الفصل الثالث

(٣)

مع أقتراب ستائر الليل السوداء وظل العتمة، وأقترب الليل نفسه كانت نظرات عين نرجس تأخذ شكل غريب وبريق شيطاني، تتوهج وكأنها نجمة، أو جمرة كأنها شظية تتوهج وتشتعل، بداخل جفنيها وهي تنظر الى الشمس..

وهي تودع الشاطئ والمكان كله، تكاد نيرانها تخبو وأشعتها تختفي في عمق البحر، ويختفي معها آخر ضوء للنهار، ويظهر نور الليل، ضوء القمر يتراقص على سطح الماء كما يتراقص الخوف في قلبها، ويعزف لحن مختلف بين أوتار روحها المرتعدة، وهي تائه بين الماضي والحاضر متنقلة بين العوالم والأزمنة

ترجع بالزمن وتعود إلى حيث هنا، تكاد أن تتجمد في مكانها رغم أن حرارة جسدها مرتفعة، إلي حد الحمي وكأنها جمرة من النار، من فرط ما تحمل من أفكار وحمم بركانية بداخلها،

تنظر الى ذلك المكان بعمق وكأنها تنتظر أن يتجسد عرش عزازيل، ويظهر هو واتباعه اخيرا حسب الميعاد المحدد منذ زمن، علهم يجدوا حل لمعضلاتها!! التي طالت ومالت معها وجنحت هي عن الطريق السليم ضلت؛ كما ضل غيرها!!

إلا انها لا دخل لها فيما هي فيه!! فلم تسعي لهم، ولم تبحث عنهم، ولم تقدم قرابين من أجلهم، لم تذبح باسمه، ولم تتجاوز خوفها منهم، هي إلى الأن في المنتصف لا إلي هؤلاء، ولا إلي هؤلاء بين الواقع والظروف!!

بين الوضع الذي هي فيه، وبين حقيقتها فهي لم تكن شيطانة!! ابدا ولم تستطيع ان تتاقلم معهم، ولن تستطيع ان تفعل ما يفعلو! لن تفقد نفسها بعد، ولكن هل تستطيع الآن إن تقف امامهم وتطالبهم بان تعود؟!!

انها التائهة في الزمن، الغائبة أغلب الوقت عن الدنيا بمن فيها، ورغم ما يظهر عليها الآن من حماس وقوة، إلا أنها تاتي عليها اوقات تفقد فيها وعيها، ويفقد عقلها القوة والقدرة على التركيز، يسيطر عليها شيء اخر يتكلم بلسانها يرد عنها!!

ولأنها لم تعد تسطيع ان تتحمل كل هذه الأعباء علي كتفيها، والطاقه التي قد تمزق جسدها وعمرها اشلاء!

ألا أنها إلى الأن تشعر بوهن في كل شيء في قلبها المرتجف وجسدها الجامد! الا انها تدعي القوة التي ينتظرها الجميع منها..

ينتظرون إن تكون منها، إن تكون فيها، ولكن في الحقيقة التي تدركها جيدآ هي مختلفة عن الإثنين هي مختلفة عن الجنسين!!

فما هي منهم ولا هي من أهلها! لم تعد تعرف إلي من تنتمي!!
وقبل ان ينشق الماء ويخرج منه ما تنتظره وحتي قبل ان تظهر بوادر ما تنتظره رغم انها إلي الآن لا تدري ان كانت هذه البوابة سوف تفتح على السعادة وراحة البال كما تتمني!! أم على باب الهلاك؟

كانت ترجع بعقلها لذلك الماضي البعيد، ماضي قد يكون مر عليه اكثر من نصف قرن، بداية الهمس وتدهور الحال، أجل لقد أصبحت تشعر أن هناك من يلازمها، يتبعها حتي أنها كانت تشعر أن خيالها لا يتحرك معها أجل الخيال أو الظل يبقي علي الحائط بينما تتحرك هي لتذهب!!

أول من لاحظ ذلك كانت عائشة شعرت بتغيرها وقتها أدركت أن نرجس من فتحت الحجاب أو العمل دون أن تسمي او تذكر أسم الله، وجهها كان يظهر عليه الأختلاف بصورة واضحة، عينها بها بريق مخيف ووحش، وقوفها مرة واحدة قبل أن تصتدم بأحد منهم!

أو معرفتها بالاشياء قبل حدوثها جعل عائشة تدرك أن هذه الصغيرة فتحت بوابة لن تغلق الا بعد خمسين عام!!

وها هي البداية تدهور الأحول! صحة أمها اختلت، وأصبحت نرجس من تقوم بأعمال البيت، ولم تنتهي البداية عند هنا فقط! فلم يعد هناك دخل وكأن الدنيا تغيرت وتوقف والدها عن العمل، ولا يوجد عمل له من الاساس!

اخذه تفكيره ليفعل أي شيئ؛ هو رب لأسرة تحتاج إلي متطلبات، وهو يعرف ذلك بالفعل!
ولكن السؤال هو ماذا يستطيع ان يفعل؟ هل يقف في الساحة مع العمال؟ هل يطرق الأبواب يسأل عن عمل أو دين وهو العفيف؟ أو يبقي ينتظر ان ينفذ ذلك المال الذي أدخره، ليعود به الي بلده، ولكن ربما لأنه بحاجة لأي عمل قبل أن يقوم ببناء ذلك الحائط في أحد مزارع الدواجن..

وقتها أختمرت الفكرة في رأسه، فسعر الدجاجة يعادل النصف عن تلك المجمدة، والتي تعد لا طعم لها، فكر في شراء بعض منها وقد يضعهم في مكان داخل البيت..،

حتي لو انحدر الوضع أكثر مما هو، وقتها سوف يكون لديهم طعام، ولكن الفكرة البسيطة لم يكن يعلم أنها سوف تكون باب رزق يستفيد منه، او يكون سبب للدخل!!

بدأت الحكاية بأن يشتروا الدجاج الحي ليكون لهم حيث ان زوجته علية تفضله عن المجمد، ولهذا اشتري خمسين دجاجة، في البداية كانوا فأل خير رغم أن الدجاج اصبح وجبة أساسية في طعامهم.

ولكن بعد فترة اخذ بعض الجيران يطرقون بابهم يسالهم ان كان لديهم فائض عن احتياجهم؛ ربما لأنه اشترى الكثير لم يبخل ان يعطي، ولكنه اخذ المقابل بزيادة ،وهنا كانت البداية تحققت نبوءة سلمى ، لقد تحول الحال إلي شئ أخر وخاصة بعد أن طرق بابهم احد أصحاب المطاعم...

كانت بداية العمل والتوسع فيه، حتى بعد أن رجع الى عمله مرة اخرى كان هذا يعد عمل جانبي.

كانت نرجس ما ان تضع يدها في شيء حتى يتحسن حاله، كانوا يضعون لا فته امام البيت توضح وجود دجاج حي .وبيض طازج ،فتعاملت معهم بعض المحلات في شراء البيض، وبعض المطاعم يأخذون الدجاج.

وها هي الظروف تتحسن والحال يتغير ولكن نظرات عائشة لنرجس كانت تعني شيء واحد انها تعرف سر ان هذه النعمة التي ترافقهم

وكل هذا ليست لشيء الأ من اجل نرجس ؛ هي سبب فتح باب الخير عليهم وايضا فتح باب الشر على الدنيا بأسرها .

رغم هذا التغير الواضح عليها ولكنها لا تعلم ماذا يحدث لها ،كل ما تعلمه نرجس انها اذا نظرت لأحد تعرف ماذا يعني؟ او في ماذا يفكر؟ .

كانت تعرف اشياء اكبر من تفكيرها البسيط، وعقلها الصغير، كانت تدرك اشياء اكبر من سنها بكثير؛ حتى انها كانت تستطيع ان تقرا الأنسان نفسه، كانه كتاب مفتوح أمامها ، تقرا ما كتب على وجهه كأنها سطور واضحة وضوح الشمس .، وهذا ما كانت تعرفه عائشة وسر تغير هذه الطفلة ؛ وتحولها لشيئ او كائن آخر.

ونرجس كانت تعلم ان عائشه ليست سويه، كما تدعي،بل حقد تحاول ان تواريه في عينها ؛وكأنها تحقد على تلك القوة التى امتلكتها نرجس!؟ برغم انها لم تسعى لها..

بينما هي من قضت نصف عمرها تبحث عن هذه القوة ولم تحصل على نفسها..
ولأن نرجس كانت تستطيع قراءتها فكانت تستاثر البعد عنها، وعن كل تلك القوة الخبيثة.والطاقة المظلمة الموجودة في هذا البيت.

ولكن تحت اصرار أمها لتذهب معها.من وقت لآخر .وهاهي تجلس مع امها و معهم .

وها هم في أحد المرات وجدت ان سلمى تلف الفنجان وتنظر فيه لتقراه لهم ، فتحركت نرجس من مكانه الى حيث تجلس سلمى وكانها تريد ان تعرف ماذا ترى سلمى وكيف تستطيع قراءته .؟؟

أستفسرت وسألت! وقبل ان تضع سلمى الفنجان؛ لقطت منها بعض الحروف، ربما ادركت ماذا تقول سلمى؟

الا ان كل هذا لم يكن شيء فيما سوف تتعلمه لاحقا . ولا يعادل قطرة في بحر مما سوف تتعلمه لاحقا.

كل هذا لم يكن الا حجر أساس لبداية مختلفة، فهي تغوص في بحر لم يغوص فيه أحد من قبل.؟

سوف تبحر بمجداف قوي لم يمتلكه غيرها ؟!

هي التي اخذت تنظر الى الفنجان وكانها تقرأه ما فيه رغم انها لا تجيد القراءه بصورة سوية فكيف تقرا حروف الفنجال باللغة السريالية؟!

وفي اللحظه التى تلاقت عينها بعين نرجس ورات نظرات عينها التي تتغير كانت سبب اساسيا تجعل عائشه تشعر بالرعب منها الا ان عائشة لم تظهر لاحد ممن حولها أن هناك شيء او شر في الموضوع.

رغم ان نظراتها لعلية ، في بعض الاوقات كانت تحمل مشاعر متضاربة؛ فلا هي تحبها كما كانت؟ ولا هي تشعر بالجميل الذي فعلته؟

فهي لم تفعل لها شيئا سواء انها احيت امل كاذب.

جعلتها تعرف ما كان تعرفه في الحقيقه او تشك فيه.

جلعتها تدرك ان ما يعانيه ابنها؛ ناتج عن قوة خارقة.؟

شيء خارج عن نطاق الاوعي ، وعن نطاق الطب البشري، علاج ابنها في شيء اخر غير الذي تفكر فيه؟!

نظره الشفقة في عيني سلمى الى أخوها بعد ان علمت ان العلاج الذي ينتظرونه لن يأتي لان ما هو به قد تمكن منه وتخلل خلايا روحه وجسده وامتلكه لقد امتلكه الشر.

رغم ان روحه الطيبه كانت سببا لان لا يتحول لشيء اخر ؛ الا انه فتح باب ليدخل غيره، ربما هذا هو السبب. الذي جعل اخته تقرأ الفنجان وجعل امه تضرب الودع، ..وجعل تلك الطفلة التى لا تفقه شيئ تحمل قوى شر في داخلها وتكون شيئ اخر غير البشر .

طفولتها لم تكن سوية مثلها مثل غيرها، طفولتها كانت تحمل معاني اكبر من سنها بكثير كانت تعرف معنى الشقاء وقيمه الضغوط نفسها ،

كانت تقف مع والدها كانها رجل او ولد !

الا انها كانت مختلفه ، بدات تدرك باكرا ، ان اغضبها احد حدث له مكروه !.
رغم انها لم تكن لتدعي على احد من الأساس ، لم تكن تتمنى الشر أو زوال النعمة لأحد.

ان كل ما في الامر ان ما بداخلها قوه لا تتناسب مع تكوينها هي ضعيفه البنية الا انها كانت أقوى اخواتها وباقي اسرتها .

كانت شيء مختلف نرجس ربما اتى اسمها من النرجسيه الا انها لا تمتلك منها شيء!.
حتى ذلك الاسم مجرد تشابه فقط ليس الا نرجس كانت كائن مختلف في مجمله الا ان اهلها كانوا يحبونها بطريقة مبالغ فيها ربما لانها اتت لهم بعد ان توفي لهم طفل فعوضتهم متفقدوه فغمروها بالحنان والمحبه .

الا انهم لم يكونوا يدركوا ماذا يحدث لها ؟ وما هذا التغيير الذي يطرأ في تكوينها وفي تركيبتها وفي عينها التي تتضارب مع تضارب الافكار على وجهها.

لم يعرفوا كيف استطعت تقرا الفنجان يوما ؟

كيف استطاعت ان تمسكه وتنظر فيه فتقول لوالدها ياتي لك عمل في مكان بعيد!!. فترحل وتغيب بضعه ايام ثم تعود ؟!

وقتها نظرا لها برفض فلن يتركهم في بلاد الغربة ليذهب الى بلد اخر .من أجل العمل حتى وان ذهب لن يستطيع ان يبقى و سيعود في نفس اليوم.

فكيف يتركهم و لا يوجد معهم رجل يحميهم او يستندوا عليه؟
الا ان ما قالته من كلام لم يتاخر واتى له العمل بصوره كبيرة ، وكان الدنيا تفتح ابوابها على مصرعيها .؟!

ربما بعد أن دعت له ولقد دعت له ان يرزقه الله من حيث لا يحتسب.

ولكن هل الرزق اتاه لانها دعت الى الله؟

وهي التي تعاني الأمرين انتماءها الى اشياء لا تعرفها من الاساس هي التي لا تعرف ان لديها خدمة بالفعل، لديه قوه خارقه تستطيع ان تفعل لها ما تريد هي التي لا تعرف لما احلامها تتحقق لما من تدعي له يصلح الله حاله وكان الله يقدر تقربها منه يريد ان تلجأ له وليس لقوى الشر ؟!

الشر سوف ياتي وياتي وقته ان عاجلا ام اجلا!
فهى ضعيفة الحال ضعيفة الجسد، التي تملك وهو مبالغ فيها لتعرف من اين لها من الأساس؟
هي نفسها لا تعرف انها تملكها تعد قوى الشر الذي يتمكن منها رويدا رويدا دون ان تدرك الا انها في اغلب الاوقات والاحيان تلجا الى الخالق وتدعو له انها تصلي وتصوم انها في العاشرة فقط من عمرها في الصف الرابع الابتدائي وتصوم رمضان وتنتظر مع امها واهلها يدعون ويتضرعون الى الله.

حتى رات في الفنجان يوما انهم سيتركون المنزل الذي يسكنون فيه!

قالت لامها ولم تصدق، ولكنه بالفعل تركوا المنزل لبيت اخر، الا انه لم يكن بنفس المكان الذي هم فيه، هذا البيت رغم معرفتهم وصداقتهم بعائشة التي لم تتركهم حتى بعد ان نقلوا من بيتها !وذلك لانها تقوم بتأجير السكن الاخر لبعض من الشباب العازب في الجهه الاخرى من البيت.

وكان هذا سبب أساسي لكي يترك مرجان البيت . ربما لانه لا يرجع الى البيت الا بعد ان يدخل الليل فهو يريد ان يكون اولاده في امان في بيت تسكنه عائلة ويكون بجوارهم اناس يثق فيهم.

ولذا رغم انه لم يرى منهم شيئا لم يفعلوا له شيئا يغضبه او يحزنه او يجعله ينفر منهم فهم يتعاملون معه على انه معلم وصاحب عمل يعمل به.

وقد كان بالفعل انتقل الى مكان اخر، بيت يكاد يكون مهجور، رغم ان من دلتهم عليه نرجس ؟

في هذه اللحظة كاد الاب يرفض رفضا تاما الا انها قالت سنقوم باصلاحه!

يسكنون فيه باجر بخس . وقتها ظهر التفكير على وجه الاب وهو يقول:

ان ما تقوله حقيقى ان البيت يكفي لأكثر من ثلاث عائلات ومع ذلك سنعيش فيه بمفردنا بالاضافه الى وجود حوش كبير يستطيع ان يخزن فيه ادوات البناء .

ذلك البيت مناسب من كل الجهات، ولكن شكله ومظهره ذلك الصخر المبني به يبدو قديما اقدم من الزمن نفسه؟

اصرت الطفلة الصغيرة ولم يتردد الاب في استئجاره وبدا فعلا بالعمل فيه انتقل اليه وظلوا يعيشون فيه .

و جيرانهم من جهه ليبيون ومن جهه اخرى فلسطينيون وهم يعيشون في امان عائلتين، من الجهتين لا يوجد هناك ما ينغص فكر الاب ، ان سافر او تركهم في البيت.

وهم يعرفون جيدا كيف يتعاملون وخاصة تلك الصغيرة التي ما كانت تترك امها لتفعل شيء في بلد لا يخرج فيه النساء؟
كانت نرجس من تخرج وتشترى كل شيء تحتاجه امها ؛ سواء كان لحم أو خضار او ما الى ذلك!.

بالاضافه ان حدث شيء و والدها خارج البيت كانت تتصرف.

حتى ان نفذ الوقود منهم كانت تخرج لتقف امام الباب قد تكون اطول من اسطوانة الغاز بضعة سنتيمترات الا انها كانت تشير لايه سياره فاخرة ويتوقف صاحبها دون ان يدري لما يتوقف من يقول بي ام دبليو او مرسيدس ليحمل لها الانبوبه ويقوم بتغييرها وياتي لها بها امام البيت وكانه هناك قوه تؤمره بان ينزل من السيارة لخفف عن تلك الغريبه الصغيره التي لا يوجد لديها ما تفعله نظراته عينها لم تكن تخف من حولها بل كان تجعلهم يمتثلون لها بالطاعة.

يتبع ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي