الرابع

قام عز بفتح الثلاجه،أخذ منها أشياء، وضعها في
طبق، ثم عاد إلى غرفه المعيشه،
ومعه بعضا من الجبنه الرومي وكوب عصير وتفاحه وقادها في الثلاجه أيضا.


أعطاهم لها في متناول يدها وقال: كلي هذا.


فعلت سلمى كما طلب، على أمل أن يكون راضيا
ويغادر في أسرع وقت ممكن، لقد كافحت بشدة،
حتى لا تحتاج إلى رجل في حياتها، كان الأعتماد
على شخص آخر غير نفسها،

طرفا لا تستطيع تحمله، وكانت تعلم أن لو قام
عز الدين بغمزه واحدة لها، سيجعلها تنسى كل
قناعتها وكرهها للرجال.


لكنها لم تكن غمزه هي تلك التي جعلت نبضاتها
تتسارع، كان الحنان في تلك العيون الزرقاء، هو
الذي جعلها تميل إلى السماح له بالقيام بهذه
الأشياء، تساءلت كيف سيكون الأمر؟ إذا كان رجلا
مثل عز الدين هو من كان تزوجها، فأحمر وجهها
خجلا من هذه الفكرة.


قال لها: عندما تنتهي من العصير سأذهب مباشرة.


- قالت له أشعر أنني بخير الآن.


ومن خلال تعبير وجهها، أستطاع أن يعرف
انه لا يصدقها،
فجلس بجانبها على الأريكة، ووضع عز الدين يده على جبهتها لقياس درجة حرارتها.


فوجد حرارتها مرتفعه!

- هذا ما توقعته بالتأكيد أنتي مصابه بالبرد.



- لا تهتم أشعر أنني بخير الآن، من الممكن أن تذهب.


- نظر إليها و تجاهل كلماتها، وقال: هل تريدي مني أن أحضر لك مهند؟


كانت سلمى على وشك ان تقول له نعم، ولو لمره
واحده، كانت تتمنى لو إنه يساعدها مع أبنها لكنها
قالت:
- ليه شكرا، أنا أستطيع تدبر الأمر بمفردي.


تعرض بخيبة أمل كبيرة، عندما لم يسر على ذلك،
واضطرت إلى تذكير نفسها بأن عز الدين هو
شقيق أميرة.

ولم تكن عليها أن تشعر بأي شيء تجاهه، ومع ذلك بينما كانت تراقبه وهو يمشي نحو الباب، كل م
ا يمكن أن تفكر فيه، هو كيف كانت تحب الشعور
بأصابعه، عندما كان يقيس لها الحرارة.


وفي يوم الأجازه، كان اليوم ممطرا، أستيقظت سلمى على صوت هطول الامطار، كانت تتمنى لو كانت
الشمس مشرقة، حتى تتمكن من الخروج من
المنزل، إلا أنه مع حلول منتصف الظهيرة، شعرت
وكانها محبوسة في قفص ما.

كان مهند يركض في المنزل طول النهار، فقررت
الذهاب إلى الجيم الذي كانت قد اشتركت به من
الشهر الماضي، للحصول على بعض التمرينات
الرياضية.

وحتى مهند بتقليد السيدات، فيحصل هو أيضا
على بعض التمرينات الرياضية.


إلا أنها وعندما غادرت المنزل، وكانت ممسكه
بيد مهند وتمر بجانب إحدى الكافيتريات، وجدت
مهند يقوم بتلويح يده الصغيرة بوداع صغير.

فلم
تستطع سلمى، إلا أن تلحظ نظرة عز الدين وهو
ينظر إليها، كانت ممتنه جدا عندما شاهد أبنها
عز الدين، وأبتعدت قليلا، إلا أنها شعرت بعيون
عز على ظهرها وهي تمشي.


ذهبت إلى الجيم، ثم قامت بتغيير ملابسها،
وإستمرت ساعة ما بين الأيروبكس والآلات الرياضية.


وكان مهند فرحا جدا بمعاملة الفتيات العاملات
بالجيم معهم، وبعد ذلك أرتدت ملابسها، وأخذت
مهند في يدها، وقامت بالرجوع من نفس الطريق،
إلا أنها شاهدته ما زال يجلس على نفس الكرسي،

يشرب فنجانا من القهوة، وعلى ما تظن كان
ينتظر مرورهم.


- خرج سريعا وقال: هل امضيتم وقتا ممتعا؟


- أعجبت نعم جدا, أنا مندهشة من أنك عرفت
المكان الذي ذهبنا إليه!


- هذا لأن إعلان الصالة الرياضية كبير جدا، وقد
شاهدتك تدخلي ذلك المبنى، فبالتأكيد ستذهبين
إلى الصالة الرياضية قالها بسخرية تامة.


فلم تبتسم أو تقول أي ملاحظة.


- فقال وهو يمسك بيد مهند: لا أفهم لماذا
تكرهيني كثيرا؟

حقيقة أن جسدها ارتعش رعشة خفيفة عندما
قال لها هذا!

لكنه اكمل وقال: ما الذي يزعجك كثيرا بشأن
المحامين؟

فإنهم يدافعون عن حقوق البشر، أبتسم ساخرا
هذه المرة وهو يقول هذه الكلمة،
فحمرت سلمى خجلا وفي تلك اللحظة، شاهد
مهند عربت غزل البنات فبدأ في طلب الشراء،

فسألها هل تمانعين إذا أشتريت للطفل غزل البنات، وبعض العصائر؟


اجابته بالطبع لا.

- هل تريدي شيئا آخر لك؟

- ليه سأقوم بمشاركتها مع مهند، فإن كثرة
الحلويات لديه تؤذي أسنانه، فلم يكن لديها
بعد ذلك خيار، سوى الجلوس معه في الكافيه،

بينما يشرب الصبي العصائر ويأكل غزل البنات.


- ساد صمت محرج، ولكي تغطي عليه بدأت سلمى
بالبحث في الحقيبة التي معها عن لعبة تعطيها
لمهند.


- قال عز الدين: ذهبت لرؤية أميرة، وهو يشاهد
الصبي يلعب بالسيارة الصغيرة على المنضدة.


- فسألته كيف حالها وكيف تسير الامور معها؟

- أفضل بكثير، أخبرتني أن اقوم بشكرك على تلك
الورود وهذه العلبه الجميله من الشيكولاته
المفضله لديها،
لقد حاولت الاتصال بك لكنك لم تكوني في المنزل.


- قالت سلمى: وهي تنظر بعيدا، أنا لست في المنزل في معظم الأوقات.

- فقال فجاه الا تعتقدي اننا نتشابه؟

- تلعثمت وقالت من؟

فقد تخيلت انه يتكلم عنه وعنها.

- اقصد انا وأميرة في حب الأطفال لنا.

- لم ترد عليه، بل صمتت وحضر كل منهما في الآخر
لبضع ثواني، حتى نظرت بعيدا، أعتقدت سلمى،
أنه كان يجب عليها أن لا تدخل معه الكافيه.


كان شخص كما هو واضح عليه لا تشبه الشائبه، إلا
أنها شعرت بعدم الارتياح، لم تكن مستعدة للتعامل مع أي رجل في هذا الوقت.
.

كما أنها في كل مرة تقابله فيه، تكون في موقف
لا تحسد عليه، لم تكن تعرف السبب، لكنها
لم تستطع التصرف بشكل طبيعي في وجوده.



- أعطيني اياها.

- ليست لك!

همست سالي، عندما رأت يوسف ومحمد يتقاتلان
على حيوان لعبة من الفرو وقالت: ها نحن ذا مرة
أخرى،

أعتقد أن أميرة يجب أن تتقاضى أجرا مضاعفا
من أمهاتهم، فإنما يحدث هذا كثيرا جدا،
فإنني لم أشاهد طفلا بمثل هذه الشقاوه أبدا.


كل يوم، أحاول الفصل بينهم لبعض الوقت، ووضع
كل واحدة منهما في زاوية، لكنهم يستغلون
الأستراحة لاعداد مقالب جديده معا أو ضد بعض،
وأثناء حديثها،

شدت نيره شعر حبيبه، بل وضربتها في قصبه ساقها، وإندفعت إليها تلوح بقبضتها.


- قالت سالي: وقد نفذ صبرها، إن البنات الصغار
هذه الأيام يلعبون مثلما يلعب الصبيان، لقد تعبت
كثيرا، كانت أميرة عندما تنظر لهم، كانوا يسكتون.


لأن هذه النظرة معناها الحرمان من بعض الألعاب
والحلويات، أما أنا فلا أقدر أن أحرمهم من شيء،
حتى وأن فكرت سيقومون برجي وشدي،
حتى استسلم لهم.


- قال عز الدين: لا تقلقي! سأقوم بالفصل بينهما،
وأصالحها على بعضهم البعض.


حاول أن يقوم بالصلح بينهم، إلا أن كل واحد منهم
كان يقول هو السبب هي السبب.


لم يجد عز الدين، إلا أن يضع كل واحد منهما،
على كرسي في مقابلة الآخر، حتى ينظر لبعضهما.


- هل تعلم ما هذه إنها المحكمة؟


فنظر إليه الأطفال بهدوء وقال: إنه المكان
الذي تقرر فيه، ما إذا كان الناس طيبون أم سيئون.


أضاف وهو يبتلع ريقه، ونظر إلى الأطفال بأهتمام،
فوجدهم مهتمين جدا بكلامه، سنرى ما إذا كان
كل واحد منهما جيدا أم سيئا،

وبعد ذلك سيقرر القضاة والمستشارين ما يجب فعله حيال ذلك الأمر؟


ثم قسم الأولاد ما بين القضاة والمحامين والشهود، حتى الأفراد الذين يحضرون الجلسة، أخذ الأطفال كل واحد دورا منهما.


و هو بدأ يسال الاطفال عن سبب المشاكسه
ما بين الصبيان، ومن منهما البادئ بالمشاكسه؟


وعندما حاول أحد الاطفال قول الحقيقه،
قام الطفل المذنب بصفع كرسيه، ثم بدأ بالصراخ
في وجهه ووضع يده على فمه ليمنعه من قول
الحقيقه.


وبعد فتره أصبح واضحا أن نيره كانت هي المتهمة
والجانية في هذه المرة، وعندما أخبرها عز الدين،
بدأت الفتاة في العبوس بسرعة كبيرة،

وإلتفت الصبيان بعضهم إلى بعض، فكان يبتسم
من الأذن إلى الأخرى،

لأن الفتاة هي من أصبحت المتهمة، فنظر إلى
الفتى وقال:

يبدو أنك لم تبدأ القتال هذه المرة، لكنني
سمعت أنك تضربها كثيرا، هذا صحيح!

فقام يوسف وهزر فيه، وقال: نعم، فنظر إليه
عز وقال:

حسنا إذا، أعتقد أن الوقت قد حان لكي نفعل شيئا،
حتى لا يحدث عراك بينكم مرة اخرى.


ثم بعد ذلك، أخرجتهم سالي إلى الحديقة المتواجد
بها بعض الألعاب الكبيرة
، لكي يخرجوا تلك الطاقة الكامنة بداخلهم،
بدلا من المشاكل التي يفتعلوها بعضهم البعض.


إلا أن تلك المحاكمة، جعلت الأطفال يعترفون
بالأخطاء التي يقترفونها مع بعضهم، وبدأ
كل منهم يعتذر للآخر
.

نظرت سالي الى عز الدين، وقالت :كيف فعلت ذلك؟

كيف جعلتهم يتسامحون مع بعضهم
البعض، ويقومون بالاعتذار؟


أجابها عز الدين وهو يضحك: لقد كانت ضربة حظ،

وكان يمسك بياقة قميصه، كنوع من التفاخر
المضحك.

- لا لم تكن ضربة حظ، أنت تقريبا جيدا في معاملتك مع الأطفال، مثل أختك.


- هذا ليس صحيح تماما! أنا اكثر عنادا من أميرة.


قالها عز الدين، وهو يهمس بينما، كانت الثانية
تبتعد، معتقدة أن هذه المرة ستتح له فرصة للتحقق من ذلك، بالنسبة لمن شغلت عقله من وقت قريب.


وبقدر ما حاولت سلمى، لم تستطع التوقف عن
التفكير في عز الدين كثيرا، فبعد ظهر يوم الأحد،
وبينما كانت تقف أمام الحضانة، في تمام الساعة
الرابعة، وجدت نفسها تشعر بالسعادة لأنها
ستراه مرة اخرى.


في البداية، أعتقدت أن الأطفال قد غادروا الحضانه،
لأن الاضواء كانت مطفأة الأضواء، التي كانت في
مكتب أميرة، كانت هي فقط المضاءة.

وكان عز الدين جالسا على مكتب أميرة مع جهاز
كمبيوتر، وعيناه ملتصقتين بالشاشة، فتلفت
يمينا ويسارا لم ترى أبنها.


فأرتفعت الدماء إلى رأسها مره واحدة،
ونطقت :أين مهند؟


ثم لاحظت شيئا ما يتحرك بجانب عز الدين، كان
مهند راكعا على الأرض، محاولا بناء قلعة ما من
القطع البلاستيكية، وعندما أتصلت به أصابعه
الصغيرة الخرقاء، سقطت على الأرض مفككة،

وهو ما أحتفل به مهند من خلال التصفيق بيديه،
لم يحزن! وإنما كان فرحا بهذه اللعبة الجديده.


عندما نظر عز الدين، وجد سلمى فأبتسم.

ردت له الإبتسامه وقالت: مساء الخير أستاذ عز،
أكنت تعمل وتنظر إلى بعض الأوراق القانونية
أثناء انتظارك لي؟


- أولا و أخيرا أنا محامي، أما فترة وجودي في
الحضانة فهي فتره مؤقتة، فيجب أن أراجع
بعض الأعمال التي يبعثها زملائي في العمل،
على الإيميل الخاص بي.


فكرت سلمى، أنها لم تكن مضطرة لتذكيره بذلك،
ففتحت ذراعيها لمهند وقالت :هيا يا حبيبي
حان وقت رجوعنا إلى المنزل.


نهض عز الدين وقال لها: لماذا أنتي غاضبة؟

- لم أكن أتوقع! أن أجد أبني يلعب بمفرده أثناء
انشغالك وعملك على الكمبيوتر؟


- لكن مهند كان يقضي وقتا ممتعا في اللعب
بالمكعبات، فما الخطأ في ذلك؟

عرفت سلمى، أنه لا يوجد شيء خطأ، الشيء السيء
الوحيد، هو أن مهند بدا مسرورا برفقته،
وذلك ذكرها بما كان ينقص في حياة إبنها وجود
رجل،

والمتمثل في وجود أب في منذ طلاقها، حاولت أن
تخبر نفسها أنها لا تحتاجه، لكنها لم تكن
متأكدة، ربما إحتاجت إلى نموذج يحتذى به أبنها،

لكنه بالتأكيد لن يكون أبيه، نظرا لأنه لا يصح
لهذا الشخص أن يكون قدوة لأحد ما،

هي تحاول
تربية أبنها بعيدا عن أبيه، حتى لا يتطبع بطبعه.

- قالت وهي غاضبة، وتاخذ حقيبة ابنها المتواجدة
بجانبه : يجب أن أعلمه الأشياء، هذه فلسفة أميرة.


هذه الحضانة هي أكثر من مجرد مركز، أو مكان يقوم فيه الأطفال باللعب، حتى عودة والديهم،


إنه مكان يتعلمون فيه، لذلك فقد قدمت له في هذه الحضانة بناء عن توصية قدمتها لي جارتي،
فهي ليست حضانة للعب فقط، إنها حضانة
ترتكز على برامج تعليمية لتأسيس الأطفال،
قبل إلتحاقهم بالمدرسة.


- رد عليها وعلامات التعجب ظاهرة على وجهه،
العب أيضا بالنسبة للطفل، لا يقل أهمية عن تلك
البرامج التعليمية.


- حملت سلمى مهند بين ذراعيها، وكانت ستبتعد
دون أن تقول أي شيء، لكنه أمسك بذراعها.


- أنا أسف جدا، لأني لا أتبع العمل الذي
تقوم به أميرة، لكنني لن أعتذر عن ترك مهند
يلعب بشيء يحبه، أنتي تبالغي في ردة فعلك!


أرسلت يد عز الدين إلى ذراعها
إحساسا غير معروف و
بمتعة في أنحاء جسدها، قد إفتقدتها من
زمن طويل.


فقالت وهي تحاول إخفاء احراجها: مساء الخير
سنرحل الآن.

- وتوجهت نحو الباب متجاهله أحتجاجات مهند
وتنفست الصعداء، عندما وصلت إلى السيارة،
لماذا في كل مرة تقابل فيها عز لا يبدو أنها تفكر في شيء صحيح وعادة ما تقوم بالتشاكس معه.


في تلك الليلة، قرأت سلمى بعض الروايات الصغيرة
للأطفال و لأبنها، وعندما بدأ مهند يقوم بإغلاق
عينيه، أخذته بين ذراعيها وعانقته عن قرب.


- هل تشعر بالنعاس يا أجمل طفل في الوجود.


كانت مستمتعه بذلك الدفء والحنين الذي
يرسله جسد الصبي على صدرها، وهي تحتضنه.

- اريد بطانيتي؟

سألها وهو يقوم بفتح عينيه، كانت البطانيه
الصغيره عبارة عن هديه عيد ميلاده، وعلى
الرغم من أنها بدأت كاي بطانيه صغيره،

إلا أن مهند لم يستطع الأنفصال عنها،
ولا حتى الذهاب إلى الحضانة بدونها،
نظرت سلمى في الحقيبة، وبدأت في البحث عن
البطانيه الصغيرة.

فهذه البطانيه خاصه بالأطفال الرضع،
إلا أنه لا يستطيع الانفصال عنها ابدا.


لم تجد سوى البامبرز،
وكتب صغيرة وألعاب، والبطانيه قد اختفت،
لقد غادرت الحضانة في عجلة من أمرها،
لدرجة إنها لم تتحقق لمعرفة ما إذا كان هذا
الكنز الثمين بالنسبة لأبنها داخل الحقيبه أم لا.


- أين بطانيتي؟

سألها مهند مرة أخرى، بتلك النبرة الطفولية
الجميلة فقالت:
- لا أجدها يا حبيبي،
اعتقد أن أننا تركنها في الحضانة، لكن لا شيء
يحدث أليس كذلك!

فأنا معك وبجانبك، ومتاكده أنك تستطيع
أن تنام بدونها الليلة.

- إلا أن مهند نظر بنظرة رعب وقال: لا

و بدأت الدموع تنهمر من عينيه، وكان يبكي
بكاء يصير للشفقة، فقامت هي أيضا بالبكاء
من الألم الذي رأته على وجه صغيرها.


- لا تقلق غدا صباحا تكون معك في الحضانة.


لم ينم مهند مرة واحدة في حياته، بدون هذه
البطانيه، كانت تستغرب كثيرا هناك رابطه
نفسيه تربطه بتلك البطانيه.

كما أنها لا يجب أن تستشير أخصائي نفسي، لأن
أبنها وصل السنة لأربع سنوات،
وما زال في بعض الأوقات يحتاج للبامبرز
وللبطانيه.

سبق أن قالت لها داليا: هذا من اثر المشاكل، التي
كان يفتعلها والده أمامه وهو صغير.


- عرفت ما عليها فعله، ستقوم الأن بالأتصال
بالحضانة، وترك رسالة على جهاز الرد الآلي
المتواجد بها، فعندما تحضر سالي صباحا،
بالتأكيد ستبحث عنها وتجهيزها للصغير.


- مرحبا أنا سلمى، والدة مهند، ترك مهند
بطانيته في الحضانة، ولا يمكنه النوم بدونها،

هل تمنعوا إذا ذهبنا الآن للبحث عنها؟

أم تجهزها سالي صباحا، عندما نأتي، فيجدها لإنه إلى الأن لم ينم.

أرجو عندما تصل هذه الرساله لك يا سالي، أو لعز، أن تتصل بي حتى لو كان في الصباح الباكر.


قامت بإحتضان طفلها الباكي، و تربط عليه
وتقبله، وقالت: سأجعلك تنام بين ذراعي الليله.


فعلت كل مافي وسعها لإلهاء الصغير، أحضرت
الشيكولاته وغنت بعض أغاني الأطفال، حتى أنها
أحضرت حلوى ملونة، كانت تحتفظ بها لكن
الأمر لم ينجح أبدا.


بينما هي كانت تجلس، دق جرس الباب، وأعتقدت
أنها داليا، فأخذت مهند بين ذراعيها وقامت
بفتح الباب.


كل ما شهدته لم تكن جارتها داليا، ولكن كان
عز الدين، كانت ترتدي قميصا وبنطالا، مما
جعل جسده جذابا للغاية.

لم يرحب أو يقوم بالسلام عليها! بل وجه أنتباه
إلى مهند على الفور.


- وقال وهو يرفع البطانيه التي كان يخبئها
خلف ظهره، أعتقد أنك تركت هذه في الحضانة.


أبتسم مهند من خلال تلك الدموع والبكاء المتزايد،
وأخذ كنزه السمين بفارغ الصبر، في تلك اللحظة حول عز الدين نظره إلى عيني سلمى.


قالت سلمى شكرا لك.
كانت تودا أن تقول المزيد، لكن تعبير وجه
عز تركها تعجز عن الكلام.

- أجابها لا شكر على واجب.

وهو مازال ينظر إلى عينيها.

- هل تريد بعض من الهوت شوكلت الساخن؟

- صمت لبعض ثواني ثم أجاب نعم!

- أجلس.

ثم ذهبت الى المطبخ وسمعت عز الدين يتحدث
مع مهند لبضع ثواني، ثم صمتت الغرفة.

عندما عادت من المطبخ، أكتشفت السبب،
كان مهند قد نام على الأرض والبطانيه بين يديه،
وكان عز الدين ينظر إليه في حيرة من أمره.

- كنت أتحدث إليه وفجأة نام.


همست وهي تضع الصينيه على الطاوله، وتحمل
الصغير بين ذراعيها.

- يحدث ذلك كل ليله، بمجرد أن يأخذ البطانيه
من بين يديه، سوف أخذه إلى السرير وأعود حالا.


عندما كان بمفرده نظره جيدا إلى الغرفه، لم تكن
هناك ألعاب على الأرض، وكانت جميع المجلات
والكتب الصغيرة في مكانها.

كانت غرفة بدا كل شيء فيها على ما يرام، كانت
نظيفة، كان نادرا في منزل يوجد فيه طفل
صغير أن تكون بهذه النظافة.

- فنهض، وذهب لإلقاء نظرة على تلك المكتبة
الصغيرة التي توجد في الزاوية، كانت جميع
الكتب تقريبا عبارة عن كتب تجاريه، عن نظريات
المحاسبة والمالية،

ولكن كانت هناك أيضا روايات لنجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس.


أخذ غز يتصفحها حتى عادت سلمى إلى الغرفه.

- هل ترغب في أكل شيء آخر بجانب الهوت
شوكلت؟

- لا شكرا لك.
قالت وهي تجلس على الاريكه وتحاول إخفاء
توترها وهي تثقب تلك الشوكولا في المج
الذي أمامه بيديها المرتعشتين:

كان من دواعي السروري أنك أحضرت البطانيه
فشكرا لك.

أبتسم وهو جالس بجانبها وقال: أنا متأكد من
أن أميرة ستفعل ذلك أيضا.

- نعم صحيح أن أميرة إمرأة جميلة وهي أم من
الطراز الأول.

- على عكس أخيها البغيض أليس كذلك؟

- لا أنا لم اقل ذلك.


أبتسم وكان يفكر أن شخصية سلمى تعجبه
كثيرا، فمن تلك الأم التي ستبكي، وتتصل
بالحضانه ليلا، كان معظم الأمهات ومنها أمه
ستقوم بضربه ونهره وتغلق الأنوار وتتركه بالغرفه
لوحده حتى ينام من البكاء،

والصباح كانوا سيذهبون إلى الحضانة، وجدوها أم لا كانت، لا تفرق مع بعض الأمهات مثل هذه الأشياء.


- تكلمت سلمى أخيرا! وقالت: ليس كل الأطفال
يرفضون النوم، إذا لم يجدوا معهم بطانية
أو أي شيء، أخشى أنني قد أنشات بطريقة
خاطئه.

إلا أنني وجدت أنه من اللطف دائما أن يكون
مهند مرتبط بشيء ما، هو لا يرتبط بأي لعبة
من الألعاب التي أقوم بإحضارها، حتى ذلك
الأرنب الفرو إنما، وجدته مرتبط أرتباطا شديدا
بتلك البطانيه الصغيرة.


كانت ترتشف من مج الشوكولا الذي بيدها، وعندما
أخذت رشفه أعطاها شاربا بنيا صغيرا، فضحك
عز عليها وقال:

- في الحضانه أشاهد الأطفال بعد ما يقومون
بشرب العصير أو أي مشروب به شيكولا، يقومون
بتنظيف شواربهم، لكن يجب أن نغير هذه
القاعدة معك لأنها جميله جدا.


إحمرت سلمى خجلا، ولكن قبل أن تتمكن من أخذ
المنديل، قام هو بمد يده و مسح ذلك الشارب
الصغير.

- عجيبه أنتي اليوم لم تقولي لي أن أقوم
بفتح الباب قليلا.

- لا أدري، لم أشعر بشيء إلا بفرح مهند، حتى
لم أشعر أنك أغلقت الباب.


كانت لحظه مسحه ذلك الشارب من على وجهها
أسوا شيء، لإنها شعرت برغبه غريبه وهو أراد أن
يقوم بمسح هذه الشوكولاته ليس بالمنديل أو بيده،
وإنما أراد أن يحتضنها ويقوم بتقبيلها.

- نظرت بعيدا وهي تطفي ذلك المنديل وقالت:
هذا يحدث لي دائما لم تكن تعرف ماذا تفعل أو
تقول، وبالتأكيد وجود عز في منزلها وهو يشرب
الشوكولا ويقوم بمغازلتها، لم يكن شيئا قد
خططت له هي.


كانت تلك النظرات التي تخرج من عينيه لم تعتاد هي عليها
- لم نبدأ بشكل جيد وصحيح أليس كذلك؟

سألها ذلك السؤال فتفاجأت، حتى أنها تعجبت
وبدأت تتساءل عما إذا كان يقصد ذلك أم لا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي