الفصل الثالث

(اتفاق الدوقة)




وما إن نطقت الدوقة زوجة والد أدريان بالاسم حتى دارت الغرفة بسيسيليا، ثم فكرت ’إنه أدريان، يا إلهي! هل حقا أنا عالقة معه!! ولكن كيف لم أتعرف عليه في البداية، ممكن أن يكون بسبب تغير نوع الملابس وتسريحة الشعر و... أممم ... ربما بسبب أنه أصغر سناً!‘

"ولم ستحتاج لخادمة شخصية خرقاء كهذه!؟" قالت الدوقة.

رفع حاجبه بتسلط وقال:

"ربما هذا شأني الخاص يا زوجة أبي!"

"متعجرف" قالت سيسيليا، ولم تعلم أنها نطقت ذلك بصوت مسموع.

فالتفت إليها الجميع وشعرت بالإحراج. فقالت زوجة والده بلا مبالاة: "أما زلت تريد هذه الوقحة؟ ولكن كما تشاء طالما أنها لن تكون في وجهي"

وقف أدريان واتجه نحو باب الغرفة ليخرج، وكانت سيسيليا واقفة في مكانها متجمدة ومرتبكة ولا تعلم ماذا تفعل، وعندما وصل إلى الباب وقف وقال: "أسرعي"

نظرت نظرة أخيرة نحو ليا ووالدتها ثم لحقت بأدريان الذي كان مسرعاً بخطاه، وصلوا إلى غرفته ففتح الباب ودخلوا، لم يتحدث إليها وكل ما فعله هو التوجه إلى النافذة لينظر للخارج.

وقفت هي عند الباب تنظر له غير مصدقة، هذا أدريان كما وصفته في أول فصل من الرواية، لقد وصفت أنه كتوم ولديه جانب شرير نمى معه منذ الطفولة، ولكن الغريب أنها لم تصف عائلته وحياته، بل كان مشهدا مختصرا حينها لتقنع نفسها أنه شرير منذ الطفولة.

"كل ما أحتاجه منكِ هو أن تغطي غيابي وأن تساعديني في التسلل خارج القصر في فترة بعد الظهيرة"

صدمها من طلبه فقالت ببلاهة: "هاااه!"

رفع حاجبه وقال: "هل أكل القط لسانك؟"

علمت منذ هذه الثانية أنه بدأ في ممارسة شروره عليها، وعليها أن تردعه منذ الآن.

"حسنا، سوف أساعدك.. ولكن أنا أيضا لدي بعض الشروط"
"أتعتقدين أنك في موقف يسمح لكِ بوضع الشروط!؟"
ابتسمت بلؤم: "طبعا، وهل كنت تعتقد أنك الشخص الوحيد الذكي هنا؟"

ابتسم رغماً عنه فهو من النادر أن يبتسم ثم قال: "وما شرطك أيتها الطفلة الصغيرة!"

"أنا لست طفلة صغيرة، لا تناديني بذلك"
عقد يديه فوق صدره ورغم أنه طفل إلا أن شخصيته كانت قوية وتسيطر عليها وحتى وهي بعقلها الواعي والناضج حاليا.

"حسنا، ما هو شرطك!"

"أن تقص عليا كل ما يحدث هنا، أقصد قصة حياتك كلها"

نظر لها بعيون متسعة ثم ولأول مرة يضحك مثل هذا الضحك، لدرجة أن سيسيليا شعرت أنها المرة الأولى التي تراه فيها يضحك.

كانت مضطرة لهذا السؤال حتى تفهم وضعها وأين هي بالضبط ولم حدث كل هذا!!

"يبدو أن هيلقا كانت محقة عندما قالت أنكِ قد أصبت بالجنون!!"

ولكن التعبير على وجهها لم يتغير فعلم أنها تتحدث بجدية، فعبس وقال: "ولكن ماذا سأخبرك وأنتِ قد ولدتي في هذا القصر وتعرفين كل الأحداث والأمور التي تحدث!"

"ولكن.. زوجة أبيك قالت..."

"لا تهتمي لها، فبعد أن توفيت والدتي كانت والدتك حامل بك، وولدتك هنا، ولكن زوجة أبي طردتها فلم تستحمل والدتك الحياة الصعبة خارج القصر وخصوصا أن والدك كما تعلمين فقد في الحرب"

تذكرت سيسيليا أن والدها في العالم الحقيقي قد فقد في الحرب بالفعل، ولكن والدتها لم تمت بل هي تعيش في المستشفى بسبب إصابتها بمرض الزهايمر!!

أكمل أدريان: "اختفت والدتك بعد أن تركتكِ رضيعة صغيرة أمام باب القصر"

رمشت سيسيليا، هل يعقل أنها فكرت في كل ذلك في عقلها الباطن أثناء تشكيل الرواية؟ جعلت من البطلة الصورة التي تتمنى أن تكونها! وجعلت من الخادمة الضعيفة تشبهها بسبب ما تعانيه من ضعف ووحدة في حياتها الواقعية!!

لم تستطع سؤال أدريان أكثر من ذلك عن نفسها، لا تريد أن تثير الشكوك، ولكنها قالت: "وماذا عنك أنت؟"

أغمض عينيه بقوة وقال: "لا أرغب في التحدث عن الأمر"

"ولكن هذا ليس عدلاً، لقد وافقت على مساعدتك على شرط أن تخبرني" قالت سيسيليا.

نظر لها بغضب: "وبم يفيدك ذلك هااا؟"

شعرت بالخجل والإرتباك، هي تعلم أنه شخص كتوم ولكن اعتقدت أنه عند الطفولة سيكون الأمر أقل عناداً وإرباكاً.

قالت بصوت حزين: "حسناً، أنا آسفة!"

"يجب عليك ذلك"

صدمت من رده الفض وشعرت بالغضب منه، ولكنه لم يترك لها الفرصة للتساؤل فقد استدار وقال: "إنه مجرد عرض أقبلي به أو أرفضي واخرجي من القصر"

شعرت بالصدمة تتغلب على غضبها، لقد اعتقدت لثانية أنه انسان طيب، ولكن أسلوبه هذا كطفل يدل على أنه ليس بالشخص العادي.

في الأيام القليلة التالية؛

مرت الأيام ثقيلة على قلب سيسيليا فمعاملة أدريان لها سيئة، يعاملها كما لو كانت خادمة فعلا، ويشعرها أنها تجاوزت خطا ما كان يجب عليها أن تتجاوزه.

أمسكت قميصه الذي يحتاج للغسيل واتجهت حيث غرفة الغسيل لتغسله، ولكن قبل أن تصل وجدت أمامها والد أدريان وزوجة والده، وقفت جانبا لتفسح لهما المجال كما يفعل كل الخدم في القصر، إلا أنها لم تنحني لهما.

التفتت لها الدوقة زوجة والد أدريان وقالت: "لم تتعلمي الأدب حتى الآن أيتها الصغيرة!"

كانت تتحدث بصوت رقيق وناعم كما لو كانت مثال للطيبة، ثم التفتت لزوجها الدوق وأضافت: "عزيزي، أخشى أن تؤثر هذه الفتاة على ابننا أدريان، أنت تعلم أنه أصبح عنيد وصعب المراس، ربما هذا بسبب..."

ثم صمتت لتثير اهتمام زوجها الذي يبدو من هيئته أنه حاد الطباع، فقال بصوته الغليظ: "بسبب ماذا؟"

"بسبب مخالطته للرعاع!"

صدمت سيسيليا، ربما زوجة الدوق تعلم فعلاً أن أدريان يتسلل يوميا خارج القصر، يبدو أن لديها جواسيس.

"ابني ووريثي لا يمكن أن يختلط بالسوقيين والرعاع، فراقبي ما تتفوهين به يا امرأة"

ابتسمت الدوقة بخبث وصفقت بيديها الاثنتين ليذهب جميع من في الرواق وتبقى سيسيليا معهما وحيدة، فاستدارت لتغادر هي أيضا ولكن الدوقة امسكتها من كتفها وقالت: "انتظري!"

نزلت الدوقة لمستوى سيسيليا وأمسكتها من كلتا كتفيها وقال بصوت ناعم وحنون:

"إنني حريصة جدا على أدريان فهو عصبي وقاس القلب على عكس أخوته، كما أنه صعب المراس، ولذلك وكلت شخصاً موثوقاً لمراقبته"

اتسعت عيني سيسيليا فقد أدركت أن الدوقة تقوم حاليا بتهديدها.
أكملت الدوقة بعد أن رأت ملامح سيسيليا: "يبدو أن شخص ما يساعده ويتستر عليه للخروج"

نظرت سيسيليا للدوق مباشرة، أصابها الخوف فهي لا تعلم إن كانوا سيعتبرون ذلك خيانة.

"أتقصدين أنه يوجد خائن هنا؟" قال الذوق.

انتصبت الدوقة واقفة وقالت: "لنقل إنه جاهل وليس خائن، ولكن ما يهم الآن أن تساعدينا في معرفة كل أخباره فهكذا سنستطيع حمايته"

ثم سكتت قليلا وتابعت: "أو.. للأسف سيضطر الدوق على ارساله لخارج القصر ووضعه في قصر منعزل لنستطيع تربيته دون أن يتأثر بالرعاع كما فعلت والدته"

استوعبت سيسيليا وأخيرا ما يحدث حولها، أخفضت رأسها نصف انخفاضه دليل على الاحترام، ثم قالت:

"سيدي الدوق، سيدتي الدوقة أعدكما انني سوف أطلعكما على كل ما يحدث مع سيدي الصغير أدريان"

قالت سيسيليا ذلك لكي تكسب ودهما وأيضا لكي تستطيع التقرب من الدوقة لتفهم الأمور بشكل أفضل.

ولكنها لم ترى العيون التي كانت تنظر لها من بعيد بغضب.... كانت عيون أدريان
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي