الفصل الثانى

نظر اليها مهاب، بابتسامة تملأ وجهه بشكل غريب .
وقال :أعتقد أنك بطيئة أكثر مما يجب.
نظرت اليه وجعلت تفكر،
هل هو يسخر مني ؟أم هل يقوم بطردي من العمل!
إلا أنها ألتفتت اليه وجدته، مازال يبتسم هذه
الابتسامة.
فتغيرت نظرتها له،
وقالت في عقلها ايعقل ان يكون يمازحني!
- غدا صباحا ان شاء الله، سيكون التقرير على مكتبك .وبذلك فانني ساكون لست بطيئه،وإنما ألتزمت
بالموعد المحدد معك .
ثم نظرت الى النافذة، ولم تتكلم مجددا، حتى أوصلها للمنزل.
إلا أنها قد أحرجت ان تقول له أنها ستذهب
للمشفى، لتطمئن على والدها .
فغادرت السيارة .
وهي تقول له: اشكرك جدا، لقد اتعبتك اليوم معي .
ثم قامت هي، بركوب تاكسي والذهاب الى المشفى؛
لتطمئن على والدها فنظرت، اليه عبر الزجاج ثم
ذهبت الى مكتب الطبيب، وعندما دخلت، وألقت
السلام عليه .
وبعد أن رد عليها الطبيب السلام .
-قال : ان والدك يحتاج لعملية ضروري فإن الجلطة
التي فاجأته، أثرت على صمامات القلب، ولذلك فإنه
يجب علينا، أن نجري عملية تغيير الصمام وبأسرع
وقت ممكن .
- لم تفكر هي إلا في شيء، واحد، من أين لها
ذلك المبلغ الكبير!
رجعت ثانيه لتتطلع لوالدها خلف الزجاج العازل
وجعلت تنظر وهي تبكي بصمت،
- وتقول بصوت خافت أرجوك يا أبي استيقظ ارجوك
أنا لا استطيع مواجهة العالم بدونك عد الي ارجوك .
ونظرت جانبا فوجدت، والدتها تكلم نفسها بصوت
خافت :
_فأقتربت منها وسمعتها تقول : يا الله اتوسل اليك، ان لا تكون تلك اللعنة حلت علينا
. مثلما قال لي زوجي،فإنهم لا يجلبون الا الشقاء،
فاكفينا يا الله شر تلك اللعنة،واحفظ أبنتى،
ولا تؤاخذها بذنب أجدادها .
وفي مساء ذلك اليوم رن جرس الباب، ولأنه لا يوجد
الأن خادمة تفتح الباب ؛ فقامت هي لتفتح الباب.
وحين فتحت الباب، وجدتها هدير فنظرت اليها،
ووجدت عيناها متورمتين، ولونهم أحمر خافت؛
ان تسمع خبر سيء عن والد تمارا، فاحتضنتها سريعا وسألتها عليه فاجابتها وحكت لها ما حدث،
- لا تحزني يا صديقتي سنقوم بتجهيز المبلغ.
- كيف ذلك يا هدير وحتى لقد فكرت في بيع السيارة،
فعلا اليوم الا أن مبلغها؛ ضعيف بالنسبه الى ثمن
العمليه، ثم حتى لو بعتها بسرعه من هو، المشتري الذي سيشتريها بهذه السرعه .
الغريب أنها لمحت في عيني هدير تفكير، طويل
حتى أنها نظرت بعيدا، وقامت بالنقر بأصابعها، على
حافه الكرسي الذي تجلس عليه وصمتت.
- نظرت إليها هدير،
وقالت :قومي فلتتصلي بمعرض السيارات، الذي،
كان يتعامل معه والدك، لقد قام والدك في السابق
بالتعامل معهم كثيرا، وبالتأكيد سيأخذون السياره
ويعرضونها لديهم، و ياخذون نسبه ضئيله، من بيعها المهم أن تباع سريعا .
- بالفعل لقد تكلمت معهم، وسيأتون ليأخذونها
ويعرضونها في المعرض،.
اعتذر منك يا صديقتي فانني ألقي همومي ومشاكلي عليك،
فقالت لها هدير وعيناها يملئها العتاب :
- لا تقولي ذلك أنت تعلمين انك صديقتي الوحيدة
واليوم استأذنت من أبي وأمي؛ في أنني سأبيت معك حتى لا تنامي بمفردك في مثل هذا المنزل الكبير .
- هي لا تعلم ان صديقتها، تفكر في فك الوديعة
التي وضعها والدها عندما ألتحقت بالكلية في،
سنتها الاولى فهي، تظن ان هذه الوديعه عندما
تفك، حتى ولو قبل موعدها تكفي ثمن العمليه.
أما والدها فانه لن يتضايق ابدا ؛عندما يعلم انها
ستقوم بفك كرب صديقتها .
_وفي الصباح الباكر، خرجت هدير و تمارا معا الي
العمل، وقامت بالأتصال بتاكسي أجرة، حتى يقوم
بتوصليهم إلى العمل سريعا،فان العربة سياتي
احد الاشخاص وياخذها من امام المنزل، بعدما
أعطت المفتاح لبواب البيت الذي بجانبهم، واتصلت بالمعرض واخبرته ان المفتاح مع البواب .
دخلت هدير فور وصولها إلى الشركه، الى مكتب
مهاب ووجدته متواجد، فنظرت إليه وقالت:
- صباح الخير أستاذ مهاب، انا اعتذر لو كنت تأخرت
اليوم عن المجيء.
فرد عليها وهو يقوم بالنظر الى الملف المتواجد
أمامه :
- لا لم تتأخري اليوم يا هدير، أنما أنا من اتيت مبكرا.
ففكرت لحظة ثم قالت بسرعة :
- هل من الممكن أن أستأذن، في نصف ساعه أو على الاكثر ساعة إلا الربع، لأمر هام، أرجو سيادتك أن
توافق .
- نظر اليها بتمعن شديد وسكت قليلا ثم قال: حسنا يا هدير ساعة على، الأكثر لو سمحت لا تتأخري.
خرجت هدير مسرعه جدا، ولم تقل لأحد ولا حتى
لصديقتها تمارا، أين تذهب.
اآما هي فقد ذهبت على الفور، الى البنك، وقامت
بفك الوديعة التي بأسمها ثم أخذت الأموال ورجعت ثانية الى الشركة.
- ذهبت لمكتب تمارا واعطتها مظروف مغلق.
وقالت:
- هذا كل ما احتكم عليه في هذا العالم، من أموال.
ارجوك خذي المبلغ وأذهبي الى المستشفى،
وقومي بسداد قيمه العمليه .
-- لا يا هدير لن آخذ منك أى أموال، أنا أنتظر أن تباع السيارة.
فردت عليها هدير وهي تمسك يدها :
- يا حبيبتي السياره لن تأتي بأموال كثيرة، أسمعي
الكلام وخذي هذه الأموال، أو ساذهب أنا الأن إلى
المستشفى.وأقوم؛ بإيداع تلك الأموال باسم أبيك .
– تلألأت الدموع في عيني تمارا،وقالت: أذا سنذهب بعد إنتهاء يوم العمل إلى المستشفى وسنقوم
بإيداع تلك الأموال .
_ثم دخلت هدير إلى مكتبها وجلست، تحتسي كوب
الشاي بالحليب الذي تعشقه، وقد كان سمير قد
أحضر لها ساندويتش، ووضعه امامها ثم رحل بدون
أن يتكلم .
فنادته هدير وقالت بصوت مرتفع قبل مغادرته :
- اين تذهب، عموما شكرا لك، على هذا الساندوتش.
فرد عليا وهو يتكلم بسرعة :
- لا شكر على واجب .سأذهب إلى المعمل، فإن سأل عني مهاب قولي له انني هناك.
وغادر سمير المكتب سريعا .
وبعد ما أنتهت من تناول الساندوتش، وكوب الشاي، فوجئت بمهاب يناديها.
ويقول لها: قولي للدكتوره تمارا، ان تأتي معي في
زيارة إلى المعامل ؛حتى تشرح لي طريقة، سير العمل هنا وارجوك،
أتصلي بالمعامل، وقومي بأبلاغ جميع الأطباء هناك، وجميع المعمليون، أنني سأذهب حتى يستعد الجميع .
وبالفعل ظلو أكثر من أربع ساعات وهم يمرون، على
المعامل معمل، معمل يدقق ويسأل حتى أنه كان
يسأل.
على أسماء العاملين ويتكلم معهم، كان ودودا في طريقة كلامه معهم، إلا إنه كان صارم، كانت له
شخصيه صارمة، حتى إن الأطباء الذين يكبرونه
عمرا احسوا بقوة شخصيته .
كانت تمارا قد أفتتحت جزء صغير، من المصنع لعمل المكياجات، والكريمات الخاصة بالنساء، وعندما
ذهب هناك تغيرت الرائحة، التي كانت في باقي
المعامل، أنها رائحة جميلة على عكس المعامل
الأخرى .
فنظر إليها وقال ما سر هذه الرائحة الجميلة ؟
جاوبته وهي يملؤها الفخر بما صنعته :
- كنت قد أفتتحت هذا الجزء .وهو خاص بالنساء
العمل المكياج .والكريمات فقد فكرت أنه بدلا من
ان نقوم بأستيراد. كافة الكريمات الخاصه، بالبشره من الخارج، فإننا نقوم بتصنيعها هنا، من مواد
طبيعية.
- نظر إليها بتعجب .وقال: وكيف تحضرين هذه
المنتجات الطبيعيه من هنا.
ردت عليه وهي تقول :
- ذهبت إلى بعض القرى التي تنتج الزهور،
والأعشاب الطبية.، وقمت بالإتفاق معهم، أن يقوموا بتوريد، كل محصولهم تباعا إلينا، وهناك عقود بذلك في الشؤون القانونية كما إن الشحنة لقادمة. الينا
في خلال أسبوع قد سددنا ثمنها مقدما إليهم .
- عظيم إذا أريد منك أن تباشري، نفس الأعمال التي كانت تباشرها سابقا،
- لم تستطع ان تتكلم إنما قامت بالمائة من رأسها
بنعم .
نظر اليها نظرة مليئة بالتفكير، وقال بداخله أنها
ستكون سيدة أعمال مهمة فهي ذكية ونشيطة
ستكون جديرة، بأن تكون زوجة لي وتستحق ما
سيفعله بها .
مثل ما أستحق والدها .ما فعلته به إلا أن مرضه
للأسف قد أنقذه، من بين يديه أما هي فإنني سأكون سعيد جدا بالأتقام منها.
- تعجبت من نظرته إليها إلا إنها أعتقدت أن عملها قد لقى القبول الحسن لديه لا تعلم ما تخبئه لها
الأيام.
جاء اتصال هاتفي للمعمل .وجدت ان هدير تقول لها لقد أتتنا من المستشفى .اتصال ان تذهبي إليهم الآن وفورا.
شعرت بانقباض في قلبها. وحينما سمع انها
تذهب للمستشفى نادى بصوت عالي،
وطلب من السائق أن يقوم بتوصيلها.
وبالفعل، قام السائق بتوصيلها الى المشفى
الذي ما ان دخلته، حتى قال لها الجميع البقاء لله .
وقفت في عزاء والدها، تعجب لوقفتها الجميع فقد كانت قويه، وصلبه، رغم كل ما مرت بها من صعاب،
الا انها وقفت بكبرياء وشموخ،
حتى ان مهاب تعجب لشجاعتها.
- الا أنه كان يخبأ بداخله، أنه سيكسر هذا الشموخ،
وأنه سينتقم أبيه وجده مما فعله أبيها وجدها،
ولأنهم رحلو فأن، أتقامه يكون منها الأن
هي شخصيا الان .
ذهب اليها في العزاء بعدما، سلم، على بعض
الأشخاص الذين يعرفهم من الشركة .
وقال لها: تستطيعين أخذ بعض الأيام أجازة
الغريب أنه يقول لها ذلك و
كان يسلم عليها باليد. ويضغط على يديها حتى أنها تعجبت .
وفي تلك الليله أصرت هدير على، أن تبيت معها وبعدما نامت هدير خرجت،تمارا الى غرفة مكتب ابيها
واضاءت الانوار، وجلست على المكتب .
واخذت ألبوم
الصور وجعلت تتصفحه كم هي تشتاق إلى رؤية وجه أبيها.ووجدت اسفل صورة من صورهما معا، صورة
قديمة تعتقدها لجدها لأكبر، وهو ممسك في يديه الاثنتين تمثالين ذهبيين صغيرين لملكة فرعونية،
فتعجبت كثيرا .
- وكانت تتذكر كل لحظه وكل مناسبة تم تصويرها، هي وابوها وامها في هذه الصور .
الا ان عينها وقعت على الصور، التي أخذتها سابقا
مع اخيها، فبكت وتذكرت توأمها الذي توفي فجأة.
تفاجأت بخبر وفاته، عندما كانت تقضي عطلة لها
في الكلية بشرم الشيخ، وقالوا انه توفي اثر حادث
اليم لم تلقي الكثير من الاسئلة انما انهارت،
كما إنهار ابيها وامها.
كان ابيها يلقي بالذنب على نفسه، لان هو من
اشترى له هذه السيارة الجديدة السريعة، وهو من
شجعه على تعلم القياده، في مثل هذا العمر الصغير، فقد كان في الثامنة عشر من عمره.
تفأجات بان باب المكتب قد فتح، وجدتها هدير التي وقفت وقالت لها: يكفي هذا ودخلت واخذت منها
هذا الالبوم.
- امنحي نفسك بعض الراحة والهدوء يا صديقتي
يكفي هذا، يكفي ما شاهدتيه في الدفن ثم العزاء .
- ومن اين للراحة بعدما مات ابي يا هدير؟
وفي الصباح أتتها امها باكرا لكي تقوم بإيقاظها،
وتقول لها: هذا خالك يريد ان يطمئن عليك.
- لم تتمالك نفسها من البكاء وقالت: كيف حالك يا خالي؟
فقال خالها احمد: لا اريدك ان تعيشي انت والدتك
هنا لوحدكما بمفردكما، خصوصا بعدما تم بيع جميع ممتلكاتكما سابقا، اريدك ان تذهبي الى القنصلية
الكندية.
وتستخرجي التأشيرة حتى لو كانت تأشيرة سياحة،
الا انني ساقوم ببعض الاتصالات هنا، لكي تحصلوا
عليها سريعا .
- ليس الان يا خالي، من الممكن بعد فترة إنما الان انا لا اتحمل ان ابعد عن ابي، حتى ولو كان متوفيا،
و سأستشير امي وسأفعل ما تريد.
بهذه الكلمات أنهت الاتصال، وتعتبر انها انهته
فعلا، لأنها ألقت على عاتق امها، التي لن تستطيع
ان تغادر البلاد ابدا، وتبعد عن المدفن الذي يقبع فيه ابنها وزوجها .
غادرت والدتها الحجرة بعدما سمعت جرس الباب،
نزلت لتشاهد من، ثم غابت فقامت تمارا بتغيير
ملابسها، ونزلت تستطلع الامر، الا انها تفاجأت
بوجود مهاب الطحان يجلس مع والدتها، التي تقص عليه كيف تعرفت على زوجها .
- صباح الخير استاذ مهاب قالتها بدهشه كبيره!
- صباح النور يا دكتورة، انتي اليوم تبدين بحال افضل من الامس، لقد استمتعت بجلوسي مع والدتك،
هذه السيدة المتواضعه خفيفه الروح، وقد قالت انها ستقوم بتحضير الافطار، ساتناول معكم الافطار
افطارا عائليا فأنا وحيد ولم اتناول افطارا عائليا منذ زمن
قامت امها لتحضير الإفطار.
ثم رجعت تحمل اطباق كثيره ومتنوعه، وقامت تمارا تساعدها ووضعت كافة انواع الاطباق على السفرة
- ثم نادت ان هيا الإفطار.
- تكلم وهو يجلس على الافطار : انه لمن دواعي
سروري ان تسمحوا لي بالتعرف عليكما كاسره،
وان اتبادل الزياره معكم.
نظرت اليه تمارا بتعجب، لماذا يقول هذا؟
خصوصا انه ينظر اليها نظرات غريبة، ليست اعجاب
فقط، هناك شيء آخر وأضاف مسرعا.
- انا اعيش بمفردي وافتقد بالتأكيد للدفء.
اما امها السيدة أمينة فقد أخذت تنظر اليه،
وتدعي بداخلها ان يجعل هذا الشخص من نصيب
ابنتها، فقد كان يبدو ذكيا ومحترم، فغريب جدا أن
يأتي الامس ليقوم بالتعزية، واليوم صباحا يأتي
ليقوم بالإفطار معهم .
ظل مهاب، يأتي يوميا صباحا ومساء، ليطمئن عليهم، حتى أصبح ظهوره شيئا عاديا، ثم اصبح شيئا اساسيا واخيرا اصبحت تمارا تعد الدقائق، حتى ياتي اليهم.
اما جلساتهم، فقد كانت لا تخلو من النقاش
في كافه الأمور، ثم بعد ذلك توغل الى داخلها
وقد احبته.
فبدأت تقص عليه وتحكي عن طفولتها وعن شبابها، وعن أخيها الذي فقدته.
أما هو، فأخذ يحكي لها عن شعور الوحده التي يشعر بها، وكيف انه فقد أباه وهو صغيرا، فقامت أمه
بتربيته هو واخته الصغيره، اما اخيه فعندما كبر سافر بعيدا.
. و حتى ماتت أمه، وجده أستلم هو هذه الثروة
الطائلة، التي قام بإدارتها بنجاح، لأنه تخرج من كليه التجاره قسم اداره اعمال.
مفاجأة، ان له اخت وأخا أيضا، فكيف اذا يشعر
بالوحدة.
فقالت له: لماذا تشعر بالوحدة؟ وانت لديك اخت وأخ، قالت جملتها هذه كانه مزاح، إلا أنه نظر بقسوه،
ثم سريعا غير نظرته، فتساءلت في نفسها ماذا
فعلت أخته؟
حتى ينظر اليها بقسوه هكذا،عندما يتم ذكر
اسمها، ولماذا سافر أخيه وقام بالابتعاد عنه .
قال لها في نهاية اليوم: الم يحن موعد رجوعك
للعمل، اشعر انك أصبحتي الان تعرفي غلاوتك
في قلبي، فتقومي بالتدلل علي.
نظرت اليه، وهي لا تعلم ماذا يقصد؟ اتدلل كصديقه
ام تتدلل كامرأة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي