الفصل الرابع

(الشرير المذهل)



ابتسمت الدوقة ابتسامة لؤم بعد أن سارت خطتها كما تشاء، ثم اتجهت هي وزجها الدوق إلى غرفتهما.

أما سيسيليا فبالرغم من عدم راحتها لقرارها إلا أنها تجاهلت شعورها؛ بسبب رغبتها في معرفة مصيرها ومكانتها في هذا العالم.

أكملت سيرها نحو غرفة الغسيل ولكن هذه المرة ارتطمت بشخص أمامها وكان أدريان فوقعت على الأرض.

في اللحظة التي وقعت بها على الأرض شعرت أنها دخلت في دوامة سوداء، أو فجوة ما.. لتفتح عينيها وهي تشهق وكأنها كانت تحت الماء.

"يا إلهي!!"

نظرت حولها لتجد نفسها في غرفة نوم أخرى ليست نفس الغرفة الأولى، اتجهت نحو النافذة ولكن المشهد الخارجي لم يعد نفس المشهد؛ هنا علمت سيسيليا أنها لم تعد في نفس المكان من الرواية.

"ولكن أين أنا؟؟"

ولكن المفاجأة كانت إنها عندما قفزت خارجة من السرير شعرت بتغير في جسدها وثقل، وعندما نظرت للأسفل وجدت أنها لم تعد طفلة في الرواية.

هنا شعرت بالسعادة، لابد أنها في قصر أكين بطل الرواية وهي الآن البطلة التي وصفت شكلها كما تتمنى نفسها أن تكون.

اتجهت نحو المرآة ثم صرخت: "لااااااا... يا إلهي ما هذا!؟"

إنها فتاة في حوالي العشرين أو أقل ولكنها تمتلك نفس الضفيرتين الحمراوتين والنمش الذي يغطي بشرتها الشاحبة.

ركضت مسرعة نحو الخارج لتجد أدريان يقف بشموخ مع أحد الرجال في منتصف الغرفة.

إنها الآن تعرفه تماما فهو كما يبدو في العالم الحقيقي تماما، فكرة مجنونة دخلت في عقلها أنه ربما يكون قد اختطفها وأعطاها حبوب هلوسة ليجعلها تجن، لم تستطع التفكير في غير ذلك.

أسرعت نحوه وتلك الفكرة تغزو عقلها ولم تفكر في عواقب الذي ستقوم بفعله.

"سيسيليا!؟" قال أدريان متفاجئ من تصرفاتها الغريبة ووقوفها أمامه بهذا الشكل.

"نعم سيسيليا أيها المجرم القذر" قالت ذلك ورفعت يدها عاليا وصفعته بكل قوتها حتى ظلت تلهت ويدها آلمتها.

"كيف تجرؤين؟" قال الشاب الواقف مع أدريان وهو حارسه الشخصي.
"سأرسلها للقصر الرئيسي ليتم سجنها هناك" أضاف الشاب.

ضحكت سيسيليا بصوت عالي وفتحت عينيها على مصاعيهما وبدأت تحرك يديها في الهواء وهي تقول: "هاا .. هاا .. أنتما تظنان أنني غبية، أليس كذلك؟

ثم بدأت تدور حولهما وتقول: "لقد كشفتكما، لقد اختطفتني أيها المتملق أدريان بعد أن رفضت إعجابك وحبك بي"

وهنا نظر لها الشابان بصدمة وانفجر أدريان بالضحك، تشوشت الصورة في رأس سيسيليا بمشاهد من العالم الحقيقي ومشهد لأدريان يضحك وهو طفل.

"يبدو أنها مجنونة كما يقال عنها حقا!" قال حارس أدريان والذي يدعى نيكولاي.

استدار أدريان ولوح لها بظهر يده وهو يبتعد ويقول لنيكولاي: "أعطها باقي اليوم إجازة، ربما أرهقها كتابة ألف وستمائة ورقة خلال يومان"

هنا بدأت سيسيليا تذكر هذا المشهد جيدا، إنه أول مشهد في
الرواية عندما جعلت الشرير أدريان الذي تم ابعاده من قصر والده بسبب معاملته السيئة لزوجة والده واخوته يقوم بكتابة ألف وستمائة ورقة خلال يومان!

ركضت خلفه بسرعة ثم امسكت بطرف كمه، فالتفت إليها ونظر لها بنظرة جعلتها تجفل في مكانها: "إياك ومعاودة ذلك"

سحبت يدها بسرعة ثم رفعت رأسها لتتظاهر بالقوة وقالت: "ما صفتي أنا هنا؟"

"خادمة" قال نيكولاي بسلاسة وكأنه يعجب من سؤالها الغبي.

ولكن أدريان أدار لها ظهره وجمع أصابعه في قبضة وقال: "خائنة"

توقفت سيسيليا في مكانها تفكر في كلمته تلك، هذا الأدريان هو شخصية ألفتها هي في روايتها وجعلت فيه كل صفات أدريان الحقيقي، لابد أن قوله لها خائنة ينم عن أمر ما، ولكن هي لم تجعل شرير غيره في الرواية؛ فكيف تكون هي الخائنة.

كانت في طريقها عائدة إلى الغرفة التي كانت فيها لتدون الأحداث التي كتبتها حتى تعلم ما الذي غفلت عنه لتظهر هذه الشخصية التي هي فيها.

"سيسيليا، لقد تأخرتِ، علينا تجهيز الإفطار قبل أن يبدأ تمرين المبارزة للدوق الصغير"

رمشت سيسيليا ثم التفتت لمصدر الصوت لتجد سيدة عجوز وجهها يبدو عليه اللطف، إنها هيلين الطباخة! يا إلهي إنها مثلما رسمتها في مخيلتها تماما، وأخيرا شخصية طيبة.

أسرعت سيسليا نحوها واحتضنتها: "هيلين! أهذه أنتِ حقا؟"

"ماذا بكِ يا ابنتي هل أنتِ بخير؟"

ابتعدت سيسيليا خطوة للخلف ثم قالت: "لا شيء، أنا فقط تعرضت لموقف سيء هذا الصباح مع السيد أدريان"

"أووه، يجب أن تكوني حذرة يا ابنتي فهو متقلب المزاج وصعب المراس، لا نريد مشاكل مع الدوقة"

كانت هناك العديد من الأسئلة التي تدور في عقل سيسيليا ولكنها اجلتها حتى لا تتير الشكوك أو تتهم بالجنون.

***
كانت تنظف إحدى النوافذ المطلة على حديقة القصر الخلفية عندما شاهدت أدريان يتبارز مع شخص ما يبدو أكبر سنا قليلا من أدريان.

بدأت تتأمل أدريان الذي كان يتبارز بقوة وقطرات العرق تتصبب من جبينه، كان يتدرب وهو يرتدي سروال فقط وهو عاري الصدر، شعره مشعث وكأن قطة قد عبثث به.

"مثالا للشخصية الشريرة" قالت سيسيليا وهي تنظف النافذة، ثم بدأت عينيها تلمع وأضافت بتنهيدة: "شرير ولكن مذهل"

كانت ابتسامة سخيفة على شفتيها وهي تراقبه بعينيها الذابلتين وهو يتبارز، وفي اللحظة التالية اختفت ابتسامتها الغبية فجأة عندما نظر إليها ببرود شديد.

فقدت توازنها وسقطت من السلم وسقط الدلو فوق رأسها لتصبح مبتلة تماما بالماء!

عند سماع صوت صرختها عند السقوط أسرع نحوها العاملين في القصر، الطباخة هيلين والبستاني.

"يا إلهي! ما الأمر؟" قالت هيلين.

"لقد انزلقت ساقي وأنا أنظف النافذة"

دخل أدريان في هذه اللحظة وقال: "ربما عليك التركيز في عملك بدلاً من التحديق!"

وتقدم ليقف أمامها وجثي على ركبته ليفحص كاحلها.

شعرت سيسيليا بالإحراج واحمر وجهها وقالت بصوت منخفض: "نذل!"

نظر لها وعيناه تلمع من المرح وقال: "هل قلتي شيئا ما؟"

ابتسمت ابتسامة مصطنعة لم تخفى عليه وقالت: "لا أبدا"

رفع حاجبه وكان سيقول شيء ما: "سو.."

ولكن صوت حارسه نيكولاي قطع حديثة عندما قال: "هناك ضيفة هنا يا سيدي"

همس أدريان بجانب أذنها مما جعل قلبها يخفق بسرعة: "سنكمل حديثنا لاحقا"

بعد أن جلست سيسيليا في كرسي المطبخ أخذت تفكر فيمن تكون هوية الزائرة! لابد أنها وضعت هذا المشهد وهي تعرف من تكون تلك الزائرة، ال مشكلة أنها كتبت الرواية منذ عدة سنوات فلا تذكر بعض الأحداث فيها؛ خصوصا تلك التي في البداية.

"هل أستطيع أن أخذ لهما أنا الشاي؟" قالت سيسيليا لهيلين وهي تراها تعبر المطبخ بصينية الشاي.

"لا تقلقي كاحلي جيد وليس به شيء" أضافت ذلك بعدما شاهدت نظرات هيلين نحو كاحلها.

وصلت إلى باب غرفة الضيوف وشعرت أن تعرف الصوت الصادر من خلف الباب، طرقت طرقات خفيفة على الباب ودخلت.

وجدت أن الدوقة زوجة والد أدريان هي الضيفة الموجودة في الغرفة، وما أن دخلت سيسيليا الغرفة حتى أسرعت إليها الدوقة وأخذت منها الصينية وقالت: "لا يزعجنا أحد لدي حديث خاص مع ابني"

نظرت سيسيليا نحو أدريان ورأته ينظر نحو الخارج من النافذة، التفتت لتخرج ولكن فجأة تذكرت هذا المشهد فأحست بالهلع والرعب..

عليها أن تفعل شيء ما لتنقذ الموقف ولكن كيف؟؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي