الفصل الثاني

داخل القصر_وفي الصباح الباكر.

طلب الملك من رئيس الحراس بأن يأتي له بساحر المملكة، ويجلب معه حين يعود ”القزم الساحر ”من قرية الأقزام.
على الرغم من أنه يعرف خطورة الذهاب إلى قرية الأقزام البعيدة نسبياً في المملكة، الذي لا يذهب إليها أي شخص؛ لخطورة الطرق المؤدية إليها والخوف من اللصوص.

حين دلف هنري إلى مكتب الملك مخفض الرأس وهو ينحني بهدوء:
_هل طلب مولاي رؤيتي؟!

رفع تريان رأسه من بين أوراقه التي كانت أمامه، بينما يردف بخفوت قائلاً:
_أين كنت منذ الصباح الباكر يا هنري؟!

أخفض هنري رأسه من جديد بخفوت:
_أعتذر من مولاي على تأخري لكن وصلني بعض الأخبار عن أن مجموعة من الچيلز كانم يتبعونك يا مولاي، فأردت التحقق في الأمر جيدًا قبل أخبارك.

هز تريان رأسه بهدوء وهو يعود بعينيه للأوراق:
_أعرف هذا الأمر جيدًا.

ساد الصمت في الغرفة طويلاً، قبل أن يقطعه تريان قائلا:
_أخبرني يا هنري، كيف حال الطفلة الرضيعة التي وجدت في الغابة منذ سنوات؟!

رفع هنري عينيه بدهشة لينظر إليه برعب حقيقي، بينما لا يزال تريان على نفس هدوئه ينظر إلى الأوراق فتلعثم هنري مراراً وهو يحاول تكوين كلمة واحدة مفيدة يمكنه قولها.

إلا أن تريان رفع عينيه لينظر إليه ببرود جاف، قبل أن يضحك ضحكة بها لمحة من القسوة قائلاً:
_هل ظننت أنه يمكنك إخفاء الأمر طويلاً يا هنري؟!

ركع هنري على قدميه في الأرض قائلا بسرعة وخوف:
_لم أقصد إخفاء الأمر يا مولاي لكن أن عرف الشعب أن هناك طفلة وجدت في الغابة المحرمة، لكان الجميع طالبَ بحرقها حية على الفور.

نظر إليه تريان بشيء من القسوة قائلا:
_كان يمكنك إخباري على الأقل، لقد تصرفت من رأسك وتجاهلت وجودي كملك يا هنري.

أخفض هنري رأسه أكثر حتى كادت تلمس الأرض دون أن يتحدث من شدة رعبه، لثوان قبل أن يطلب الساحر القزم الدخول.

دلف القزم من باب الجناح مخفضاً الرأس وهو ينظر إلى وضع هنري على الأرض بعدم فهم، بينما أشار إليه تريان بالتقدم هو الآخر قائلا:
_أخبرني يا سانتو، قبل نحو 18 عشر سنه ماذا وجدت في الغابة المحرمة؟!

أرتبك الساحر القزم سانتو هو الآخر وقد فهم سبب وضع هنري الغريب، فتلعثم هو الآخر قائلا:
_كانت طفلة رضيعة وجدتها ابنتي وزوجها في الغابة يا مولاي.

تراجع تريان بظهره للخلف وهو يهز رأسه متسائلا:
_لماذا لم تأت بها لي؟! لماذا لم تخبرني عنها شيء؟!

أخفض الساحر القزم سانتو رأسه مجيب بخفوت، بينما بهتت ملامحه:
_أعطيتها لهنري يا مولاي لم أكن أعرف أين يجب أن أضعها لأنها كانت من نسل الساحرات يا مولاي؛ الوشم الذي كان على ذراعها كان وشم السحرة لقد طلبت من هنري أن أذهب لتعليمها السحر، لكنه رفض بحجة أن الناس سيشعرون بالخوف من تواجدي بالقرية.

رمقهم تريان لدقائق طويلاً بينما هنري يعتذر مراراً، قبل أن يعود بعينيه إلى الساحر القزم قائلا:
_هل تعرف ابنة من هي؟!

رفع الساحر عصاه الخشبية التي يستند عليها قائلا:
_لا يا مولاي بعد أن رفض هنري، نسيت الأمر تمامًا.

عقد تريان حاجبيه قائلا بهدوء:
_عد للغابة المحرمة يا سانتو لتستفهم من حوريات الغابة؛ أن كان هناك أي شخص رآها تلك الليلة حين وضعت في الغابة، ولا تعد دون أن تعرف ابنة من هي.

انحنى الساحر القزم ليخرج من الجناح، بينما أردف تريان موجهة كلامه له:
_أما أنت يا هنري عد للبيت الآن وأخبرها كل شيء إلى حين معرفة كل شيء عنها، أنت تعرف أن وجود رضيعة في الغابة المحرمة شيء لم يحدث أبدًا من قبل.

اعتدل هنري واقفاً وهو ينحني قائلا:
_أمر مولاي.

تراجع هنري ناحية باب الجناح، إلا أن تريان أوقفه من جديد قائلا:
_أخبر رئيس الحراس أن يأتي.

خرج هنري من عند الملك، وقد طلب رئيس الحراس الدخول، فوافق الملك على دخوله.
انحنى رئيس الحراس بهدوء:
_تحت أمر مولاي.

أردف تريان بهدوء:
_هل وصلت أي أخبار عن الوزير الأول والجنود؟!

أخرج رئيس الحراس برقية من ثيابه قائلا:
_بعث الوزير الأول برقية يقول إنهم على وشك الوصول إلى ”المدينة السحيقة ”دون أن يصلوا لأي شيء جديد.

رفع تريان رأسه وهو يأخذ منه البرقية، نظرا بداخلها لثوان ثم عاد ليغلقها قائلا:
_أبعث له برسالة بأمر ملكي من الملك، أن يتخطى المدينة السحيقة تمامًا والابتعاد عنها، وألا يعود هو والجنود دون أن يجد ”درع الكايمير القوي، والصولجان”، هل تفهم هذا الأمر؟!

انحنى الحارس وهو يردف بهدوء:
_أمر مولاي.
وانسحب إلى الخارج تارك تريان الذي بدأ بتجهيز الخطاب الذي يبعثه إلى ”مملكة سجلين ”هو والوزير الأول للبلاد.



توقفت آسيا حين كانت في سوق المدينة هي وورد، لتنتقي بعض الطلبات لجدتها.
توقفت عن التقدم حين نادها ذاك العجوز الغريب، أمعنت آسيا النظر بهيئته، لم يكن من الأشخاص المشردين؛ بالنظر بملابسه الذي يرتديها والتي كانت ذهبية وبراقة اللون، وتبدو غالية الثمن.

أشار العجوز إليها من جديد:
_تلك الفتاة هناك، نعم، أنتِ.

عقدت كلا من ورد وآسيا حاجبيهم، بينما تساءلت ورد قائلة بخفوت:
_ماذا تريد يا سيدي؟!

تفحص العجوز آسيا بعينيه طويلاً مثير توترها، قبل أن يردف أخيراً:
_لديكِ مصير فريد جداً، عمرك ومظهرك لا يتطابقان أيضاً.

على الرغم من أنها لم تفهم ما هو مقصده، إلا أنه نجح في جعلها تشعر بالتوتر وعدم الراحة من شيء تجهله فأكمل العجوز قائلا:
_دعيني أقرأ لكِ الطالع لمرة واحدة فقط، ويمكنكِ أن تعطيني قدر ما تريدين.

لم تثق أبدًا من قبل بهذه الخرافات، إلا أنها مدت يداها في النهاية وهي تعطيه بعض العملات الفضية، فنظر العجوز إلى كف يدها لثوان وهو عاقد حاجبه، قبل أن يبتعد فجأة بسرعة قائلا:
_لا يمكنني مساعدتكِ، لكن ستقابلين شخصا آخر سيساعدكِ.

ثم أبتعد مغادر بهدوء، ولم يلتفت لهم مهما نادت عليه ورد بضع مرات.
عبست آسيا وهي تنظر إلى كف يدها:
_هل تم خداعي الآن؟! جدتي ستغضب على العملات التي أهدرتها.

ربتت ورد على ذراعها قائلة بهمس:
_أعتقد أنها ستتفهم الأمر.

تحركت الاثنتان مبتعدتين من جديد وهي تكمل باقي الطلبات، بينما تساءلت ورد بفضول قائلة:
_متى عدتِ في ليلة اكتمال البدر؟!

نظرت آسيا أمامها وهي تعيد وضع الخضار في الحقيبة، بينما همست بخفوت:
_قبل أن يحل الظلام.

لم تكن آسيا لتخبر أي شخص مهما كان عن أحلامها أو قواها، حتى حين حصلت ورد على تنينها والذي يولد مع صاحبه، لكنه لا يظهر إلا حين يبلغ صاحبه، فيظهر ويسهل التحكم به أو استدعاؤه.

وهذا لم يحدث معها حتى أن ورد شرحت لها بعض الأحاسيس التي كانت تشعر بها قبل أن يظهر، لم تكن لتنطبق عليها أبدًا وتلك القوة التي أصبحت تمتلكها منذ وقت قصير، تجعلها تتساءل كل ليلة عما إذا كان كل شخص في المملكة يمتلك تلك القوة أو هي فقط؟! لكنها لم تكن لديها الجرأة لتخبر أي شخص أو تسائله حتى.



حين عادت آسيا للمنزل من جديد، وضعت المشتريات على طاولة المطبخ أمام جدتها، ثم أعطتها العملات المتبقية ودلفت لغرفتها.
نظرت اوديلا إلى العملات الفضية قبل أن تهمس متسائلة:
_هناك عملتين ناقصتين، ما هو سعر هذه الأشياء اليوم؟!

همسات آسيا بعد أن بدلت ملابسها بسرعة:
_وقعت مني عملتان ولم أجدهم.

عبست اوديلا وهي تردف بفتور:
_كان يجب عليكِ الانتباه جيدًا، نحن لا نجد هذا المال في الشارع يا آسيا.

لم تتحدث آسيا لتستمع إلى استياء جدتها، تحركت ناحية الباب وهي ترتدي عباءتها الرصاصية اللون على كتفها من جديد.
وهمست بهدوء:
_سأذهب إلى المكتبة اليوم لا يوجد اليوم بدر في السماء، لذا لا داعي للقلق.

تأففت اوديلا بإنزعاج قائلة:
_ألا يمكنكِ تأجيل الذهاب إلى المكتبة ليوم واحد على الأقل، أنتِ تذهبين إلى هناك كل يوم تقريبًا.

تنهدت آسيا بهدوء وهي ترمق جدتها:
_لقد طلبت مني مهيرة العمل معها في المكتبة بمقابل مادي، إذا كنتِ بحاجة لأي شيء يمكنكِ إخباري!!

أشارت إليها اوديلا بيديها للذهاب وعادت للمطبخ.
حين دلف هنري بعد دقائق من خروجها، بدأ عليه التوتر والارتباك بينما يبحث بعينيه عن آسيا في أرجاء المنزل.
عاد إلى اوديلا بعينيه قائلا بخفوت:
_إلى أين ذهبت آسيا؟!

أمعنت اوديلا النظر في هيئته المتوترة والمرتبكة قائلة:
_طلبت منها مهيرة العمل في المكتبة، ما الذي حدث معك؟!

تنهد هنري وهو يجلس على مقعد في المطبخ، قائلا بتعب:
_الملك علم أن آسيا هي نفس الطفلة الرضيعة.

توقفت اوديلا عما كانت تفعله، وهي تلتفت إليه من جديد بتوتر:
_كيف عرف هذا الأمر؟! هل أخبره الساحر القزم؟!

هز هنري رأسه:
_لا، لم يخبره سانتو لا أعلم كيف عرف لكن على ما يبدو أن مقابلته لآسيا عند البحيرة كانت السبب، لا علم لي.

جلست اوديلا على المقعد أمامه:
_ما الذي ستفعله الآن؟!

نظر إليها هنري، وقال بينما يعود بظهره للخلف:
_يجب على اخبارها بكل شيء، أخبريني شيئا لماذا يبدو أن جميع النساء يشعرون بالتوتر اليوم؟!

تراجعت اوديلا بظهرها، بينما تهمس بخفوت قائلة:
_لقد اقترب موعد كسوف الشمس، معظم النساء الحوامل الذين سيضعون أطفالهم في يوم الكسوف، خائفون على اختفاء أطفالهم.



بعد أن انتهت آسيا من إغلاق المكتبة اليوم بعد أن بدأت بالعمل مع مهيرة في المكتبة، شعرت بالراحة؛ على الأقل العمل سيجعلها تتهرب من نظرات جدتها المتفحصة لها في المنزل دون أدنى سبب.

كان قد حل الليل وهي تسلك طريق الغابة من جديد مارة بالبحيرة، توقفت آسيا أمام البحيرة من جديد؛ وهي تجد نفس الحصان الأبيض يقف في نفس مكانه.

جالت بعينيها بحثاً عن الغَرِيب، لتجده يجلس هذه المرة على الشاطئ.
تقدمت بضع خطوات تريد الابتعاد، إلا أنها توقفت وهي تتجه ناحيته، وقفت آسيا على بعض خطوات خلفه.

جاءها صوته وهي يردف بهدوء قائلا:
_ألن تقتربي للجلوس؟!

عقدت آسيا حاجبيها من سؤاله، وهمست متسائلة بخفوت:
_ألست خائفا من الچيلز ؟!

شعرت بابتسامته الساخرة، على الرغم من عدم رؤيتها، فتساءل بنبرة صوت متلاعبة:
_من أنتِ؟!

رفعت آسيا رأسها بعناد، وهي تجيب بنبرة متمردة:
_أنا لا أتحدث مع الغرباء.

أدارت آسيا ظهرها ناحيته تنوي الرحيل، إلا أنها توقفت وهي تجده يقف أمامها بهدوء.
التفتت برأسها لتتأكد من أنه كان لا يزال جالس، إلا أنها لم تجده.
فعادت من جديد بعينيها للذي يقف أمامها.

العديد من الأسئلة التي جالت بخاطرها عن كيف ظهر الآن أمامها؟! إلا أنها ابتلعتهم وتساءلت بخفوت:
_من أنت؟! ما الذي تفعله هنا؟!

أبتسم الغَرِيب بهدوء قائلا:
_مجرد تائه كان يبحث عن شيء، وقد وجد ضالته أخيراً.

توترت آسيا من نظراته المتفحصة ناحيتها، عينيه الزرقاء الحادة التي كانت تنظر ناحيتها بنظرات مستمتعة.
شيء يتعلق بالانثى التي أمامه زعزع كيانه، عينيها الواسعة كانت تملك شيئا خطيرا، جعل منه مقيدًا حبيس تلك النظرة.

ملامحها المسالمة سببت بداخله حربا لا يعرف سببها، ضاقت عيناه عليها للحد الذي جعل من الدماء في جسدها تجف.
نظرة عينيه لها، وكيف كان يتأملها جعلت منها تشعر بالخطر الحقيقي.

متمنية في هذه اللحظة أن تختفي، وتلك الابتسامة التي ظهرت على ثغره جعلتها تحبس أنفاسها، بينما تستمع لصوته يخاطبها بنبرة مخملية منتشلاً إياها من أفكارها:
_أنا لا أذكر أسماء النساء، ولكن لا أنسى ملامحهن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي