2

إبتسمت بخفةٍ و أنا أراقبها تتجول بين أرفف المكتبة
تبحث عن شيئٍ ما، لحظاتٍ جعلتني أجفل بسبب
تصفيقها و صراخها بسعادةٍ تؤشر على شيئٍ ما
أعلى تلك الرفوف، يبدوا أنها قد عثرت على مبتغاها
أخيراً.



_تعالي أيتها الصغيرة فلتقتربي إلى هنا، لقد وجدت
على ما سيجيب على كل أسألتك!.



"و ماهو؟!"



_أنتي كثيرة الأسئلة و لحوحةٌ أيضاً فلتقتربي أولاً
و مدي لي يديكٍ هيا أسرعي!.




قلبت عيناي و تنهدت بإنزعاج لأرضخ أخيراً لطلبها،
نهضت و اقتربت منها و من المكان الذي كانت تؤشر
عنده، نظرت نحوها لارها تراقبني بتهجمٍ ترفع إحدى
حاجبيها و كأنها تنتظر شيئا وعيتي على نفسي لما
طلبته لأتفف و اقترب أكثر و أمد يداي نحوها.

رأيتها تبتسم و تعجبت لذلك لاراقبها و هي ترفع إصبعها لناحية تلك الرفوف العاليه، و بحركةٍ منها
جعلت كتابٌ ما صغير الحجم يتوسط بين راحة
يدي، أصابني الذهول و الإنبهار لما فعلته دققت بالنظر الى ذاك الكتاب فلم يكن سوى مهترئ يكاد
أن يفقد صفحاته.




"واو!! ماهذا الكتاب و ما الذي يحتويه، لحظة من هو
مؤلفه؟ اه هاهو الاسم...سوهندرا البجعة السوداء..
إسمه غريب لكن لما هذا ال..!!"



لقد إختفت!! ما إن رفعت رأسي حتى تلاشت من أمامي، لم تجب حتى على سؤالي عن ماهية هذا
الكتاب المهترئ لن أكذب لقد زاد فضولي نحوه
و بشدة ناهيك عن غلافه المهترئ، يبدوا كما لو انه
مذكرةً او شيئاً ما.


"تباً السافله رحلت كيف سأخرج هذا الكتاب من هنا
لانه ممنوع اخذي شيئ او إستعارة الكتب من تلك
الاركان لانها محظورةٌ علينا، لا سبيل سوى إخفاءه
داخل ملابسي!!"


جفلت هيلدا لرنين الجرس معلنا عن ضرورة إجتماع
الطلاب إلى داخل قاعة الطعام من أجل الغداء، و من
يخالف ذلك يحرم من وجبات بقية اليوم فقوانين
المسؤولة عن هذا الميتم صارمةٌ و لا جدال فيه،

لذلك أسرعت بإخفاءه تحت قميصها و التقفت كمانها
و أغراضها و اسرعت تهرول إلى السكن، و تخفي ما
جلبته معها و تعيد أغراضها و تعود ركضاً إلى قاعة
الطعام قبل وصول المشرفات.



"هيلدا؟ ها انتي ذا لقد قلقت عليكي عندما لم أجدك
في السكن، أين كنتي؟!"


"أعتذر عما بدر مني سيدتي كنت في المكتبة، أردت
ان أبقى وحيدةً لبعض الوقت!"



"حسناً هذا جيد و لا تقلقي بشأن توم و من معه لقد
قمت بتقديم شكوى عنهم لدى السيد برايت، إطمئني
لن يتعرضوا لك او لغيرك بعد الان!!"


اللعنة!! ماالذي تهذي به هذه المجنونة؟ هذا ما ينقصني الان السيد برايت فلأترحم على روحي المسكينة، شكرا على مساعدتك الغير نافعه سيدة
آدمز سيبدا جحيم حال خروجي من هذه القاعة فوراً
يالسعادتي المنتظره.


"هيلدا لما هذا الجمود هل انتي بخير صغيرتي؟!
إذهبي و احضري غدائك و لتجلسي لتتناوليه هيا!"



إنصاعت هيلدا لما طُلب منها و عند مرورها لإقتناء أحد المقاعد شعرت بنظرات الحقد و الوعيد تراقبها
من بقعةٍ ما، ما إن رفعت أنظارها حتى وجدت أنه
توم و من معه حدسها لم يخطأ ابداً، إبتلعت ريقها
و اتخذت ابعد كرسي ممكن عنهم و تشرع في محاولة تناول طعامها بهدوء.



_غبية و جبانه!.



"اللعنة عليكِ!! كيف و متى ظهرتي لقد كدت ان اصاب بنوبةٍ قلبيةٍ بسببك!!"


"هيلدا؟ هل أنتي على ما يرام لمن تتحدثين هكذا؟!"



زمت هيلدا شفتيها لقد تورطت نظرت إلى ما وراء
مشرفتها، لترى تلك الروح عاقدةً ذراعيها إلى صدرها
و تنظر نحوها بسخرية إنتصار إغتاظت هيلدا بسببها
و قدمت إعتذارها للمشرفة لتعود و تنهي طعامها،
ما إن إنتهت حتى غادرت من فورها إلى سكنها.


تذكرت هيلدا أمر الكتاب الذي معها و انتهزت فرصة
مكوثها وحيدةً بالغرفة بعد رحيل أخيها، لتخرجه و
تأخذ بتأمله و تأمل صفحاته.



"من حظي الوافر الغد يكون إجازةً لذلك لا ضرر في
السهر و قراءة هذا الكتاب و اعرف ما الذي تقصده
تلك الروح بان اجوبتي كلها هنا!"



(العودة الى الوراء ما قبل مائة عام)


"سوهندرا السلطان يطلبك في مجلسه حالاً!"

"حاضر!"

"ارى ان السلطان يستدعيك إلى مجلسه أكثر مما يستدعي زوجته إلى فراشه أيتها العازفة السوداء!!"


إلتفتت سوهندرا إلى صاحبة الحوار الاخير بعد أن
كانت تسير في ممرات القصر، برفقة مساعدتها إلى
مجلس السلطان و لم تكن سوى زوجته، و كم كانت
تكن لها الغيرة و الحقد و الكره بسبب تعامل زوجها
مع هذه الجارية على حسب نظرها.

فهي ليست سوى عازفة كمانٍ إشتهر صيتها ارجاء
البلاد، و يتوافد إليها العوائل الراقية لتعلم فنون
عزفها لأبناءهم ،و قد كانت تربح اي سباق او مهرجانٍ
يقام على أرض المملكة و لا تخرج الا و الناس
تردد إسمها بفخر.

وقد وصل صيتها إلى سلطان البلاد و اعجب بفنها الذي كان نادراً وقتها، و قرر ان تكون عازفته الخاصة
في مجالسه و احتفلاته التي يقيمها داخل قصره،
لم يتعامل السلطان معها أبدا على انها جاريةٌ او محظية لقد كان تعامله معها محدودا و برسميات.



"حضرة السلطانه أهلاً بكِ سيدتي!"


"لم تعلقي على كلامي أيتها العازفة؟!"


"سلطانتي المبجلة لا شيى يحصل كما تقولين، ولن
أجرا على أخذ مكانك انا فقط عازفة له أسلي و ارهف مسامعه عند الضجر لا أكثر و لا أقل!"



"أممم، أرى ذلك!"


"أرجو ان تاذني لي علي أن أذهب لمجلس السلطان
الان!"


"فلتغربي من أمامي لا شان لي بك!"


إنحنت سوهندرا إحتراماً لها و استدارت تكمل طريقها إلى حيث تم إستدعائها، ما إن غادرت حتى
إلتفتت لها وصيفتها توسوس كالشيطان داخل أذني
سيدتها، تزيدها من شرها و بطشها ناحية تلك العازفة
البسيطة. 



"سلطانتي لا يجب ان تصدقيها لقد رأيتها كيف تغوي
السلطان بحركاتها أثناء العزف، حتى أن السلطان كان
مشدوهاً بها و لم ينتبه لكلام الوزير!"



"أعلم ذلك و مضطرةٌ أن التزم الصمت حتى اتفادى
غضب الحاكم، لكن مع هذا لن أسمح لها بالتمادي
و سأجد وسيلةً للتخلص منها عن قريب!"



"خير ما تفعلين و انا سأكون رهن إشارتك سيدتي!"



(في مجلس السلطان)



"تحياتي و احترامي جلالة السلطان"



"أهلاً بالعازفة التي يطالب بها الجميع لقد سحرتي
كل من يستمع إليك لدرجة جعله يطالب بإقامة الحفلات و تكوني انتي نجمة الحفل!"



"إنه لشرفٌ لي جلالة السلطان أن أتلقى هذا المديح
منك و لتتاكد أنني في خدمتك و طوع أمرك أيها
السلطان!"



"الوفد البريطاني سيكون حاضراً بعد ثلاثة أيام و أريد منك أن تقومي بالواجب فالدوق نفسه طلب
أن تكوني من ضمن مخططات الحفل و هاهي الهدايا
و العرابين قد وصلت من أجلك فهو يرجو قبولك
لما أرسله لك!"



"سلطاني! معزوفاتي ليست للبيع او بماقبل يكفيني
سعادة سامعيها، و مساعدة الآخرين في الإرتخاء
و تصنيفها من أسباب علاج النفس والروح، و هذا كافٍ لي لا أطلب مقابله أي شيئ!"



"يبدوا أن والدك لم يفتخر أنه أبٌ لابنةٍ مثلك عبثاً،
لقد أحسن تربيتك و تعليمك و لم يبخل عليك بحكمه
التي إلى الان أعتبرها دروساً أتعلم منها سبل الحياة!"


"مديحك وسام يشرفني أن أتقلد به طوال حياتي
جلالة السلطان، و ثق بي بعد ثلاث أيام سيكون الإحتفال مثل ما تريده و أفضل، تأكد بأن أجعل
الجميع لا ينفكون عن الحديث عن مجلسك جلالتك!"



"لا داعي لان أقلق فأنا أثق بك ثقةً عمياء و لن تخذليني كوالدك الراحل، يمكنك الذهاب و التفرغ من
أجل ذاك اليوم!"



إنحنت سوهندرا إحتراماً و إجلالاً للسلطان و غادرت
مجلسه و كلها سعادة وأمل بعد مديح الحاكم لها،
خلال سيرها في الرواق تكاد ان ترقص فرحاً للعرض
الذي قُدم لها، لطالما كانت تحلم أن تنقل فنها خارج
أرجاء البلاد التي هي به تريد ان ينطق العالم بأسره
بإسمها و بمعزوفتها البجعه السوداء.


لا تعلم هي لما إختارت هذا الإسم و لكن ما شدها
ان تلك البجعة رغم قبح لونها و تشائم البشر منها،
إلا أنها تتراقص و تفرد جناحيها تتباهى بنفسها
أمام الجميع، و سوهندرا هي كذلك رغم الظروف
و مكائد زوجة السلطان لها إلا أنها عازمةٌ بتحقيق
حلمها و السفر به إلى مشارق العالم و مغاربه.


غير مدركة بما يحيك خلف ظهرها و العوائق التي
تتربص بها، فهاهي تلك الاعين التي تراقبها إستمعت
لكامل الحديث الذي دار بينها و بين السلطان، لتهرول
ناقلةً الأخبار لمن وكلتها بالتجسس على مجالس
السلطان و حاشيته.





"أيتها السلطانه جلالتك لدي أخبارٌ ستفرحك جداً
وقد تكون فرصةً لتحقيق مبتغاك جلالتك!"



"تكلمي بسرعة مالذي سمعتيه في مجلس السلطان
و مالذي دار بينهما أنطقي!"



"جلالتك السلطان سيقيم إحتفالاً كبيراً و مأدبةً ضخمه على شرف الوفد البريطاني و الذي يتراسه
الدون نفسه!"


" وماهو المفرح في هذا الخبر؟!"



"سيدتي السلطان بطلبٍ من الدوق ستكون سوهندرا
نجمة الحفل لتسحر الجميع بعزفها و تخضعهم بألحانها!"


"مستحيل إذا أعجب بها الدوق و الوفد البريطاني
ستكون مرافقةً رسميةً للسلطان أينما ذهب، وهذا
يعني الإختلاء بها و لن أسمح طبعاً لحدوث ذلك،
على جثتي أن تحقق سوهندرا ما تطمح به!"


"ولهذا يا سيدتي أخبرتك أنها فرصةٌ لا تعوض لك في
التخلص منها نهائياً وجعلها مجرد ذكرى فقط!"


"وكيف هذا؟!"



"قتلها سيدتي إراقة دمائها على ساحة ذاك الحفل!"


"هل جننتي سيكشف السلطان ذلك و سيفصل رأسي
عن جسدي مستحيل أن أفعل ذلك!"


"و كيف سيكشف السلطان ذلك و انتي من ضمن الاحتفال كما أن الجمهور و المدعوون في تلك الليلة
عددهم بالآلاف، ولستي أنتي فقط من يبغضها فلديها
أعداءٌ كثر بسبب والدها و غيرتهم منهما، سيدتي راميٍ سهام ماهر و متخفي يبقي فمه مغلقاً اذا ملئتي
جوفه ذهباً لن يغدر بك او يمكنك التخلص منه فوراً بعدها ويندفن سرك للابد!"



"لا تبدوا فكرةً سيئةً أبداً! لما لا الذهب يفعل العجائب
في هذا الزمان!"



"سهمٌ واحدٌ فقط يتوسد منتصف قلبها تنهي كل مخاوفك و قلقك من المستقبل جلالتك!"



"تأكدي إن نجح ما قلتيه الأن و رايت تلك العازفة
تتوسد الارض و تسكن باطن الارض، حينها سأغرقك
أنتي الأخرى بالذهب و الياقوت و سيعلوا مراتبك بين
الجواري!"



ما إن سمعت تلك الجارية بعرض سيدتها حتى هبت أسفل قدميها تمسك بكفها تقبلها مراراً و تكراراً لما
ستكافئها به مقابل روح سوهندرا البريئة.



"لن أخذلك مولاتي سأجعلك ترتاحين من سحر تلك
الساحرة على السلطان و ستدفع روحها ثمن تنغيصها
لحياتك جلالتك!"



"إذهبي و لتجدي رامٍ سهام محترف يصيب من الرمية الأولى و تأكدي من أنه لن يخون و إن تطرق
الأمر فليلحق بضحيته هو الاخر لكن دون أخطاء لتضعي ذلك نصب عينيك و الا مصيرك سيغدو
مثلهم!!"



"أمرك جلالتك حالاً و ليطمئن قلبك ثقي بي سيدتي!"


ما إن غادرت تلك الجارية حتى تهللت أسارير السلطانة بهجةً و غبطةً لما ستفعله مستقبلاً، أخذت
تحتسي نبيذها و الإبتسامة لم تغادرها بل إزدادت وهي تتوعد لسوهندرا بالويل و الموت و الفناء،
غير مدركةٍ لما سينالها بعد ذلك.









يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي