معزوفة بجع الموت

Elina pearl`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-02-25ضع على الرف
  • 50.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

1

ها أنا أجرح يدي للمرة المليون بسبب إصلاحي لتلك
الأوتار التالفة من آلة الكمان، والتي تم اقتطاعها من قبل هؤلاء المتنمرين، لا أعلم لما يستمرون بمضايقتي وإتلاف ممتلكاتي، خاصةً ذاك الكمان المهترئ، لقد ورثته من أخي الراحل.
بعد أن سلمني إياه ليلة انتحاره، إنه جبان، أنانيٌ وخائن لقد استسلم لهؤلاء السفلة المتنمرين، لم يبقَ ولم يدافع عنه نفسه أو عني كأختٍ صغرى له، لقد وعدني بحمايتي وبتحمل الأذية عني ولكنه أخلف كل شيء وتركتي وحيدةً للعراء دون غطاء.
لم يخلف وراءه سوى ملابسه الرثة وكمانه، إنه الذكرى الوحيدة من والدنا، لقد علمني عدة مقطوعاتٍ صغيرةٍ استطعت إتقان بعضها، ولكن ليس كمهارة أخي الراحل.. لقد كان يتراقص بين نوتاتها ويعيش بين سطورها، ذاك الكمان رثٌ وقديمٌ جداً.
ولكنني آثرت على الاحتفاظ به فهو آر ذكرى بقيت
لي من والدي وأخي، وقد عزمت على التدرب والاستمرار فيه حتى الإتقان، و لكن هؤلاء الحمقى لا يكفون عن السخرية وإحباط عزيمتي عند استراقهم لسماع ما تطلقه من معزوفاتٍ على ذلك الكمان القديم.
"إلى متى ستحتفظين بتلك الخردة؟! لقد آن الأوان
أن ترقد بجانب صاحبها!"
"لكن الخردة لا تميل الا للخردة والقمامة مثلها، لذلك
لا يهون عليها التخلص منه لأنه جزءًا لا يتجزأ منها!"
انفجر الجميع ضحكاً بعد استهزائهم بها، ولكنها تجاهلتهم وما زالت منهمكة بإصلاح ما تلف من تلك الأوتار، واستمروا بمضايقتها بدفعها وركلها وضربها على رأسها او حتى جر شعرها، و هي مازالت متمسكةٌ بحالها تبتلع غصتها بصمتٍ قاهر.
بدموعٌ باتت تحرق وجنتيها ألماً لما تتعرض له، اكتفت بالصمت و التجاهل و عدم الاكتراث لهم دون النطق بحرفٍ واحد، فقط تتابع عملها وتحاول ترميمه رغم اهترائه فهو أخر ذكرى يوصلها به لعائلتها لذلك هي شديدة التمسك به.
"ما الذي يجري هنا؟!"
جفلت وأنا بمكاني حال صراخ تلك المشرفة لتفض اجتماع ذاك الذباب من فوق رأسي، الآن فقط أستطيع أن أحرر هواء صدري المسجون داخل رئتيّ، فهم يرتعبون بمجرد سماع خطواتها في الممر، فهي رغم صرامتها وقسوتها إلا أنها الوحيدة من تميزني عنهم.
لرأفتها ورقة تعاملها معي ولين قلبها لكن هذا كله لا يشفع لي أبداً أمام ما أعانيه، فبمجرد رحيلها تعود تلك الكلاب و طتنهشني من جديد انتقاما لما تلقوه من المشرفة بسببي، ولهذا أنا في غنىً عن كل هذا منها وكم أتمنى أن اعيش بسلامٍ فقط.

-  لقد سألت سؤالاً ما الذي يجري هنا؟ لمَ هذا التجمع حول زميلتكم ولمَ كل هذا الازعاج؟! توم؟!

نعم سيدتي!

-  متى ستتوقف عن كل هذا؟ متى ستضع حداً لأفعالك القذرة أنت ومن معك؟ يبدو أنني سأضطر إلى إرسالك أنت ورفاقك إلى الإصلاحية ولتبقوا هناك بقية سنوات أعماركم، ما رأيكم هاا؟!
-  لكن.. لكن سيدتي لم نكن نفعل شيئاً خاطئاً! فقط كنا نتحدث إليها ونساعدها في إصلاح كمان أخيها، يمكنك التأكد من ذلك أليس هذا صحيحاً هيلدا؟!

يا للحقارة والخبث التي يغرقون بها مما جعلني لا أنظر إليهم أبداً ولا حتى المشرفة نفسها، فلم أعد أأتم حقاً جعلني أنهمك بما كنت أفعله تنهدت بضيقٍ وابتلعت ريقي، لما أسمعه الان، الحقير توم بسؤاله هذا يريد مني أن أتستر على فعله الحقير معي.
إنهم يفعلون ذلك كل مرةٍ لينجوا ويتجنبوا العقاب الذي سيصدر بحقهم من قبل إدارة الميتم، سأكتفي بصمتي وتجاهلي لهم جميعاً لن اؤيد أحداً أو أشتكي من أحد، فانا لا أهتم وكم اود أن الحق بأخي الأناني لأنه نعم بالسلام وتركني وحدي لكل هذه الفوضى.

-  هيلدا؟! هل ما قاله توم صحيح؟ هل أنتم على وفاقٍ الآن تكلمي أرجوكِ؟!

استمرت هيلدا بتمسكها بقيود صمتها فها هي تلملم بقايا كمانها وما تناثر منه، لتضمه إلى صدرها وتتجاهل الجميع وتهرول خارج القاعة التي كانوا بها مجتمعين، تجاهلت نداء المشرفة لها مما جعل الأخيرة تتنهد بأسى على حالها فهي تعلم وتقدر
وضعها.
لذلك هي تتغاضى عن زلاتها وتحاول حمايتها بقدر ما تستطيع، أخذت هيلدا تركض بسرعةٍ تتجه ناحية المكتبة القديمة لهذه الميتم، و التي كانت بالأصل مكتبة القصر الذي تحول إلى ميتمٍ في الوقت الراهن، محتفظاً بكتبه ومخطوطاته العريقة و تاريخه.
ما دلفت حتى اتجهت إلى اعمق وأظلم زاويةٍ بها وما زالت تتمسك بذلك الكمان ضامةً إياه اليها، لتجلس أخيرا ترتمي بذاتها في أحد أركانها، وتشرع في ندب حظها وإطلاق العنان لدموعها.
-  إلى متى ستستمرين هكذا؟! إلى متى سيصمد
ضعفك أمامهم؟!
-  لا علاقة لك بالأمر فقط ابتعد عني و توقفي عن الحوم حولي فأنتِ تتسببين لي بالهلوسة والجنون، فقط ارحلي عني!
-  ومن قال أنك تهلوسين؟! فأنا مثلك تماماً لا أختلف عنك بشيء

-  بلا تختلفين وكثيراً فأنتِ لستِ سوى روح ضائعة من عُمار هذا الميتم القديم، أما أنا فما زلت أتنفس ما زالت الدماء تضخ بداخل عروقي، ما زال قلبي يبث الحياة لسائر جسدي عكسك تماما!

-  أنا روحٌ بلا جسد، وأنتِ جسدٌ بلا روح يمكننا ضم هذه الروح الضائعة إلى ذاك الجسد الخاوي من روحه، وحينها فقط يبدأ عهدٌ جديدٌ وقوي لكلينا، فقط اسمحي لي بالمرور وحينها سترين كيف ستتبدل حياتك للأفضل!

-  مستحيل!! لن أقبل بذلك أبداً! لماذا تستمرين بإلحاحك على هذا الطلب؟ فبسببك غدوت مجنونةً أمام الجميع أحادث السراب، كل هذا يحصل عندما يمسكني أحدهم وأنا أتحدث إلى اللا أحد، لذلك ابتعدي عني ودعيني وشأني أرجوكِ!

-  هل تعلمين لما ظهرت لكِ فقط و اخترتك أنتِ منبين سائر البشر الأحياء؟!

-  لا!

-  لأن قصتك ومأساتك تتطابق مع قصتي و مأساتي عندما كنت بشراً على هذه الأرض، لكن النهاية تختلف فنهايتك ما زالت مجهولةً أما أنا فقد كُتب لي الفناء رغماً عني قضي فيها على زهرة شبابي ظلماً وبهتاناً جعل من الألم يجتاح كياني!

أخذت هيلدا تنظر أليها بصمت لقد آلمها حديث تلك الروح الضائعة عن نفسها، للحظةٍ ظنت أن نهايتها قد تكون مثل أخيها أي أنها قد تخلصت من ذاتها لظرفٍ أليمٍ مرت به في حياتها السابقة، لذا قررت أن تستفسر عنها لتكفكف دموعها وتنظف حلقها.

-  أنا لم أسالك أبداً منذ ظهوركِ لي، من تكونين، أهو اسمك أو حتى ما هي قصتك؟ لأنني لم أهتم ولا أهتم لأحدٍ من الأساس ولا أختلط مع أحدٍ غير شقيقي الراحل، وها هو الأخر قد رحل وتركني ولم يترك لي سوى هذا الكمان المهترئ!

-  ظهوري لك الأول كان منذ شهرٍ منصرم في إحدى زوايا هذه المكتبة الأثرية أليس كذلك؟!

أومأت هيلدا براسها وهي تحدق للفراغ، سحبت ركبتيها إليها تضمهما إلى ناحية صدرها وتستند بذقنها على قمتهما، تحاول استرجاع ذكريات الماضي في لقاؤهما الأول فقد كانت هذه الروح تسكن جدران هذا الميتم منذ الأزل، أي منذ بنائه الأول منذ عقودٍ عديدة. كان لقائها بها هنا في هذه المكتبة العتيقة حيث كانت بإحدى أركانها تبكي وتشكي ألمها ووحدتها للسكون من حولها، كانت وقتها تواسي ذاتها بفراق أخيها إلى أن ظهرت تلك من إحدى الجدران، لن تكذب إن قالت شعرت بالخوف والرهبة حينها.
وكم هربت منها رعباً ولكنها مع الوقت اعتادت على
ظهورها وتجولها حولها بل أصبحت هي من تبحث عنها إن طال غيابها، ومع الوقت أدركت انها ما هي سوى روح ضائعة لم تجد لنفسها السلام بعد رحيلها عن جسدها، لأنها كانت مرغمةً على ذلك.
لم تستطع أن تحقق حلمها أو أن تطالب بالعدالة لنفسها، لذلك هي هنا على الارض تبحث عن الخلاص وعن من يساعدها في الثأر لذاتها، وها هي الآن تحوم حول هيلدا ترجو منها المساعدة بعد أن وجدتها بنفس معاناتها في حياتها السابقة.






يتبع.....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي