الفصل الثاني

دخلت (روز) إلى عالم الرواية لتصبح هي نفسها (ماريت) لكي تبدأ رحلتها الخاصة لتعيشها كما تشاء.

قد وجدت نفسها في زمن العشرينيات تعيش بشخصية (ماريت) الصغيرة برفقة جدها (ديفيد) وجدتها (كارين) لم تأخذ (روز) وقتًا كبيرًا لاستيعاب ما يحدث معها فهي الآن قد تأكدت من أنها لم تعد (روز) إنما هي (ماريت) الآن.

أدركت أنها قد دخلت لعالم الرواية ولا مجال لتغيير ما حدث.

دعونا نكتشف سويًا هل استطاعت أن تغير أحداث الرواية كما أرادت أم أنها ستفشل؟

"لكن قبل البداية انتبه عزيزي فسوف تسافر معي لأحداث المستقبل البعيد وأحداث من الحاضر مع بعض الذكريات في زمن الماضي لأن كل تلك الأحداث مترابطة مع بعضها بشكلٍ غريب."
.....
أحداث من المستقبل البعيد.
.....

ظهور (الحارس لوسيان الأسود)، اشتدت حرارة الجو بالغرفة فجأة!، صوتٌ من خلفه يكاد لا يُسمع!.

همهمات غير مفهومة، وهمسات تكاد لا تُسمع.

ففي ظلمات الغرفة المتهالكة التي لا تحمل من الأثاث سوى القليل رجل ناهز من العمر الستين.

يجلس (ديفيد) ذو اللحية البيضاء على كرسيه الخشبي الذي يصدر صريرًا كلما تحرك فوقه؛ وهو يردد بعض الكلمات الغير مفهومة إلا للقليل.

يتصبب العرق فوق جبينه من شدة حرارة الأجواء بالغرفة بالرغم من أنها ليلةٌ من ليالي الشتاء الباردة جدًا حيث تساقطت الثلوج البيضاء معلنةً عن بداية رأسِ السنةِ.

فجأة! ومع سكون الليل المرعب توقف كل شيء.

كأن الوقت قد تجمد مع توقف عقاربِ الساعة المعلقة على الحائط المتهالك، وقد ظهرت رائحة غريبة ملأت أجواء الغرفة.

فهي رائحة تشبه رائحة الكبريت مختلطةً برائحة تشبه تلك التي تنبعث من احتراق اللحم عند شوائه.

تعلقت عينا العجوز (ديفيد) على زاويةٍ من زوايا الغرفة المظلمة؛ يتفحص بعينيهِ المنهكتانِ الشباك الخشبي المتهالك التي قد تكسرت بعض أجزائهِ بمرور الزمن تاركةً الضوءَ يعبر خلالها مظهرةً بعض التفاصيل الباهتة من الغرفة.

_ضوء القمر ساطع الليلة يا (ديفيد)!.

ضحكات متكررة تعالت من صاحب الصوت الجهوري الواقف بالزاوية.

(ديفيد) قائلًا:

_من هناك؟.

ثم أمعن بنظره مرة أخرى، وإذا برجل أسود عظيم القامة يكاد (ديفيد) لا يَرى ملامحه من ظلمة الغرفة وطول قامته.

ذاك (الرجل) يمسك عصا خشبية تعلوها جوهرة سوداء يصدر منها بريق لامع مستندًا عليها.

يلبس ثوبًا غريب المظهر لكنه قد صُنع من أجود الأقمشة وتبدو عليه ملامح الوقار.

برغم غرابة مظهره ووجهه الشاحب.

وقف (ديفيد) ليتقدم بخطواته متجهًا نحو الرجل الغامض القابع بزاوية الغرفة.

تسارعت دقات قلب (ديفيد) متقدمًا نحوه محاولًا أن يتعرف على ذلك الشخص الذي اقتحم عزلته في بيته الخاص.

توقف (ديفيد) فجأةً عن التقدم؛ ممعًنًا النظر فيه مستنكرًا ليقول:

_أنتَ؟..أنتَ؟.

أخذَ (ديفيد) يردد كلماته الغير مفهومة غيرَ مصدقٍ لما يراه.

فرك عينيهِ الكهلتين قائلًا:

لوسيان الأسود!.

وبغضب شديد رفع يديه ممسكًا بثوب (لوسيان الأسود) من ياقته مرددًا:

_ما الذي جاء بك الآن؟ أخبرني!، تعلم أنه ليس مرحبًا بك هنا أيها الملعون أتتجرأ على اقتحام خلوتي!؟.

يدا (ديفيد) ترتعشان رغم ثباته الشديد، تكاد تنقطع أنفاسهُ المتعالية، يتصبب عرقًا ليس من شدة حرارة أجواء الغرفة إنما من تسارع دقات قلبه الذي إذا كنت واقفًا إلى جواره تسمعها وبوضوحٍ شديدٍ.

تلعثمت كلمات (ديفيد) مكملًا ما بدأ من همهمات غير مفهومة.

لكن واضح أن (لوسيان الأسود) يفهم جيدًا ما يهمهم به (ديفيد) من كلمات.

ارتفع صوت (ديفيد) مرددًا كلماته بكل ثبات بعد تلعثمه من ارتباكه لظهور (الحارس الأسود لوسيان).

وما هي إلا لحظات من ترديده لكلماته حتى تعالت أنّات (لوسيان الأسود) وهو يردد غاضبًا من (ديفيد) مخفيًا آلامه:

أنت من نقضت عهدنا أنسيت؟ أم قد أَصابك الهرم؟،
أنتَ هالكٌ لا محالة.

لن تحميها من المحتوم صدقني.
فغرورك لن يفيد.

_هي لنا يا أحمق.

أتظن أنك سوف ستردعني بما تردد؟.
نحن من علمناك كل علومك (ديفيد) أنسيتَ (لوسيان الأسود حارس مملكة دوران)؟.

أتظن أن المَرَدَة من الدورانيين تردعهم كلماتك الساذجة؟.

(لوسيان الأسود) مكملًا كلامه:

_اسمع تعلم أني لم آتِ إليكَ معاتبًا أو زائرًا، إنما أتيت محذرًا يا صديقي القديم، أم أُناديك (بالعجوز اللئيم) لا يهم الآن انتهى وقت العتاب منذ زمن بعيد.

استمع لكلماتي جيدًا أنتَ تعرف حق المعرفة لو أردنا من زمن بعيد لعاقبناك على أفعالك في التو واللحظة.

إنما أمهلناك لترجع إلى صوابك، هذا إذا أردت الحفاظ على حياتك الرتيبة.

وبابتسامةٍ خبيثةٍ قال (لوسيان الأسود):

مكملًا كلماته بصوتٍ جهورٍي تَظهرُ فيه حدةَ القولِ:
"تركناك لأجلها، فبعهد الدمِ المحفورِ عندَ صخرةِ الصفاء المقدسة والأقسام المبرمة بالخواتيم المظفرة للملك دوران المعظم تذكر كلماتي جيدًا، الصغيرة (مارينت) لنا."

أم تريدني أن أناديها بالأميرة الهامسة؟.

فهي للملك وريثة، فبعد أن أتمت عامها العاشر بدأت مراسم التحضير لانتقالها بيننا يا (ديفيد).

(لوسيان الأسود) مكملًا كلامه قائلًا:

_قد بدأت اختامها بالظهور منذ كانت رضيعة، ولقد أقبل المحتوم فهو واقع لا محالة يا (عزيزي)،

فلقد تبقى لها ستٌ وتسعون قمرًا يا (ديفيد) على بلوغها سن الثامنة عشر أتسمعني؟ ستٌ وتسعون لتكتشف من تكون حقًا أتعتقد أنها ستسامحك؟،

فإن لم تتقبل الحقيقة وتُنْهِي ما بدأت ستلقي حتفكً أنتَ وكل ما تبقى لك من عزيز على قلبك صدقني
ولن تُغَيِرَ من الأقدار شيئًا.

وبضحكات مغرورة وصوت غاضب يردد (لوسيان الأسود):

فماذا أنت فاعل يا مسكين؟ سوف تكتشف كل شيء بنفسها قريبًا لنرى أي صف ستختار أميرتنا الجميلة سوفَ تبحث عن الحقيقة بنفسها؛ فمنذ ولادتها وهي مميزة عن أي بشرية.

هز (لوسيان) رأسه متمايلًا باستهزاء قائلًا:

_ دائمًا ما حاولتما أنت و(كارين) أن تخفيا عنها حقيقتها، يالكما من ماكرين.

وبصوت ضعيف يكمل (ديفيد) تعويذاته وقبل أن ينطق ببنت شفةٍ ليرد على كلام (لوسيان) عندها...

انكسر صمت الليل الرتيب بأصوات من رواق بيته؛

صوت أنثوي بالغ ينادي:

_(ديفيد) عزيزي هل أنت هنا؟، مع من تتحدث؟ يجب ألا نتأخر عن التحضيرات لحفل عيد ميلاد (ماريت) هيا بنا.

عندها استيقظ (ديفيد) من نومه، وهو مستلقي على كرسيه الخشبي بشرفة منزله الريفي البسيط.

ولسعات البرد تكاد تصيبه بالمرض من شدتها، فكر متناسيًا الأجواء الباردة وتساقط حبيبات الثلج الباردة حوله متذكرًا الحلم الذي رآه منذ قليل؛ ففي الحقيقة لم يكن مجرد حلم إنما هو إسقاط نجمي.

تفحص (العجوز) قلادته الخضراء الملتفة حول عنقه، وقد حفرت عليها رموز غريبة، وبمجرد أن يلمسها بأنامله يتبدل لونا عينيه للون الأزرق القاتم وتتوهج بشرته باللون الفضي اللامع.

في تلك اللحظات قد علم (ديفيد) أن المحتوم قادم، فقد فشلت كل محاولاته التي قام بها لإخفاء حفيدته (ماريت) ذات السبعة عشر عامًا.

أخذ يفكر طويلًا حتى دق جرس هاتفه النقال نظر إليه ملتقطًا إياه بصعوبة فقد تجمدت أوصاله من شدة البرد.

رد على الاتصال قائلًا:

_مرحبًا (كارين) ماذا تقولين؟ أنا قادم في الحال.

أغلق الاتصال ويداه ترتعشان، أحس بألم في يده اليسرى نظر إليها وإذا بخاتم (دوران) المحفور على شكل عين يظهر من جديد على ساعده الأيسر، قد عاد للظهور من جديد معلنًا عن بداية النهاية.

انطلق لغرفته أحضر مفتاح سيارته، وهو يمسك ورقة قديمة بين يديه.

نظر للورقة لوهلة ثم وضعها في جيبه بحرص شديد.

اتجه نحو سيارته بسرعة ليذهب إلى (كارين) التي كانت ولا تزال تدق على هاتفه عدة مرات.
يتبع...
...........

عودة سريعة للماضي البعيد بداية قصة الجد (ديفيد) ونشأته...

عام ألف وتسعمائة واثنان وستون مِيلَادِيًّا.

مقاطعة (كاسيو) تحديدًا حي (شارلز).

صمم هذا الحي الراقي ولم يكن فيه الكثير من السكان لذلك اعتبره الجميع مخصصًا لعلية القوم من الخواص فلا يسكنه سوى الأمراء ورجال الدولة والأعيان.

فعلى بعد خمسة منازل من مقدمة الحي بيت هادئ يتكون من طابقين.

بُنى على الطراز الرفيع، وفي مقدمته بضع درجات لسلالم من حجر البازلت القيم.

فُتِحَ باب البيت المصنوع من خشب الأرز الأصلي ليخرج منه السيد (كريس) ذو الثلاثين ربيعًا ومعه زوجته الجميلة (إليز) ذات العشرين ربيعًا والتي ظهرت عليها علامات الولادة فقد حان شهرها لتضع مولودها.

اتجه (كريس) ليحضر سيارته التي كانت على أحدث طراز بهذا الوقت، ثم أدخل (إليز) إلى السيارة وهو يُطمئِنُها:

_ لا تقلقي "عزيزتي.

العجيب في الأمر أن (كريس) كلما أمسك بيدها اختفى الألم من جسدها حتى أنها ظنت أنه ما هو إلا ألم عابر، وكأن (كريس) يمتص الألم منها..

لكنها لم تعطِ للأمر اهتمام بل انشغلت بمولودها الذي حان وقت وصوله.

انطلق (كريس) بسيارته متوجها للمشفى.
وما إن وصلا حتى استقبلتها مساعدات الطبيب وقمن بأخذها لغرفة الولادة.

وما هي إلا بضع دقائق حتى انطلقت صرخات الرضيع معلنةً عن وصوله، فقد وضعت (إليز) مولودًا فائق الجمال.

توجه (كريس) ليطمئن على زوجته وولده الرضيع.

اقترب منهما ثم حمل الرضيع بين ذراعيه هامسًا بأذنيه:
_مرحبًا عزيزي (ديفيد) سليل عائلة دوران النبيلة مرحبًا بالأمير الصغير.

وهمهم بكلمات غريبة لكنها كانت مسموعة.

قالت له زوجته (إليز):

عزيزي فسر ما تمتمت به أشعر أنك في غالب أوقاتك تتكلم بِلُغَةٍ غريبة جِدًا.

تمهل (كريس) قليلًا بالرد عليها ثم أشاح بناظريه عن (ديفيد).

مغيرًا مجري الحديث قائلًا:

_(إليزتي) الجميلة ألا ترغبين بأن أُرِيَكِ أجمل هدية بمناسبة ولادتك لأميرنا على خير؟.

ابتسمت وهي تنظر لعيني زوجها التي لاحظت تغيرهما كالعادة، حيث تصبحان أكثر قتامة حين يهمس بتلك الهمهمات الغريبة.

قالت (إليز):

_ مخفية لحزنها أجل بالطبع يا عزيزي
(كريس) فأنا أرغب برؤية هديتك، فلطالما جلبت لي أندر الهدايا ولم تبخل علىَّ يومًا إلا بأسرارك الغامضة تلك.

أنزل (كريس) الرضيع إلى جوار أمه على السرير بكل حرص، ثم اعتدل واضعًا يده في جيبه ويده الأخرى على ذقنه الأشقر يحكها، وهو فاقد لتركيزه وكأنه في عالم آخر لا يراه سواه.

ثم أخرج علبة مزخرفة من جيبه وقدمها لزوجته (إليز) التي لا يقدر على فراقها أبدًا، فالجميع يعلم مدى حبه الشديد لها.

جلس إلى جوارها ممازحًا:

_ (إليزتي) أعلم حَقَاًّ أنكِ حزينة لعدم ردي على تساؤلاتكِ تلك ولكن (حبيبتي) هي مجرد تمتمات تعودت على ذكرها منذ صغيري لا أكثر فلا أسرار أخفيتها عليكِ يا وردتي الجميلة.

قال كلماته الجميلة لها مقبلًا يدها البيضاء الناعمة.

ابتسمت (إليز) ضاحكةً لتقول بهدوء:

_أعلم أنكَ تخفي الكثير لكن كلامك المعسول ينسيني كل أحزاني.

حملت العلبة بكلتا يديها تتأملها بعناية فائقة.

قالت متعجبة:

_يا إلهي! هذه العلبة قد رأيتها في حلمي منذ بضعة أيام وهي بنفس وردة التوليب تلك.

_ كيف هذا؟.
قالتها متعجبةً!.

مكملةً كلماتها:
فأنا أعلم ما بداخلها؛ بها قلادتين؛ واحدة لي فضية اللون بها حجر أحمر نقشت عليها زخرفة كتلك التي على خاتمك يا (عزيزي).

والأخرى قلادة خضراء لصغيرنا (ديفيد) عليها نقش آخر إنما مختلف عن نقشنا!.

ابتسم (كريس) وهو ينظر لخاتمه المميز ليقول:

_هيا يا (إليزتي) افتحيها لنرى مدى دقة أحلامك الغريبة.

فتحتها (إليز) لتصدم مما رأت!.

...يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي