الفصل الرابع

الفصل الرابع




وصل يوسف إلى ذاك الكافية الذي أتفق مسبقًا مع اصالة على الذهاب إليه ، جلس بهدوءه المعهود ، أشار إلى العامل طلب منه قهوته الخاصه في إنتظار قدوم فتاته المدلله .

فور أن إحتسى قهوته وصلت اصالة إلى المكان بملامح هادئه دون تلك الابتسامه التي أُشتهرت بها ، تلك الإبتسامة التي كانت ما تُزين وجهه فور قدومها من بعيد.

سحبت مقعد وجلست مقابله ليوسف تمامًا ، وضعت حقيبتها على الطاوله ثم تحدثت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، صباح يا يوسف ، عامل ٱيه !!؟
اتمنى تكون افضل من مبارح .

نظر يوسف إلى وجهها بقلق ، ليست عادتها تلك ولا نبره صوتها الحزين هذا ، وجهها الذي ظهر عليه عبث الحياه وحزنها فـ أجاب بقلق : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة ، أنا الحمد الله بخير يا صولا ، ديمًا بخير ومن أفضل لـ افضل بفضل وجودك في حياتي .
المهم أنت مالك ، وأيه كم الحزن إللي موجود على وشك دا ؟!

ابتسمت محاوله إخفاء ما بها ثم أجابت : ولا حاجه يا يوسف العادي يعني ، سيبك مني المهم هنروح لسور الازبكيه دلوقت ولا في حاجه تاني ناوي تعملها قبل ما نروح على هناك؟!
يوسف : سيبك من أي حاجه دلوقت وخلينا فيكي إنت ، مالك ؟!
مشاكل مع والدك برده ؟؟
والدك اتشاكل مع والدتك تان ولا منعك من أنك تروحي عندها تان ؟!
اصالة بابتسامة حزينة : للأسف لا ده ولا ده ، الموضوع لو على كده فـ كان أهون بكتير ، بس عادي يعني ، إللي وفيه الخير هيقدمه ربنا أكيد .

يوسف بعدم فهم : ونعم بالله أكيد ، بس فيه إيه وليه الحزن دا كله ؟؟
تنهدت محاوله ترتيب حديثها وايضًا ترتيب دقات قلبها تلك التي بدى صداها كـ صوت دقات طبول الحروب العالية فـ أجابت : الموضوع متعلق بشغل بابا ، بابا صفى كل شغله هنا في مصر ، وقرر أنه يسافر أمريكا وهيعيش هناك على طول أو لحد ما الأحوال هنا تتعدل زي ما هو بيقول يعني ، بس من كلمه ناوي مش هيرجع مصر تاني .
يوسف بهدوء : طيب وإنت زعلانه عشان هيسيبك هنا ويسافر لـ اميريكا يعني ولا أيه ؟؟
أجابت بألم : لا ، ما هو مش هيسافر لوحده ، هو هيسافر بكره الصبح وقرر أنه يخدني معاه ، رافض إني افضل لوحدي ، بيقول أنه خايف عليا ، وحتى كمان رافض فكره إن أفضل مع ماما .
يوسف بصدمه : نعم ؟!
بتقولي إيه ، ياخد مين معاه ؟؟
اصالة بتنهيده : تقريبًا كلامي مفسر بعضه يا يوسف ، قرر يخدني معاه أمريكا.

يوسف : ايوه اللي هو إزاي دا يعني ، وانت قولتي إيه او ايه كان رد فعلك على الكلام ده ؟!
اصالة : أكيد مش وافقت يعني ورفضت كلامه ، وحاولت أقنعه بكل الطرق لكن هو رافض تمامًا أي مناقشه ومش عارفه اعمل ايه .

تنهد يوسف ثم أبتسم بسخرية : يعني إيه يعني ؟
يعني عايزه تسافري مع والدك وتسبيني ؟!
تسبيني هنا لوحدي !!
حاولت اصاله أن تتحكم في ادمعها وإخفاءها إلا أنها كانت هي الأقوى وتساقطت ، صمتت للحظات محاوله تجميع طاقتها المنهكه ثم أجابت : وأنا في أيدي إيه يا يوسف أعمله ومش عملته ، ما هو غصب عني ومش قادره أعمل حاجه أو ارفض ، هقول ليه أيه ؟!
هقول ليه أفضل هنا ليه أو إيه السبب ؟!

يوسف بحالته : نعم ؟!
ايه السبب إنك تفضلي هنا ؟!
وأنا مش كفايه أكون سبب يعني ؟!
يعني هرجع لوحدي تاني ؟!
هههه ، أنا مش عارف ممكن اقول إيه او أعمل إيه أنا كمان ، ليه كده وليه بيحصل معايا أنا بالذات كل دا ؟!
أنا تعبت ، تعبت من كل حاجه بتحصل ومبقتش قادر ولا بقيت حمل أي حاجه .
هتمشي يا اصاله خلاص ؟!
هرجع تان لوحدي ؟؟

اصالة : أنت كفايه بكل الدنيا ، لكن أفضل بصفتي أيه يعني ؟؟
أنا مش جايه اقول ليك الكلام ده عشان تقولي كده ، جايه أحكي ليك عشان تفكر معايا في حل ، صمتت لوهله محاوله إستجماع قواها ثم تحدثت : أنا بقولها ليك صريحه يا يوسف أنا بحبك ، والله العظيم إني بحبك أنا عايزه أفضل معاك ، مش عايزه أسافر .
أعمل حاجه ، أعمل حاجه عشاني يا يوسف ، أنا بحبك والله العظيم ومش هتحمل البعد .

تحجر يوسف مما يسمع وكأنه على رأسه الطير كما يقال ، يكاد بتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه ، يود ولو أنه لم يكن هنا من الأساس ، يعلم جيدًا حبها له ، يعلم ذلك لا شك ، لكن هي المرة الاولى .
هي المره الأولى التي تُعلنها صريحه هكذا ، هي المرة الأولى التي تنطق بها ، ولكن ... ولكن في أي ظرف ؟!
في أي موقف هذا الذي تحدثت فيه ، وكأنها وضعته بين نابي أسد ذائر ، تنهد ثم تحدث : هو أنت قصدك أيه ؟!
قصدك أنك بتحبيني حبي أنا ولا حب الصداقة إللي بينا ؟!
تحدثت باكيه : لا يا يوسف أنا بحبك أنت ، بحبك أنت لأنك أنت ، أنا مش هقدر أبعد عنك ، أنا مش عايزه أبعد من الأساس ، أعمل حاجه أنا عايزه أعيش حياتي كلها معاك أنت وليك أنت ، أصرف أعمل أي حاجه .
تنهد يوسف لا يعلم ما الذي يجب عليه قوله ، هو بالفعل موقف لم يتخيل أن يُوضع به يومًا ، أبتسم بهدوء محاوله طمئنه قلبها ثم تحدث بحنان : أول مره تقوليها ، أول مره تخرج منك الكلمة دي يا اصاله ، لكن خارجه في وقت صعب جدًا ، أنا كمان بحبك ومش هتحمل بعدك ، مش تعيطي ، امسحي دموعك ومش تقلقي من حاجه ، إن شاء الله خير ، كل حاجه هتبقى كويسة ، مش هتبعدي ولا هتمشي .
أهدي انت وسيبي كل حاجه عليا ، أنا هتصرف .
اصالة : هتعمل ايه ؟!
يوسف بابتسامه : ملكيش دعوه بقى ، أنا قادر أتصرف بقى ، ادعي ليا وخلاص ، ويلا بطلي عياط وقومي عشان نشوف احنا هنعمل ايه في المشوار اللي رايحينه دا .
اصالة بابتسامة حزينة : مش مستنيه تقول ، أنا ديمًا بدعي ليك ، بس مش. كنت قولت لـ زين أو ليلي على المشوار دا ، على الأقل يكونوا معانا !!
يوسف : دلوقت زين في الشغل ، واكيد ليلي مش فاضيه ، بس احنا نشوف هنعمل ايه ولو وصلنا لجديد اكيد هبلغهم ، ولو مش وصلنا يبقى ملوش لزمه اني اقول ليهم من الأساس .
اصالة: عندك حق ، يلا بينا .
يوسف : يلا .

قبل أن يغادر إثنتيهم المكان أتى صوت من هاتف أصاله مُعلن الرنين ، أخرجت اصاله هاتفها من حقيبتها فوجدت ليلى ، نظرت إلى يوسف بهدوء ثم تحدثت : ليلى بترن !!!
يوسف بدهشه : خير فيه إيه ، طب. ردي طيب بسرعه شوفي فيه إيه ؟!
اصالة : حاضر .
بالفعل ضغطت اصاله على زر الإجابة متحدثة. : السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
ليلى بحزن : عليكم السلام ورحمه وبركاته ، إزيك يا اصاله عامله إيه ؟!
اصالة بهدوء :أنا الحمد لله بخير والله ، أنت عامله إيه واخبار ك ايه؟!
ليلى. : مش كويسة ، أنت فين ؟!
اصالة بقلق : ليه فيه إيه؟!
أنا مع يوسف عندنا مشوار رايحينه بعد شويه .
ليلى : طيب يا اصاله لم تخلصي عندي عليا ، منتظراكي في البيت ماشي ؟!
اصالة : حاضر ، أول ما اخلص هعدي عليكي .
ليلى : شكرًا جزيلًا ، هسيبك دلوقت ، في امان الله .
اصالة : مفيش شكر ، في رعاية الله .

أغلقت المحادثة ناظره إلى ذاك الذي يتسرق النظرات ينتظر أن يفهم ما يحدث أو ما الخطب .
يوسف بقلق : فيه إيه؟!
أجابت بشرود : مش عارفه والله يا يوسف ، قالت لم نخلص اعدي عليها ، لكن صوتها كان فيه حاجه .
يوسف : خير إن شاء الله ، يلا نشوف مشوارنا وبعد كده روحي شوفي مالها .
اصالة : وهو كذلك .

بدء اثنتيهم يتحركا إلى مقصدهم هُناك إلى سور الازبكيه.

…… … … … … … … … … … … … … … … … … … … … ……… … … … …



أما عن ذاك الذي يكاد عقله يُجن من إفراط التفكير ، إتخذ قرار بنسيان ما حدث بالأمس لكن بائت محاولته بالفشل .
هو أمر مُرعب لا شك في ذلك ، ذاك العجوز وحديثه المُبهم عن الأمانة التي تحدث عنها ، عن حبه وعلاقته بـ ليلى ، كل شئ كان مُبهم يثير الرعب والقلق ، منذ أن حضر إلى عمله وهو على هذه الحال التي لا يُرثى لها ، أفاق أخيرًا من شروده على صوت أحدى زميلاته في العمل .
سلمى : يا زين ، زين ؟؟
أنتفض من وضعه وكأنه أُصيب بلدغه عقرب مميت : أيوه ايوه فيه إيه ؟؟
تلك الطريقه التي وضعت التوتر على تصرفات سلمى فتحدثت : إيه؟!
لا لا مفيش حاجه ، بس المدير باعت ليك الأدوية دي وبيقول امضي بالاستسلام .
تنهد زين محاول السيطره على أعصابه فـ أجاب : حاضر ، بعتذر يا سلمى آسف .
سلمى : ولا يهمك حصل خير ، بس مالك ؟؟
في حاجه حصلت معاك ؟؟
زين : لا ولا حاجه تعبان شويه بس مش أكتر .
سلمى بمرح : اممم ، تعبان ولا متخانق مع الحب ؟!
إبتسم زين على حديثها فـ أجاب : قصدك ليلى يعني ؟؟
سلمى بمكر : ايه دا هو في حد تاني غيرها في حياتك ولا ايه ؟؟
زين : لا يا ستي مفيش حد ، بس لا مش متخانقين ولا حاجه ، هو بس إرهاق مش أكتر .
سلمى : الف سلامه عليك يارب ، طيب مش ناوي تخلص بقى كده وتفرخونا أنت وليلى ولا الموضوع مطول ؟!
زين بشرود : حتى إنت كمان ؟؟
نفس الموضوع اللي امي مكلماني فيه قبل ما اجي ، لكن أعمل إيه يا سلمى ، ما انت شايفه الحال والوضع .
لو عليا أنا نفسي اتجوزها دلوقت حالًا ، لكن أعمل إيه بس ، أهو ربنا يسهل وبدور على شغل كمان اخر اليوم يساعد شويه في المصاريف .
سلمى : مقدره وفاهمه جدًا والله ، إن شاء الله تنحل ، بقولك إيه ؟!
ايه رايك تشتغل في صيدليه اخر اليوم من الساعه اتنين العصر للعشا كده ، يعني بعد ما بنخلص شغل هنا في الشركه ، ايه رايك ؟!
زين بفرحه : يااااه والله ياريت جدًا والله ، بس هو فين الشغل ده ، أنا تعبت لف على شغل من غير فايده .
سلمى : عشان إنت والدتك بتحبك الموضوع جالك لحد عندك ، بص هو إمبارح وانا مروحه كنت قريت اعلان على صيدليه طالبين فيه شاب للعمل ، الصيدليه إللي على أول الشارع دي اكيد عارفها .
زين : اه اه اكيد عارفها .
سلمى : ممكن تروح دلوقت بسرعه تشوف الموضوع كده ، وإن شاء الله يكون فيه الخير ليك.
زين بتردد : بس والشغل ؟!
سلمى ببتسامه : أنا هعمله مكانك ، أنت بس بسرعه الحق شوف الموضوع .
زين بـ إمتنان : ربنا ما يحرمني منك يارب ، جميل مش هنساه والله .
سملى: مش تقول كده إحنا إخوات ، بسرعه بس عشان مش نتأخر .
زين مغادرًا : حاضر ، سلام لأجل .
سلمى : سلام .


بالفعل غادر زين المكان سريعًا متجه حيث أشارت سلمى ، بقلبه شئ من الفرح مصحُوب بالتردد ، تمنى أن تكون تلك الوظيفه من نصيبه ، هو حقًا في حاجه ماسه الى عمل اضافي حتى تتحسن احاوله ولو القليل .
اما عن سلمى فـ بالفعل بدءت بإنهاء اعمال زين دون مضض ، حاولت إنهاء الأمور سريعًا قبل أن يعود المدير أو أي شخص من الاداره .

… … … … … … …… … … … … … … … … … … … … … … … … … … …


وصلت اصالة بصحبه يوسف إلى مقصدهم ، أصبح اثنتيهم في ذاك المكان العريق ، آلاف الكتب المتنوعه ، القديم منهم والجديد ، الواقعي منهم والخيالي .
هُنا كل الاشياء متاحه تقريبًا ، هُنا في منطقه سور الأزبكية لا وجود إلا إلى أولئك الذي سيطر عليهم شغف القراءه والولع بالكتب .

بدءوا في تفقد الكتب والمكاتب واحده تلو الأخرى ، الباعه الجائلين ، تفقد كل شئ له علاقه بالكتب في هذا المكان .
يبحثون عن شئ محدد قد أتوا هُنا خصيصًا له ، غرضهم الأول والأخير هو البحث عن أي شئ له علاقه بما يحتويه الكتاب الذي مع يوسف ، أي شئ له علاقه بـ السرداب المذكور .
يبحثن هُنا وهناك ف ي جُل أرجاء المكان ، يبحثن بلا توقف في مئات وآلاف الكتب ولكنـ ولكن للأسف بلا أي جدوى ، لا شئ لا فأئده لا معلومات اضافيه لا وجود لأي شئ له علاقه بهذا الموضوع من الأساس ، لا وجود لكتاب ذكر هذا المكان الغريب .
تنهد يوسف تنهيده اليأس تلك ، ذاك اليأس الذي بدء تسرب إلى قلبه قائلًا : مفيش حاجه ، مفيش فايدة ، مفيش أي معلومة عن السرداب .
اصالة بحزن : أنا تعبت وفعلًا كل التعب على ولا حاجه ، تقريباًادورنا في كل مكان هنا لكن مفيش أي حاجه .
جلس يوسف أرضًا بتعب وضح جليًا عليه ثم أجاب : كان آخر أمل ليا هو هنا ، كنت بقول أن هنا هلاقي حاجه ، لكن مفيش ، مفيش أي حاجه ، أنا تعبت مش بقيت قادر .

اصالة بحنان : أهدى ، إن شاء الله خير ، مبقاش فيه إلا المكتبه إللي هناك دي يمكن نلاقي فيها إللي بندور عليه .
يوسف بسخرية : يعني بعد ما دورنا في كل الأماكن هنا ومش وصلنا لاي حاجه هنلاقي في المكتبة القديمة إللي هناك دي؟!
دي شكلها من أيام الفراعنة يا اصاله ومحدش بدخلها .
اصالة : يوضع سره في أضعف خلقه ، مش هنخسر حاجه لم نروح ندور هناك ويبقى من جمله التعب اللي تعبناه .

يوسف بإ ستسلام : حاضر يا اصاله يلا .
اصالة ببتسامة حانيه : يلا يا سيدي خليكي تعبني وراك كده .
يوسف بمكر : يعني أو مش تعبتي ليا ، هتتعبي لمين يعني ؟؟
اصالة : مثلا يعني؟
يوسف : يارب يديمك ليا يا ست البنات يارب .
اصالة : ويديم وجودك في حياتي امين .

… … … … … … … … … … … … … … … … . ً .… …. … … … … … … …


وصل زين إلى تلك الصيدليه التي أعلن صاحبها عن إحتياجه إلى شاب للعمل ، تنهد بهدوء محاول إلتقاط أنفاسه وترتيبها ومن ثم دلف ببتسامتة .

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته .
خرج رجل خمسيني من خلف تلك البترينه المتواجده ثم تحدث : أهلا وسهلا بحضرتك .
زين : أنا يا فندم كنت جاي لحضرتك عشان الوظيفه إللي تم الإعلان عنها .
:- اهلًا وسهلًا بيك ، تشرف أكيد ، حضرتك بتفهم في الادويه وكده ؟؟
:- اه يا فندم ، أنا شغال في شركه الادويه اللي موجوده في اخر الشارع هنا .
:- جميل جدًا ، وانت اكيد عارف المواعيد هنا من امتى لـ امتى؟!
:- اه يا فندم قرءت اللوحه اللي متعلقه بره دي ، أنا يا فندم يخلص شغل في الشركه الساعه واحده ، وإن شاء الله هكون مع حضرتك في المعاد المطلوب .
:- طب وانت مش شايف أن الموضوع هيكون متعب ليك ، انك تشتغل في الاتنين مع بعض ؟!
:- لا يا فندم إن شاء الله مش يكون متعب ، وإن شاء الله اكون في مقدار المسؤليه لو حصل ليا الشرف وتم قبولي هنا .
:- تمام ، وانا اتشرف بوجودك في هنا ،واكيد بالمرتب اللي تتمناه يا زين ، انت شكلك لسه شاب وعايز تجهز نفسك .
توقف زين للحظات محاوى إستيعاب ما إذا كان ما سمعه بالفعل ام انه يتخيل ، كيف أن عرف اسمه ؟!
زين :- شرف ليا يا فندم ، بس هو حضرتك ناديت ليا بـ أسمي ، هو حضرتك عرفت اسمي من فين ؟!
الرجل بتوتر : لا لا عادي ،ما أنا بشوفك بتروح الشركه واعرف اسمك يعني ، المهم مرتبك خمس الاف كويس ؟!
زين بصدمه : خمس الاف ؟!
دا كل تلت شهور ولا ايه ؟!
حضرتك بتقبض كل تلت شهور ؟!
:- لا ، انا قصدي خمس الاف في الشهر الواحد .
حاول زين إستيعاب ما قاله للتو فأجاب : حضرتك بتقول خمس الاف جنيه في الشهر الواحد؟!
:- إيه ، لو شويه ازود ليك عادي ، أهم حاجه عندي في الشغل راحه إللي شغال عندي في المقام الأول والأخير ومن ثم أمانته في شغله وإلتزامه وانا حبيتك مقدمًا ، أو زي ما بيقولوا سيماهم على وجوههم .
زين بفرحه لا توصف : لا لا ، مش شويه خالص ، أنا مش عارف اقول ايه بجد ، لكن حقيقي مش هخيب ظن حضرتك أبدًا ، إن شاء الله اكون في مقدار الثقه العظيمه دي .
:- وأنا واثق في ده .
:- طيب أنا أقدر أستلم الشغب امتى ؟!
:- من بكره .
:- تمام جدا ، أنا هكون عند حضرتك قبل المعاد أكيد ، شكرا جزيلا على الثقه .
:- ولا شكر ولا حاجه في إنتظارك .
:- في امان الله .
:- سلام .

غادر زين المكان بفرحه جنونيه ، شئ لا يُصدق ولا يمكن تخيله في يوم ما ، لم يتخيل أبدًا أن يكون راتبه هكذا ، هو راتب ثلاث اضعاف راتبه بالشركه .
بالفعل شئ من الفرحه العظيمه التي اُقيمت في قلبه ، هكذا سيتحول حاله بلا شك ، هكذا لن يكون بحاجه إلى بيع اشياء والدته ، هكذا يمكن أن يتقدم إلى ليلى دون أي ضغوط ...
تنهد بفرحه ممسك هاتفه ليخاطب سلمى :-
الو ايوه يا سلمى .
أجابت : ايوه يا زين ، ها عملت ايه ، شكل الفرحه في صوتك !!
أجاب بفرحته العارمه تلك: أه ، فرحان جدًا جدًا والله ، الحمد لله إتقبلت وهستلم الشغل بكره ، أنا مش عارف اشكرك ازاي على المعروف إللي عملتيه معايا ده ، والله بجد أنا فخور بمعرفتك وجميل عمري ما هنساه طول حياتي .
أجابت بفرحه لأجل فرحته : مفيش كده ، متقولش كده إحنا اخوات يا عم ، المهم بقى شد حيلك عشان نفرح بيك ، ربنا ييسر ليك حالك يارب ، كلم ليلى بقى فرحها بالخبر دا ..
زين : لا الاول هروح اقول لـ امي افرحها الأول وبعد كده افرح ليلى ، معلش بقى كملي جميلك معايا وخلصي شغلي عشان أن هرجع على البيت واعرف والدتي .
سلمى بحنان : ولا يهمك يا عم أنت تؤمر بس ، روح فرح ست الكل وأنا أصلًا تقريبًا قربت اخلص شغلك أهو .
وين بمتنان : ربنا ما يحرمني منك والله ونعم الصديق ونعم السند، يلا هتعوزي حاجه ؟!
سلمى : سلامتك ، في أمان الله .
زين : في أمان الله .

فور أن أنهى زين حديثه مع سلمى تحرك جهه منزله ليخبر والدته بما حدث ، لكنه توقف في موضعه متحجرًا بسبب ما رأه ، ذاك العجوز مجددًا ، هو بائع الغزل لا شك ، أسرع زين جهته بسرعه البرق ليحادثه ويعلم مقصده من حديث أمس ولكن الأمر الذي صعق بعقله حقًا هو أنه فور أن وصل إلى المكان الذي شاهده به لم يجد أحد ، لا شئ لا أشخاص ، لا بائع غزل ، وكأنه تبخر من المكان بأكمله ، توقف موضعه ينظر حوله في شتى الإتجاهات لكن لا أحد .
ضرب بقوه على رأسه يحاول تفهم ما يحدث ، أخيرًا اهتدى إلى شخص متواجد بالمكان فقترب منه وسأله عن رؤيته لبائع غزل كان هُنا منذ لحظات لكن الأمر الذي ذاد رعبه هو أخباره الشخص أنه لم يمر من هنا أي بائع غزل على مدار اليوم .
إبتسم زين تلك الابتسامه التي تحمل بين طياتها شئ من الجنون ، وكأن عقله جُن أم أصبح يرى اشياء لا صحه لها ، أم أنه سراب ذاك الحديث الذي ما زال يسيطر على عقله .
لكنه على يقين أنه رآه فكيف اختفى بتلك السرعه وكيف لم يره ذاك الشخص؟!
تنهد بستسلام يحاول إقناع نفسه أنه تخيل لا اكثر مقرر العوده مجددًا إلى المنزل ليخبر والدته بما حدث .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~


بالفعل وصل الإثنين إلى تلك المكتبة ، توقفا أمام بابها ، من يراها من الخارج يشعر للحظه بإنها بيت مهجور لا يدخله ولا يسكنه إلا العناكب وتلك الحشرات التي تتواجد في مثل تلك البيئات ، مكتبة متهالكة إلى حد كبير ، منذ أن رؤها لم يدخلها شخص أو يخرج منها أحد ، بالفعل شئ يثير الرعب والقلق في القلب .
تحركا بهدوء إلى الداخل ، ولكن أيضًا حالها من الداخل لا يقل عن حالها الخارجي ، بعض الأرفف البسيطة من الكتب المتهالكة ، خيوط العنكبوت منتشرة في أركان الأرفف بشكل خاص وأركان المكتبة بشكل عام .

تحدث يوسف إلى اصالة هامسًا : إيه دا يا اصالة ، المكان شكله مرعب حقيقي .
فـ أجابت وهي تلتفت حولها بشرود : هو فعلًا مرعب ومُقلق جدًا ، ايه كميه خيوط العنكبوت المنتشره دي ؟!
يوسف : كأن مفيش حد بيدخل المكان دا او حد بيقرء منه كتب اصلًا ، أنت شايفه كميه التراب والعنكوبت الموجود على ارفف الكتب ؟!
تحدثت بقلق : إنت هتقلقني ليه ، المكان يخوف من غير ما تزود حاجه ، هو إحنا إيه جابنا هنا ؟!
مش أنت إللي فضلت تقول تعال نروح المكتبه دي ، ودي آخر مكتبه ويوضع سره في أضعف خلقه وأننا مش هنخسر حاجه والكلام الكتير ده ؟!
مش أنت إللي صممت أننا نيجي هنا ؟!
اتحمل بقى إللي إحنا فيه ومش تتكلم .

نظر يوسف إليها بصدمه وعينين متحجرتين قبل أن ينفجر بالضحكات قائلاً : لا والله؟!
يعني أنا صاحب الفكرة وأنا إللي قولت كل ده وانت البريئة الطاهرة صح ؟!
أجابت بمكر : طبعًا طبعًا ، عندك إعتراض يا أخ ولا إيه؟!
يوسف : أحمممم ، لا طبعًا يا فندم حقك ، أنا إللي مهزئ أصلًا إني مشيت وراكي .
اصالة بمكر : لا والله بقى كده ؟!
وأنا إللي تاعبه نفسي وصاحية من النجمة عشان أجي معاك وأساعدك وفي الآخر ده جزائي؟!
تصدق بالله أنا غلطانه يلا .
أنا ماشيه من المكان المرعب ده وخليك مع نفسك .
يوسف بصدمه : يلا ؟!
يلا دي بمعني يلا إللي هو عيل ولا يلا إللي هو نمشي ؟!
أنا بستفهم بس !!؟
اصالة ضاحكه : يعني سبت جمله هسيبك هنا لو حدك وهمشي ومسكت في كلمه يلا ؟!
طاااايب ، أه يا سيدي يلا إللي هو عيل ، اه يا يوسف أنت عيل ها في حاجه؟!
ثم وضعت يديها في خصرها مخرجه جزء من لسانها بحركات طفوليه ثم أكملت : ها بقى هتعمل إيه يا فندم ها قول ليا هتعمل إيه؟
كز يوسف على أسنانه مكور قبضه يده بقوه من يراه هكذا يشعر للحظه أنه سيضربها في وجهها مكسرًا لها أسنانها ، تنهد بهدوء محاول السيطرة على أعصابه ثم رفع سبابته حتى صار موازي لوجهها وتحدث : لآخر مره يا اصالة هقولك أنا مش ولا ولا عيل ، لآخر مره يا اصالة هحزرك ، المرة الجاية والله هضربك .
صمت للحظات ثم أكمل : تصدقي عندك حق ، صحيح العيل بمشي مع العيال وأنا عيل إني ماشي معاكي أصلًا .
أفتكر في يوم أبويا قال ليا مش تمشي مع الأقل منك عشان هيقل منك .
ومش تمشي مع الأصغر منك عشان هيصغر منك ، أتعلم تمشي مع الكبير عشان يكبرك سلوك وقيمه .
من النهارده أنت في طريق وأنا في طريق ، يلا بقى إخلعي من هنا ، ولا أقول ليكي أنا إللي ماشي .
اصالة بمكر : تصدق أن والدك عنده حق في كل إللي قاله إلا آخر جمله !!
يوسف بستفهام : مش فاهم ؟؟
اصاله بحالتها رافعه رأسها بكبرياء مغمضة عيناها : هو عنده حق في كل حاجه إلا جمله أمشي مع الكبير يكبرك ، أصل أنا ماشيه مع واحد كبير يعني مكبرنيش وعيل وكده يعني حاجه اخر غُلب ، مش عارف كله كده ولا نصيبي بس .
يوسف بغضب : تان ؟؟؟
تان يا اصالة ، يبنتي والله هضربك ؟!
اصالة بمشاكسه : طب جرب كده ؟! جرب ونشوف ؟!
يوسف : لا إله إلا الله ، بصي أنا ماشي ، سايبك وماشي خليكي في المكان الغريب دا مع نفسك يارب عفريت يطلع ليكي .
اصالة بمكر : ولا بخاف يابا ، عايز تمشي إتفضل يلا ، يلا روح يعم أمشي ، ها ها ها ها أنا بخاف أنا ؟؟
أنت على نياتك أوي يابا ، دا أنا إستروج وومن يا عم.

قبل أن يجيب يوسف هذه المرة أتى صوت متهالك من خلف تلك الأرفف القديمة قائلًا : خلصوا بقى أنا تعبت ليكم سلف ، انتوا مين وعايزين إيه؟!

… … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … … …
يتبع ....
.… … … … … … … … .… … … … … … … … ..… … … … … … … …
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي