الفصل الثاني

٢

هذه الكلمات بسيطه جعلت الخوف يسكن قلوب الجميع دون استثناء، ترجعت عليه لتلتصق بالحائط تكاد تبكي من فرط الخوف، نظره مرجان لم تقل عن نظرتها، إلا إنه حاول أن يتماسك أمام اطفاله الصغار .

رغم انهم لا يدركوا ما هذا من الأساس إلا أن ثلاثتهم ابتعدوا، ولكن أبنته الكبيرة نرجس أقتربت من تلك الخطوط الملتوي، لتنظر إليها أو بمعني أصح، إلي ما ينظرون إليه
بخوف!!

وكأنها لا يفرق معها شيء، لم تكن لتدرك أنها أمام بوابة الخطر نفسه، لم تكن لتدرك أن من هنا سوف يتغير الحكاية، وتبدأ القصة، ولو كانت تعرف ما كانت لتقترب!

وفي هذا الوقت أخذت تحاول ان تقرا تلك الكلمات، لتفهم ولكن كل هذا لم يكن شئ هين، أما الأسوء انها حاولت ان تقرأ تلك الطلاسم، التي لم تعرف لها معنى؟!

هي من وجهت نظرها بضع حروف مكتوبة متفرقة، لا معني لها الا أن جمعتها، وأرقام ورموز ونجوم وأشياء كثيرة، لم تكن لتتخيل أن تراها من قبل؛ كأنها رموز للغيب أو خريطه تؤدي الى كنز!!

لكنها ليست خريطة كنز، بل هي خريطة الهلاك طريق للنهاية، لتبدل الأحوال من الفرح والمرح والسرور؛ إلى الوجع والجنون!! صراخ وعويل! صدمه كبيرة ونهايتها لم تكن متوقعه لهذه العائلة ولا حتي لذلك الذي كان يملئ الدنيا فرح ومرح وسعادة يوم!!

ولكن في يوم واحد تغير كل شئ، وها هو السبب واضح وضوح الشمس في وضح النهار، أنه ليس الحل او الشفاء كما كانو يظنوا، إنه ليس حجاب أو رقية بالشفاء، إنه عمل سفلي!!

إنه اذى وشر مميت حصد الارواح ولكن قبل حصد الروح كان يحصد الآمال والأحلام، وكل ما تمنته عائشه في صلاح يوما!!

وعلي ذكر عائشة ما أن فتحوا اللفة شعرت بشئ غريب يجتاحها، رغم انها في منزلها شعرت بهواء بارد بمر من جوارها، رغم عدم وجود مصدر له فالباب مغلق وكذلك النافذة!!

نهضت من الفراش تذدري لعابها، رغم شعورها بان فمها جاف وكأن اللعاب تحول إلي صخر، وها هي تضع عليها شئ يصلح لتخرج به..

ورغم كل ما حدث في غرفتها لم تشعر بالخوف، بل كانت تهم لتذهب إلي بيت المستأجرة عليه، في الوقت الذي أقتربت عائشه لتطرق الباب لفحتها الرياح وكأنها تلاعبها، او تفسر لها ما يحدث وذلك التراب الذي ارتفع عن الأرض وتلك الرائحة الكريهة التي فاحت في الجو كانت تخبرها شئ لا يعرفه غيرها!!

وكانها تدرك أن الرد أتى وكانها تعلم إنه الآن معهم! تحركت االابنة الصغرى رحمة أخت نرجس الصغيرة، لتفتح الباب وإبتسامه شاحبة على وجهها وتردد في دعائها لتدخل!! ولكن يجب أن تطلب منها الدخول، فماذا تقول لها؟!
لا يجب عليك ان تري ما رأينا!! لا يجب عليك ان تعرفي ما عرفناه!! تحركت عائشه إلى حيث هم، نظرت مرجان حيث يقف جامد كأنه من صخر، ينظر الى تلك الطاوله بقلق وحزن .
عليه تستند على الحائط، وكأنها لن تستطيع ان تقف مفردها، كان عظمها أصبح لين، وجسدها أصبح هش وقلبها الضعيف لم يعد يتحمل فرط ما رات من بشاعة!!

أجل ما رأته لم يكن الا بشاعة، وهي تشعر بالنفور من كل ما فيه من كره وجحود وكفر بنعمه الله!! أقتربت عائشه تنظر إلي ما ينظر إليه مرجان دون أن يصدر منها صوت او حتي نفس !!

وكأنها تعرف أن الإجابة في هذه الورقة، ولكنها لم تكن تلك الاجابه التي تتوقعها كانت تتوقع ان تجد الشفاء او علاج او أيات تقراها ولكنها وجدت ما أرسلوه لهم، شئ يشبه الحجاب، ولكنه لم يكن حجاب!!

بل كان هو من حجب أبنها عن الدنيا وحجب أبنها عن العالم، وجعله يعيش في خيالاته وهذيانه، يري حيات وأفاعي؛ يقتربنا منه، يفور ويثور!! دون سبب مقنع او معلوم لهم!!!

كان أخواته والأطباء يظنو أنه مرضا، ولكنها كانت تشك انه شيء اقوى من المرض، شيء بسيطر عليه، اقوى منه ومنها، طاقة من العدم او من اللا مرئيات تسلب منه الروح والحياه!! وها هي الإجابة امامها...

نظرت الى المسامير المعقوفة مثل حال يد وقدم صلاح، نظرت الى الحيات والافاعي علي كل الأشكال، التي تحاوط رأسه وتظهر من عينه، وشعرت بالخوف!! شعرت بأن هناك قوه أقوى منها أمامها فتراجعت!!

وهي لا تدرك ما هو الحل رغم كل ما تدعيه من فهم وعلم، إلا أنها لم تعرف ما يجب ان يفعلوه بهذه الورقة، هل يحرقوها؟ أم يلقوها في دورة المياة؟ ام يتركوها لتاخذها الريح؟! أم ماذا؟ كل هذه الأفكار ظهرت على وجهها..

وهي ترى الرعب والخوف، على وجوه هؤلاء الاغراب، الذين يسكنون بيتها، هي تعلم أن ما حدث وما هو أمامها الآن، هو بدايه المشاكل لهم!! ولكن ماذا في يدها لتفعله؟! هي تعلم أن من هنا سوف تتدهور حالة تلك الأسرة،..
كادت أن تسال من أتته الجرأة وفتح هذا؟! وأستطاع أن يقرأ ما بداخله إلا أنها لم تتكلم، لم تقول شيء على الاطلاق، سحبت نفسها وتحركت الى بيتها، عن طريق ذلك السور المشترك والباب الذي يفتح من الجهتين، تحركت لتسير وكأن الدنيا على كتفيها..

حمل وعبئ وقسوة وكأنها تري العقاب من الزمن ومن الأيام؛ ومن غيب إدعت أنها تستطيع أن تصل إليه او تعرفه! ولكنها في النهايه يجب أن تعاقب بما فعلته!!

السحر ذكر في القران وذكر في الأديان السماوية؛ إلا أنه في النهاية هو لعنه، من يدخل إلى دائرته ترد عليه في العزيز والغالي، ولا يوجد عزيز وغالي اكثر من الأبناء، وها هي الفاجعة تأتيها في أقرب أبنائها أليها...

يعاقب هو أو تعاقب هي فيه، رغم أنها ترى انها لا تستحق هذا العقاب من الأساس، دخلت الى غرفتها وكأنها لم تسمع نداء أبنتها الكبري، ولم تري ألأستفسار علي وجهها، ولم ترى نظرة باقي أبنائها، كأنها ليست معهم في هذا المكان من الأساس، وهي حقا ليست معهم هي هناك في ذلك الماضي..

أغلقت الباب وكأنها لا تملك رد على ذلك الأستفسار، رغم نظرة الدهشة في عين نادية ابنتها الكبرى، إلا أنها ما أن أغلقت الباب أستندت عليه، ربما لانها لم تعد تقوى على الصمود، او إدعاء الصمود، لم تعد تقوى على أن تقف على قدميها من الأساس!!

غرفتها لم تكن كبيرة وليست صغيرة تحركت الى ذلك الفراش الموجود في أحد الأركان، حتي تجلس عليه تنظر أمامها كأنها تنظر الى قوة لا يراها أحد غيرها، قوة تعرفها جيدا وتعرف مقدار الشر الذي يكمن فيها، ولكنها الآن فقط أدركت انها قوة الباطل...

وهناك في ذلك الركن لمع المنديل المحمل بالاصداف والرمل وهو يذكرها بماضي عاشته قديما، وباب فتحته لتدخل منه إليهم، هي نفسها لا تعرف كيف كانت تستطيع قراءه الأصداف؟! كيف كان كلامها صادقا في أغلب الوقت؟! هي نفسها لا تعلم من أين كانت تعلم تلك الاحداث الماضيه؟! والأتيه لهؤلاء الناس الذين باعت لهم الوهم يوما!!

وبين ما تفكر فيه الآن وبين ما كان في الماضي عمر كامل؛ ولكنها موقنة الآن إن ما قراته يوما، وما همس به في اذنها من الودع، كان صحيح، كان يحمل صدق لم تكن تتخيله، هل حقا تلك التي تزوجت زوجها السابق واخذته منها ومن اولادها!! هي من اذتها في قرة عينها، أذتها في صلاح لتنشغل به عن زوجها؟!

هل حقا هي من جعلت ذلك الذي تمنيته يوما أن يكون ذخرا لها، لياخذ حقها من والده ومن الدنيا نفسها؛ عبئ وحمل عليها، وعلي الجميع!!

هل ممكن أن يسيطر الكره والحقد علي الإنسان الي هذه الدرجة؟ هل سعيدة من فعلت كل ذلك ؟! جعلت الدنيا تنطفئ في وجهها، وتبتعد عن زوجها، الذي انقاد هو الاخر، وأبتعد عنها وعن اولاده!!

وضعت رأسها على الوسادة لتنام عل نوم يريحها، علها تاخذ أنفاسها التي كانت تفر هاربة من رئتيها، وكأنها لم تعد تقوى على البقاء فيها..

في حين كان هناك مرجان لازال يقف عاجزا عن ما يفعل، لا يعرف ماذا يقول؟! هل يستطيع أن يذهب الى شيخ الجامع؟! ليستفسر منه عن حل مناسب!! وماذا سوف يقول شيخ الجامع؟! عن هذه الكارثه؛ التي هم فيها!! ماذا قد يقول الشيخ؟! عن أنهم لجئوا الى الدجل والسحر لياتو بذلك العمل المصنوع منذ سنوات وسنوات!! وكيف أستطاع ذلك الساحر أن ياتي به؟!
وهو في مصر وهم في دولة أخرى!! إلا إنه لم يقول شيئا من الاساس!! كان يجلس ويترك الاوراق مكانها اخذ يردد كلمات وكانه يهذي ماذا سوف يفعل بهذا الورق؟ أو هذا العمل ما هو الحل المناسب؟ الذي عليه ان يفعله! هل يلقيه في الهواء؟ ام يدفنه في التراب؟ ام يلقيه فيه دورة المياه؛ ماذا عليه ان يفعل؟! هو نفسه عاجزا عن الفهم والمعرفة؛ هو رجل لم يتعلم ولم يعرف من الدنيا سوى عمله الذي يتقنه!! لم تعلمه الدنيا الا حرفته ومعاملته بين الناس! إلا إنه في الامور الدينية لا يعرف منها الكثير!!

فلا يعرف ما هو الحل؟! وما هو الطريق؟ وماذا عليه ان يفعل في تلك الاوراق المبعثرة أمامه؟ ولا يعرف ماذا يفعل في تلك المسامير معقوفة؟ والتي تشبه الى حد كبير يد وقدم صلاح؟ ذلك الرجل الطفل؛ الكبير سن والصغير جسد وعقل!!
الذي يعيش على هامش الحياة ياكل القليل من الطعام؛ الذي قد لا يكفي طفل في الرابعه، يرتشف قطرات من الماء على مضاض، وكأنه لا يستطيع القرب منه، ذلك الفتى في يوما إن فكرت أخته في تغيير ملابسه، وجعله يغتسل كانت المنطقة كلها تسمع صوته، كانوا يلجأون الى صوت الكست ليشوش على ذلك الصراخ والعويل!!
هل يستطيع الإنسان ان يغوص في الكتب ليصنع الوهم والعجز والكسل لأحدهم؟ هل من السهل أن يخط بعض كلمات على الورق تكون نتيجتها هو الدمار والموت؟ هل هذا سهل على الانسان؟؟ إن يؤذي لهذه الدرجة؟ أن يصل به الأذى والكره والحقد الى تدمير طفل!! لا يفقه من الدنيا شيء؛ هل لهذه الدرجه تجردنا من الانسانية؟

كاد أن يبكي وهو لازال واقف مكانه إلا أن عليه استجمعت نفسها بعض الشئ وأقتراب من زوجها وهي تقول ...
:- علينا ان نتخلص من هذا الورق؛ علينا ان نلقيه خارج البيت؛ يجب إن نتركه في الهواء او ندفنه في أي مكان؛ علينا ان نتخلص منه يا مرجان..

نظر لها باستفسار وكأنه لا يعرف كيف ينفذ ما تقوله؛ اين سوف ياخذه وأين سوف يلقيه؛ من منهم قد يملك الجراة، حتي يتخلص من هذا الحجاب أو العمل من الاساس؟! في هذه الدوله التي لا يخرج فيها النساء من باب البيت!!

تحركت نرجس لتجمع الورق والمسامير وباقي الاشياء الخاصة بتلك اللفة المرسلة لهم، وهي تقول: -القيه في الشارع؟!
مرجان: لا قد يراه أحد علينا ان ندفنه..
اخذته الصغيرة وتحركت إلى الباب وكأنها ليست هي من تتحرك، كان قوة غريبة تسيطر عليها وعلى روحها، جعلتها تسير بعض امتار بجوار سور لحظيرة كان قريب من البيت، أخذت تسير رغم أن الوقت ليل، وذلك الخوف الذي يسكن قلوب الجميع، إلا أنه لم يتمكن منها، وكأنها اقوى مما تفعل، وكأنها لا تخاف ولا تشعر بالرعشة مما تفعله، حفرت الارض ودفت ذلك الشيء فيها، وقتها شعرك بشيء غريب وكانها ليس على طبيعتها، شعرت بأن شعرها يقف وقلبها يرتجف، وكأن هناك من يقف خلفها، كان هناك من هو معها يهمس بجوار أذنها إلا إنه لم يكن همس بقدر ما هو حفيف هواء يحرك شعيرات راسها، ويخترق طبلة أذنها كأنه صوت ياتي من الغيب، او من المجهول، أو من قوه لا تستطيع أن تعرفها او تفهمها!!

الرعشة التي شعرت بها كادت تجعلها ان تبلل سروالها، وهي تركض إلى البيت بسرعة وكأنها تركض من الدنيا نفسها!! وفي هذه اللحظة التي وصلت فيها الي البيت، رجعت فيها بالذاكرة إلي حيث هي علي ذلك الشاطئ الذي عفي عليه الزمن ...
يتبع ...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي