الفصل الثالث

اقترب يزن من رويني وقد وقف بجانبها كي يساعدها بقلق بعدما رأى حالها هذا، لكن صوت نادر الغاضب جعله يتراجع للخلف طواعيةً والذي وصل لتوه بعد أن كان يراقبها منذ دلوفها للشركة:
-ابتعد عنها ولا تقترب منها.

تقلصت معدة رويني بخوفٍ من حضوره لتتمسك بالحائط خشية الوقوع ارضًا، ألا يكفي الألم هذا الذي يتملكها ليأتي هو الآخر يزيد منه!،

حاولت التمسك وهي تضغط أسفل معدتها ماسحةً دموعها المنهمرة، لكن اللعنة لا تستطيع ذلك، لن تفلح في السير فسوف تصرخ كالمعتاد إن فعلت ذلك.

شعرت بأعينٍ كثيرة تراقبها مما دفعها لرفع رأسها تنظر حولها بتوجس، فتحت عينيها على مصراعيها لتجد الجميع وكأن كل موظفي الشركة جاؤوا لرؤية العرض هذا المجاني، وما كان ذلك ليزيدها إلا بكاءً كالأطفال.

لم تستطع تحمل الألم لتركع على ركبتيها واضعة يدًا على الارض تستند عليها والأخرى أسفل معدتها وهي تكتم صراخةً كادت أن تخرج منها.

نظرت الى فرع الشجرة الذي انتصب امامها ثم انحناء جذعه وعلامات الخوف في عينيه أما بقية ملامحه فهي جامدة وباردة كبروده،

هزت رأسها تنهره عما هو مقدمٌ عليه لكن؛ هذا نادر الذي إن وضع برأسه شيءٌ يفعله ولو كلفه ذلك كثيرًا.

لف يديه حولها حاملًا إياها بين ذراعيه وكأنها غزالة مصابة لا تقوى على السير.

تمسكت رويني بقميصه أعلى كتفه تضغط عليه بقوةٍ دون وعيٍ منها تكتم تلك الصرخات منها في كتفه الآخر ذلك التي تقسم على الخروج عندما تألمت جراء فعلته،

رغم خروج الصرخة والتي مزقت نياط قلبه فقد كان يشعر بتقلصاتها بين ذراعيه وانكماشها على نفسها،

لا يعلم كيف حركت مشاعر والتي كانت مجمدة ومنذ زمن كبير، لا يعلم هو مدته، كانت مشاعره كمن كان بالكهف محبوسًا وجاء من يحررها.

ابتلع ريقه وهو يسير نحو الأسفل بقلبٍ خائفٍ مخاطبًا سحر والتي كانت تتابع الموقف بضيقٍ كبير:
-احضري مفاتيح سيارتي بسرعة والحقي بي.

تحاملت رويني ضاغطةً على نفسها رافعةً وجهها قليلًا بعد أن بللت كتفه بدموعها عندما تيقنت أنه سيذهب بها للمشفى تخاطبه برجاء:
-لا اريد الذهاب لأي مكان، فقط احتاج لأريكةٍ طويلة، أرجوك.

رغم انه لم يكن ليفعل ذلك لكن رجاءها الضعيف وهي تشد على قميصه بقوةٍ من شدة الالم وخشية الوقوع جعله ينصاع اليها على مضض، سار بها للأعلى نحو مكتبه مخاطبًا الحشد المتجمهر أمامه:
-الجميع لرأس عمله لقد انتهى العرض.

تركهم مواصلًا سيره حتى دلف مكتبه، قام بوضعها برفقٍ كبير على سريره الأبيض المتواجد داخل مكتبه بعد أن ضغط على الحائط متحولًا الى هذا السرير،

نظر اليها وهو يرى دموعها التي تنهال من مقلتيها الواسعة مبللةً رموشها الطويلة وصولًا لوجنتيها البارزة لغمازاتها قليلًا.

خاطبها بحيرةٍ وهو يضع هاتفه على اذنه يهاتف جمال:
-أخبريني فقط رويني ماذا افعل لكِ.

حركت رأسها بضعف وهي تشد على غطاء السرير دون النظر له:
-أريد امي باللهِ عليك.

شعر بضيق طفيفٍ لا يعلم تفسيرًا له، ليصرخ في وجه سمر التي جاءت لتوها تقف بجانبه بسبب انغلاق هاتف جمال:
-اذهبي واحضري ملك بسرعة.

اطلقت رويني صرخة ألمٍ بصوتٍ عالي آلمه، حقًا لا تستطيع تحمل هذه الخناجر التي تنغرس اسفل رحمها تشعر بأنها تقطعها قطعًا صغيرة،


اغمضت عينيها متحدثةً بضعفٍ غير قادرة على تحمل قوة الألم:
-أريد أمي أرجوك.

رغم صوتها الخافت والضعيف إلا أنه تمكن من سماعها، اقترب منها بقلق حقيقي ولأول مرة يضعف أمام بكاء فتاة،

يعلم انه لا يُكنُّ لها الحب لكن ما يسيطر عليه الان هو أن تكون بخير.

كان يقف كالجماد الاخرق الذي لا يعرف التصرف أو المساعدة وكأن عقله شُلّ تمامًا،

وما هي دقائق إلا وكانت ملك تقف بجانبه ناظرة لتأوهات رويني الخافتة وبكاءها المكتوم كالأطفال:
-ما الأمر نادر ولماذا جلبتني بهذه السرعة؟!.

نظر اليها وكأنها طوق نجاة جاء أخيرًا:
-لا اعلم لقد اصبحت كهذا فجأة، ارجوكِ ملك انظري اليها.

تختطه بسرعةٍ لتجلس على السرير ناظرةً بتمعن الى رويني مما جعل الاخرى تزيد من تأوهها جراء فعلة ملك المفاجئة.

خاطبتها ملك باستفهامٍ وهدوء كبير:
-ما الذي يؤلمكِ بالتحديد؟!.

لم تستطع رويني اجابتها فقد تمكن منها الألم، وقد حاولت أن تخففه بضغطها على شفتيها مانعة نفسها من الصراخ،

نظرت ملك لنادر لتخاطبه بقلق:
-ربما تكون الزائدة لماذا لم تأخذها للمشفى، ما الذي تنتظره.

اخرجت رويني صوتها بعدما حاولت الحوصل على بعض طاقتها:
-لا ليست كذلك، فقط أريد أمي ارجوكِ فأنا اعلم ما بي.

تنهدت ملك براحةٍ فقد شكت في سبب الالم الذي يراودها، نظرت الى نادر بهدوء:
-هل يمكنكَ الخروج نادر؟!.

رفع حاجبه بتعجبٍ من طلبها مما دفعها لأن تكمل حديثها:
-أريد أن افحصها، أم أنك تريد أن ترى ذلك؟!.

تنهد بقلة حيلةٍ ثم خاطب سمر بهدوء والتي كانت تقف تتابع كل شيء:
-اتبعيني سمر.

نظرت ملك نحو رويني بعد خروجهم لتخاطبها رويني برجاء:
-اتصلي بأمي ارجوكِ لا احتمل الالم.

تحدثت ملك بتعاطفٍ لحالها:
-يمكنكِ اخباري ما الذي بكِ بالتحديد هل هي تلك؟.

نظرت اليها رويني بضعف وعدم فهم من مقصد ملك مما جعل الأخرى أن تفسر حديثها:
-تلك التي تأتينا نحن الفتيات كل شهر!.


تورد وجهها لتجيبها بنفيٍ وخجل في آنٍ واحد بعدما فهمت:
-لا، لكن هل يمكنني طلب منكِ خدمة.

اومأت ملك برأسها بالموافقة لتتابع رويني بضعف:
-بما أنكم لن تأتوا بأمي هل يمكنكِ وضع يدك أسفل معدتي وتبدئي بقراءة آيات الشفاء عليها، إن كان صعب اتصلي بأمي ان الهاتف في حقيبتي ورمزه كلمة (روبينا).

تنهدت ملك ثم وضعت يدها أسفل معدة رويني ممسكة بهاتفها الخاص تقرأ آيات الشفاء عليها عن طريق الانترنت.



نظرت آمال الى ابنتها الصغيرة روبينا والتي جاءت لتوها من حضانتها:
-أخبريني أمي أين رويني لماذا تأخرت؟.

اجابتها آمال وهي تفتح حقيبتها تتفحصها بعدما خلعتها الصغيرة:
-إنها في الجامعة صغيرتي، ادعي لها بالتوفيق.

امسكت روبينا حقيبتها مخرجة قطعة بسكويت متحدثة ببعض السعادة:
-لقد احضرت لها هذه أمي.

نظرت اليها آمال بضيق مصطنع وهي تمثل نبرة البكاء:
-ولماذا لم تحضري لي، انني والدتك.

ارتفعت روبينا قليلًا تقف على أطراف اصابع قدميها تقبل وجنتي والدتها متحدثة بطفولة:
-انتِ كبيرةٌ امي، ثم انني احب رويني كثرًا، ألم تخبريني انها هي من اهتمت بس في صغري؟.

تنهدت آمال بحبٍ الى طفلتها لتقبل ابنتها ذات الاربع سنوات:
-أجل، هي من اهتمت ومازالت تهتم بكِ حتى الآن، هيّا ايتها المشاكسة بدلي ثيابكِ وتعالي لنقوم بحل واجباتك ِ الكثيرة لن تنتظري رويني لتقوما بفعلهم معها ككل مرة، اتفقنا ثم اننا سنذهب عند جدتك اليوم.

قلبت روبينا عينيها بعدم رغبة لتجيبها على مضض وهي تتوجه للأعلى وبيدها قطعة البسكويت:
-حسنًا امي.

زفرت آمال بهدوء ثم اعتدلت متوجه نحو الطاولة لتمسك هاتفها تطلب رويني التي لم تهاتفها حتى الآن.


بعد عدة دقائق تجاوزت العشر، نظرت إليها ملك بتفحص كبير لتتنهد بقوة، ابعدت يدها عن معدة رويني ثم خرجت بهدوءٍ من الغرفة بعد ان غطت الاخرى في نوم هادئ من شدة الألم فقد استنزفت طاقتها،


يبدو ان هذا الألم وراءه قصةً ما وعليها أن تعرفها، في البداية ظنت أنها احدى موظفات هذا المكان لكن حديث قوت لها صباحًا اكدّ شكوكهم، انها الفتاة التي سيطرت على تفكيره بلا شك،

قابلها نادر بقلقٍ واستفسارٍ واضح:
-أخبريني ملك كيف هي الآن؟، ولماذا كل هذا التأخير.

تحدثت ملك بهدوءٍ وهي ترى قلقه الظاهر للعيان مربتة على كتفه بخفة:
-لا تقلق انها بخير الآن، لقد تركتها نائمة في الداخل ولم تسمح لي بفحصها متعللة انها تعرف السبب.

ثم تابعت بمشاكسة وهي تغمز له بعينها:
-انها صغيرةٌ عليكَ نادر.

نظر اليها بتعجبٍ ثم اجابها بعدم فهم:
-ماذا تقصدين ملك؟، لم افهم.

اجابته بإبتسامةٍ صغيرة هامسةً له وهي تنظر لسمر التي تتابع الموقف:
-الأميرة النائمة التي بالداخل.

ابتسم بهدوءٍ ليمسك بيدها متوجهًا للداخل مغلقًا الباب خلفه تحت نظرات سمر الحانقة، خطف نظرة سريعة نحو رويني النائمة، ففي الحائط زرٌ تضغط عليه يتحول الى سريرٍ داخل الغرفة.

جلس خلف مكتبه مما جعل ملك تجلس على طرف الطاولة فتحدث بهدوء:
-انها في سنتها الجامعية الاخيرة ،ثم انني لا افكر بها ملك، لا انكر ان شخصيتها اعجبتني واحتلت تفكيري لكن ان اتخذها ملكي لا اظن ذلك، أنه ثاني لقاءٍ بيننا.

ابتعدت ملك واقفة بهدوءٍ ناظرة لتحرك رويني الطفيف:
-كما هو الحال مع البقية نادر،



أخذت نفسًا عميقًا متحدثة بصوتٍ خفيض:
-اسمعني جيدًا ان لم تكن تحبها فلا تقترب منها وتدخلها عالمك التي لن تقوى هي عليه، ابتعد عنها فما زالت صغيرة ولن تتحملك.

اجابها بضيق حقيقي وقد برز وريد رقبته:
-ما بكِ ملك، هل ترينني رجلٌ مخادع؟، انظري اليّ ملك ا..

وقبل ان يكمل حديثه سمع تأوهٌ صغيرٌ صادرٌ من رويني ليهب واقفًا على قدميه يتوجه اليها بسرعة:
-هل انتِ بخير رويني؟.

نظرت اليه رويني متمنية ان يكون كل ما حدث حلمٌ ولي حقيقةٍ عاشتها، لكن نظراته القلقة والمتسائلة خيبت آمالها،


حاولت الاعتدال لكنها فشلت ولم تنجح، تشعر بخدرٍ في جسدها بأكمله، ابعدت وجهها عنه للجهة الأخرى متجنة النظر اليه بعدما تورد وجهها وأصبح يشتعل حمرةً،

فأن يراها أحدهم بهذا الوضع وهي نائمة وهو قريب منها لم تتخيله

انتبه لنفسه ليحمحم بخشونة ثم ابتعد عنها ناظرًا لملك ان تتقدم والتي فهمت نظراته بسرعة، جلست بجانبها على السرير بهدوء وابتسامة تحتل محياها:
-هل اصبحتِ بخير.

اومأت رويني بخفه ثم حاولت الاعتدال مرةً أخرى بصعوبة لتتابع ملك حديثها بعد خروج نادر:
-هل اساعدكِ.

نظرت اليها بشكر لتنهض ملك وتساعدها على الجلوس، ابتسمت رويني لها براحةٍ وشكرٍ وامتنان:
-شكرًا لكِ حقًا يا آنسة.

ضحكت ملك للفظ آنسة لكنها لم تعلق ثم أجابتها بهدوء وهي تبعد خصلاتها خلف اذنها:
-لا داعي لذلك، ماذا كان اسمكِ.

ابتسمت رويني بهدوء وحمرة الخجل التي تلازمها قد تمكنت منها:
-رويني، وأنا في سنتي الدراسية الأخيرة في كلية الحقوق أتدرب هنا عند عمي الاستاذ جمال.

ابتسمت ملك إليها لتبدأ التعريف عن نفسها:
-وانا ملك لقد انتهيت من دراسة التمريض وعمري تسعةٌ وعشرون عامًا، مباركٌ لكِ.

عقدت رويني بين حاجبيها لتسرع ملك بتصحيح ما قالته:
-أقصد اهلًا بكُ،

تم تابعت باستفسارٍ ناظرةً لملامحها الطفولية:
-هذا يعني انكِ اثنان وعشرون عامًا!.

حركت رويني رأسها بنفي وهي تبتسم بهدوء:
-لا انني في عامي الواحد والعشرون لقد سبقت اقراني بعامٍ واحدٍ في الدراسة.

نظرت اليها ملك بتفحص لبعض الوقت ليزيد التوتر والخجل عند رويني لتسألها بفضول:
-اخبريني ما الذي حصل معكِ اليوم، لا تضايقي من سؤالي يمكنكِ التجاهل إذا اردتِ.

نظرت اليها رويني بخجلٍ كبير لا تعلم ماذا تخبرها لتربت ملك على كفها كي تشجعها:
-حسنًا لا داعي لذلك لقد فهمت أنها العادة الشهرية.

اسرعت رويني بالتحدث مندفعة مما سبب لها الألم:
-لا ليس كذلك أقسم لك.

ابتسمت رويني بخجلٍ كبير لتكمل مبررة توضح لها:
-انه امر طبيعي يحدث احيانًا وقد اعتدت عليه .

تساءلت ملك بجديةٍ تامة وهي تنظر لها بملامح فضولية:
-هل تأخذين له علاج، أي هل اذهب لاحضره لكِ؟.

نفت رويني برأسها لتكمل ملك بفضول كبير:
-أخبريني اذًا اريد ان أعلم السبب من فضلك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي