الفصل 6

جلس على عرشه مزعورا منكسرا لا يصدق ما حدث للتو، قرة عينه مخطوفة من قبل مجرم وضيع تشهد السماء وحدها على كثرة خطاياه، وهو من ظنها هربت ناقمة من مصيرها واضعة رأسه في الوحل، كم كان غبيا فهي ابنته التي لم تفارق احضانه ابدا كيف ظن بها كل هذا السوء، تأوه من فداحة فعلته وزمجر غاضبا ثم نظر إلى الرجل الغجري المقيت أمامه والذي بعثه المجرم اللعين خاطف ابنته وأردف مشمئذا مقاوما الرغبة داخله في اقتناص عنقه الكريهة: "أخبر سيدك الحقير بأن فعلته الشنعاء تلك لن تمر مرور الكرام وإذا اعتقد لبرهة أنني سأرضخ إلى مطالبه وأرتعب من تهديداته فهو غبي لعين"

إبتسم الرجل ابتسامة سمجة لم تصل إلى عينيه ثم أردف بفظاظة: "عذرا أيها الملك ولكن كلانا نعلم بأن شاتاي ليس بجرو ضعيف بل هو فارس قوي يقدر على تنفيذ تهديداته بسخاء، لذلك انصحك بأن تنفذ مطالبه إذا أردت أن تنام ابنتك الغالية في قصرها مرة أخرى بدلا من أن تنام في منازل جبلية و تطمع بها الذئاب الجائعة"

هاج رودلف إثر تهديداته المبطنة وصاح : "اغرب عن وجهي الأن وأخبر سيدك القذر بأني سأقتله ثم أبيد جماعتكم عن بكرة أبيها إذا لم تعد ابنتي خلال اسبوع علي الأكثر، والآن أغرب عن وجهي قبل أن أقص لسانك الذي تجرء على مخاطبتي"
كان في أوج غضبه حين تخيل أن يمس أحد هؤلاك الغجر ابنته بسوء ولم يهدأ إلا عند ذهاب هذا الرجل رسول الوغد شاتاي.
تنفس بصعوبة ثم ابتلع ريقه ببطئ حين تذكر الماكثة بجانبه فنظر بطرف عينه وحدث ما توقعه، رأي الألم ينهشها والرعب مرتسما على محياها فلعن شاتاي ولعن حياته، تنهد بيأس و ترك عرشه متجها لخاصتها وانحنى إليها وأمسك يدها برفق مردفا: "اقسم لكي حبيبتي سأعيدها حتى ولو كلفني الأمر حياتي، اللعنة على شاتاي واللعنة على ألكسندروس وعلي أنا أيضا ان لم أعيد طفلتنا إلينا"
لا رد، كل ما وصله هو انهيارها و بكائها المرير فتركها على مضد تاركا المكان عازما على انهاء الأمر مهما كلفه من دماء.


"مملكة سندروس"

كالعادة أخذ منها الأمر بضع دقائق كي تدرك أين هي بعد أن استيقظت بين أحضانه الدافئة، لا تصدق أن الفتاة التي كانت منذ شهر ترعى الأحصنة و تنظف مخلفاتهم هي ذاتها من ترتدي الآن أفخم الحلي و أغلى الأقمشة، وعند مجئ هذا الأمر إلى خاطرها تذكرت أنها لا ترتدي شيئا الأن فألكسندروس يرفض الأمر مصرا على أن تنام في أحضانه عارية بعد جولاتهم سويا، نظرت إلى ملامحه الهادئة الوسيمة والتي تتسم بالرجولة الطاغية و الجاذبية الصارخة، مررت أناملها على وجنته ثم فكه الرجولي وعندما لاحظت تجعد حاجبيه كدليل على انزعاجه كفت عن الأمر وابتعدت عنه ببطئ مرتدية ملابسها مستعدة للخروج ككل مرة فهي أجبن من ان تبقى لمواجهته بعد ما يحدث بينهم في ظلمة الليل.

لم يكن القدر حليفا لها فلم تكد تخطو خطوة واحدة حتى شعرت بيد قوية تقبض على خاصتها فاستدارت ببطئ وانصدمت حينما وجدته واقفا امامها فهو منذ ثوان كان يغط في نوم عميق، شعرت بأن لسانها مربوطا في سقف حلقها ولا تقوى على الكلام كما أنها لم تمتلك من الشجاعة ما يكفي كي تتفقد كامل هيئته كي تتأكد من ارتدائه ملابسه أم لا فاكتفت بالنظر إلى وجهه منتظرة منه أن يبادر ولم يتركها تنتظر طويلا فأردف بجمود: "لم تهربين مني؟"

ليته لم يتكلم وبقى صامتا طوال الدهر، سؤال بسيط ولكن إجابته ليست بهينة، نظرت له بضعف وأردفت: "لست بهاربة سيدي ولكن ربما فقط لا أقوى على احتمال هيبتك"

ضيق عينيه بسخط ولم ترضيه اجابتها فباغتها مرة اخرى: "أميرات سبقنكي كن يتبارين على اسعادي بل وايقاظي بأكثر الطرق لذة والتي قد لا يستوعبها عقلك البرئ فما المختلف بك اذن اجيبيني؟"

كانت كلماته بمثابة صفعة لها فتخلت عن حذرها وانفعلت: "أتمنى أن تكف عن مقارنتي بهن سيدي فأصابع يدك ليست بالواحدة"

نظر لها بإستخفاف مردفا بأسف مصطنع: "ليتك مثلهن فعلى الأقل كن يعرفن طرق لا حصر لها لإسعادي"

حملقت به غير مصدقة فلم يكتفي بصفع كرامتها ولاحق الأمر بصفعه لأنوثتها، لن تنكر أنها دائما ما تتركه صباحا قبل استيقاظه ولكن هي واثقة تمام الثقة أنها تسعده جيدا فنظراته و همساته كانوا خير دليل على هذا، ضمت يديها بقوة غارزة أظافرها في لحم كفها كي تمنع نفسها من التطاول عليه ولكن فشلت في الأمر ونظرت له بتحدي: "اذا أدركت بأن صفقتك ليست رابحة بإمكانك العدول عنها ولن يلومك أحد"

ألكسندروس: "ولما العجلة، اقترح بأن أدبر لكي موعدا مع احدى الجاريات كي تتولى تدريبك فأنتي تفتقدين إلى الخبرة يا صغيرة"

لا يوجد غير حل من اثنين، أن تصفعه بشدة او أن تتركه وتهرول إلى الخارج ولحسن حظها كانت تملك القليل من التعقل مما جعلها تستبعد الحل الأول وأسرعت هاربة تاركة اياه بدون تفسير.

"على رسلك ميرال هل يوجد من يطاردك أم ماذا"

لعنت ميرال بداخلها فرغبتها للهروب من امامه جعلتها لا ترى أمامها فارتطمت بشقيقته الفضولية والتي لن تدعها تمر بدون تفسير يصدق، حاولت إعادة ملامحها المتجهمة إلى وضعها الطبيعي وأردفت: "أسفة روز لقد بلغني أمرا يخص مملكتي ازعجني قليلا لذلك شردت أثناء سيري"

روز: "أنا اسفة لسماع ذلك، هيا اتبعيني الى الجناح كي تقصي عليا الأمر تفصيلا"

لم تستطع ميرال المقاومة فروز قامت بجذبها بدون أن تعطي لها الفرصة للمماطلة فمن الواضح انها فلتت من قبضة الطاغية ووقعت في قبضة شقيقته، وصلت إلى الجناح الخاص بروز وجلست على التخت واخذت تفكر في كذبة تتلوها عليها كي تدعها وشأنها ولكن تفاجأت بجلوس روز بجانبها ساخرة: "اذا ميرا ما الذي فعله أخي المصون وأثار غضبك حتى جعلك تتجولين في القصر دون النظر أمامك"

تنهدت ميرال: "هل وضعي بائس لدرجة أنه يظهر على محياي؟"

روز بمكر: "اخبريني الحقيقة ميرا وصدقيني انتي فاشلة في الكذب"

ابتلعت ريقها و أسبلت أهدابها بإستسلام: "أخاكي العزيز يرى أنني صفقة خاسرة وحقا هذا لا يضايقني فلو تكرمتي بإقناعه لإعادتي إلى مملكتي سأكون أكثر من شاكرة لكي"

قطبت روز حاجبيها وأردفت بإستهجان: "من الكاذب الذي أخبرك بهذا، بالطبع إحدى جارياته غارت بسبب طلبه المستمر لكي وعدوله عن بقية الجواري فأرادت فقط استفزازك وقد ربحت"

ميرال بثبات: "يؤسفني ان أخيب ظنك ولكن ألكسندروس هو من أخبرني بنفسه، ولكرم أخلاقه اقترح أن يستدعي احدى جارياته الخبيرات في فنون الإغواء كي تثقل خبرتي"

فغرت فاها غير مصدقة لما تسمعه الآن، تعلم أن شقيقها يمتلك من الدناءة ما يؤهله لفعل ذلك ولكن كيف ذلك و ميرال تشاركه المبيت يوميا، ضيقت عينيها متسائلة: "متى قال لك هذا الأمر وفي أي مناسبة"

ميرال: "الأمر ليس بهام صدقيني ولكن لإرضاء فضولك فقد أخبرني بذلك اليوم عندما كدت ارحل كالعادة قبل استيقاظه"

روز بعدم تصديق: "هل ترحلين قبل ان يستيقظ؟، اللعنة ميرال يجب أن تخبريني من هو حقا"

قلبت ميرال عينيها بملل: "أقسم لك روز مرارا و تكرارا بأنه لا توجد علاقة عاطفية في حياتي من أي نوع فحياتي مزرية عزيزتي لذلك كفي عن طرح هذا السؤال البغيض"

روز: "أيتها الغبية انه يقول هذا فقط لشعوره بأنك اهنتي رجولته، فنساء كثر كن يتبارين لإسعاده قبلك والآن وجد نفسه مع امرأة رأسها يابس كالحجر"

لا تستطيع أن تشرح وجهة نظرها خاصة لروز، فكيف تخبرها أنها مجرد خادمة لا أميرة وأن أقصى ما طمحت به يوما كان الهروب من مملكتها وأكثر ما بغضته يوما كانت نوعية الملوك التي يجسدها أخاها، من يستغلون سلطتهم في الحصول على كل شيء حتى ان لم يقدر لهم، أطرقت تفكر قليلا ثم رفعت رأسها بشموخ ينافي احساسها بالذل لما سوف تقوله: "روز أنا فقد اطمح في ان احيا الأيام الحالية لي في هذا القصر بسلام وبدون أن تنقطع الإمدادات عن مملكتي، فرجاء لا تدخري جهدا في ارشادي الى ما يجب علي فعله حتى يمل الطاغية مني ونفرغ من تلك القصة"

أطرقت روز ضحكة رنانة قبل أن تردف بجرأة: "سأرشدك ولكن لا أظن أنك سترحلين قريبا من هنا بل أعتقد أن بقائك سيطول لمدة تفوق توقعاتك"

لم تعلق ميرال واكتفت بتجاهل الأمر وبعدها استرسلت روز في ان تقص عليها كل ما أرادت وكل ما لم ترد الاقتراب من معرفته قط.


"مملكة الجبل الأبيض"

كالعادة وجدت نفسها مضطرة لسماع ثرثرة الخدم عن انجازات المختطف اللعين هو وجنوده وعن قوته الهائلة، تعجز عن استيعاب فخرهم الكبير بكونهم مجرد قاطعي طرق ولكن لا تملك القدرة على الخوض في نقاشات عقيمة.
انتهت من اعمالها ولاحظت تحسنها الملحوظ فأصبحت تستغرق اقل من نص الوقت الذي كانت تستغرقه منذ مجيئها، اتجهت الى الحمام الخاص بالخدم كي تأخذ حماما و تغير ثيابها الرثة ولكن لسوء حظها الدائم اصتدمت بأخر شخص تود رؤيته كابوسها النهاري كيرا، زفرت بنفاذ صبر مردفة: "أريد ان أخذ حماما كيرا لذلك وفري صفاقتك لوقت اخر رجاء"

شملتها كيرا بنظرة ثاقبة ثم أردفت بإشمئزاز: "من يصدق بأن الأميرة الفاتنة هي ذاتها صاحبة المظهر الرث التي تقف أمامي الآن، لا عجب أن والدك رفض تخليصك فأنتي قضية خاسرة"

لم تستوعب ليليان ما قالته فتسائلت مسرعة: "ما الذي تهذين به يا هذه"

كيرا بتشفي: "ما سمعته يا أميرة، أباكي العزيز رفض دفع أموال تخليصك لذلك أنتي مجرد بضاعة معطوبة الآن فأنصحك بأن تتقني أعمال الخدم لأنها ستكون وظيفتك لبقية حياتك البائسة"

تجاوزتها ميرال مرتطمة بكتفها تنوي الذهاب الى ذلك المختطف كي تصب جام غضبها عليه ولكن اتجهت اولا الى الحمام مسرعة كي تتخلص من القذارة التي تملؤها فلن تسمح له بالتشفي برؤيتها بتلك الطلة المهينة، انتهت من حمامها ثم ارتدت الثوب الذي منحته اياها رينيس احدى الخادمات وقد ارتدته بشق الأنفس فرينيس تعد شديدة النحافة على عكسها هي التي تمتلك انحناءات انثوية شديدة الخطورة، بعد ان فرغت من الأمر اتجهت قاصدة غرفة شاتاي وعلى وجهها اشارات تحذير تنبأ بالخطر وعند وصولها الى غرفته لم تكلف نفسها عناء القرع على الباب بل اقتحمته بعنف هادرة: "ماذا حدث مع ابي واللعنة، ولا تحاول الكذب علي شاتاي"

انتبهت الى هيئته عار الصدر متكأ على اريكته يعبث ببعض المجلدات و امامه احدى الخادمات تعدل من هندامها تستعد للرحيل مما أعطاها موجزا عن ما كان يحدث هنا قبل قليل، قاومت شعورها بالتقزز و اتجهت تجلس قباله وعندها رفع هو انظاره تجاهها يرمقها بنظرات غاضبة لاقتحامها المكان سرعان ما تحولت الى اخرى غامضة، نظرت الى الخادمة صارخة: "هل تنوين أخذ وقت العالم بأسره كي تنتهي، هيا أريني جمال ساقيك وهم يغادرن المكان"

لاحظ شاتاي الرعب الذي تملك من الخادمة من نبرتها ومغادرتها المسرعة فأردف بصوته الأجش: "من الواضح أنك بتي تشعرين بإنتمائك لهذا المكان بل وتلقين الأوامر أيضا، يسعدني هذا فمن الواضح أن بقائك سيطول يا أميرة"

حاولت تجاهل نبرته المستفزة وأردفت ببرود: "ماذا حدث مع أبي، ولا أملك الوقت للسمر معك لذلك امضي في صلب الموضوع رجاءا"

ابتسم ببرود يماثل خاصتها: "بالطبع لا تملكي الوقت لدرجة مجيئك لي بدون تمشيط شعرك الغجري و قطرات الماء تنسال على عنقك المرمري بتمرد"

شعرت بالتوتر اثر كلماته فلم يحادثها احد بتلك الجرأة من قبل، لم تجد في جعبتها ما تجيبه به فتولى هو زمام الأمور مكملا بنبرة آمرة: "سأذهب إلى سوق المدينة الإسبوع المقبل وستأتين معي كي تبتاعي ملابس تناسبك"

عند تلك النقطة لم تستطع السيطرة على نفسها فأردفت بترفع: "من تظن نفسك يا هذا، هل أنا حبيبتك وأنا لا أعلم، أم تظنني سأنضم لسرب النساء الخاصة بمتعتك؟"

شاتاي: "أتريدين؟"

ميرال بتوتر سرعان ما تحول لغضب عارم: "تبا لك شاتاي من تظن نفسك، أنا أميرة الجليد ولست ساقطة لذلك احذر من الكلام معي بذلك الاسلوب المضني"

نظر لها بنفس النظرة الثاقبة التي يشملها بها منذ ولوجها وأردف بجرأة: "لا أعتقد أنه اذا شاهدك احد رجالي بهذا الثوب سيستطيع منع نفسه من أخذك عنوة، انا أقاوم تلك الفكرة المغوية الأن ليس لاني رجل متحضر بل لأني أشبعت رغباتي بإحداهن منذ دقائق ورغم ذلك تظل فكرة تستحق النظر بها"

فغرت فاها من وقاحته ثم زمت شفتيها بعنف: "أنت وقح أرعن، كيف تسول لك نفسك بأن تقول هذه التراهات، ومن أنت حتى تشغل حيذا من تفكيري فضلا عن الطموح لما هو أعلى من ذلك"

تجاهل ثورتها المثيرة للإهتمام وتابع بتبلد: "نساء مملكة الجبل الأبيض يتسمن بالنحافة لذلك لن تجدي ضالتك هنا في المحلات الصغيرة و تحتاجين الى الذهاب للسوق لاختيار ملابس تناسبك، وصدقيني لا أمانع پأن تستمري بالظهور بتلك الملابس المثيرة ولكن حينها لن يبقى منك شيء أساوم والدك عليه"

والدها نعم كادت ان تنسى سبب مجيئها الى هنا فاندفعت قائلة: "حسنا حسنا كف عن تلك التراهات ماذا حدث مع ابي"

"لا شئ هام، مازال يستوعب الأمر وعندما يدرك بأني لا امزح بشان الأمر سيرضخ لمطالبي"

فركت أصابعها بتوتر اثر ما قد يحدث لوالديها وتسائلت بحذر: "و الملك ألكسندروس ماذا فعل بوالدي، هل رضخ للأمر الواقع بدون أخذ أي تصرف؟"

تردد من أن يخبرها ولكن لعلها تريحه من عناء التفكير: "هذا ما أعجز عن فهمه يا صغيرة، مملكتك لا يظهر عليها أي من علامات الحداد بل تملئها الولائم و خيرات ألكسندروس والجميع يقول بأنك الآن في قصر الطاغية"

"ماذااااااا".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي