الفصل7

انتهت من تمشيط شعرها ولم تجد لديها رغبة في اثارة استفزاز ريموس لذلك ارتدت ثوبا محتشما مقررة الذهاب إلى ميرال كي تتسامر معها فهي أصبحت خير رفيق لها في هذا القصر الموحش، غادرت غرفتها واثناء متابعة طريقها لاحظت همهمات الخدم فعلمت أن هناك شيء جديد قد حدث فاتجهت ناحية مجموعات من الخادمات مردفة بتعالٍ : "أرجو أن تخبرنني بسبب تجمعكم المثير للريبة هذا، أي مصيبة حلت على رأسنا الأن؟"

انحت الخادمات تحية لها و أجابتها احداهن بإحترام: "كل خير يا أميرة، لقد بلغنا الحارث بأن الأميرة سيلفيا من مملكة روتريس قادمة مساء الغد وكنا فقد نوزع الاعمال بيننا كي نحسن استقبالها"

تسائلت روز بتوجس: "وما المناسبة يا ترى؟"

أردفت الخادمة بلباقة: "لا نعلم سيدتي ولكن كل ما وصل الينا هو أن الأميرة ستطول اقامتها لذلك يجب أن نجهز لها جناح لائق"

تملك الغضب من روز وغادرت مسرعة قاصدة جناح اخيها مقتحمة اياه بدون أدنى درجات التحضر وقد كانت تعني الأمر ثم وقفت امامه منفعلة: "لا يعقل أن تصل بك الجرأة ألكسندر وتفعل مثل تلك الفعلة المشينة"

نظر الى حارسه مشيرا له بأن يغلق الباب ثم اعاد بصره الى شقيقته الهوجاء مردفا بحدة: "كيف اتتك الجرأة على اقتحام خلوتي بتلك الطريقة المشينة يا أميرة، لقد بالغت حقا في تدليلك حتى أصبحتي مفتقدة لأدنى درجات التهذيب"

حملقت به غير مصدقة لتبجحه معها بعد فداحة فعلته، بادلته نظراته الحانقة وأردفت بغضب: "اتسألني كيف أتتني الجرأة؟، بل أنا من يجب أن أسألك هذا السؤال"

ألكسندروس بنفاذ صبر: "هلا ألقيتي ما في جعبتك مرة واحدة لأن صبري أوشك على النفاذ وأفكر ماليا في جعاك تقضين ليلتك في سجن أرتوس"

تجاهلت تهديده الواضح وتابعت مشتعلة: "بالطبع الملك العظيم ألكسندروس قاهر قلوب الحسناوات يأبى الرفض لدرجة أنه عندما لاحظه في احداهن قرر جلب أخرى لإغاظتها دون مراعاة لوضعة ومكانته"

ألكسندروس بإنفعال: "روووووز، راقبي كلماتك جيدا كي لا تخسرين لسانك"

الغضب أعماها لا بسبب سمعة المملكة بل لأن الأمرمهين لصديقتها الحالية وهي لن ترضى لها هذا، لذلك اقتربت منه غير ابهه لنظراته القاتلة ورفعت رأسها كي تقترب لمستوى طوله وأكملت بهمس قاتل: "أتحدث عن جلبك لأميرة مملكة روتريس الى هنا رغم علم جميع الممالك بإستضافتك لميرال مما يعني صفعة واضحة لكرامة مملكة الجليد"

عقد حاجبيه بخشونة مردفا: "من تكون ميرال، ومن أرسل لإحضار أميرة من روتريس"
صمت ثوان ثم تابع صارخا: "ما الذي يحدث في مملكتي واللعنة؟!"

ارتجفت من صراخه وباتت غير قادرة على تقدير الأمور فأردفت بتوتر: "ميرال هي ليليان ولكنه كنية لها، أما بشأن أميرة روتريس فقد ظننت بأنك من أحضرها الى هنا فمن غيرك يحق له اصدار قرار كهذا"
وقع صدى سؤالها على عقلها وقعا مخيفا فهناك شخص واحد فقد يُعطى له الحق لفعل هذا الأمر من بعد ألكسندروس وما أكد لها استنتاجها هذا هو نظرته الآن لذلك فاللعنة وألف لعنة اذا كانت ما تفكر به الآن قد حدث.


"مملكة الجبل الأبيض"

أخذت تدور ذهابا وإيابا في غرفتها تحاول استيعاب ما اخبرها به شاتاي، من التي ذهبت الى قصر ألكسندروس أم هي مجرد حيلة اتفق عليها الطاغية مع والدها كي يستطيعا ارجاعها، كم تتمنى بداخلها أن يحدث هذا ولكن من تخدع فالحظ لم يكن بحليف لها يوما، أدركت الآن بأنها تحتاج الى الخروج من هذا المكان أكثر من ذي قبل لذلك أسرعت بأخذ عقدها وسارت بهدوء الى الفناء الخلفي وعندما لمحت ضالتها اتجهت اليها على عجالة واردفت: "جيد انك اتيتي في موعدك رينا"

رينا والتوتر يظهر جليا على محياها: "هيا بسرعة قبل ان يرانا احد"

وضعت ليليان يدها داخل جيبها وأخرجت العقد وقبل أن تهم رينا بإلتقاطه أبعدته عنها مردفة بإصرار: "عندما أضمن بأني خرجت من بين الجبال سالمة سأعطيه لك غير ذلك لا تطمحي"

رينا بإستسلام: "حسنا يا أميرة، استعدي خلال اسبوعين و سأخرجك من هنا"

ليليان بإستنكار: "اسبوعين!!!"

التفتت رينا يمينا ويسارا للمرة المائة كي تتأكد من عدم وجود من يتبعهم ثم اومأت بالإيجاب: "نعم اسبوعين كي اضمن بأن أحصل لك على يوم مناسب يكون به البقية ملتهين في اعمالهم، اذا كشف أمرنا سنعاقب أشد العقاب لذلك يجب توخي الحذر"

زفرت ليليان بقلة حيلة فلا يسعها سوى الموافقة: "حسنا سأنتظر منك خبرا"
ثم عاد كل منهم أدراجه وأخذت ليليان تفكر يحال والديها ومملكتها آملة لهم كل الخير.


"مملكة سندروس"

لم تطل الأمر واندفعت متجهة الى حظيرة الخيول حيث اخبرها احد الحراس بوجوده هناك، لمحته واقفا كالعادة بشموخه الملحوظ يربط على ظهر فرسه الأسود الجامح، وقفت امامه وعقدت زراعيها امام صدرها وأردفت بحنق: "من الذي أمر بإحضار الأميرة سيلفيا؟"

تابع ادخال فرسه وأغلق عليه ثم أردف ببرود: "مساء الخير لك أيضا"

زفرت بضيق من تجاهله: "سأكرر سؤالي ريموس رغم أن الأمر يزعجني، من الذي أمر بإحضار الأميرة سيلفيا؟"

ريموس بجمود: "أنا من فعلتها"

ابتسمت روز ساخرة: "وما المناسبة؟"

اقترب منها مقتحما مساحتها الشخصية ورفع حاجبه مردفا بدنائة: "لأنها ستكون زوجتي، والآن اعذريني يا أميرة لدي زوجة يجب أن أحسن استقبالها"

شعرت بدلو مثلج يصب عليها في تلك اللحظة، راقبت ملامحه جيدا كانت جادة جامدة يشوبها نظرة خاصة من التشفي، لا تصدق بأن هذا الرجل الواقف أمامها هو ذاته من كان يمطرها بكلمات الغزل والعشق راجيا ولو مبادرة بسيطة منها، ظلت تتسائل بداخلها أيعقل أن كان كل هذا مجرد خداع وأن الماضي يعيد نقسه من جديد، عند تلك النقطة هاجت الأنثى البربرية بداخلها وقطعت الخطوة الفاصلة بينهم حتى باتت ملتصقة به بالكامل ثم رفعت رأسها بشموخ وأردفت بشراسة: "ما هذا الهراء الذي تتفوه به الآن، هل نسيت بأني خطيبتك وقريبا سأصبح زوجتك أم ماذا"

تشنج فكه من اقترابها المثير ونبرتها المتملكة المهلكة ولكن لم يدع الأمر يؤثر به وتابع المضي فيما نواه بأكثر الطرق إيلاما: "كنت على وشك إخبارك يا أميرة بقراري لفسخ خطبتنا ولكن سبقتني، أيا كان فالمحصلة واحدة"

تسارعت وتيرة أنفاسها هدرت بغضب: "ما الذي تهذي به ريموس، منذ متى تتمنى النيل من امرأة غيري ومتى كنت تنوي اخباري هل عندما تنجب تلك اللعينة طفلك الأول؟!"

اذا كان لديه رغبة ضئيلة بضمها الى صدره فقد تلاشت الآن بعد تبجحها بحقيقة ضعفه تجاهها، نظر لها شذرا ثم ابتسم ابتسامة قبيحة نادرا ما كان يظهرها لها ثم أردف بجمود: "سأذهب الآن لإستضافة سيلفيا وسأعمل على توفير سبل الراحة لها في القصر، واذا نجح شيطانك في اغوائك وزين لك أن تأججي راحتها سأذيقك ألوانا من العذاب سبق لكي تجربتها من قبل"

تملكها الألم لكلماته ليس فقط بسبب دفاعه المستميت عنها والذي كان يخصها به بل لأنه تعمد تذكيرها بما جاهدت لنسيانه، رفضت الاستسلام والخضوع لكلماته المهينة فنظرت له بكره مردفة: "لو ظننت بأنك تهينني بتلك الطريقة او تدفعني للموافقة على تعجيل الزواج بك فانت مخطئ، هنيئا لك بتلك الحثالة فهي تناسبك"

اندفعت تنوي الغروب عن وجهه ولكن وقفت كالصنم عندما سمعته يقول: "بالطبع تناسبني فهي أميرة ذو نسب عريق، ليست مجرد منبوذة غير مرغوب بها متطفلة على ما ليس بملكها"

رغما عنها تملكت منها ارتجافة لازمتها لفترة ليست بهينة، سمعت صوت لعناته وسبابه وكانت متأكدة من انه يوجهه لنفسه الآن ندما على ما قاله ولكن لقد فات اوان الندم، شعرت بإقتراب خطواته فتركت العنان لساقيها وسارت مسرعة قاصدة القصر فلن تسمح له برؤية ما سببه لها من عبرات فهي لم تخفي خوفها وضعفها طوال تلك المدة كي تستسلم الآن وتلقي بهم امامه، حاولت التماسك قدر المستطاع ولكن خانتها الدموع الثائرة بداخلها والتمعت عينيها من شدتها رغم مجاهدتها لمنع هطولهم، زادت من سرعتها وأطرقت رأسها الى الأسفل كي لا تراها احدى الخادمات وتصبح كالعلكة في أفواههم.
غشاوة الدموع فوق اعينها بالاضافة الى سرعتها جلعوها لا تدري اين تسير فاصطدمت بشخص امامها وملمس جسده ينبأها بأنها فتاة ومن المرجح انها احدى الجواري وانها على وشك أن تُفضح الآن ولكن تبدد خوفها حينما وصلها صوت ساخر بات محبب لها سماعه: "أعتقد روز بأننا في حاجة لأحد يرشدنا أثناء سيرنا فنحن كالثور الجامح نسير بلا هوادة أو تعقل"

لم يصل لها أي اجابة من روز فقلقت ميرال على رفيقتها ومدت أناملها الرقيقة كي ترفع وجهها وهالها ما رأته، فالأميرة الماكرة الصلبة تبكي بحرارة مما ينبأ بحدوث كارثة.
وضعت يدها على فمها بذهول وعندما لاحظت ظهور مجموعة من الجاريات قادمات من الخلف اسرعت بجذب يداها واتجهت الى غرفتها كي تعرف منها سبب بكائها، بمجرد أن أصبحا بمفرديهما داخل الغرفة جذبتها ميرال الى احضانها هامسة: "اطلقي العنان لعبراتك روز كي ترتاحي، لا داعي لأن تظهري طبعك الحجري، ترفقي بحالك ثم افتحي قلبك لي عزيزتي"

شعرت بالإمتنان لما تفعله ميرال ولأنها لا تضغط عليها وبالفعل بكت وانهارت كما لم تفعل من قبل، لاتعلم كم دقيقة مرت ولا تجد بداخلها رغبة للتوقف ولكن قاومت الشعور بالعجز اخيرا واردفت بضعف: "انا بخير ميرا، انا حقا بخير"

نظرت لها ميرال بتوجس فهيئتها لا تدل بتاتا على كونها بخير ولكن فضلت ألا تجادلها في هذا الأمر واصطحبتها الى التخت أمامهم وبعد أن جلس كلاهما أردفت بحذر: "اذا أردتي ان تخبريني بما حدث فأنا امامك واذا لم..."

قاطعتها روز بثبات: "سأخبرك، فلا يوجد سواك كي أخبره رغم ثقتي بأنك لن تتفهمي كلمة مما سأقوله فهو أبعد ما يكون عما عايشته"

ميرال ساخرة: "ستتفاجئين حقا اذا علمتي ما عايشته، ولكن على كل حال هيا اخبريني ماذا حدث؟"

لم تفهم ما تعنيه ولم تهتم لذلك، وجدت نفسها مسحورة تخرج مافي جعبتها بدون تمرد أو مماطلة كعادتها، وجدت نفسها روز الحقيقية: "تركت طفولتي لدي ندبة من العار يصعب محوها فأنا مجرد ابنة غير شرعية نتيجة نزوة لحظية، ورغم اعتراف والدي بي و تنصيبي كأميرة ولكن نلت منه معاملة الخدم حتى مماته، وقبل ذلك أعلن خطبتي بدون أن يكلف نفسه عناء مشاورتي في الأمر، فمصلحته كانت تقتضي ابعاد خطر ريموس عن طريق جعله نائبا للملك وزوج لشقيقته، فقد لاحظ قوته وبسالته والتفات الجنود من حوله فشعر بالرعب من ان يحدث ريموس انقلاب داخل المملكة ويطالب بالعرش بصفته الابن البكر لعمي والذي كان من المفترض ان يرث العرش لولا وفاته، ذلك يعد ملخص بائس لحياتي المزرية"

شعرت ميرال بأن قلبها على وشك الخروج من مكانه وصوت نبضاته خير دليل على ذلك، لم تتوقع ذلك الشبه الرهيب بين حياتها وحياة روز المتعجرفة، تمالكت نفسها ومدت يدها واحتوت كف روز بحنان ثم اردفت بعقلانية: "أتفهم ما عانيته أكثر مما تتوقعي، ولكن كل هذا من الماضي فالآن ليك شقيق يهتم لأمرك وحبيب يعشقك حتى ولو كان تعارفكم لم يتم بطريقة مثالية"

روز بنبرة تمزج بين السخرية والألم: "أحببته ميرال، أحببته أكثر مما ينبغي رغم يقيني من رؤيته لي كأميرة من الدرجة الثانية، حاول ايهامي بعشقه لي و بأني مكتملة بالنسبة له وصدقا كدت أن أنخدع وأسلمه نفسي بكامل إرادتي ولكن الخداع حباله قصيرة فقد مل من إدعاء الأمر ووجد لنفسه أميرة ذو شأن وفسخ خطبته مني"

كانت ميرال تتألم بنفس مقدار ألم الأخرى أو أكثر، ورغم ذلك رق قلبها وقررت التهوين عليها والتهوين على روحها المكسورة في آن واحد: "انتي أفضل وأقوي امرأة عرفتها في حياتي، هو الخاسر حبيبتي ليس انتي فقد تنازل عن جوهرة مشعة لأنه لم يستطع احتمال لمعانها ليس إلا، لا تسمحي له أو لغيره بأن يحط من قيمتك وكوني واثقة بأنه لن يكسر روز إلا روز ذاتها، لذلك لا تكوني عونا له على نفسك"

كان لكلماتها فعل السحر وكأنها نابعة من أعماق قلبها مما هدأ من روع روز وأعاد إليها بريقها ولكن حقيقة أن ريموس سيكون لغيرها مازالت تؤلمها، ابتلعت ريقها ببطئ وأردفت بحقد: "انتي محقة، ولكن لن أدعها تناله بتلك السهولة فإن لم يكن لي لن يصلح لغيري"

ميرال بخبث: "أجد من العار تذكيرك بذلك فأنتي الخبيرة ولكن لا أمانع الأمر"
نكزتها ميرال مشاكسة اياها ثم تابعت بنفس النبرة الخبيئة: "قومي بإغوائه فأنا واثقة من أنه سيخر صريعا ولن يتحمل، فوجهي انقلب إلى ألوان الطيف لمجرد بضع كلمات ألقيتها علي فما أدراك بمن ستنفذ عليه تلك الكلمات عمليا"

تنهدت روز ببرود غير مبال ثم أجابتها بإصرار: "لن أرخص من نفسي أمامه فسبق وفعلتها وندمت"
ثم تابعت بمكر: "ولكن سأعيده مهما كلفني الأمر حتى لو اضطررت لقتل تلك اللعينة سيلفيا أميرة روتريس".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي