الفصل الثالث

انهمك سراج فى ترتيب قطع الحشيش داخل الصندوق الخشبي: كيف تمكنت من تحضير حشيش مغشوش إنه يشبه الأصلى
-خلطة أخبرنى عنها الأصدقاء بعض الحناء مع العسل الأسود

و نبات الخشخاش وينتج لك حشيش معتبر يسطلك
-ولكن ألم تقل أن الرجل مدمن، لا بد أنه يستطيع التمييز بين الأصلي و المغشوش

-الجميع هنا يتعاطون النوع المغشوش حيث أن الأصلى لا يتوفر بكثرة، خلاصة القول أن سيد هذا قد لا يكون رأى النوع الأصلى فى حياته

-هل سنترك أنفسنا الآن لتخميناتك يا سعد
تناول صندوقاً صغيراً وفتحه بمفتاح كان يحمله في جيبه: لا تقلق يا أخى سنضع طبقتين من الأصلى فى الأعلى تحسباً لكل الظروف

-من أين عثرت عليه يا سعد، أم أنك أصبحت تتاجر فيه
-لا وعدت الضابط يعقوب أننى سأسلك الطريق المستقيم و لكن هذا أحضره لى زوج خالتي الذي يعيش في مملكة فيفاة من أجل أن أبيعه له

-طبعاً لا تستطيع تخييب رجاء أحد
-نعم يا أخي، لدي قلب كبير يسع الجميع
نجحوا في خداع سيد الغول وقد أشاد كثيراً بالطبقة الأولى التي

عاينها ودفع المبلغ المتفق عليه وهو يشعر أنه ظفر ببضاعة عالية الجودة بثمن زهيد وسيتحاكى عليها الناس دائماً
مكثا لعدة ساعات ينتظران فى المقهى الواقع أمام البيت الذي

وصفهما له سيد الغول حينما بدأ سراج فى التشكك من المعلومات التى حصلا عليها منه: أوشك الليل على الانتصاف و لم نرى رجلاً أعرج يدخل أو يخرج

-أنا أشعر بالضيق يا سراج إذا فشلنا فى هذه المهمة فيبدو أننا صدئنا يا أخى و لم نعد ببراعتنا السابقة، أتعلم ربما لو ذهبنا إلى السينما و شاهدنا بضعة أفلام بوليسية نحسن من مستوى خططنا

وربما نلتحق بعصابة ما لننخرط في عالم المجرمين أكثر، أنا جائع الآن هناك امرأة تبيع الطبيخ فى الشارع الخلفى دعنا نذهب إليها، لم آكل منذ مدة الفاصولياء و الأرز اشتقت إليهما

-يكفي ثرثرة يا سعد، أقسم أن المخ الموجود داخل جمجمتي تحول إلى حساء

-و لكن دعنى أخبرك بقصة اللحم النيئ الذى أكلته و تسبب لى
وضع سراج يده على فمه يوقفه عن الاستمرار: توقف الرجل الأعرج دخل البيت لتوه كدت نفوته بسبب ثرثرتك التي لا تنتهي

تبعاه إلى الدخل و لأن الغرفة التى يقطنها تقع آخر البيت فقد كانت سابحة فى الظلام لا يصلها من إضاءة أعمدة غاز الاستصباح الذي في الشارع تمكنا من الدخول خلف الرجل دون

أن يشعر بهم، وفى ثوانى عديدة اعتادت خلالها أعينهم على الظلام، قيد سراج حركته بإحدى ذراعيه و من ثم وضع طرف سكين على رقبته: إن أصدرت صوتاً أذبحك وادفنك فى هذه الغرفة

تحدث بصوت مذعور مختنق:أنا رجل مسكين ومعاق لا أملك ما يسد رمقي
–قد تكون معاقاً ولكنك لست مسكيناً أبداً والآن ستخبرني من الرأس المدبر وراء سرقة الخزينة

-لا أعلم عن ما تتحدث
-ربما نقطع لك بعض أصابعك أو نفقأ لك عينيك نجعلك تعيش بقية حياتك في الجحيم

-إن تحدثت يقتلنى ذلك الرجل، إنه رجل كالموت
- أظن أن عليك أن تفكر كيف ستنقذ روحك منى فى الوقت الحالي

-حسناً سأتحدث وجدنى ذلك الرجل فى أحد الأيام وطلب منى تأمين مجموعة من اللصوص ذوي الخبرة و من ثم اطلعنا على مخططات مبنى الخزينة و أخبرنا أن بعض الحراس سيساعدوننا

-إذا كان الحراس يساعدونكم فلما الخريطة
-هناك الكثير من المتاهات في الداخل الحراس أنفسهم لا يستطيعون تجاوزها

-أين يمكن أن نجد ذلك الرجل؟
-إنه رجل أعور يرتدي السواد، لا اعرف اسمه حتى
-إن اتضح أنك أخفيت شيئا عنا سنأتي ونجدك أينما كنت

-فلتخرج روحى الآن إن كنت اخفى شيئاً عنك ولكن أرجوك لا يسمع ذلك الرجل بأنى من نقلت لك الأخبار
-حسناً، لا تقلق الخسة ليست من شيمنا


وقف أمام الأطباق الملطخة ببقايا الطعام ينظر إليها بقرف واشمئزاز، إنه الأمير جابر ابن ملك الفردوس وأميرها انتهى به الأمر فى هذه الصحراء يغسل الصحون القذرة حياته تحولت بين

ليلة وضحاها من النعيم والرفاهية إلى المشقة والعناء، والده يظن أن بهذه الطريقة سيصبح رجلاً يعتمد عليه سأم كثيراً من تدخلات والده في حياته واتخاذه القرارات بدلاً منه، لا يريد أن يكون

رجل حرب كوالده فهى لا تجلب سوى الألم و المعاناة، فقد شقيقه الأكبر فى تلك الحروب اللعينة، لم يكن يفهم دعته و سلميته سواه و قد عانى من الوحدة كثيراً بعده، الجميع حوله منشغل بالسلطة و الثروة و الانتصار في الحروب، أهداف تافهة يتبنوها ويحتقرون ما سواها.

انتبه من شروده حينما وجد ظافر مقبلاً معه: ماذا يحدث يا أمير الصحراء تخاف أن تصاب بالجرب إن غسلتها
-إنها مقرفة يا ظافر، ما رأيك أن تغسلها و أعطيك عشائى

-لا أريد شيئاً أكبر
-إن كان مالاً فليس لدى
- تصبح خادمى إلى مساء الغد

-ماذا يعنى خادمك يا ظافر! اطلب شيئاً معقولاً، لا استطيع خدمة نفسى بعد
-جيد ستغسل هذه الأطباق إذاً و لا زال هناك أوعية الطبخ الضخمة

-حسناً يا ظافر سأكون خادمك و لكن ليوم واحد
-أساساً أنت ولد مدلل لا تستطيع الصمود ليوم كامل
بدأ فى تنظيف الأطباق بالرمال ليتم غسلها بماء أقل بعد ذلك بينما

تظاهر جابر بمساعدته كي لا يتهمه أحد بأنه متهرب من العمل
تساءل ظافر بغتة وهو يريق الماء على آنية الأرز: لماذا تتصرف مثل أولئك الأثرياء

بدا على وجه جابر التوتر فقد حزره والده كثيراً من انكشاف هويته فأهل عيلم لا يطيقون الفردوسيين وسيستغلون أميرها لينفذوا أى مكيدة يريدونها، بالطبع لا يلومهم فالفردوس احتلت

أرضهم وقتلت الكثير منهم ونهبت خيرات فأصبحوا يعيشون فقراء في وطنهم، انتبه حينما رأى يد ظافر تتحرك أمام عينيه و هو يهتف: هيه يا أخينا سألناك سؤالاً فذهبت إلى الطرف الآخر من الدنيا

-أنا لست من أسرة ثرية في الواقع
-نعلم ذلك و إلا ما كان هذا حالك، اتسائل عن تصرفاتك المتكبرة
-أمى دللتني كثيراً ربما لهذا السبب

-نعم واضح جداً وأساساً يمكن بدرجة كبيرة ألا تخرج حياً من هذا المعسكر
ابتلع جابر ريقه وتصبب العرق من جبينه:ماذا تقول يا ظافر!
ضحك ملء فيه وهو يهتف: امزح معك أيها الغبي، ولكن كان يستحق رؤية وجهك الذى تحول إلى الأبيض
امسك جابر برأسه يغطسه في الماء بغضب:خذ جزاء مزاحك أيها السخيف
خلص ظافر نفسه منه وتحدث وهو يلهث جراء حبس أنفاسه: كدت تقتلني أيها الأحمق وقد أُخذت على غرة
ما يزال السخط بادياً على وجه جابر: سأذهب لجلب المزيد من الماء
شيعه ظافر بعبارات السخرية: دعنا نتفقد شعرك ربما ابيضت بعض خصلاته


استيقظ على أصوات صفير عالية بدت كالشيفرة التي أملاها لظافر من قبل فنهض بسرعة ينظر من النافذة ليجد كلاهما واقفاً أسفل المنزل، اشار لهما بالانتظار و من ثم ارتدى ملابسه بسرعة وهو يأمل أن يكونوا قد توصلوا إلى نتيجة

سار بهم إلى الساحل ليتحدثوا بأريحية خوفاً من أن يراهم الخادم أو يسمعهم أثناء حديثهم: ماذا حدث معكم يا أولاد

بدأ ظافر فى الحديث: الآن يا أخي يعقوب هناك رجل بعين عوراء ورداء أسود وراء التخطيط للسرقة يعنى ليس لدينا سوى أوصافه، أتينا لسؤالك ربما تعرف رجلاً كهذا

-لا أعرف سوى شخص واحد ولكنه حارس للأميرة كوثر كيف يمكن هذا؟
تساءل ظافر بحيرة: ألا يمكن أن تكون تلك الأميرة وراء الأمر
احمر وجه يعقوب غضباً و تحدث بعصبية: لا إنها صغيرة السن وساذجة غير أنها لا تستطيع الحصول على تلك الخرائط
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي