الفصل الرابع

٤

إن كان ما تفعله ليس من طبيعتك؛ فإنك تشعر بأن هناك شيء خاطئ، ربما لو كان الوضع مختلف، ربما لو لم يكن يقود هذه السيارة الفارهة، كان ليقف لها.

ولكن وهو بهذه الهيئة المرتبة، وتلك الملابس التي تعد رسمية، بالإضافة الى سيارته التي تعد الأحدث والأرقى، جعلته يسأل؛ هل من الطبيعي إني أتوقف من أجلها، من أجل من لا أعرفها من الأساس؟

من أجل الطفلة لا تمد لي بصلة، ولكن لما أشعر أنها ليست مجرد طفلة!
إن تلك الهالة من القوة التي تحاوطها هي من جعلتني ثم نفض فكره؛ هو أستاذ الجامعة ومربي الأجيال يفكر بهذه الطريقة؟!

هل هناك قوة أكبر تستطيع أن توقفه؟
يحمل تلك الإسطوانة الى أحد المحطات القريبة؛ ليبدلها من أجلها! ومن هي من الأساس يفعل لها ذلك ؟

إن كانت زوجته ما كان ليفعله؟
حتى يفكر طول الطريق وهو لا يدرك سببا لوقوفه أمام بيتها، بمجرد أن رفعت إصبعا واحد من يديها إبتسامة سخرية من حاله لم تتغير حتى بعد أن إنتهى من المهمة، التي تعد ثقيله على قلبه حتى لو كانت لبيته كان يسخر من وضعه الذي هو فيه!

نظر لنفسه وهو يتساءل ماذا سيحدث أنا لم أفعلها من قبل وأن أغير إسطوانة الغاز؟

إنتهى بسرعة وعاد في سيارته الفارهة أمام ذلك البيت، الذي يعد قديما أقدم من الزمن نفسه؛ أن عمر هذا البيت قد تجاوز المئة عام.

نزل مرغما ليطرق الباب بقطع من الحجر، ثم يبتعد عن محيط الباب؛ حتى لا يكشف من بالداخل حتى لا يخدش حيائهم.

إقتربت تلك الصغيرة التي تظهر في عينيها نظرة أكبر من سنها بكثير وهي تبتسم وكأنها تشكره بابتسامتها، أنزل لها الإسطوانة من حقيبة سيارته، وهي تناوله تلك النظرة في عينها؛ جعلته يمد يده مرغما دون أن يدرك كيف مد يده من الأساس؟ لياخذ منها ذلك الدينار الذي تناوله له هز رأسه؛ وهو يحاول أن يلملم حاله، ويتحرك من ذلك الشعور الذي يحاوطه، وكانه محاط بالكثير والكثير وكأنها ليست طفلة؛ بل جمهور كبير.

ركب سيارته والقى نظرة أخيره الى عينها؛ التي تغير لونها في لحظة مما جعله يسير بقوة! وكأنه يدرك؛ أنه لم يكن تفكيره خاطئ، وأن هناك شيء خاطئ في هذا المكان من الأساس!

،ربما هي ليست من البشر، ربما البيت مسكون لما وقفت في هذا الوقت؟

بعد أن إقترب الليل من الدخول، ولكنه لم يقول شيئا ولم يفعل شيئا سوى ان يلوم نفسه، وهو يتحرك بسرعة أكبر.

ولكنه يفكر بأن يعود مرة أخرى ليمر من ذلك الشارع
ويكون في وضح النهار؛ حتى يرى إن كان هذا المنزل يقتنه بشرا ام هو مجرد خيال يعيش فيه وهم أكبر من تفكيره البسيط!

هو الذي لم يفكر في( الا مرئيات) من قبل أن يدرك أنه هناك بعض البشر لهم هالة من القوة، قد لا يستطيع أن يواجهها هو .

اما هي قامت بأدخال الإسطوانة الى داخل البيت وهي تقول :

-  أمي ها هي أسطوانة الغاز اسرعي لتعدي الطعام؛ قبل أن يحضر أبي، لقد اقترب وقت حضوره .

أسرعت علية دون أن تتاخر وأخذت تعد الطعام.
بينما نرجس ذهبت لتجلس مع أخواتها، تساعد ذلك الذي يكتب الحروف، وتلك التي تجمع الأرقام بينما، هي إنتهت من واجبها، منذ فترة .

مر اليوم كغيره وفي اليوم التالي، كان صاحب المطعم الذي يتعامل معهم، يطرق الباب ويبتعد وهو ينادي على والدها خرج له مرجان وهو يدعوه ليدخل، ولكن الرجل أصر على الرفض كان يعلم أن البيت ويسكنه عائلته أبنائه وزوجته، ولذا لم يكن ليتجاوز ولم يقبل دعوة مرجان لهم، اذا جلس معهم على ذلك المقعد بجوار البيت وهو يتكلم معه عن الطلبية التي يريدها، يخبره أنه يريد بالغد عدد من الدجاج هل بالإمكان انغ يوفره؟
الا أن مرجان هز رأسه بالموافقه وهو يقول:
- بامر الله في الغد سيكون جاهز

بينما كان مرجان يتكلم مع مازن، صاحب المطعم السوري الذي يورد له مرجان وعائلته الدجاج الجاهز؛ كانت علية من الداخل تقوم باعداد الشاي وواجب الضيافة الذي ما انتهي؛ حتى نادت على نرجس لتقوم بتقديمها، كانت إبنتها تهم ان تتقدم منها لتاخذ منها الصينية المحملة بالأكواب وبعض الكعك ولكنها توقفت دون أن تتكلم وهي تسمع تلك الموجة من الهمز!
وكأنها تجلس معهم وليست بالداخل كانت تستمع إلى كل شيء يقال بالخارج، كان الرجل يتكلم في عدد مبالغ في هذا اليوم مما جعلها تلتفت الى أمها وهي تقول نرجس بصوت لا يشبه صوتها الا انه جعل أمها تنصاع لها :
- اشعلي النار لتضعي عليها الماء يا أمي فهناك عمل كثير أمامنا! لست أدري ان كان عدد الدجاج بالداخل قد يكفي أم لا؟
رغم دهشتها من كلام إبنتها إلا أنها هزت رأسها بطاعة وأخذت تتحرك لتملأ تلك الطنجرة الكبيرة بالماء، وتضعه على تلك الشعلة بالداخل، أما نرجس فلقد عاد الهمس في أذنها! والصوت الذي كانت تستمع اليه بهدوء يمتاز ببعض القوة، وكأنه صدى لصوت آتي من العدم، أو من خيالها أو من عالم ربماهي الوحيدة التي تعيش فيه.

تحركت بخطوات بطيئة الى الباب وهي تنادي :
-أبي إحمل واجب الضيافة هلا أتيت لتأخذه .
أبتسم مرجان وهو يقول:
-  تعالى يا نرجس لا يوجد أحد غريب أنه عمك مازن تعالي يا ابنتي .

ورغم تلك الموجة والقوه التي كانت تحاوطها، إلإ أنها تحركت كما طلب والدها وذهبت الى حيث يجلسون، وقبل ان يتكلم والدها ويخبرها بما عليها أن تقوله لأمها كانت هي تقول!
- لقد جهزت امي كل شيء أطمئن فسننتهي عما قريب لن نتاخر عن العمل؟حوفي الصباح الباكر ستجد كل ما طلبه عمي مازن.

كان مازن ينظر لها وهو يدرك، أن كلامها صحيح، أنها حقا تستطيع أن توفي بكلامها هي طفله ولكنها تشبه الى حد كبير تصرفات الرجال!
بينما كان أبوها يحتسي كوب الشاي باستمتاع، كان مازن يشعر بالدهشة والقلق، وهو لا يتوقع أو لا يعرف كيف علمت بما يريد؟ الا أنه أثر الصمت فماذا عنده ليقول؟ أو ما المفروض أن يقولوا لها كيف علمتي ما أريد؟ كيف عرفت العدد؟ كيف كان شيء هين عليك أن تستمعين رغم بُعد المسافة ولكن رغم نظره الدهشه في عينه والقلق الذي يحاوطه الا انه لم يقولوا شيئا؟

هو كل ما يعني له في هذا الأمر أن ما يطلبه يجده، وأنهم يوفرون له احتياجات مطعمه بسعر قليل، ولذا إرتشف القليل من الشاي رغم الحاح مرجان ونهض ليتحرك الى بيته القريب نسبيا ،وهو يشعر بوادر الخوف تجتاح قلبه وتملا جوانبه ومن يلومه وهو الذي يشعر برعب داخلي فقط من نظرات طفله فماذا فيها هي خاف منه وماذا يحدث بداخله ما ان ينظر الى عينها ولكن هل يستطيع أن ينهي تعامله مع والدها؟
وهو الذي توفر له ما يريد بسعر بخس؛ مما يجعله يحصل على ربح يكفيه ويكفي أسرته الكبيرة، في موطنه الأم جم من وما هي الحجه التي يملكها لينهي هذا الاتفاق الضمني بينهما؛ لذا عليه أن يسيطر على خوفه الذي لا مبرر له في اي عقل قد يبيح له او يؤيده في خوفه من طفله في الحاديه عشرة من عمرها؟
او حتى يصدق أي كلمه من كلامه أن قال عنها شيء؟ مما يموج في عقله وتفكيره، الكل يرى أنها طفلة عاديه متفوقة في دراستها ملتزمة في بيتها، لا تفعل شيء إلا بناء على طلبات أهلها.

بينما هو يمد في خطوته ويسير كانت هي تساعد أمها في التجهيز والتحضير وكأنها أكبر من سنها بزمن تقف معها وهي تشاهد والدها يقوم بذبح الدجاج الواحدة تلوى الأخرى، حتى صارت كميه الدماء التي تسيل على الأرض بشكل كبير مبالغ فيه قد يصيب الرعب في قلوب غيرها من الأطفال؟!
بينما كان يشير في قلبها الانتشاء وكأنها تستمد القوة من ذلك الدم المنزوف على الأرض!
وتلك الأرواح التي تذهب حتى لو كانت أرواحه حيوانات أو دجاج.
وكأنها لا تنتمي الى هذا المكان من الأساس جلست على ذلك المقعد تنظر الى تلك البركه التي تكون تحت قدمي والدها وأمها وكانها بحيره من الماء الدافئ وليست من الدماء؟
عينها التي يتغير لونها؛ في تلك اللحظات وجهها الذي رفعته لتنظر الى السماء، وكأنها تراه انعكاس القمر في تلك البركة؛ وكانه قربان يقدم وهي تتلقى تلك الطاقه الهائلة التي تتخللها وبداية الهمس وكأنه سينفونية تعزف من جديد، صوتهم يعلو في أذنها، طنين ودوي وقوة تكاد أن تصيبها بالصمم!

ولكن هل تستطيع ان تخرج تلك الطاقه على هيئه صراخ؟
هل تستطيع ان تفعلها ؟
تثبت ما تشعر به بداخلها حتى لا تثير القلق والخوف في قلوب من حولها وأولهم أهلها الذين قد يروا فيها شيء عجيب غريب هي التي تستطيع أن تسمع أي حوار دائر بين إثنين على بُعد؟
وتستطيع أن تراه على بعد وعلى مسافه لا يستطيع غيرها من البشر أن يصلوا اليها!
الا أنها لم تعد تنتمي الى جنسها البشري بشيء سوا هذه القشرة الخارجية؛ فهي تملك بداخلها شيء هائل شيء كبير وقوي لا يستطيع جسدها الضعيف أن يتحمله!

الا أنها تقاوم وتعافر وتحاول أن تظهر طبيعتها، حتى أنها كانت تسهر ليلا بينما تجلس في ذلك الحوش بمفردها؛ تنظر الى ذلك القمر الذي يتراقص على صفحة السماء! وكانه يتراقص أمامها يخبرها أن هناك شيء يربط بينهما بقوه هناك طاقه هائله ستصل اليك يوما.

ربما لا تستطيع ان تتعامل معها الآن، ولكن في الغد قد تستطيع ينتفع للكثير قد تسير الدنيا بين يديك لا تسير رهن أصابعك، وأشرفت الابتسامة التي رسمت على وجهها بالانتهاء وقت ما أنتهى والدها من نحر باقي الدجاجات الصغيرة.

وحاولت ان ترسم العبوس والجد التي لا تشعر به وهي تتحرك الى تلك المغسله تضع يدها تحت الماء عله الحمم المشتعله في قعر عينيها تهدى؟
تكف عن الثوران والدوران تكف عن الغليان بداخلها؛ وضعت يدها تحت الماء، وما ان قالت لها امها:
- ان كنتي متعبة اذهبي لتنامي مع اخواتك.

ولكن نرجس هزت رأسها بالنفي وهي تخبرها، انها ستبقى معها ستعاونها في ما تفعل ربما تفعله يعد مقزز بعض الشيء، ان تقوم بتنظيف الدجاج بغسله لياخذه المطعم؛ قد يكون روتين او شيء لا يرقوا لأن تعبث أو تلعب به طفله في سنها؛ الا أنها كان من السهل عليها أن تقوم بحمل الدجاج الملوث ووضعه في الماء المغلي، بينما تنظر لها امها وبدهشه الى انها كانت تقوم بفعل ما تفعله ابنتها وبعد وقت من التنظيف والغسيل.

كانت تنظر الى يدها الملوثة بدماء وإبتسامة شاحبة، ترسم على شفتيها وكان الدم؛ لا يثير الاشمئزاز فيها نفسها تثير القرف والانفة في قلبها الصغير.

كانت تتعامل معه و كانه شيء عادي وأقل من عادى.
بينما كانت أمها في المطبخ كانت هي في ذلك الحوش الكبير تنظر الى السماء بيد ملتقى بالدماء ودون ان تشعر او تدرك ماذا تفعل اقتربت من الحائط تكتب حروف لا معنى لها لا تعلم ما ماهيتها من الأساس! لا تعلم ماذا تعني حتى؟
وها هي ترسم تلك النجمة الغريبة، وكانها تبدأ في رسم الطلاسم، بدأت الرحله باكرا نرجس وشياطينها، ورحلتها مع عزازيل وطلاسمه التي قد لا تنتهي، الا بنهاية أحد منهم.

ولكن هل للشر نهاية، وهل تستطيع تلك الطفلة الصغير أن تتخلص من تلك الاشباح التي تطارد خيالها وواقعها ؟
التي تهمس بدونها بكلمات قد تكون اقوى منها هي نفسها نرجس وآه منها ومن ما هو آتي لها ومما هو لا زال في علم الغيب لا تعلمه ولا تعرف عنه شيئا.

ولكنها في هذه اللحظة لم يكن يفرق معها شيء هي في هذه اللحظه ليست هي .
ترسم أشياء وطلاسم لم تراها من قبل؛ ولكنها تتعامل كانها تحفظها عن ظهر قلب, أخذت ترسم ما تفعله كانها لوحه كبيره بطول الجدار، وما أن انتهت رفعت وجهها لتلك الغيمات التي انقشعت، وظهر القمر بلون مختلف، لون يحمل لون الدم ومع توهج وجهه الأحمر في السماء وكانه نار مشتعلة، وليس ضوء هادئ ومع ذلك الشعاع الذي يخرج منه وكاغنه شمس وليس قمر، وتلك الحمم البركانية التي تتراقص حوله وكانهم شياطين الليل اجتمعت في السماء.

ترى ما تفعله تلك التي فتحت بوابه لا تدري ان كانت نهايتها الخير ام نهايتها الهلاك وفي هذه اللحظه بدا الهمس يعلو في اذنها اصوات كثيره تتكلم في وقت واحد ولكن من بين كل تلك الاصوات استمعت الى صوت مازن وهو يكلم نفسه ويفكر فيما يريد ان يقوله او يفعله وهو يخشى منها ويشعر بالخوف مما يراه في عينها وهنا علت ضحكة شريرة من بين شفتيها الرقيقه التي لا تمت للشر الذي يسكنها بشيء.!

اخذت تعلو ضحكتها المجلجله وفي هذه اللحظة، رفعت عينها لتنظر الى القمر المشتعل مرة اخرى او اخيره وهي تنقل عينها بين الطلسم الذي رسمته وتلك النار المشتعله في قلب القمر وتفتح يديها كانها تمثل تمثال بطريقه مختلفه وفي لحظه خرج من فمها صوت قوي أزيز مختلف كانه قوه غريبه تخرج من داخلها كانه أزيز طائرة ومعها تخرج شيء متمثل كانه مادة هلامية ترتفع الى السماء كانها ترتفع الى ذلك القمر بتلك النيران الملتهبه فيه وفي لحظه هوى جسدها الصغير على الارض وكانها لا روح فيها؟ وقتها طفى القمر واختفت الكتابه على الحائط وغابت عن الدنيا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي