشابة فوجدها إنتهت من إرتداء ملابسها فغادر الشرفة متجهاً نحوها:"النظر بعينيك بهجة للروح يا غالية"
إرتفعت أطراف أصابعه ليلامس وجنتها هامساً بلحظة ضعف نادراً ما تسطيع ان تسيطر عليه وتتغلب على عقله:" تحبيننى غالية؟"
كادت أن تتحدث ولكنه وضع يده على شفتيها يمنعها من التحدث حينما سيطر على لحظة ضعفه الإنسانية:"لا تكذبي،لست بحاجة لذلك..أخبرتك منذ أول يوم إن كنت تريدين الإحتواء والتقدير ستجدينه بسخاء،وإن كنت تريدين المال سألقي به تحت قدميك بالمقابل أريد إخلاصك وولاءك فقط...لم أطالبك بالحب غاليتي فلا تدعيه"
"لما تقول هذا الآن؟"غمغمت بدهشة وبعض الإضطراب الذي لم يخفى عن عينيه ولكنه فسره بأنها لا تعرف كيف تجيبه على سؤاله الذي بلغتها.
وضعت رأسها على صدره حتى تهرب من نظرات عينيه التي تشعر بها وكأنها تخترق روحها وتكشف خباياها ثم أضافت:"ولما أدعي الحب وهو يستوطن قلبي ويخفق بإسمك"
"تحبين رشوان غالية؟أم تحبين ما تشعرين به مع رشوان؟"همهم وذراعيه تتشدد من حول جسدها.
"وهل هناك فارق بينهما؟"سألته بنبرة حائرة فضحك عالياً ليخفي أفكاره خلف ضحكته ويجيبها بمرح كاذب:"لا..ليس هناك فارق بينهما وأعرف أنكِ تحبين ما تشعرين به مع رشوان البنا،بفراشه أو خارجه"
إبتسمت بإضطراب وقلق فنبرة صوته لم تكن ما إعتادت عليها بل هناك تهكم مرير مر من بين كلماته أو هكذا تخيلت!!
"هيا حتى لا نتأخر"أضاف وهو يضع يده على ظهرها بوجهها نحو باب جناحهما بالفندق.
حينما إستقر بالمقعد الخلفي بجانبها بسيارته المؤجرة دق هاتفه فأجابه يستمع للطرف الآخر بصمت حتى قال أخيراً:"دعه ينل منه،سيستغرق الوصول لأمر بالقبض عليه أكثر من أسبوع"
أغلق الهاتف ولاحظ نظرات عينيها الفضولية فقال:"الرجل هذا رافع التي توسطت ليعمل معنا أتتذكريه؟"
"نعم،زوج إبنة أم سالم"أجابته على الفور وقد إزداد شعورها بالفضول.
"هناك حكم قضائي ضده لأنه قام بتزوير عقد بيع المنزل الذي كان يقيم به مع طليقته،وتم صدور حكم بالفعل ضده"أضاف بلا مبالاة.
"حقاً؟!وماذا ستفعل؟"سألته.
"لن أفعل شيء،سأترك القانون يأخذ مجراه،إنه يستحق ما إقترفته يداه،فالوضيع إستحل الإستحواذ على أموال النساء"أجابها بإشمئزاز ثم أضاف هامساً بنبرة منخفضة حتى لا يسمعه السائق العربي الذي طلبه:"والآن دعك من رافع...وأخبريني هل أنت جائعة للغاية أم يمكنك تناول الطعام لاحقاً،فأنا أتوق لإستكمال ما بدأناه بجناحنا"
بالبلدة وحينما أغلق رشوان الهاتف مع ولده رفع عامر عينيه نحو سالم قائلاً:"إبدأ بتجهيز مهمة التمويه التي سيبتلعها رافع...وإفتح المدفن وأعده لإستقبال المغفور له،سيصل خلال أسبوع وسنعرف الساعة تحديداً واليوم قبل وصوله بساعات"
***************
سار بطريقه لغرفته بخطوات بطيئة متمهلة،يقدم قدماً ويؤخر الأخرى بينما يتمتم محدثاً نفسه:"ماذا يحدث لك يا عبد الرحيم؟أيجب أن تذهب للطبيب؟واذا ذهبت ماذا ستخبره؟أنك تتبول على الفراش كالصبية الصغار أم ستخبره أنك لا تستطيع معاشرة زوجتك؟ستكون فضيحة ستلوكها ألسنة أهل البلدة،سيشمت بك القاصي والداني،ستكن مسخرة البلدة...يا مرارك يا عبد الرحيم لو علم أولادك لن يتوانى سعد في رفع قضية حجر ضدك وسيلقي بك بدار المسنين"
إرتجفت يده وهو يرفعها ليضعها على مقبض باب غرفة نومه وتذكر صراخ سعد وغضبه حينما ألقى بإقتراح وضع زوجته الأولى بدار مسنين في عامها الأخير قبل موتها حينما لم تعد قادرة على مغادرة الفراش،سليمان وناجي إعترضا ولكن بهدوء وبعد أن رتبا له الإقامة بالقاهرة بعيداً عن والدتهما وتركوها برعاية سعد و سعدية بينما كل منهما كان يقضي معها عطلة نهاية الأسبوع بالتبادل لكن كل ما فعلوه مع والدتهم هو على يقين أنهم لن يكرروه معه بل سيلقوا به بدار للمسنين...دخل الغرفة فوجد الملاءة المبللة ملقاه على الأرض وصبا تقف أمام المرآة تجدل ضفيرتها وتصفف شعرها فإتجه نحوها راغباً في تفريغ غضبه والشعور بأنه لازال يمسك بزمام الأمور،وإمتدت يده ليجذبها من جديلتها بقوة وهو يغمغم بنبرة حادة منخفضة:"لما لم تغسلي الملاءة والملابس حتى الآن يا بومة يا إبنة الأفاعي؟"
إلتفتت تنظر نحوه وهي تزم شفتيها وتضغط على أسنانها تناظره بنظرة تمتلئ بالتحدي قبل أن تنحني رأسها فجأة وتقضم يده التي تمسك بجديلتها بقوة فصاح متألماً بينما هتفت به:"تنام بجواري كوالدتي العجوز،ولا أحصل منك سوى على تردد نخيرك العالي طوال الليل كالغراب الذي ينعق بدون توقف،وحينما أستيقظ أغسل قذارتك..."
تقدم منها ورفع يده رغبة في صفعها ولكن بكل ما إمتلكت من قوة أستطاعت أن تستجمعها دفعته بصدره فتقهقر للخلف حتى إصطدم بالخزانة من خلفه فأمسكت بعصاه التي يعلقها على ظهر الفراش ثم إتجهت نحوه تغمغم بكراهية ونبرة غاضبة حادة:"إياك أن تفكر بأن تفعلها ثانية لأنني لن أقف أنتظر منك أن تنتهي،هل تفهمني؟"
اتسعت عينيه بصدمة يكاد لا يستطيع أن يصدق ما حدث ونظراته تنتقل ما بين العصا وبينها فتملكها شعور بالقوة والشماتة وسيطر على قلبها جاعلاً إياها تشعر بنشوة الغلبة وهي ترى الصدمة بعينيه وكأنه يتوقع أن تضربه فتمتمت بصمت بداخل عقلها:"نعم صبا لقد أستطعت منعه الآن من إيذاءك مرة أخرى،ولن تتراجعي خطوة واحدة للخلف بعد الآن"
بدهاء ومكر لم تكن تعتقد أنها تملكه ألقت بالعصا بعيداً قائلة بنبرة مهادنة:
"لما دفعتني لذلك؟إنني أغسل الملاءات وملابسك بكل مرة تتبول على الفراش لكن سعدية مستيقظة وصوتها بالردهة كانت تحمل الفطور للرجال"
إبتلع لعابه بصعوبة فربتت على كتفه وهي تلقي إليه بكلمات تريد أن تختبر أثرها عليه:"لا تخشى شيء لن أجعلها تراهم،لكن يجب أن تجد حلاً..لما لا تذهب لطبيب؟"
"لا..لا"هتف بذعر فأومأت بإبتسامة متهكمة قائلة:"نعم بالطبع ستكون فضيحة،الصبية بالبلدة سيتغنون بها بالطرقات وتخيل لو علم أولادك"
لوت شفتيها المزمومة يميناً ويساراً ثم أضافت:"ستكون فضيحة تلوكها ألسنة النساء بالبلدة ويتندر بها الرجال بالمقاهي، سيجد أهل البلدة ما يتسلون به"
"هيا إرتدي جلبابك وعباءتك يا سيد الرجال"أضافت مواصلة تهكمها وسخريتها منه وهي تنحني لتحمل الملاءة والملابس بينما إستدار بخزي وعار يرتدى الجلباب الذي وضعته له على الفراش ووضع العباءة فوق كتفيه وحينما إنتهى قالت له محاولة توجيه غضبه نحو سعدية:"إهبط أولاً حتى تلهيها وأمر بدون أن تراني"
غادر الغرفة فهبطت خلفه بدون أن تنتظر وما أن رأتها سعدية التي تقف بمنتصف البهو حتى قالت:"ما هذا الذي تحمليه؟ألم تستبدل الملاءة بالأمس؟"
لوت شفتيها وهي تخطو هابطة درجة لتقف بجوار عبد الرحيم قائلة:"أخبرها أنت،يا سيد الرجال"
تعمدت الكلمة ليفهمها كل منهما كما يهوى،فوقعت على أذني سعدية بأنها تستبدل الملاءات بعد معاشرة عبد الرحيم لها فأصاب الدهشة المرأة الأكبر عمراً وبدى الفضول على ملامح وجهها فهي تعرف أن صبا تضع الأعشاب حتى لا يقوى على معاشرتها،فتساءلت بصمت هل نفذ ما لديها من أعشاب؟أم تناول المنشطات طغى على مفعول الأعشاب؟
بينما وقعت الكلمة على أذن عبد الرحيم وكأنها تواصل تهكمها من عجزه وشعر بالخزي من نظرات سعدية المحدقة بفضول فيما تحمله صبا فإندلع غضبه وهبط ما تبقى من درجات ثم أمسك بمرفق سعدية قائلاً:"ما شأنك أنتِ لما تستبدل الملاءات؟ تضعين أنفك بكل كبيرة وصغيرة حتى تنقليها لهم بالقاهرة وتوشين بها لسعد"
دفعها أمامه وهي تتأوه بعدم تصديق فمنذ زمن طويل لم تتطاول يده عليها،ظل يدفعها حتى وصل لباب المنزل فصاحت بصدمة والدموع إندفعت فجأة بعينيها فصاح بها بغضب بينما تتمسك بحافة الباب الخشبي:"لا أريد أن أرى وجهك الشؤم هذا مرة أخرى بمنزلي"
"هل تطردني بعد هذا العمر يا حاج،لقد أفنيت عمري بهذا المنزل؟"تمتمت من بين دموعها ثم أضافت:"أقسم أنني فقط كنت أطمئن أولادك بشأنك"
فدفعها بقوة حتى سقطت أرضاً ولازالت تحت تأثير الصدمة تفكر بأنه بالنهاية سيتراجع ولن يجبرها على مغادرة المنزل ولكنه هتف على سائقه:
"أنت يا رجل،إصطحب تلك المرأة للمزرعة وألقي بها هناك لدى سعد ولا تدعها تعبر تلك البوابة مرة أخرى"
إندفعت صبا بعد أن تخلصت مما تحمله نحو الباب الخشبي ثم وقفت تسترضيه وبنبرة مهادنة تتوسل له:"إجعلها فقط تجمع أغراضها يا حاج،ستغادر كما أمرت ولكن دعها تجمع ملابسها من غرفتها"
إقتربت منه ثم وضعت يدها على كتفه وكأنها تحاول أن تسترضيه مرة أخرى ليقتنع ثم همست من بين أسنانها:"اذا ذهبت بدون أغراضها ستكون فضيحة لك،فكر بغضب أولادك،فكر بأن سعد بالتأكيد سيحضر ليحزم أمتعتها وسيدب بينكما شجار"
إبتلع لعابه ببعض الإضطراب ثم هتف:"حسناً دعيها تجمع أغراضها ولكن خلال ساعة على الأكثر تكون غادرت المنزل تلك الواشية الحقيرة"
إستدار عائداً لداخل المنزل بينما إنحنت صبا تمسك بمرفق سعدية تساعدها لتقف قائلة:"هل هذا رجل تبكين من أجل البقاء معه؟لقد طردك بعد كل هذا العمر،إنه رجل جاحد لا يبقي على أحد،لقد ألقى بك اليوم وأنا سألحق بك قريباً"
سارت معها حتى غرفتها بينما المرأة تهز رأسها بصدمة والدموع تنهال من عينيها بلا توقف وهي تنظر حولها بالمنزل الذي شهد صباها وكبرها وكأنها تحفظ تفاصيله قبل أن تغادره،لقد إعتقدت أنها ستخرج منه على قبرها،كيف أستطاع أن يطردها؟
"طردني من منزله!! إنني لا أصدق أنه أستطاع أن يفعل ذلك"همهمت المرأة وهي تلقي بملابسها بداخل حقيبة كبيرة ثم إقتربت من الخزانة تريد أن تخرج عمامته من الموضع الذي تخفيها به فرفعت عينيها لتنظر نحو صبا بشك وريبة بينما تتساءل عن سر تقبلها لعبد الرحيم منذ بعض الوقت.
إنحنت تخفي عمامته ووشاحه بداخل جلبابها قبل أن تلتفت وتضع الجلباب بالحقيبة ثم عادت لتحدق بوجه صبا تحاول معرفة ما تخفيه وقالت:"ما الذي فعلتيه أنتِ أيضاً يا ابنتي ليلقي بكِ؟"
أضافت صبا بدهاء حينما لمحت عينين المرأة التي تحدق بوجهها وكأنها تريد سبر أغوارها:"الأعشاب نفذت وخالتي فضيلة ليس معها مزيد من المال لتبتاع لي المزيد،لذا قررت منذ بعض الوقت أن أستسلم خالتي حتى تنتهي أيامي بهذا المنزل،فأصبح يعاشرني كل ليلة وفقط منذ عدة أيام بدأ يعاشرني مرة أو إثنتين بالأسبوع لذا أعتقد أنه بدأ يسأم مني"
************
جلس القرفصاء على الأرض واضعاً إحدى يديه بجانب رأسه المنخفضة،يستند عليها وكأن الهموم أثقلتها ولم يعد يستطيع رفعها، بينما يده الأخرى مقيدة بأصفاد يتشاركها مع سائق السيارة النقل الذي بدا هادئاً للغاية ويدخن التبغ متبادلاً الكلمات والضحكات مع عسكري الشرطة الذي اصطحبهما من قسم الشرطة متجهاً بهما نحو مقر النيابة العامة،ألقى نظرة مندهشة نحو السائق الذي لا يبدو مطلقاً وكأنه يشاطره نفس الهم والكرب باللحظة التي هتف أحدهم بإسم السائق معلناً أن السيد وكيل النيابة العامة يطلبه للتحقيق فحل العسكري يد السائق الذي خطى لداخل المكتب المجاور بهدوء بينما بقيّ رافع بالخارج ينتظربهلع..وما أقسى دقائق الإنتظار حينما تكن حياتنا على شفي الهاوية،فالإنتظار في حد ذاته يُطيل الوقت ليبدو دهراً بالرغم من أنها قد تكون عدة دقائق،فحينما تخشى المجهول وتظل تنتظره حينها تعيش لحظات رعب قد تقتلك ببطئ.
حينما إلتقطت أذنيه صوت مقبض الباب يدور انتفض ناهضاً من جلسة القرفصاء وحاول ان يقترب من السائق الذي غادر غرفة التحقيق ولكن العسكري جذبه ليعود مكانه فتوسل وهو يستدير نحو رجل الشرطة:"دقيقة واحدة فقط"
إقترب من السائق وهمهم بنبرة منخفضة:"ماذا حدث بالداخل؟ولما لم يرسل الحاج رشوان لنا أي محامي حتى الآن؟"
ضاقت عيني السائق بدهشة وأجاب بنبرة مرتفعة:"وما شأن الحاج رشوان البنا بما ضبطته الشرطة ببضاعتك؟"
إتسعت عيني رافع بذعر صائحاً:"ماذا تقول؟!بضاعتي؟!أية بضاعة؟وما الذي تعنيه أن لا شأن لرشوان البنا بها؟"
الصدمة قبضت قلبه وجعلت ساقيه ترتجفا برعب حقيقي مستشعراً أنهم يريدون ان يورطوه وحده بالقضية لتصبح أكثر إحكاماً حول عنقه،فمنذ أن دخلا غرفة الحجز بعد القبض عليهما والسائق هادئ مرح وكأنه لا يبالي بما حدث،والأكثر عجباً أن الطعام والتبغ والمياه الباردة كانوا يصلونه بغرفة الحجز ثلاثة مرات باليوم!
جذبه العسكري من يده بعيداً عن السائق حينما هتف صوت بإسم رافع مستدعياً إياه للتحقيق،فحرر رجل الشرطة يد رافع من الأصفاد ودفعه لداخل غرفة التحقيق..حينما وقف أمام وكيل النيابة بمكتبه أشار له الرجل ان يجلس بالمقعد المقابل للمكتب وبدأ:"وقد حضر أمامنا نحن أحمد الأسيوطي المتهم رافع الحناوي فواجهناه بالتهمة الموجهة إليه"
إلتفت وكيل النائب العام نحو رافع الذي إزدرد لعابه بصعوبة محاولاً إستيعاب فداحة الإتهام الموجه إليه بكتفين تهدلا فجأة من الشعور وكأنه عود يابس لا جذر له ولا وتد تذروه الرياح بلحظة فيسقط وحيداً بلا عون..
"رافع،المحضر الذي أمامي يقر بأنه تم ضبط سبع قطع سلاح آلي وخمسة بنادق كيشن تركية الصنع وعدد واحد رشاش آلي عيار 7.62 م وعدد عشرة مسدسات جلوك عيار ٩ ملي تركي الصنع مع عدد خمسة صناديق طلقات،جميعها كانت مخبأة في أجولة القمح المحملة على السيارة التي تحمل رقم ن ط ١٦٨"
سقطت الكلمات الرسمية على أذني رافع وهو يهز رأسه وتتسع عينيه بفزع وأجاب:"يا مرارك الطافح يا رافع! أقسم لك يا سيدي أنني لا أعلم شيء عن تلك الأسلحة،كيف لرجل مثلي لا يملك قوت يومه أن يكون لديه المال لشراء كل هذه الأسلحة؟إنني مجرد أجير لدى الحاج رشوان البنا،أفرغ السيارة وأعبئها وأصطحب السائق بالطريق"
"هذا ليس ما ذكره سائق السيارة والشهود،السائق أدلى بالتحقيقات أنك أنت من إستأجرته بغرض نقل أجولة القمح التي تم ضبط الأسلحة مخبأة بداخلها،وأقر أنه يعمل حراً على سيارته وقد شهد عدد من الشهود على صحة أقواله"
رفع رافع كلتا يديه ليضرب وجنتيه كالنساء وهو يهتف:"أقسم لك يا سيدى أنا أعمل لدى الحاج رشوان البنا،ولا أعرف أي شيء عن السيارة أو ما تحمله،ولم أتفق مع السائق على نقل أي شيء،ولا أعرف سوى أن هذه السيارة ملك للحاج رشوان البنا"
"السيارة ملك لسائقها حامد الضبعان ومعه وثيقة ملكيتها التي قدمها لنا"أكد وكيل النيابة.
عاد ليضرب بكلتا يديه على رأسه محاولاً أن يفهم ما يحدث فالسائق وكأنه يريد إقصاء مسؤلية رشوان البنا عن القضية ولكنه بفعلته هذه يورطهما وبالرغم من ذلك يبدو هادئاً..
"يا سيدي أنا أتلقى أوامر العمل من الحاج رشوان البنا وولده عامر،وكل ما طلبه مني سالم هو أن أصطحب السيارة حتى القاهرة"
"ومن سالم هذا؟"
"إنه شقيق زوجتي ويعمل أيضاً لدى رشوان البنا منذ سنوات طويلة"
"هل لديك أقوال أخرى؟"سأل وكيل النائب العام.
فهز رافع رأسه بيأس وحينها واصل وكيل النيابة:
"أمرنا بإحتجاز رافع الحناوي على ذمة القضية،مع مراعاة توقيت التحقيقات الجارية في القضية الأخرى المنسوبة إليه واستدعاء كل من رشوان البنا وعامر رشوان البنا للإدلاء بأقوالهما"
"قضية!!قضية أخرى!!بالله عليك سيدي انا لا أفهم شيء مما قلته للتو،أية قضية أخرى التي سيتم التحقيق معي بشأنها؟"هتف رافع بجزع وهو يرى مساعد وكيل النيابة يدون بينما يضغط وكيل النائب العام على زر فدخل عسكري على الفور متقدماً نحوه وبيده الأصفاد فهرع رافع يلتف حول المكتب منحنياً على يد وكيل النائب العام ليقبلها بذل متوسلاً:"بالله عليك سيدي انا لا أفهم شيء،أقسم أنني لا أعرف من أين آتى هذا السلاح ولم أراه مطلقاً قبل اللحظة التي فتح بها الضابط الأجولة"
"يجب أن تخبر أحد من عائلتك حتى يعين لك محام القضيتين كبيرتين،هذه نصيحتي لك"قال وكيل النائب العام بنبرة حازمة هادئة ثم أضاف:"قضية التزوير بأوراق حكومية أول جلساتها خلال أيام كما هو مذكور أمامي إذا كنت لا تعرف،وتم تمكين الورثة من المنزل محل النزاع"
وقف رافع يضرب على رأسه بكلتا يديه وهو يهتف والدموع قد تجمعت بعينيه:"يا ويلك يا رافع...قضيتين! من فضلك سيدي إسأل الحاج رشوان،القمح من أرضه والسيارة من أسطول سياراته"
جذب العسكري يده ووضع حولها الأصفاد بعد أن هتف وكيل النائب العام:"هيا إصطحبه للخارج"
والتفت نحو مساعده يمليه:"أمرنا نحن أحمد الأسيوطي وكيل النائب العام بإستدعاء كل من رشوان البنا و عامر رشوان البنا لمقر النيابة لإستجوابهما"
بذات اللحظة التي تم إستخراج أمر من وكيل النائب العام بإستدعاء رشوان البنا كان الأخير يخطو لداخل منزله بهدوء وأريحية بالرغم من توقعه لطلب الإستدعاء ثم معرفته به من رجاله بداخل مقر النيابة فور أن صدر طلب الإستدعاء من فم وكيل النائب العام،لكن هل يمكن لتلك السخافات أن تقلق رشوان البنا حقاً؟
إلتفت نحو غالية قائلاً:"هيا غاليتي إسبقيني لغرفتنا لديّ بعض الأعمال التي لا أستطيع تأجيلها،وبينما تنتهين من تفريغ الحقائب أكون قد إنتهيت منها"
قطبت جبينها بضيق وإستدارت لتقف أمامه قائلة بدلال:"لقد عُدنا للتو ويجب أن تستريح،يمكن للعمل ان ينتظر"
"رشوان البنا لم يكن بحاجة أبداً للراحة يا غالية"تمتم مداعباً وجنتها بإبهامه بينما نطق إسمها وكأنه يتذوق ويؤمن بكل حرف به،يؤمن بمعناه فهي غاليته!
للحظة شرد حتى أنه لم يستمع لأجابتها بينما عقله يوقظه متسائلاً:"هل أحببتها؟منذ متى وقلب رشوان البنا يخضع لضعف العشق؟!"
"حبيبي!أين شردت؟"تساءلت ببعض الحيرة فهو بدا وكأن شيء ما أسعده للحظة وباللحظة التالية وكأنه شعر بالضيق.
ناظرت عينيه عينيها متأملاً بعمق وكأنه يريد سبر أغوار روحها قبل أن يقول محاولاً تشتيت إنتباهها:"شردت في المفاجأة التي أعددتها من أجلك"
"حقاً؟هل أعددت لي مفاجأة؟"إتسعت عينيها بدهشة وتساؤل بآنٍ واحد،فهل لازال يدخر لها مفاجأت!
"لن أخبرك بها الآن،حينما أنتهي من العمل سأصعد وألحق بك"قال بعجالة قبل أن ينحني بردهة المنزل على غير عادته ويُقبل جبينها متسائلاً:"هل أنتِ سعيدة غاليتي؟"
رفعت عينيها تتأمله بمزيد من الحيرة فهو يبدو على غير طبيعته منذ عدة أيام ولكنها أجابت:"إنني سعيدة للغاية"
تركها فجأة وإتجه لمكتبه فهزت كتفيها بعدم فهم وصعدت للأعلى تاركة إياه يتخبط بمشاعره الجديدة تماماً عليه..جلس خلف مكتبه الخشبي ثم فتح اللابتوب فظهرت غرفة نومهما أمامه ولحظات حتى رآها تفتح الباب ثم بدأت بنزع ملابسها فتأملها متمتماً لنفسه:"بالتأكيد يجب أن تؤثر بك يا رشوان،إمرأة شابة صغيرة وجميلة،ذكية،إمرأة أنوثتها تستفز كل طاقتك فتجعلك ترتجف في قربها شغفاً..لا شيء أكثر من ذلك ولا يجب أن يكون"
إبتسم حينما وقفت أمام المرآة تتمايل بخصرها في فستان قصير للغاية أغرمت به فإشتراه على الفور على أن ترتديه من أجله فقط ولا تغادر باب غرفتهما به..بدت جميلة للغاية بشعرها الأسود الذي يتمايل خلف جسدها،ببشرتها الخمرية وأنوثتها التي تستفزه بدون أن تعلم وتدفعه ليغادر مكتبه تاركاً كل شيء خلفه ليقتطف ثمار جسدها اليانعة..تنفس بقوة محاولاً السيطرة على رغبته وأجبر عينيه على الإبتعاد عنها ولكنه فجأة لمحها ترفع الهاتف وتلتقط صوراً لها،فخاطب نفسه بأنه يجب أن يحذرها من إلتقاط صور بملابس عارية مرة أخرى،وسيحذفها من الهاتف بنفسه،لقد حذرها برحلتهما من نشر أية صور لها على أيٍ من وسائل التواصل الإجتماعي حتى ولو عن طريق الخطأ فمنذ سافروا وهي أصبحت مهووسة بالتصوير،و إلتقطت الكثير من الصور له بمفرده ولهما معاً.
دقات على الباب جعلته يرفع عينيه بعيداً عن اللابتوب قبل أن يغلقه ثم قال بنبرة متزنة:"تعالى يا عامر"
دخل ولده لغرفة المكتب وجلس على المقعد المقابل لوالده ثم قال:"حمداً لله على سلامتك والدي..أعلمت بأمر الاستدعاء؟"
"نعم ولكن دعك من تلك الصغائر وأخبرني هل إتفقت على موعد تسليم السلاح للحاج عبد الغفار؟"
"سيتسلم طلبيته منتصف ليل الأربعاء القادم،والشيخ جمال سيتسلم طلبيته غداً فجراً"
أومأ رشوان ثم أضاف:"هل أرسلت محامي لحامد؟"
"أرسلت له المحامي،وأكد لي أن النيابة لن تستطيع إثبات أي شيء ضده فهو رتب كل الأوراق والشهود بحيث يتم الإفراج عن حامد من سرايا النيابة وقبل أن يصل للمحكمة،ولقد مر سالم على زوجة الرجل وترك لها مبلغ من المال"
"حسناً،هل لديك معلومات من رجلنا بالمحكمة عن قضية التزوير المتورط بها رافع؟"سأل رشوان بينما ينقر بالقلم فوق سطح مكتبه الخشبي.
"المحامي التابع لعلي القاضي أعاد إستخراج الأوراق التي فُقدت وصدر قرار بتمكين الورثة من الدار،أما قضية التزوير فقد تم تأجيلها للنطق بالحكم وحدد لها موعد بأول الأسبوع القادم"
"اذاً كل شيء يسير على ما يرام،مر عليّ بالصباح الباكر لنذهب للنيابة معاً وإنصرف الآن فلديّ عمل يجب أن أنتهي منه"
بالأعلى كانت غالية قد أفرغت الحقائب وجلست بمنتصف الفراش تتفقد حسابها على الفيس بوك فمنذ أن سافرت بالكاد كانت تهتم بتفقده،فكل شيء شاهدته كان مبهراً ولم تمر بها لحظة ملل واحدة بصحبة رشوان فهي للمرة الأولى ترتاد فندق وياله من مكان فخم!لكنها لم تلحظ أنه كان خجلاً من جهلها بالتعامل مع أبسط الأشياء من حولها بل كان صبوراً للغاية وهو يساعدها بتعلم إستخدام البطاقة الممغنطة أو وهو يساعدها في اختيار الطعام التي لم تراه أو تسمع عنه من قبل...صبوراً للغاية وهو يتجول بها بين المحال المختلفة ولم يتوانى عن شراء أي شيء وقعت عينيها عليه،ورغم كل هذا فهناك شيء لا تستطيع فهمه يجعله ينظر لها بطريقة مختلفة عما إعتاده!
فركت بأناملها جبينها ثم تمتمت بتساؤل:"هل الحاج رشوان البنا أحبك يا غالية؟لو حدث هذا سيكون رويداً رويداً كالخاتم بإصبعك،فقط لو كنتِ تحملين طفله حينها ستملكين كل شيء"
لامست بطنها بتمني فدورتها الشهرية تأخرت عدة أيام ولكنها لا تريد أن تخبره بشيء حتى تتأكد...زفرت بقوة وملل وهي تستبدل حساب الفيس بوك وتفكر بأنها يجب أن تضع نهاية لحديثها مع خالد لكن ليس قبل أن ترسل لسلمى ما يؤرق حياتها ويخبرها أين إنتهى الحال بها،وحينها ستظهر بحسابها الأساسي وتجعلها ترى أين أصبح مكان غالية التي تجاهلتها هي ومليكة ولم يسمحا لها بالتقرب منها.
قطبت جبينها وهي تحدق بنافذة الدردشة بينها وبين خالد فرسائله توقفت منذ عدة أيام على خلاف الأيام الأولى من سفرها وجدت العديد والعديد من رسائله بتوقيتات مختلفة لذا إنتابها الشك،هل علمت زوجته؟ فأرسلت له رسالة على الفور فوفقاً لمواعيد عمله التي أخبرها بها فعلى الأرجح هو بمنزله الآن.
(هل إفتقدتني؟لقد عدت)
لم تجد أجابة منه فواصلت إرسال رسائل متكررة :(خالد.. خالد.. خالد.. أين أنت؟)
أشارت نافذة الدردشة لتواجده ولكنه لم يجيب أياً من رسائلها فإنتابها الغضب فهي لا تكره شيء بحياتها أكثر من التجاهل.. تجاهل عاشت به طوال حياتها حتى من أقرب الناس إليها،ضغطت إتصال وحينما لم يجيب ضغطت مرة أخرى ولكنه أنهى الإتصال وبدأ لها إشارة بأنه يكتب رسالة.
(أنا أكرهك وأكره نفسي وضعفي..فتاة حقيرة..دنيئة.. تنتقلين من نافذة دردشة إلى أخرى وربما تنتقلين من فراش رجل لآخر..رخيصة..كل شيء بكِ رخيص حتى لو إرتديت أرقى التصميمات ستظلين رخيصة) كتب خالد بغضب مصحوباً بدمعات الندم بينما يرقد بالفراش الصغير بجانب ولده.
حدقت بشاشة الهاتف بذهول وقد ألجمها ما قرأته وأوقد نيران الغضب بصدرها فقضمت شفتها السفلى وهي لازالت تحدق بالهاتف وبدأت تبحث عن كلمات لتجيبه..
(الحقير والرخيص هو أنت..إياك أن تعتقد أنك يمكنك أن تتخلص مني بتلك السهولة..سأرسل لزوجتك صورك وتوسلك لي أن أطفئ لهيب جسدك..سأخبرها كم هي غبية ولا تكفيك)
قرأ رسالتها ممرراً أصابعه بين خصلات شعره مطلقاً السباب على نفسه قبل أن يكتب:
(إذا كان هذا سيريحك فزوجتي قد علمت وتركت المنزل ورغم هذا أنا لا أريدك ولا أريد التحدث معك..لقد كنت مجرد نزوة.. فتاة سهلة ورخيصة متاحة للجميع..وأنا الغبي الذي باع الغالي بالرخيص،باع حب عمره من أجل علاقة عابرة مع عاهرة،لا أصدق كيف يمكنك إدعاء أنكِ صديقة مليكة وسلمى!)
حينما إنتهى من الكتابة قام بحظر حسابها وتركها خلفه تنظر للهاتف بينما تكاد تجن غافلة عن زوجها الذي أعاد فتح اللابتوب بعد أن غادر ولده برغبة في مراقبة رجاله بالخارج ولكن من زاوية الشاشة حيث غرفة نومهما لمحها غاضبة،تلقي بالهاتف على الفراش ثم وقفت متجهة نحو وحدة الأدراج الجانبية وأخرجت الدرج السفلي من مكانه...فضاقت عينيه بتركيز وقام بتكبير الشاشة أمامه لتحتل غرفتهما المساحة كاملة،فرآها تخرج شريحة الإتصالات التي كانت تخفيها أسفل الدرج ثم أعادته لموضعه مرة أخرى ووقفت بجانب الفراش تستبدل الشريحة.
بالأعلى كانت غالية تحاول فتح حساب جديد على الفيس بوك لتصل لخالد عن طريقه فهو لن ينجو بفعلته،لن ينعتها بالعاهرة الرخيصة ثم يعود ليبكي بين أحضان زوجته مطالباً بغفرانها،لا يمكن لأحد أن يتهمها بأنها نسخة والدتها..إنها لم تترك طفلتها وترحل تاركة لها وصمة عار إلتصقت بها طوال حياتها..تسللت دمعة غادرة من عينيها تعلن عن إختراق كلماته صدرها وكأنه يعرف كل شيء عن ماضيها ويقذفها به،وضاعف من شعورها بالغضب والضعف أنها فشلت في فتح حساب جديد على الفيس بوك بعد وصول عدة رسائل تخبرها أن رقم الهاتف مستخدم من قبل فصرخت بغضب:"تطبيق سخيف غبي"
طوفان من الشك والريبة إجتاح عقله وسيول من التبريرات صاغها قلبه فقبض كلتا قبضتيه بقوة حتى شحبت آنامله وهو يواصل مراقبتها بينما تنزع الشريحة بعد أن إنتهت من فعل شيء ما على هاتفها،لم تتصل بأحد من تلك الشريحة فقفز عقله على الفور لإستنتاج أصبح واضحاً فرقم الهاتف الذي تخفيه عنه تستخدمه لأحد مواقع التواصل الإجتماعي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي