عهد الساحرات

Esraa Amin`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-02-19ضع على الرف
  • 10.1K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

بين تلْك الغابات الكثيفة المظْلمة انْدفعت تجري بخطوات غيْر ثابتة تتخبّط بين الأغصان، بيْنما رؤيتها مشوشة. مرهقة متعبةً وضعت يديها على جرحها النازفِ، وتوقفتْ وهيَ تنظرُ منْ حولها إلا أنها كانتْ في منتصف الغابة ضائعة، حتى أنها لا تذكرُ ممنْ كانتْ تهرب الآن. ومنْ بعيدٍ شاهدتْ جسد شخص ما لكنها لمْ تستطعْ تحديد منْ يكون.

لكن ذلك الهمس وصل إلى أذنها وكأنهُ يخترقُ عقلها قائلاً:
_لقدْ اخترتِ الطريقَ الخاطئ ، الهروبُ ليس هو الحل.

انتفضتْ جالسةً في مكانها على السرير بينما تتنفسُ بسرعة رهيبةٍ، نفسٌ ذات الكابوس.
حتى أنها لا تستطيعُ تحديد أين هي؟ أو من ماذا تهرب؟! ومنْ ذلك الغِرِيبُ الذي يقف منْ بعيدٍ ليشاهد هروبها؟!

‏وكأنه يطلب منها عدم الهروب، ولكن منْ ماذا كانتْ تهرب منْ الأساس؟! في تلك الأثناء جاء صوت جدتها من الخارج، وهي تقول بصوتٍ واضحٍ:
_ألم تستيقظِْ بعد! كمٍ أصبحتْ الساعة الآن؟!

مدت يديها وهي ترتشف كوب الماء الذي كان بجانبها، ثم أبعدتْ الغطاء عن جسدها وهي تتحرك. توقفت أمام السرير وهي تؤشر بأصبعها في الهواء على شكل دوائر، وخلال ثوان كانت قد عادتْ الغرفة نظيفةً منْ جديدٍ.

ابتسمت بسعادةٍ وهي تتحرك إلى خارج غرفتها، تقدمتْ منْ جدتها وهي تقبل خدها قائلةً:
_صباح الخير أيتها الجدةُ اللطيفةُ .

تورد خد الجدة وهي تبتسم بخفوت قائلةٍ:
_متى ستتوقفين عن ذلك الكلام اللطيف؟ الذي تحاولين به أكل عقلي كل صباح.

‏ابتسمت ”آسيا” بسعادةٍ وهي تجلس على الكرسي حول طاولة الإفطار، بينما كانتْ تبحث بعينيها عنْ أبيها همستْ متسائلةً:
_إلى أين ذهب أبي في الصباح الباكر؟!

أردفتْ الجدةُ قائلةً بهدوءٍ:
_لقدْ استدعاه الملك في الصباح الباكر.

تنهدتْ آسيا، وهي ترتشف كوب عصير التفاح الذي كان أمامها، القت عينيها وهي ترمقُ الساعةُ بمللٍ.
لاحظتْ الجدةُ نظراتها قائلةٌ:
_هلْ تنتظرين أحد يا آسيا؟!

عادتْ آسيا بعينيها إلى جدتها قائلةً بخفوتٍ:
_منْ المفترض أنْ تأتي ”ورد” بعد قليل، سنذهب لملئ الماء منْ البئر، ثم سأذهبُ إلى مكتبة القرية .

لاحظتْ آسيا اضطراب ملامح جدتها لثوانٍي، قبل أنْ تخفيها وهي تستدير لتكمل باقي أعمالها.
عقدتْ آسيا حاجبيها متسائلةً:
_لقدْ لاحظتْ اضطرابكِ الذي تحاولين إخفاءهُ كلما ذكرتْ خروجي للمدينة، ما الذي يحدثُ يا جدتي؟ ما الذي تحاولين أن تخفيه عني؟!

لمْ تلتفت لتنظر إليها وهمست باضطراب قائلةٍ، وهي لا تزال على وضعها:
_لا أفهم ما الذي تحاولين قوله؟!

هزتْ آسيا رأسها قائلةً:
_تتهربين مني كالمعتاد يا جدتي، ألم يحنْ الوقتُ بعد في نظركَِ لأخباري ما الذي تخفينه أنتَِ وأبي عني؟!

ساد الصمت لدقائق في الغرفة، بينما تتابعُ الجدةُ أعمالها دون أن تجيب، وكأنها لم تسمع السؤالَ منْ الأساس. صمتت آسيا وهي تعرف الإجابة، لنْ تجيب جدتها تفضل الصمت عوضا عنْ أخبارها ما الذي يدور منْ حولها.

طرقُ باب المنزل فتحركت آسيا، وهي تضع كوبها مكانه بينما تفتح باب المنزل، لتطل من خلفهِ ورد.
‏ابتسمت ورد وهي تنظر إلى آسيا ببراءةٍ، ارتفع حاجبُ آسيا بينما تردفُ قائلةً:
‏_لقدْ تأخرتِ يا ورد.

عبستْ ورد قائلةً:
_على ماذا تأخرت يا آسيا! هل سأحكم المملكة أو ينتظرني اجتماع هام؟ بالله عليكِ سنذهب لملئ الماء من البئرِ ليس أكثر.

مدتْ آسيا يديها وهي تسحبُ العباءةُ الخاصة بها وهي تلفها حول كتفيها، ثم رفعت الغطاء وهي تضعه أعلى رأسها ليغطي معظم ملامح وجهها تقريبا.

سحبتْ آسيا جسدها للخارج قائلةً بهدوءٍ:
_أريد اللحاق بالمكتبة قبل أن تغلق.

تحركت الاثنتان مبتعدتان ناحية بئر الماء باتجاه الغابة البعيدة، بينما كانتْ ورد تسرد على مسامعها ما حدث في شجار بين عمها وأبيها بالأمسِ.

ابتسمت آسيا قائلةً بخفوتٍ:
‏_يا ورد، ذلك الشجار ما هو إلا شجارُ بين الأخوين، ولا يجب عليكِ أنَ تتدخلي به، من الأفضل ألا تتدخل أمكِ أيضا.

تساءلت آسيا بخفوت بينما تنظر إلى طرقات المدينة الرئيسية الممتلئ بالناس، معظم القرويين كانوا يعلقون الزينة الحمراء:
_ما الذي يحدث؟ هل هناك مناسبة مهمة قادمة؟!

ردت ورد قائلة:
_أعتقد أن ميعاد ظهور الوحش ”نيان ”قد اقترب!

عقدت آسيا حاجبيها قائلة:
_وما دخل ذلك بتلك الزينة الحمراء؟!

نظرت إليها ورد قائلة بخفوت:
_الأمر ليس مجرد أسطورة، يقال إنه في قديم الزمان ظهر الوحش نيان وقد كان جائعا، فبدأ في التهام الأشخاص، ذات مرة من المرات اشتعل أحد البيوت في القرية فشعر الوحش بالخوف وهرب بعيدًا، لذلك كل سنة يتم تعليق الزينة الحمراء ويقال إنه يخاف منها فلا يأتي إلى القرية.

ابتسمت آسيا بسخرية قائلة:
_هل تصدقين أنتِ أيضا هذه الخرافات يا ورد؟!

أردفت ورد بعد أن توقفت وهي تنظر إلى البئر قائلة:
_دعكِ مني الآن، يبدو أن البئر قد أغلق، أمي ستقتلني حتماً.

ابتسمت آسيا وهي تربط على كَتِفهَا قائلة:
_يمكنكِ الذهاب إلى جدتي ستعطيكِ بعضا من الماء، أما أنا فيجب علي الذهاب إلى المكتبة الآن.

ودعت آسيا ورد وتحركت ناحية مكتبة القرية، وما إن دلفت حتى اقتربت بهدوء من صاحبة المكتبة قائلة:
_مساء الخير يا ”مهيرة”، كيف حالكِ اليوم؟!

رفعت مهيرة وجهها وهي تبتسم قائلة:
_مساء الخير يا آسيا، أنا بخير، كيف حالكِ أنتِ؟

هزت آسيا رأسها بينما تردف قائلة:
_بأفضل حال.

أبعدت آسيا غطاء رأسها، الذي ترغمها جدتها بأن تضعه على رأسها كلما خرجت من المنزل، سجلت اسمها في قائمة الزوار، وهمست قائلة:
_هل أتت أي كتب جديدة اليوم؟!

ابتعدت مهيرة عن المكتب بينما تتقدم آسيا وهي تحمل في يديها دفترا؛ لتسجيل الكتب التي ستحصل عليها، وهي تقول بهدوء:
_ليس اليوم، أعتقد أنه الأسبوع القادم.

حملت آسيا بين يديها بعض الكتب ومهيرة تسجل خلفها.
قبل أن تتوقف آسيا أمام كتاب ذي جلد أسود سميك، فأسرعت مهيرة قائلة:
_آسيا، هذا الكتاب محرم على أي شخص عادي أن يقرئه.

عبست آسيا وهي تبتعد عنه متسائلة:
_لماذا هو محرم على أي شخص عادي؟!

هزت مهيرة كتفها قائلة:
_صدقيني أنا لا أعلم، لكن عرفت أنه يتحدث عن جميع نسل الساحرات، وخاصة نسل زوجة آدم الأولى ليليث، ونسلها من بعدها.

عقدت آسيا حاجبيها بفضول، فأدركت مهيرة نظراتها الفضولية قائلة:
_آسيا، هذا الكتاب أمانة عندي لا يعرف أي شخص بوجوده، ولا يمكن لأي شخص مهما كان أن يفتحه، هل هذا مفهوم؟!

هزت آسيا رأسها لتجلس على الطاولة، توقفت مهيرة بعد أن كانت قد ابتعدت قليلاً، التفت إليها قائلة:
_يجب عليكِ الرحيل مبكراً اليوم يا آسيا، لا تنسي أن اليوم القمر سيكون بدرا في السماء.

هزت آسيا رأسها من جديد وهي تعود لتصفح الكتب.



بعد مرور العديد من الساعات التي لم تشعر بها آسيا وهي تتفحص الكتب لتقرأ أكثر عن الساحرات وخاصة الساحر العظيم سطام، الذي توفي منذ آلاف السنوات.

اقتربت مهيرة قائلة بدهشة:
_يا إلهي، ألم ترحلي بعد! كان يجب عليكِ الرحيل مبكراً، لقد أصبح القمر بدرا في السماء يا آسيا.

تحركت آسيا من مكانها وهي تبتسم قائلة:
_لا داعي للقلق يا سيدة مهيرة، يمكنني الاهتمام بنفسي.

وضعت من جديد عباءتها على رأسها، ثم ودعت مهيرة وتحركت إلى خارج المكتبة.
وفي أثناء طريقها بعد أن مرت آسيا بالغابة الشمالية توقفت أمام البحيرة الكبيرة وهي تنظر إلى ذلك الحصان، الذي كان يقف أمام البحيرة.

عقدت آسيا حاجبيها وهي تبحث بعينيها عن صاحب الحصان، إلا أنها توقفت وهي تنظر إلى ذلك الجسد الذي كان يطف في وسط البحيرة.
أبعدت عباءتها من جديد وهي تلقيها على الشاطئ، وتحركت لداخل البحيرة.

على الرغم من كل السيناريوهات التي كانت تدور في رأسها؛ الذي يصوره لها عقلها على أنه قد يكون فخا أو شخصا من جنود الساحرة، إلا أنها فكرت لثوان؛ عما إذا كان شخصا عاديا ويريد الإنقاذ.

مدت آسيا يديها وهي تسحبه ناحيتها قليلاً ببطء، إلا أنها تراجعت بفزع؛ وهي تراه يرتفع ليقف على قدميه بينما ينظر إليها بهدوء وعينيه تتفحصها.
تنفست آسيا الصعداء وهي تراه شخصا طبيعيا، لكن على ما يبدو أنه من خارج القرية كان يحصل على بعض الخصوصية، بينما أتت هي لتتدخل هي بخصوصيته.

لذلك التفت عائدة للشاطئ من جديد دون أن تتحدث بأي كلمة، بينما لا يزال ذلك الغَرِيبُ يقف بهدوء في وسط البحيرة يرمقها بهدوء.
وضعت غطاء العباءة على رأسها لتكمل طريقها لتبتعد، لكنها توقفت فجأة من جديد لثوان بينما جسدها يرتعش ثم توقف من جديد عن الارتعاش.

فالتفت إلى ذلك الغَرِيبُ وهي ترفع غطاء رأسها عن عينيها لتنظر إليه، لتجده هذه المرة يقف على الشاطئ من خلفها بينما كان ينظر إلى وجهها المشرق كوعاء فضي من الحليب.

رفعت آسيا يديها لتشير على الطريق الشمالي قائلة:
_لا ترحل من ذلك الطريق؛ أنهم ينتظرون هناك لقتلك.

أنزلت يدها؛ لتعيد رفع الأخري لتشير على الطريق المتطرف البعيد في وسط الغابة قائلة:
_أرحل من هنا، هذا الطريق سيكون أمن أكثر.

أنزلت يديها وهي تعيد الغطاء على رأسها جيدًا، ثم ألتفت مبتعدة من مكان.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى بها أنثى ليس لها مثيل، ومن النادر أن يخطف أي شخص انتباهه، كانت جميلة حد الفتنة، ومبهرة حد إنارة شغفه تجاهها.




قفزت ”اوديلا” من مقعدها وهي تقترب من آسيا التي دلفت من باب المنزل، وقالت برعب يملأ تقاسيم وجهها:
_لماذا تأخرتِ؟ ألم أخبركِ العديد من المرات ألا تتأخري بالخارج! كما أن البدر في السماء ساطع من الخطر أن تتحركِ في الليل بالخارج.

علقت آسيا عباءتها بجانب الباب قائلة بهدوء:
_آسفة لقد أخذني الوقت ولم أشعر.

عقدت اوديلا حاجبيها بينما ترمق ملابسها المبللة قائلة:
_ما الذي حدث؟ لماذا ملابسك مبللة؟!

حركت آسيا ذراعيها بعدم اهتمام قائلة:
_سقطت في البحيرة أثناء عودتي، يجب أن أغير ملابسي.

ابتعدت إلى داخل غرفتها مغلقة الباب من خلفها، بينما تنهدت اوديلا وهي تجلس على المقعد المقابل لابنها قائلة:
_لا يمكنني السيطرة عليها يا هنري، ماذا يجب أن أفعل؟!

رفع هنري رأسه وهو يرمق أمه قائلا:
_لا يمكنكِ منع المقدر له من الحدوث يا أمي، ما شاهدتيه كان مجرد رؤية عما سيحدث في المستقبل، وليس مجرد تخدير يمكنكِ منعه من الحدوث.

وضعت اوديلا وجهها بين كفيها بتعب لتقترب آسيا وهي تجلس بجانبهم على طاولة العشاء بعد أن فوتت وجبة الإفطار، وسط نظرات اوديلا الخائفة التي ترمقها بها.

بعد بضع دقائق رفعت آسيا عينيها لتساءل أبيها:
_هل كان هناك حدث مهم اليوم في القصر يا أبي؟!

تساءل هنري:
_لا، لماذا السؤال؟!

ابتلعت آسيا بعض الطعام قائلة:
_في الحقيقة لم أقتنع بعد؛ بأن تلك الزينة الحمراء التي تملأ المدينة بأنها معلقة بسبب وحش أسطوري لم يره أحد من قبل.

أردف هنري قائلا:
_على حد علمي أنه ليس هناك أي حدث مهم قريب في المملكة، إلا إذا قرر الملك الزواج.

هزت رأسها بينما تتذكر ذلك الغَرِيب عند البحيرة، والذي على ما يبدو أنه شخص من القصر الملكي يتنكر في هيئة قروي عادي؛ لأنها حين لمسته رأت صورة للقصر الملكي، لكنها لم تعرف ما هي مكانته بعد في القصر.

نظرت إلى أبيها بتردد متسائلة:
_هل هناك شخص من القصر الملكي معتاد على الخروج في الليل؟!

عقد هنري حاجبيه بينما ينظر إليها قائلا:
_لا علم لي، لماذا؟!

صمت لينتظر إجابتها التي يبدو أنها مترددة في قولها؛ خاصة أنها ستفضح بعضا من قواها التي أصبحت تملكها منذ وقت قصير، وهذا ما لا تريد أي شخص مهما كان أن يعرف عنها أي شيء.

تنفست آسيا وهي تبتلع بعض الماء قائلة:
_حين عودتي رأيت شخص ما يغرق في البحيرة، على ما يبدو أنه غَرِيب عن القرية.

هز هنري رأسه وهو يبعد عينيه ليعود لطعامه، بينما همسات آسيا لتتحرك من مكانها قائلة:
_لقد انتهيت، سأذهب للنوم.

تحركت مبتعدة بهدوء إلا أنها عادت لتوقف قبل أن تصل إلى غرفتها ولتفتت إليهم قائلة:
_أبي، حين تراه في الغد أخبره أن ينتبه لأن ”الجيلز ” كانم يتبعونه اليوم.
وابتعدت من المكان، تاركة هنري ينظر إلى آثارها بصدمة.
فتساءلت اوديلا بعدم فهم قائلة:
_هل تعرف من هو هذا الشخص يا هنري؟!

هز هنري رأسه قائلا بخفوت:
_أعتقد أنه الملك، لا أحد يخرج في الليل غيره أحياناً.

تراجعت اوديلا بظهرها للخلف بدهشة:
_كيف عرفت أنك كذبت عليها؟!

هز هنري رأسه بأنه لا يعرف، ثم همس بفتور قائلا:
_على ما يبدو أن ما كنتِ خائفة منه يا أمي، قد اقترب أوانه!

همسات اوديلا بخفوت قائلة:
_يا إلهي الرحيم، أنقذنا مما هو قادم.

” الجيلز” هم الأشرار الذين يتبعون ملكة الساحرات، ويتحولون إلى نوعين، النوع الأول يتحول إلى طيور عملاقة، بينما النوع الآخر يتحولون إلى وحوش عملاقة الجسد.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي