الفصل الأول

جابت بعينيها المكان الذي دلفت إليه بعد أن جلست على المقعد الجلدي المريح ومازالت منبهرةٌ من التصاميم المميزة والتي لم ترى في جمالها من قبل.

أخرجها من شرودها صوت رجلٍ هادئ يبدو في الخمسين من عمره:
-أترين؟ لقد نسيتُ إحضار ملف الصاعقة سوف أذهب لإحضاره انتظريني هنا ريثما أعود.

أومأت برأسها بالموافقة وهي تتابعه حتى أغلق الباب خلفه، فضولها الشديد أجبرها للاعتدال والتنقل في المكتب الذي هي به، حيث كان الأثاث الدمياطي باللون البترولي الفاتح المريح والستائر البيضاء التي تناغمت بحرارةٍ مع أجواء الغرفة الباردة نوعًا ما رغم ان الاجواء ربيعيةٌ بالخارج،

فقد كان طلاء الغرفة مدرجٌ بلون خشب البلوط الغامق والرمادي الذي يتناسق مع الاريكة والمقاعد البترولية وأخرى رمادية واقدامهم بلون البلوط.

جلست على المقعد الدوار المتواجد خلف المكتب الأبنوسي لتشعر ببعض الرهبة والهيبة معًا بعدما غطست به فقد بدت مثل عصفورٍ صغيرٍ داخل عشٍ كبير، إنه شعورٌ متناقضٌ وعجيبٌ يثير في النفس الدهشة.

لامست أناملها الرفيعة الأقلام و آلة الختم المميزة بنقش عاصفةٍ عليها أو ربما هي رياحٌ لا تعلم حقًا، لتنتقل إلى علبة حبر الأقلام السوداء التي تتناسب مع الشكل المنقوش على الختم.

بدأت تتطلع إلى ما وضع فوق سطح المكتب، جهاز حاسوبٍ متنقل رفيعٌ جدًا بلونه الرمادي الأقرب للسيلفر، هنا بعض الملفات والكتب الموضوعة بترتيبٍ تامٍ وأنتيكةٍ على شكل طفلٍ صغير بجناحين عاصفين،

هناك بعض الأقلام السوداء والتي تم انتقاؤها بعنايةٍ كبيرة فهي أقرب للأقلام القديمة والثمينة، وقد تم وضع القصاصات الورقية الصغيرة للملاحظات في علبةٍ مخصصةٍ لهم،

بينما تم وضع الكروت التعريفية الخاص بالشركة في علبةٍ أصغر.

نظرت حولها بتفحصٍ وما زالت مبهورةٌ بالمكان، الكؤوس الذهبية والميداليات المتنوعة معلقةٌ بأناقةٍ تامةٍ وموضوعة في الأعلى،

بالأسفل على طاولةٍ مخصصة وكأنها بار تم نصب آلة قهوةٍ غريبةٍ بلونها الأسود الممزوج بالفضي، وقد علقت خشبية مطليةٌ بالأبيض على الحائط دققت النظر إليها لتجدها ساعة!.

نظرت خلفها حيث النافذة الزجاجية التي تغطي الحائط بأكمله بينما غطت بستائر من الشيفون الشفاف تسمح للضوء بالانتشار بحريةٍ داخل المكتب، على جانبها وضعت علّاقة الثياب الخشبية وهذا ما جعلها تبتسم.

عادت بأبصارها نحو المكتب ليجذب نظرها دفترٌ موضوع بين الملفات آثار انتباهها، عقدت بين حاجبيها بتعجبٍ لمَ هو غير موجود في حاملة الكتب والتي على هيئة فروع شجرةٍ فقد جذبتها أول شيءٍ عند دلوفها للمكتب،

أخذته بتوترٍ وترددٍ شديدين لتمعن النظر به، كان الدفتر باللون الاسود عليه توقيع شخصٍ لم تفهمه بسبب تشابك الأحرف ويبدو أنه تعمد ذلك فهي بارعةٌ باللغة الأجنبية لكنه خطٌ جميلٌ للغاية يزينه في المنتصف حرف الياء باللغة الانجليزية.

يبدو أنه صاحبه هل يعقل أن يكون اسمه "يُوسُف"!، بمجرد لمسه له شعرت بقشعريرةٍ تحتلها لكنها تجنبتها وهي تفتح أول صفحاته لتأخذها الكلمات المكتوبة بداخله.

"وضعتُ يدي فوق قلبي وأنا أضغط عليه اكاد اُجزم ان هناكَ من يقوم بعصره وجذبه بعيدًا عن قفصي الصدري تاركًا خواءً وإحساسًا سيئًا بـ الإنطفاء، أريدُ أن أصرخ! وكيف وأنا لا استطيع حتى ابتلاع ريقي؟، أريد أن أركض مبتعدًا عن هنا عليَّ أن اشعر ببعض الراحة ولكني فقدتُ توازني ".

مسحت دمعة سالت من عينيها الواسعة فقد شعرت بألم صاحب هذه الكلمات لتنتقل للورقة الثانية وهي تقلبها.

"أبقيك لي وحدي وكأنك آخر الأشياء التي سأحصل عليها في هذه الحياة، عانقني فقط وكأني سأموت غدًا".

بدأ قلبها الصغير يؤلمها من تأجج هذه المشاعر الجياشة لتنتقل لعدة صفحاتٍ علّ هناك شيئًا جميلًا مكتوبًا هنا ويسري بالنفس البهجة بدلًا من حروف الألم هذه،

جذبت عينها هذه الصفحة والتي يبدو عليها بعض قطرات المياه التي جفت أيعقل أنها دموع؟!، قرأت بسرعةٍ وقد شعرت ببعض الغيرة من هذه الكلمات العميقة ولا تعلم السبب

" كيف لفردٍ واحدٍ في حياتي بل فردًا واحدًا في الكرة الارضية بأكملها يمتلك القدرة على تهدئة أمواج قلبي الهائجة والتي تضرب شواطئي بكل ما أملك من يأس، شخصًا واحدًا يمكنه أن يزرع الطمأنينة بكل سهولةٍ وكأنه يضع البذور في التربة كيف لهذا الكائن اللطيف أن يفعل ذلك معي".

شعرت أن هذه الكلمات من نصيب فتاةٍ حازت على قلبه المتألم وقد غيرت مجرى حياته للأفضل بعفويتها ورقتها وحتى تميزها، لقد خمّنت انهُ شخصٌ صلب قاسي من الخارج حسب أسلوب انتقائه لأثاث مكتبه لكنه يحمل آلاف المشاعر في داخله.

انتقلت لورقةٍ أخرى وهي تدور بالمقعد للجهة الثانية
"ليس ذنبك أو ذنبي الأمر أنني فقط..

وقبل ان تكمل شعرت بأنفاسٍ ساخنةٍ تلفح جانب وجهها الخمري مما جعلها تلتفت ببطءٍ تريد معرفة من يكون خلفها ليسقط الدفتر من بين يديها بعدما شهقت بخوفٍ كبير.

اعتدلت بسرعةٍ تتراجع للخلف قليلًا مبتعدةً عندما وجدته شابًا في بداية الثلاثين من عمره حنطي البشرة بعيونٍ ناعسةٍ لكنها حادةٌ بهم بعض اللمعة التي تجذبك وتجعلك تنظر إليهم لبعض الوقت،

أنفه المستقيم الحاد وفمه الغليظ نوعًا ما والذي يغطيه شاربٌ خفيفٌ يتصل بلحيةٍ جميلة تحتضن وجهه البيضاوي،

شعره الغجري الاسود اللامع والمصفق بطريقةٍ عصريةٍ جذابة، طوله الفارع والذي تصل لمعدته تقريبًا وهي تقف أمامه، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ واذي جف وكأنها داخل صحراء شديدة الحرارة،

انتبهت اليه وهو يسألها ناظرًا إليها بصوته المخملي الغاضب بعد أن تفحصها من رأسها الذي يزينه حجابها الرمادي وجلبابها الكحلي حتى أخمص قدميها الذي يخبئه حذائها الرمادي:
-من انتِ؟.

هربت الكلمات من بين شفتيها وقد تحولت الى حجرٍ لا يستطيع الكلام ليجيبه تمثالٍ يقف على الباب:
-إنها المحامية "رويني" والتي تتدرب لديَّ انها في سنتها الدراسية الاخيرة سيد "نادر".

ظل نادر ينظر إليها لبعض الوقت ثم خاطبها بضيق لمسته من نبرة صوته:
-أحضري الدفتر وضعيهِ مكانه.

انحنت تجلس على أصابع قدميها تأخذه ثم اعتدلت تضعه بين الملفات بارتباكٍ ثم أسرعت نحو السيد "جمال" تجلس بجانبه وقلبها يقرع كالطبول خوفًا من هذه الشخصية الغريبة.

أخذ نادر نفسًا عميقًا يعيد تهدئة أعصابه التي نجحت هذه الفتاة ببعثرتها ليخاطب جمال بعد أن نظر الى رويني التي تضغط على يديها بتوترٍ كبير:
-أخبرني استاذ جمال هل العقود والملفات جاهزة؟.

أومأ له جمال بتأكيدٍ ليمسك بحقيبته يفتحها ثم أخرج الملفات التي بحقيبته وهو يعطيها إليه:
-تفضل سيد نادر هذه العقود المضمونة والموثوقة التي تخص شركة الصاعقة المنافسة لك.

قلب نادر عينيه بتفكيرٍ ثم أخذ الملف من جمال بهدوء، نظر الى المعلومات المدونة بداخله بانتباهٍ ليرفع نظره نحو جمال الذي يهمس لرويني بخفوت بعد أن تأكد من المعلومات التي بين يديه:
-أستاذ جمال شكرًا لمجهودك المبذول لكن ليست هذه المعلومات التي أحتاجها.

عقد جمال بين حاجبيه باستغرابٍ وهو ينظر إليه:
-لم افهم سيد نادر إنها المعلومات التي تحتاجها تمامًا، لقد بذلت مجهودًا جبارًا للحصول عليها اقسمُ لك.

تنهد نادر بهدوءٍ فمازالت هناك بعض المعلومات التي يحتاجها ولكن لا يعلم كيف يحصل عليها، جاءت عينه صدفة على رويني التي تضغط على شفتيها بتوترٍ كبير ليغمض عينيه بقوةٍ من فعلتها الغير مقصودة،

حرك رأسه نافضًا تلك الافكار الخبيثة والتي راودته بمجرد حركةٍ صغيرة منها.

خاطب جمال متجنبًا النظر إليها لكن؛ هيهات فقد انساقت عينيه نحو وجنتها اليسرى والتي تقابله لتظهر غمازتها الغائرة بسبب حركتها التي ما زالت مستمرة ومصّرة عليها.

ضرب المكتب بقبضة يده ثم نفض رأسه بسبب الأفكار التي راودته جراء حركتها تلك، مما دفع رويني أن ترفع رأسها تنظر اليه بعد أن شعرت ببعض الخوف ليخاطبه جمال بتعجب حقيقي: -ما الأمر سيد نادر!.

اخذ نادر نفسًا عميقًا يهدأ من ذاته فحقًا سوف تقوده هذه الفتاة للجنون، اخرجه ببطء ثم نظر إليه يجيبه وهو يهز رأسه نافيًا ممسكًا بسماعة الهاتف الذي بجانبه مخاطبًا جمال:
-لا شيء، فقط اخبرني هل تحتاج قهوة سادة! ام شيئًا آخر استاذ جمال.

هز جمال رأسه نافيًا بهدوء وقد وضع ذراعه يسنده على المكتب:
-لا فقط كوبُ قهوة.

تجاهل نادر رويني ليخاطب السكرتيرة الخاصة به والتي أجابت على الهاتف بسرعة:
-احضري ثلاث اكوابٍ من القهوة السادة الى المكتب سحر لا تتأخري.

أجابته سحر بتوترٍ بعدما ابتلعت ريقها:
-سيد نادر لم يأتي العم أشرف اليوم فطفله مريض بعض الشيء.

ثم استرسلت بهدوء ورقة بينما تقترح عليه
-هل اطلب لك من الخارج؟.


لتكمل بتردد وهي تعلم الرد الخاص به:
-أم آتي أصنعها بنفسي.

اغمض عينيه لا يريد ان يثور الآن بسبب غياب أشرف فأجابها بهدوء مصطنع:
-احضري من الخارج بسرعة فأنا احتاجها.

خاطبه جمال بتساؤلٍ بعد أن أغلق نادر الهاتف:
-هل انت بخير سيد نادر؟، لأول مرةٍ أراك هكذا.

قلب نادر الملف بين يديه بضيق ثم أجابه بهدوء وهو يفرك مقدمة رأسه:
-لا أعلم أستاذ جمال لكن؛ ما اعلمه أنني أريد قهوة بأقصى سرعة فرأسي بدأ يؤلمني.

فرك جمال ذقنه بتفكيرٍ بعد أن نظر إلى رويني برهةْ والتي تهز قدميها بتوتر فما زالت تشعر بالارتباك مما فعلته:
-ما رأيك سيد نادر أن تشرب القهوة من صنع رويني أنها بارعةٌ في إعدادها.

رمشت رويني بأهدابها الطويلة الفحمية بسرعةٍ وصدمة مما تفوه به جمال، ليكتم نادر ضحكة كادت تفلت منه على رد فعلها ليجيبه بعدم مبالاة مصطنع:
-لا بأس بذلك.

ثم أكمل وهو يشير الى آلة القهوة التي أمامه:
-ها هي آلة القهوة أمامها يمكنها البدء.

همست رويني بجانب أذن جمال بغضبٍ مبطن وهي تكاد أن تبكي:
-ما الذي فعلته لتوكَ عمي، إنني فاشلة في إعداد الشاي فماذا عن القهوة؟!.

أجابها جمال بذات الخفوت يدنو منها:
-لا أعلم، تصرفي رويني واعتبريه كاعتذارٍ عما بدر عن فضولكِ الزائد.

خطفت بصرها نحو نادر الذي يتطلع إلى الملف لتأخذ شهيقًا عميقًا مستغفرةٌ ربها قبل أن تخرجه، اعتدلت متوجهة نحو آلة القهوة التي استلطفت شكلها منذ ولوجها الى المكتب،


نظرت بحيرةٍ إلى أدوات إعداد القهوة الكثيرة لتبتسم بذكاءٍ وهي تخرج هاتفها من جيبها تفتح اليوتيوب عن كيفية إعداد القهوة بهذه الآلة،

رغم أن لديهم آلة بالمنزل لكنها لم تجرؤ يومًا وتستخدمها، قامت بكتم الصوت لتحمد الله لمراودة هذه الفكرة لها.

بعد قرابة العشرون دقيقة انتهت رويني من إعداد فنجانين من القهوة والمطبوع على وجههم رياح محيطة بالقلب، فهذا ما أعجبها من الكبسولات الموجودة أمامها أعادت هاتفها في جيبها ثم تقدمت بحذرٍ كي لا ينسكب منها شيء،

وضعتهم على الطاولة بهدوءٍ جم فتابعها نادر حتى جلست بجانب جمال مخرجة هاتفها تتصفحه وكأن الأمر لا يهم.

حمحم بصوته متناولًا أحد الفنجانين متسائلًا بعد أن استنتج الاجابة:
-وماذا عنكِ يا آنسة.

أجابته دون النظر اليه بخجلٍ ملازمها: -شكرًا لكَ، فأنا لا اشربها.

أمسك نادر بفنجان القهوة بين يديه جيدًا ليسألها وهو يرى احمرار وجهها:
-هل تريدين شيئًا آخر أجلبه لكِ.

قلبت رويني عينيها للداخل بضيق منه فما يزال مصممًا على الحديث معها لتجيبه ببعض الحدّة:
-شكرًا، لا اريد شيء.

رفع نادر كتفيه يحركهم بلا مبالاةٍ ثم قرب الكوب من فمه يرتشف البعض منه، بمجرد ابعاده للكوب اغمضت رويني عينيها تنكمش على نفسها بترقبٍ وهي تتابع تصرفه خشية من أن يكون مذاقها سيء.

همس جمال بجانب اذنها يهدئ من روعها فقد علم سبب تصرفها:
-لا تقلقي انها رائعة.

شعرت براحةٍ تحتلها لتحمد الله على ذلك، كانت طوال الوقت تدعو الله بأن يبيضّ وجهها كي لا تكون عرضةً للسخرية من قِبل نادر.

فتح نادر عينيه فقد أخذته شرفة القهوة هذه إلى عالمٍ آخر، رغم أنّ مذاقها كأي قهوةٍ تقريبًا إلا انّ هنالك سحرٌ خاصٌ بها، شيءٌ غريبٌ وكأنها صنعت من تحت يديّ قهوجي ممتاز، حقًا ستقوده هذه الفتاة إلى الهلاك.

استجمع نفسه وهو يكمل حديثه مع جمال عن الملفات الاخرى جاهدًا كُلَ الجُهدِ بتجنب النظر إلى رويني المنغمسة بالتصفح في هاتفها تخفي خجلها.


زفرت رويني بضيقٍ كبير وقد ضغطت على يدها بغضب وهي تفتح باب منزلها بمفتاحها الخاص، ثم رفعت صوتها مخاطبة والدتها وقد اقتربت من باب المطبخ:
-أمي هل طعامنا سمك؟!.

أجابتها والدتها من الداخل وهي تكتم ضحكتها:
-لا بل طعام الجيران حبيبتي.

رفعت رويني حاجبها بغضبٍ طفيف:
-أمي كم مرةٍ أخبرتكِ بألا تطهي السمك أكثر من مرة في الشهر؟، لقد كان قبل يومين طعامكم سمك، ألا تملون من ذلك ما هذا؟!.

أجابتها والدتها "آمال" مصححةً لها معلوماتها:
-قبل يومين كان سمكٌ مشويّ أما اليوم فهو سمكٌ مقليّ.

أحنت رويني زوايا فمها للأسفل بتعجبٍ من والدتها:
-حقًا واو، لقد فسر الماء بالماء لكنه ماء، أوه أمي لقد ابهرتني حقًا، أعتذر لجهلي لم أكن أعلم أن هذا يختلف عن هذا.

تابعت آمال حديثها وهي تكمل وضع السمك في المقلاة:
-أخبريني أيتها المشاكسة ذات اللسان الطويل، كيف كان يومك؟.

أجابتها رويني وهي تغسل يديها أسفل الصنبور متذكرة يومها:
-لا شيء، فقط الكثير من الخجل والإحراج المعتاد.

نظرت اليها آمال بتساؤل وهي تعقد بين حاجبيها:
-ما الذي حدث؟ هل تقدم لخطبتكِ أحدهم أم أنكِ كنتِ خرقاء بتصرفاتكِ المعهودة؟.

زمت رويني فمها بضيقٍ وهي تخلع حجابها لينسدل شعرها البني من أسفله:
-أولًا أنا لستُ خرقاء يا أمي، ثانيًا ليس من الضروري أن أصاب بالخجل لتقدم أحدهم لخطبتي! ، ولقد اخبرتكِ ألفَ مرةٍ بأن تريحي نفسكِ لأنني لن اتزوج وسأبقى لديكِ في هذا البيت، أي سأكون ونسيتك.

قلبت آمال السمك في المقلاة متحدثة بضيق من حديث ابنتها:
-حسنًا ايتها الثرثارة اخبريني ما الذي حدث.

قضمت رويني فمها بغضب وهي تتذكر تصرف عمها وتصرف نادر:
-تعلمين بأن اليوم هو يومي الأول في التدريب وقد ذهبت مع عمي جمال الى الشركة وقابلت أكبر متغطرسٍ باردٍ مستفز في العالم.

ثم تابعت رويني سرد الاحداث تفصيلًا لوالدتها دون نقص أي حدث بشرود وملامح تتغير من موقف لآخر، ليأتيها صوت من خلفها بعد ان انتهت من السرد:
-وكيف يبدو النادر هذا؟.

نظرت رويني الى شقيقتها المتزوجة "أريام" والتي تكبرها بأربعة أعوام لتجيبها بخجل حاولت مداراته:
-لم ادقق النظر إليه أريام فقط الذي لاحظته هو طوله الفارع وقد بدوت أمامه مثل السمسمة.

أجابتها أريام بإبتسامةٍ خبيثة وهي تراقص حاجبيها:
- رويني منذ متى وانتِ تحتاجين إلى التمعن بالشخص لتحفيظي ملامحه!، انكِ تنتقدين أي شخصٍ بلمحةٍ خاطفة يا فتاة.

ابتسمت رويني بخجلٍ لتحك جانب رأسها بتوتر:
-أعلم أن هذه صفةٌ سيئة وجيدة في نفس الوقت لكن ماذا افعل؟، أقسم أنني لا أتعمد حفظ ملامح أي شخص في نظرة واحدة فقط.

ضحكت "ريتانا" وهي شقيقتها الأكبر منها بعامين واضعة يدها على معدتها المنتفخة:
-لم تجيبينا يا فتاة كيف يبدو النادر هذا ولا تراوغي.

نظرت إليهم بضيقٍ مصطنع تريد الهرب منهم فبدأت تلملم أشياؤها:
-أخبرتكم بأنني لا أعلم سوى أنه طويل القامة ومتغطرس لأبعد مدى، ثم ما الذي تريدونه مني؟، هيّا كل واحدةٍ ترى أطفالها،

ثم نظرت إلى شقيقتها ببطنها المنتفخة:
-وأنتِ ريتانا اهتمي بجنينكِ الذي سيكون أطول منكِ، ألم يكفي أنني لن أتناول الطعام هذا اليوم بسببكما، سأذهب لأبدل ثيابي قبل أن أصاب بضيق نفسٍ من رائحة السمك خاصتكم، فلتشبعوا منه.

توجهت رويني إلى غرفتها تحت أنظار الجميع المتابعة، ثم دلفت الغرفة واضعة متعلقاتها على المكتب الخاص بها ومازالت ملامح نادر بعينيه الناعسة والحادة تسيطر عليها بقوةْ وتتجسد أمامها، حقًا لم ترى مثل عينيه من قبل،

نفضت رأسها تبعده عن تفكيرها مستغفرة ربها، ثم امسكت بهاتفها ترسل رسالة لصديقتها صفاء بأنها وصلت المنزل وبإمكانها أن ترسل ما تم أخذه في الجامعة من محاضرات،

بعدها قامت بالتوجه نحو خزانة ثيابها تخرج لها البعض كي تبدل ما ترتديه، توجهت نحو المرحاض كي تغتسل تزيل عبء اليوم.


ارتفع صوتٌ غاضبٍ من إحدى الغرف ذات الطابع الكبير يليها صوت صفعةٍ قويةٍ كادت ان تخلع وجنة من تلقاها، نظرت "نور" الى زوجها حامد بصدمةٍ نوعًا ما ممسكة بوجنتها فقد اعتادت على صفعاته المتتالية هذه لتتحدث بهدوء:
-ما الذي فعلته لك هذه المرة حامد؟.

أمسك خصلاتها السوداء متحدثًا بعصبيةٍ وغضب:
- كم مرةٍ اخبرتكِ بأنني أحب ان تكون ثيابي مكوية؟.

أغمضت عينيها بألمٍ لتمسك بيده التي تشد على خصلاتها بقوةٍ وغضب:
- لتوه خرج من آلة الغسيل "حامد".

ثم تابعت بترجي كبير وقد غلب على صوتها البكاء ولم تعد تحتمل الألم:
-اتركني انكَ تؤلمني.

نفض يده بقوةٍ مبتعدًا عنها بغضب وكأنها حشرة:
-امرأةٌ حمقاء، لا أعلم حتى الآن كيف لم أنفصل عنكِ؟، لقد تحملتكِ وتحملت غباءكِ إثنى عشر سنة وما زلتِ على حالكِ.

هزت رأسها بقلة حيلةْ داعية بأن يصلح الله حاله ويهديه لها بعدما ارتدى ثيابه خرج مغلقًا الباب بقوةٍ كبيرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي