الفصل الثالث

في الزمن الحاضر بداية تسارع الأحداث مع (ماريت)

(ماريت) بعمر العاشرة... (حلم غريب)
......

همس الجد (ديفيد) بِأُذُنَي (ماريت) النائمة قائلًا:

-هيا استيقظي أيتها الكسولة، فاليوم عيد مولدك يا ابنتي.

فتحت (ماريت) ذات العشر أعوام عيناها الزرقاوان
قائلة:
-جدي اتركني لأنام قليلًا أرجوك أنا مرهقة.

توجه الجد لشباك الشرفة الصغيرة ليزيح غطاءها، ويرد عليها قائلًا:

-قلت لك هيا لقد حَضَرْتُ لكِ مفاجأةً رائعة.

اعتدلت (ماريت) في جلستها بسرعة وهي تنظر لجدها الذي ابتسم لسرعة نهوضها بعد كلماته.

لتزيح الغطاء الشتوي الذي يغطي جسدها الصغير وهي تقول:
_أجل يا جدي أنا قادمة في الحال وهي تضحك ضحكاتها الطفولية.

مدت يديها الصغيرتين لتلملم شعرها الناعم وهي تقول:

-(جدي) أنا لم أسمع همسات الليلة أظن أن خيالاتي قد توقفت أخيرًا.

ثم تابعت:
_لقد حلمت اليوم بحلم غريبٍ جدًا، حتى أنني قد رأيت علامة غريبة على يدي وقتها...

قاطعها (ديفيد):
-أي علامة تقصدين؟ أتستطيعين وصفها؟.

ردت بكل براءة:
-علامة كتلك التي على ساعد يدك الأيسر يا جدي، لقد كنت أرها منذ زمن، ولكن لم أُرد أن أسألك عنها يبدو أنها وشم مميز عندك.

نظر(ديفيد) لحفيدته وهو يقترب منها وملامح القلق بادية على وجهه العجوز.

أمسك بكتفيها وهو يهزها قليلًا
_(ماريت) أترين العلامات التي على جسدي الآن؟

-احكي لي الحلم في الحال هيا.

أصيبت الصغيرة بالزعر من ردة فعل جدها رغم أنه مجرد حلم عابر، لكن جدها يبدو عليه القلق الشديد.

حاولت الصغيرة طمأنة جدها وهي تحضنه قائلةً:

-ماذا بك يا جدي؟.
-لا تقلق إنه مجرد حلم عابر!.

ثم تابعت حديثها وهي تهز قدميها الصغيرتين التي لا تكاد أن تصل إلي الأرض لقصر قامتها، وهي جالسة على طرف سريرها الصغير.

-لقد رأيت في حلمي بأنني في مكان غريب جدًا لم أرى له مثيلًا من قبل يا جدي.

-كان كالقصور القديمة وبه باحة واسعة ممتلئة كلها بالأشجار المزهرة، كان المكان مضاءً بنور القمر.

-أخذت استطلع المكان وأنا أسير، حتى وصلت لقاعة واسعة جدًا بها بوابة حجرية قديمة كتلك التي رأيناها معًا عندما قمنا بزيارة الآثار القديمة،

وبمنتصف تلك القاعة رأيت صخرةً حمراء عظيمة لونها كلون الدم يا جدي؛ فكانت تلك القاعة ملتفة بالأعمدة الرخامية لكن لا سقف لها وتبدو السماء جلية منها.

وفي أثناء حديثها يخرج (ديفيد) منديلا قماشيًا من جيبه ويمسح به العرق الذي أخذ يتساقط من جبينة كلما أكملت (ماريت) حديثها عن الحلم الذي رأته.

(ماريت) مكملةً حديثها:
-الغريب بالأمر يا (جدي) أن تلك الصخرة كلما اقتربتُ منها سَمعتُ همسات تعلو كلما دنوت منها لكنِّي لم أفهم ما أسمع كالعادة،

فهي بلغة غريبة أو ربما هي بلا معنى مجرد همهمات من خيالاتي.

"وعندما اقتربت أكثر رأيت كرسيًا حجريًا بجوار تلك الصخرة الحمراء، لقد كان يجلس عليه رجل."

قاطعها (ديفيد) "مستنكرًا أي رجل؟

"هو غريب المظهر فلم أره من قبل يا جدي، فهو يشبه الأبطال الخارقين."

قالتها (ماريت) وهي مبتسمة:

-لقد كان طويلًا جدًا من شدة طوله لم أكن أتمكن من رؤية وجهه، لكنَّ عيناه واضحتان فلقد كانتا كلون السماء القاتمة يصدر منها بريق لامع،

كان جسده بلون سواد الليل الحالك يرتدي ثوبًا غريبًا كأنه من آلهة الإغريق الذين أخبرتني عن وصفهم في حكاياتك لي عنهم مذ كنت صغيرة.

ثم توقفت عن الحديث قليلًا كأنها مترددة بإكمال حديثها.

لا تدري هل هي مترددة؟ أم أنها لاحظت التوتر الشديد الذي أصاب (ديفيد).

فهي الآن لا تعلم أتكمل الحديث أم تُخفي عنه باقي التفاصيل التي مرت بها بهذا الحلم العجيب.

وما هي إلا لحظات حتى أحست (ماريت) بجدها يربت على كتفيها وهو يقول:
-(ماريت) ماذا حل بك؟.
-لماذا توقفت عن الحديث فجأة؟.

ابتسمت لتخفي ما بها من قلق على ما أصاب جدها فهي تحبه حبًا شديدًا.

ثم أمسكت بيده اليسرى فقد كانا جالسين إلي جوار بعضهما البعض على سريرها الذي وضع بإحدى زوايا الغرفة الصغيرة.

تنهدت قائلةً:
-لماذا أشعر دائمًا بأنك قلق على يا جدي؟.
-لا أعلم ما يقلقك لكن اطمئن فأنا بخير.

وأكملت حديثها:
-لقد حدثني ذلك الكائن الغريب بالحلم فلم أشعر بالخوف منه لاقترابه مني لقد كان وجوده مطمئنًا بالنسبة لي.

"ولقد أعطاني كتابًا عندما أمسكت بذلك الكتاب القديم فحصته لقد كان غلافه جلديا شعرت بأنه جد عتيق، فكان عليه ذلك الرمز الذي على ساعد يدك الأيسر.

-لقد وجدت كلمات إلي جوار هذا النقش لم أفهمها فهي بلغة لا أعرف قراءتها، قلت له ماذا تريدد؟ وما فائدة هذا الكتاب؟ إن كنت لا أفهم بأي لغة كُتِبَ."

اقترب مني قليلًا حتى أحسست بحرارة جسده

-يا إلهى!
-لقد كان جسده حارًا جدًا.

-مد يده اليمني التي كان يرتدي فيها خاتمًا به حجر أسود محفور عليه رمز (عين) واضعًا إياها على مقدمة رأسي حينها شعرت بألم شديد في رأسي."

-اشتد الألم كثيرًا موضع يده، ولقد هممت لأبعد يده عني فلم استطع..."

"بجسدي كان ساكنًا لا يتحرك بإرادتي، وجدت يداي تتحركان إحداهما تحمل الكتاب الغريب والأخرى تتلمس نقوشه.

-لم يتوقف الأمر عند هذا الحد يا (جدي) إنما أخذت أردد كلمات غريبة لم أعهد قولها من قبل؛ لقد كنت أتحدث تلك اللغة الغريبة التي أسمعها من الأصوات الهامسة المنبعثة الصخرة الحمراء تلك."

-لكن الأغرب في كل هذا أنني قد تمكنت فعلًا من فهم ما كنت أقول من كلمات.

نظر إليها (ديفيد) وكأنما يسألها أن تكمل حديثها دون أن تتوقف.

-فأنا أتذكر هذه الكلمات جيدًا يا (جدي)، فلقد شعرت بأنها حفرت على جسدي، حينها أحسست بألم شديد كأن أحدهم ينقش وشمًا على جسدي وأنا لا أستطيع منعه عن ما يفعل بي.

-لقد خارت كل قواي، وأنا أحاول الابتعاد عنه فلا أنا استطعت أن أبتعد عنه ولا أنا استطعت أن أتوقف عن ترديد تلك الكلمات التي بدا جليًا لي أنه كلما نطقت بها أحسست بما يحفر على جسدي دون تفسير.

_حتى أنني أشعر الآن بألمها مرة أخري على جسدي .

انتبه (ديفيد) لحفيدته (ماريت) والدموع تتساقط من عينيها الزرقاوان.

فلم يتمالك نفسه وقام بضمها إلي صدره وهو يطمئنها لا عليك يا أميرتي الجميلة.

"لقد كان مجرد حلم عابر، ولن يتكرر مجددًا."

مد يده ورفع وجهها الصغير بيده لأعلى لكي يمسح دموعها.

لكــن ما رآه كان صادمًا له فلقد تجمد غير قادر على الحراك أو التحديث.

يتبع...

.....

العودة إلى زمن الحاضر.

في الأجواء الباردة وتساقط الثلوج بكثافة.

يقود (ديفيد) سيارته الرمادية الحديثة بسرعة فائقة غير مبالي بصعوبة السفر في مثل تلك الأجواء الصعبة.

وما إذا واجهته مخالفةٌ للسير، فالسرعة بالطريق مخالفة يعاقب عليها القانون وبشكل حازم.

بعد مرور نصف ساعة من السفر بالطريق دون توقف، وبالرغم من أن الوقت قصير إلا أن الوقت قد مرَّ على (ديفيد) كأنه دهر من الزمن.

وصل (ديفيد) لمنزله الذي يظهر عليه الغنى الفاحش.

نزل (ديفيد) بسرعةٍ كبيرة وقد قام بطرق الباب الأمامي للمنزل متناسيًا أنه يحمل المفتاح بجيب سترته الشتوية السوداء.

وبعد عدة طرقات رن الجرس باستمرار، فُتِحَ الباب الأمامي للمنزل.

إنها زوجته (كارين) وقد بدى على وجنتيها الحمراوتين وعيناها المرهقتان آثار البكاء والقلق الشديدين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي