الفصل الثانى

جلس على الطاولة في أحد الكازينوهات الرخيصة التى أصبحت منتشرة بكثرة في الأرجاء في الآونة الأخيرة، تعلقت عيناه بالفتاة الشابة التي تغني على المسرح يجول في ملامحها وهو يكاد

يجزم بأنها لم تتغير منذ آخر مرة رآها فيها قبل خمس سنوات، يشعر بالرثاء لحالها تغنى كل يوم لما يقارب السبع ساعات من أجل بضعة قروش لا تكفى سوى لمتطلبات العيش الأساسية،

متأكد أنها تحارب إلى الآن من أجل أن لا تسقط فى مستنقع الوحل الموجود فى كل مكان حولها، فتبيع جسدها للدعارة توقف سيل الأفكار عندما انتهت الفقرة و رآها تقترب منها: حضرة

الضابط يعقوب…..أدهشني رؤيتك هنا حقاً
-ماذا أفعل! اشتقت لكِ يا فتاة
جلست أمامه وهى تنظر إلى الكأس بيده: لا تكثر من الشراب

ومن ثم تابعت بهمس: إنهم يغشونه هنا و سيثقل رأسك بسرعة
-أنا لا أشرب ، اتظاهر فقط كى لا يستريب أحد من وجودي
-لم أركَ منذ مدة طبيعى أن يغيب عن ذهني كرهك للخمر

تحول وجه يعقوب فى لحظة إلى الصرامة: سمعت أن سراج خرج من السجن
-نعم ما سمعته صحيح، مضى على ذلك عدة أشهر

-جيد أخبريه أن يوافينى غداً فى مقهى الساحل
تهلل وجه زينب و هى تجيبه: إذن فقد سامحته وعندما ارتسمت على ملامح يعقوب علامات الجمود دون أن يجيبها: مضت تسعة

أشهر منذ خروجه إلا أنه إلى الآن لم يحتال على أحد على رغم من أن محلج القطن الذى يعمل فيه……
قاطعها يعقوب وهو ينهض: كفى يا زينب لا تبررى شيئاً فلم يعد يهمنى أى شئ بخصوصه و يكون جيداً لو ترسليه إلى المقهى غداً أحتاجه لأمر عاجل

-حسناً يا سيدى كما تشاء
راقبته وهو يغادر متنهدةً يؤلمها كثيراً غضبه من سراج لا تبالغ إن قالت أنها تعد يعقوب كوالدها ولا تشك أن سراج يعده كذلك، لم لا فهو الشخص الوحيد الذى عاملهما كانسانين يستحقان العيش كبقية البشر منذ أن فتحت أعينهما على الحياة و عرفا نفسيهما كمجهولي النسب في دار الأيتام.


أخذ يتقلب في فراشه بكثير من التأفف الجو الحار يكاد يقتله وهذا السرير يخرج حرارة كما لو أنه يتقلب على الجمر وهناك هذه الحشرات التى لا تكف عن لسعه بين الفينة والأخرى، شعر ظافر

بحركته فلم يستطع النوم من الإزعاج الذي يسببه فما كان منه إلا أن همس كى لا يزعج بقية النائمين فى الكوخ: ماذا يحدث! لا استطيع النوم من هذه الضوضاء التي تصدرها

جلس على الفراش بعصبية وهو يبادله الهمس بخشونة: بل أنا من لا يستطيع النوم فى هذا الجحيم ومن ثم ضرب ذراعه وهو يظن أنه سيتمكن من الإمساك بالشيئ الذي شعر به على ذراعه: وهذا البعوض الذي سيصيبنى بالجنون حتماً

ابتسم ظافر ساخراً: هذا ليس بعوضاً إنه ذباب رملى ينتشر فى الأماكن الحارة
-أنا أحتاج إلى النوم الآن وإلا فلن اتمكن من الاستيقاظ باكراً غداً
-جيد قم ببعض تمارين الضغط

-هل أنت متأكد أن هذا سيفيد؟، سرنا طوال اليوم واشعر بالتعب في كل عضلة من جسدى و مع ذلك لا استطيع النوم
-إذا كنت لا تستطيع النوم فلا بد أن لديك بعض الطاقة التى تحتاج إلى الإفراغ

استلقى على الأرض يمارس التمارين قبل أن تمضى ثلاثين دقيقة أعلن بعدها أنه لن يستطيع المواصلة
ساعده ظافر على النهوض وهو يجيبه: يمكنك النوم الآن

عاد للتذمر و التأفف وهو يهتف: ولكن ماذا عن الفراش
رفع ظافر رأسه إلى الأعلى وقد تلفت أعصابه: يا صبر
-أنا لا اشتكى من مزاجى فعلاً هذا الفراش ينفث النيران من داخله

-اتبعنى إلى الخارج لنجد بعض الماء نبرد به الفراش الجميع نائمون و أنت تسلطت على كقدر محتوم
-كيف سنحصل على ماء إنه فى بناء الضباط

التف ظافر حول بضعة أكواخ دون أن يجيبه وعلى ضوء القمر رأى سطلاً ينعكس ضوء القمر داخله: ها هى الماء
اقترب منه فاستفزته رائحة كريهة تصدر من المياه: ما هذا إنها

قذرة لا بد أنها من مخلفات الصحون التى غسلت هذا المساء
انحنى ظافر يمسك بطرف السطل : احمل قبالتى
-لا هذا غير ممكن

-إن كان لديك حل آخر لتبريد فراشك فجد علينا به
انحنى قبالته يحمله على مضض و بسبب جهد المضنى استطاع التغلب على المنصغات و الانغماس فى النوم.


وقف على رمال الشاطئ يراقب الأمواج و ينتشى بسماع صوتها وهى ترتطم بالصخور حينما أتاه صوت مألوف من خلفه بدا له وكأنه خارج من الماضى مخزن سلفاً فى أعماق ذاكرته: أخيراً أتيت لن تغادرك عادة التأخر عن المواعيد

ابتسم سراج وشعر بالراحة داخله فها هو يتحدث معه بأريحية على الرغم من أن آخر لقاء لهما انتهى بالخصام: هذه المرة ليست غلطتى يا حضرة الضابط فزينب أخبرتني لتوها، وأنا أتيت ركضاً

-حسناً اقطع الثرثرة احتاجك فى عمل مهم
-كما تشاء يا سيدي، افعل ما بوسعي بأى شيئ تأمره
جلسا مقابل بعضهما على طاولة دائرية صغيرة و بدأ في سرد

أحداث إدانة الوزير وما أن انتهى حتى بدأت تتشكل العديد من علامات الاستفهام فوق رأس سراج: ولكن يا سيد يعقوب ماذا سيكون دورك في هذه الأحداث، كيف سأساعد فى كشف اللص؟

-بالاحتيال يا سراج، أظن أن هذا أفضل عمل تجيده
- نعم فأنا لا أجيد سواه، بلع غصة فى حلقه ومن ثم تابع وهو يفرك أصابعه بتوتر: أمضيت خمس سنوات كاملة فى السجن و مع ذلك لا تزال غاضباً على

-هذا ليس موضوع نقاشنا يا سراج، سندخل الآن فى عمل خطير يتطلب الكثير من التركيز ولا مكان فيه للعواطف، ما يمكن أن تفهمه أن أصغر خطأ يمكن أن يكلفك حياتك

-جيد كلى آذان صاغية
-أريدك أن تدخل إلى البؤر المظلمة مع ذلك المدعو سعد لتبحث عن طرف خيط لهذه السرقة
-ولكن أن لا يوجد اسم محدد

-لا يوجد أى اسم تم الامساك بجميع اللصوص والتحفظ على كل
شيئ يخصهم، ستتصرف في هذا الأمر أنت وسعد
شعر سراج بالتوتر فالمهمة تكاد تكون مستحيلة: كم المهلة؟
-يومين على الأكثر، قبل أن يعرض الوزير على المحكمة
-حسناً سأبذل غاية جهدي



كان منهمكاً فى قراءة كتاب عن السياسة وقد أصبحت أيامه طويلة منذ أن بدأت أجازته فى الأكاديمية يحاول شغلها بالقراءة أو الخروج للصيد أحياناً أو ربما الجلوس على الساحل

والاستمتاع بأشعة الشمس والنسمات العليلة التى تهب بين الفينة و الأخرى، يضيق به الجلوس في البيت كثيراً فمنذ أن ماتت زوجته قبل عشر سنوات أصبح كيئباً و موحشاً، انتبه إلى خادمه

الواقف أمام الباب ينبئه بزائر فى غرفة الضيافة، توقع أنها الأميرة عندما أخبره أنها امرأة شابة، ارتدى ملابس رسمية وعدل هندامه بسرعة: أهلاً بكِ يا ابنتى

جلس فى كرسى قريب منها بعد أن صرف الخادم لإعداد القهوة: اعذرينى جلالتك لا يجب أن يعرف الخادم كونك أميرة
-لا مشكلة أتيت خصيصاً لمعرفة آخر ما توصلت إليه بشأن التحقيقات

-تخمينك كان صحيحاً جلالتك، الوزير محبوس فى قضية نهب خزانة الملك و الأموال مختفية رغم القبض على النشالين
-يا إلهى، الأمر اسوأ بكثير من ما توقعت

-أنت على حق مولاتى أظن أنه يجب أن نصل إلى نتيجة قبل عرض الوزير على المحكمة
-يعقوب أنا أميل لكون زاهر باشا بريئاً، كان معلماً لى إن كان

هناك أى شيئ جيد بداخلى فهو من ساهم فى ذلك لذا أرجوك اعثر على دليل البراءة
-أنا افكر فيمن يكون لديه مصلحة من إحاطة الوزير

-لا تنسَ أن هناك أموال بكميات مهولة تمت سرقتها فلا بد أن هناك العديد ممن قسموا الكعكة فيما بينهم.
-لا تقلقِ جلالتك لا يبق الباطل منتصرا طويلاً.


بدأوا بالزحف على بطونهم فوق الرمال الساخنة فى ساحة التدريب وكان عليهم إنهاء عدة دورات قبل أن يسمح لهم الضباط بأخذ استراحة، شعر بالتوعك و لم ينهى سوى دورتين فقط يريد

أن يرفع جسده عن هذه الرمال التى تلهب جسده غير أن المعاونين يراقبونهم كصقور تنتظر للإنقضاض على الفريسة التى ستقع أولاً، انتبه على ظافر يزحف بجانبه و قد بدا عليه

بعض الإنهاك ولكن لا بد أنه فاقه فى عدد الدورات: هل تعبت بهذه السرعة يا استاذ ما شأنك
-ما هو العقاب الذي يتلقاه من لا يستطيع إنهاء هذه الدورات

-لا طعام حتى اليوم التالى و بما أنك قرفت من طعام الإفطار ولم تتناوله فلا أظن أنك ستكون قادراً على التحمل إلى اليوم التالى وربما يجلدونك أيضاً
-أظن أنني لن استطيع اكمال هذه الدورات اللعينة

تباطئ ظافر في الزحف كى يتثنى له أن يصبح على مقربة منه: تابع الزحف بجانبي وسأساعدك على الإنهاء
-لكنك متقدم بالفعل إن بقيت معى حتى أنهى ستقوم بدورات زائدة عن المطلوب

-لا ضير من بعض المشقة هذا هو مبدأى
مضت أكثر الدورات الخاصة به وقد أنهى المعظم دوراتهم وانصرفوا لطعام الغداء، بدأ يشعر بالخدر فى ذراعيه حينما التفت إلى رفيقه: لن استطيع المتابعة يبدو أن على تقبل العقاب

فى لحظات وجد ذراعه داخل ذراع رفيقه يحركه ساحباً إياه مع حركة ذراعيه، تأمل اصراره الغريب على مساعدته كى لا يعاقب: لماذا؟

-إذا كنت تتساءل عن مساعدتى لشخص مغرور مثلك فهذه عاداتنا حيث أعيش، نساعد الآخرين بغض النظر عن ماهيتهم
-جابر

-ماذا!
-كنت سألتني عن اسمي في أول يوم التقينا فيه، إنه جابر
-كنت أظنه ما شأنك
-لم أرد أن اتعرف بأحد هذا كل ما فى الأمر.



وقف سراج أمام دكان سعد ينظر إلى البضائع التى تملأه أو إن قيل خردة فإنه سيكون أصح تعبير، صحيح أنه قد مضى وقت طويل منذ آخر مرة كان فيها هنا إلا أن شيئاً لم يتغير ما زالت

الفوضى تعم المكان، وقف بهدوء يراقب سعد وهو منشغل بتناول الطعام بشراهة كعادته إلا أن سعد سرعان ما تنبه له وشرق باللقمة التي كان يمضغها، أسرع سراج نحوه يناوله كوب الماء: ماذا حدث! وكأنك رأيت شبحاً

ابتلع اللقمة بمساعدة الماء، كف عن السعال وهو ينظر إليه بدهشة بالغة: الحق أننى رأيت شبحاً بالفعل، ألم تكن بالسجن متى خرجت ومن ثم قبل أن يسمع تبرير الطرف الآخر بدأ بالعد على أصابعه: كان من المفترض أن تبقى ثلاثة أشهر أخرى


-حصل صاحبك على إعفاء سنة كاملة بسبب حسن السير والسلوك
-هذا يعنى أنك أيها الوغد فى الخارج منذ وقت طويل ولم تأتى لزيارتى و لو لمرة واحدة.

-لا تكن حقوداً يا سعد.
-إنني منزعج الآن كثيراً
-سامحنى وسأدعوك لتناول غداء معتبر

-إذا كان هكذا فقد سامحتك، هيا مد يدك إلى هذه الشطائر إنها تحفة فنية
سرعان ما وضع سراج يده على أنفه وهو يهتف: رائحة البصل تفوح منها

-بالطبع ستفوح إنها شاورما بالبصل، ماذا يمكن أن تكون رائحتها غير البصل
-بالله عليك يا سعد هل يستيقظ البشر في الصباح و يتناولون هذه الأشياء

-إن كنت لن تتناول فلا تنفخ رأسى بنصائحك، يبدو أن هناك أمر يضايقك
-الضابط يعقوب يحقق فى قضية سرقة ضخمة
-هل أعادوه للعمل!

-لم اسأله بينما لا يزال غاضباً منى
-ربما أعادوه عندما وجدوا أنهم يحتاجون رجلاً مثله، هذا الرجل يذكرنى بالمفتشين فى أفلام التحقيقات لديه عقل لامع، أتعلم أنني استمعت للعديد من الأفلام البوليسية درجة أنني بدأت أحلم بالجرائم

بدأ عقل سراج يتشنج من ثرثرة سراج: يكفى يا سعد أدخلتنا فى دوامات كلامك التى لا نهاية لها و تنثر فتات الطعام الذى تمضغه على أيضاً، يا لك من رجل مقرف

-حسناً صمت
-الآن يا أخي نجحوا فى القبض على جميع المشاركين بر السرقة واعترفوا أن الرأس المدبر هو وزير المالية
-إذاً

-يجب أن نعرف الحقيقة فربما يكون الوزير بريئاً
-يا للسخرية مصير الوزير الكبير بيدنا، أتعلم
نهض سراج وهو يقاطعه: اصمت يا سعد ودعنا نبدأ العمل

تبعه و هو يهتف: و لكن كنت على وشك قول بعض الحكم
توغلوا فى الأحياء المظلمة ذات الفقر المتقع و نسب الجريمة المرتفعة، لم يكن الأمر جديداً عليهم وقد ولدوا فى هذه الأماكن

وتربوا فيها، جلسوا على أحد المقاهى المنتشرة فى هذه الأرجاء فلربما تلتقط آذانهم شيئاً من الشائعات التى تدور هنا وهناك
كان كوب الشاي الذي شربوه هو العاشر وربما الثالث عشر فقد توقف عن العد عند نقطة معينة حينما بدأ سراج فى

التذمر : ما هذا يا سعد هذا سادس مقهى نذهب إليه و لا يوجد لهؤلاء الرجال كلام سوى النساء و الحشيش أكاد أجن
-أنت على حق أظننا لن نستفيد بجلوسنا هكذا، اعرف رجلاًعلى علاقة بكل لصوص عيلم

اندفعت الدماء إلى رأس سراج واحمر وجهه من الغيظ: اللعنة عليك يا سعد إذا كنت تعرف بمصدر المعلومات من البداية فلماذا ندور حول أنفسنا منذ الصباح!

-الرجل صعب المراس لذلك وضعته كخطة بديلة
-أين نستطيع إيجاده
-اسمه سيد الغول يرتاد فى العادة محششة بالقرب من هنا،

صحيح أنى رأيته عدة مرات إلا أنني لم أتبادل معه الحديث من قبل وكل معلوماتى عنه سمعتها من آخرين
-إذا ما هي الخطة الآن

-الآن هذا الرجل يحب الحشيش كعينيه يعنى يطلق زوجته من أجل نفس من ذلك الملعون لهذه الدرجة، و لكن لا أعلم كيف سنستغل هذا

-وجدتها يمكننا أن نتنكر فى شكل تجار حشيش وبهذا نحل عقد لسانه و نسحب الكلام رويداً رويداً

تحمس سعد لهذه الفكرة الجنونية وقد كان مشتاقاً طيلة الخمس سنوات الماضية لمغامرات الاحتيال التي كان يخوضها معه: كم أنت رائع يا أخي ودعني أحضر زجاجة سكلانس ينحل بها لسان الرجل دون أدنى مشقة.

ارتدى كل منهما جلابية و لاسة على رأسه بالإضافة إلى حذاء فاخر يظهر مدى أهميتهما، فى طريقهما إلى المحششة لم يتوقف سعد عن التذمر من كونه أنفق الكثير على هذه الألبسة وكيل

الشتائم للرجل البغيض المحتال الذي باعه الألبسة رافضاً عرضه باستئجارها لبعض الوقت و كيف أنه زاد ضعف المبلغ الذي من المفترض أنه القيمة الفعلية لما اشتراه، بينما يحاول سراج تهدئته وهو يقسم بأغلظ الأيمان بأن يدفع له أمواله جميعاً على داير مليم

كانت المحششة تحتل الطابق الأرض من بناء بطابقين و قد فتحت الغرف جميعاً على بعضها لتشكل فراغاً واسعاً فرش فى كل ركن منها حصيرة و بضعة مساند يسند الزوار عليها

ظهورهم، بينما جهز المالك ركناً يضع فيه عدته التي يستخدمها الزبائن في التدخين، جلسا فى أحد الأركان بينما لم يفت على سعد الذى هو صبي المعلم عنتيل أن يظهر للجميع أنهم أمام رجل

مهم عندما نادى على صبي المحششة: حجرين للمعلم عنتيل أكبر تاجر حشيش فى عيلم أيها الصبى
-فوراً يا حضرات

همس له سراج بضيق بعد أن تأكد من الجميع فاقوا من ذهولهم وتوقفوا عن التحديق فيهم: بالغت أكثيراً يا سعد ماذا سيفعل أكبر تاجر حشيش فى عيلم هنا

-ربما لديه مزاج فى هذه الأماكن يا سراج ما يدريك !
-و لم تجد سوى عنتيل كاسم
-توقف عن التذمر كى لا نبث الشكوك نحونا

جهز الصبي لهم حجر الحشيش و بدأ سعد فى التدخين: ماذا تفعل يا سعد! لم أكن أعرف أنك تتعاطى هذه الأشياء
-أتظاهر بذلك يا معلمى

-جيد دعنا نتظاهر و لكن إياك أن تتأثر ويذهب عقلك
-لا تقلق
مضت ثلاث ساعة قبل أن يصاب سراج بالضجر: سعد

اجابه بثقل وهو يترنح ويضحك بشكل غريب: ماذا هناك أيها المعلم الكبير؟
-بدأت أختنق من هذا الدخان الكثيف وامنع نفسي من السعال

بصعوبة، متى سيأتي هذا الرجل؟
-حتى أنه أتى منذ زمن يا معلم
دارت عينيه فى المكان كى يرى الوجه الجديد و هو يهمس
بعصبية: أين هو يا بلاء رأسي

ضحك سعد ببلاهة: ذلك الذى يتوسط مجموعة الرجال وينظر إلينا
-سعد تمالك نفسك يا أخى و استيقظ إن لم ننجح فى هذه المهمة يشيع الضابط يعقوب جنازتنا

انتبهت حواس سعد عندما سمع اسم الضابط يعقوب: جيد أنا منتبه
تظاهر كلاهما بعدم الاكتراث عندما جلس قبالتهما وتحدث بصوت غليظ: يقولون أنكم من تجار الحشيش الأكابر، تحياتى لكم

نظر سراج إليه بتعالٍ وهو يهتف: أنا لا أدردش مع أحد فوقتى ثمين بهذا القدر وخصوصاً عندما أريد أن أعدل دماغى أفعل ذلك فى هدوء تام

-إنها خدمة أرجوها منك وأنا متأكد أنك رجل أصيل لن تخيبنى
-بسرعة و دون ثرثرة

-أنا الآن أريد المتاجرة برأس مال معقول فى الحشيش و ما شابه ولكن أريد التعامل مع المزارع مباشرة لأن هناك أبناء حرام يرفعون لنا السعر كثيراً عندما نشتريها منهم

-إذاً
-كنت أود أن أعرف ظروف الحدود والثغرات هناك
-بالتأكيد هناك ثغرات و إلا لما استطاعوا تهريب الحشيش إلينا

و لكن تلك الثغرات لا يعرفها أحد من أهل فيفاة إلا بضعة قليلة وربما ينتهي بك الأمر بدفع ضعف ثمنها لتحصل عليها
-أليس هناك طريقة أخرى أقل تكلفة؟

-يمكنني اعطائك الكمية التي تريدها بالمبلغ الذي تريده ولكن سأحتاج منك خدمة مقابل تخفيض الثمن
-والله أنا قلت عندما رأيتك أنك رجل شهم، الخدمة التي تريدها انفذها لك بعيني

-أريد أحد النشالين الذين شاركوا فى سطو الخزينة
بدا على وجه سيد الشحوب وتصبب عرقاً من لا شئ: أخفض صوتك يا معلم المخبرون في كل مكان، نجد أنفسنا فى غرف التحقيق ولا علاقة لنا بشئ

-إذا أنت تعرف بأمر هذه السرقة
-ليس هكذا فقط سمعتهم يتحدثون في الأمر قبل التنفيذ ولكن لم اصدقهم فما حدث بعيد عن التصديق، ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة

و ها هم الآن باتوا وراء الشمس لا يُعلم عن حالهم شيئاً
-أليس هناك فرد طليق فى هذه العصابة
-ماذا يهمك في أمرهم؟

-لا تسأل عن شى ستنفذ ما قلته لك وتحصل على بضاعتك بثمن بخس، بهذا القدر
-جيد، غداً في الظهر نتقابل هنا و ننهى كل شئ
-اتفقنا


استيقظت من نومها فزعة وقد رأت كابوساً يتكرر معها للمرة الثالثة هذا الشهر، وجدت الخادمة أمامها تعتذر لها أنها لم توقظها باكراً نظرت إلى الساعة فكانت تشير إلى التاسعة: أحضري الجرائد سأدخل الحمام

جلست داخل المغطس المملوء بالماء والزيوت العطرية وفقاقيع الصابون، خادمتها واقفة أمام الباب تقرأ الأخبار والمقالات كعادة كل يوم عندما تأخذ حمامها تشعر بالفتور وكأن هناك يدين تكبلان

عنقها، سرعان ما شردت عن صوت الخادمة وعادت تستعرض مشاهد الحلم فى خيالها مرة أخرى ، رأت نفسها تائهة فى وادٍ سحيق ولا تعلم ما الذي أحضرها إليه، تنادي بأعلى صوتها علها

تجد حياة حولها ولكن دون جدوى، انتبهت بغتة إلى أن الأرض التى تسير عليها مضرجة بالدماء بينما الكثير من الجثث مبعثرة الملامح تنتشر في الأرجاء يرتدون زي الحراس الخاصين ولكن

لم تستطع التعرف على أي منهم ، تبدلت الأماكن بلمح البصر لتجد نفسها أمام والدها الملك يقف فى وسط الحاشية أسرعت نحوه تناديه وفى عقلها أن تخبره بما حدث لحراسه ولكنه مر من

أمامها دون أن يلتفت لها، حينها أدركت أنها غير مرئية بالنسبة له، رأته يقف أمام مقصلة لم تنتبه لها حينما كانت قادمة نحوه فتسائلت داخلها عن الشخص الذي تقرر إعدامه، وجدت

الشخصان المحيطان به يركعانه على قدميه ولتوها انتبهت أن يداه مقيدة خلف ظهره بينما كانت تظن أنه يضعها خلف ظهره كعادته عندما يسير أمام الحشود، فزعت عندما رأت رأسه داخل

المقصلة فحاولت التحرك نحوه أو إصدار صوت ولكن دون جدوى إنها جامدة كتمثال شمعى يحرك عينيه فى الأرجاء وحسب، طارت رقبته أمامها و من ثم تناثرت الدماء في جميع

الأنحاء بشكل غريب قطرات من الدماء لطخت وجهها و ملابسها، تمكنت مرؤية زوجة والدها وأشقائها كانوا يشاهدون مثلها بجمود دون أى رد فعل لا تستطيع أن تجد سبباً تكرار هذا

الكابوس معها درجة أنها باتت تخاف الموت، انتبهت عندما اصابتها قشعريرة في جسدها الماء برد وهى لا تزال فى الحوض وصوت الخادمة اختفى أيضاً إذ يبدو أنها أنهت القراءة وغادرت

تنهدت وهي ترتدي رداء الحمام تفكر فيما ستفعله لمنع احتمال حدوث هذا الكابوس، هناك الحاشية من جانب والفردوسيين من الجانب الآخر أى منهم ستواجه لحماية والدها وكيف ستكفى

قوتها لهذه، حادثة الخزينة الملكية تكشف بشكل واسع عن وجود قوة أخرى غير القصر استغلت انشغاله بالاحتلال طوال السنوات الماضية .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي