الفصل الثالث

في قديم الزمان قبل نحو 2000 سنة، كان العالم ينقسم إلى أربعة أجناس غير الجنس البشري.
النوع الأول:”هم الآلهة ” كان ”ثور ”صاحب المطرقة هو أهم الآلهة حينها، وقد كان يتحكم في حالة الطقس وقوة الطبيعة، بينما كان يحارب أعداء الحضارة ويمثل نداء القانون والنظام.

أما النوع الثاني:”هم العمالقة” وهم مخلوقات خارقة للطبيعة، يملكون قدرات تفوق قدرات البشر، كان معروفا عنهم التهور، والتدمير، وسرعة الغضب، وكانوا ألد أعداء للآلهة.

النوع الثالث:”وحوش الفوضى” وهم الذين قد تحالفوا مع العمالقة ضد الآلهة، واعتبرت خيانة عظيمة حينها، وبسبب هذه المؤامرة بدأت نهاية العالم، والتي يقال إنها في قديم الزمان كانت تسمى ”رانج روك ”والتي بدأت بكوارث طبيعية، وقد بلغت ذروتها في المعركة التي حدثت بين الآلهة والعمالقة، وانتصر بها الآلهة.

أما النوع الرابع:”الساحرات”، وهم الأشخاص الذين لديهم القدرة على التنبؤ بالأحداث.

أغلقت آسيا الكتاب الذي كان يحتوي على العديد من المعلومات عن أنواع القوى، التي كان يملكها البشر قديماً، دائما ما تحب معرفة بعض المعلومات عن أنواع الأساطير، التي لن يخبرها أي شخص عنهم، والتي أحياناً يصعب التصديق بأنها متواجدة.

تتذكر حين أيقظتها جدتها صباح اليوم، كان مجرد كابوس لا تذكر تفاصيله، لكن هذه المرة أخبرتها جدتها أنها كانت تصرخ طالبة النجدة، لا تستطيع حتى تحديد تفاصيله.
لكنها تتذكر رؤية نار كبيرة مشتعلة من حولها، بينما هي تردد كلمات لا تذكرها ولا تفهم اللغة التي نطقتهم بها.

رفعت آسيا أَنْظَارهَا إلى مهيرة؛ التي اقتربت مبتسمة، بينما تهمس قائلة:
_كيف حالكِ اليوم؟!

أبعدت آسيا الكتيب الضخم من أمامها قائلة:
_بخير.

أمعنت مهيرة النظر للكتب الكثيرة، التي كانت حولها:
_يبدو أنكِ قد انتهيتِ من قراءة كل هذه الكتب!!

ابتسمت آسيا وهي تشير بِيَدَيْهَا إلى كتيب كبير، أسود اللون بجانبها قائلة:
_أجل، لكنني في الحقيقة لم أستطع فهم ما يقوله هذا الكتاب.

أمسكت مهيرة بالكتاب بين أصابعها:
_أجلسِ بجانبي، سأروي لكِ الأحداث بطريقة سهلة.

تقدمت آسيا وهي تجلس على المقعد المجاور لها، بينما أردفت مهيرة بخفوت:
_في قديم الزمان قبل نحو ١٠٠٠ سنة، كان هناك عدد كبير من ”الڤايكنج ”حين كَانُوا يسرقون مكانا مقدس اسمه ”نور ماندي ”وأثناء ذلك وجد بعضهم غرفة سرية.

عقدت آسيا حاجبيها بينما تستمع إلى مهيرة التي أكملت قائلة:
_توسل أحد الرهبان إليهم بإل يدخلون هذه الغرفة بالتحديد، لكن الڤايكنج لم يَهْتَمُّوا بتحذير الراهب وتم فتح الغرفة، على أمل أن يجدوا بعض الذهب والفضة، لكنهم لم يجدوا في الغرفة سوى ذئب كبير الحجم، مرعب، مخيف.

بينما أكملت مهيرة قائلة:
_الغريب في الأمر أنهم قد قرروًا أخذه معهم.

همست آسيا متسائلة:
_ما الغريب في الأمر؟!

ابعدت مهيرة الكتاب من يدها قائلة:
_حين وصلت سفن الڤايكنج إلى الميناء، وجدوًا أن جميع الرجال قد تم قتلهم، بطريقة وحشية، الأسطورة تقول في الكتاب، أنه ليس مجرد ذئب عادي، بل ذئب الجحيم.

تساءلت آسيا بعدم فهم:
_ما الذي حدث بعد ذلك؟!

هزت مهيرة كتفيها بعدم معرفة:
_يقال إنه اختفى بعد أن وصلت السفينة إلى الميناء.

ابتعدت مهيرة وهي تعيد الكتاب إلى مكانه من جديد، بينما نظرت آسيا إلى غروب الشمس من شرفة المكتبة بهدوء.



في داخل القصر الملكي_لمملكة ” نورز ”

تحرك كلير بين طرقات القصر؛ وهي تتجه إلى غرفة الأميرة ”شاهيناز”.
إنحنت كلير ما أن سمحت لها شاهيناز بالدخول:
_مولاتي.

رفعت شاهيناز عينيها وهي تنظر إلى خادمتها المقربة:
_أين كنتِ يا كلير منذ الصباح؟ بحثت عنكِ طويلاً.

همست كلير بخفوت بينما ترفع عينيها:
_آسفة، لقد أمرتني مولاتي الملكة، بتجهيز العربة وأن أتأكد من أن كل شيء في موضعه الصحيح.

وقفت شاهيناز أمام المرآة بينما تتمعن النظر بنفسها وفستانها الحريري:
_هل أنا جميلة الآن يا كلير؟!

تمعنت كلير النظر بها عبر المرأة:
_بل أكثر من جميلة يا مولاتي، لابد من أن الملك تريان سيكون سعيد بكِ وبجمالكِ.

ابتسمت شاهيناز بخفوت وخجل، بينما كانت تستعد للانطلاق إلى مملكة ”تير أصلان”.
بعد أن بعثت لهم الملكة الأم رسالة تطلب فيها يد ابنتهم إلى ابنها الملك، كمْ كانت سعيدة بهذه الأخبار وبتلك الزيجة.

لقد سمعت الكثير عنه من أبيها، كما سمعت معظم نساء المملكة عن عدله، وقوته، وقيادته لجيشه منذ سن صغير.
وقد أسماها أبيها ”صفقة القرن ”لشدة سعادته، شعرت بالتوتر فجأة، وتساءلت مع نفسها عما يجب عليها فعله؟ وكيف يجب عليها الحديث؟ ماذا إن أخطأت؟!

وصل إليها صوت كلير التي همست من خلفها:
_لا داعي للقلق يا مولاتي، سيكون كل شيء على ما يرام، يجب عليكِ أن تكوني سعيدة الآن، لقد تحقق ما كنت تبغينه طوال سنوات.

ابتسمت لها شاهيناز عبر المرآة وهي تعدل فستانها، قبل أن ينفتح باب الجناح؛ لتدلف منه الملكة ”جيويل”.
استأذنت كلير للخروج، التفتت شاهيناز إلى أمها بسعادة، بينما اقتربت جيويل من ابنتها، وهي تتقدم لاحتضانها بحب.

ربتت جيويل على ظهرها ببطء:
_لا داعي للبكاء أو الشعور بالخوف، كلها بضعة أيام فقط، وستأتي أنا وأبيكِ من أجل مراسم الزفاف.

هزت شاهيناز رأسها، بينما لم تجد القدرة على متابعة الحديث، فتفهمت جيويل موقف ابنتها وهي تُحَذِّرهَا قائلة:
_شاهيناز، يجب أن تنتبهي على نفسكِ. جيدًا، وأيضًا لا تنسي القواعد، القواعد هنا مختلفة عن قواعد العاصمة، نحن هنا جميعًا، مجرد ممالك تابعة للمملكة الرئيسية ”تير أصلان ”تحت حكم الملك تريان، لا تحاولين إغضابه، هل تفهمين مقصدي؟!

دلفت رئيسة القصر وهي تنبثق قائلة:
_مولاتي، لقد تم تجهيز كل شيء، العربة والحراس ينتظرون بالخارج استعدادا للرحيل.

احتضنها جويل من جديد، قبل أن تساعدها على ارتداء تاجها المرصع من حجر الزمرد، وعباءتها على كتفيها التي تشبه لون فستانها، قبل أن تبدأ رحلتها بالانطلاق نحو مملكة ”تير أصلان”




في القصر الملكي_لمملكة تير أصلان.

كانت التحضيرات على قدم وساق لحفل استقبال الأميرة شاهيناز عروس الملك، بينما أشرفت الملكة الأم ”يولاند ”على كافة التحضيرات.

تنهد يولاند وهي تبحث بعينيها عن الخادمة بينما تقول لابنتها:
_لا أعرف أين يذهب معظم الليل يا ” ريلين ”.

حدقت ريلين بأمها قائلة بهدوء:
_أين تظنين أنه قد يذهب يا أمي، هناك بالتأكيد سبب لاختفائه المتكرر، سمعت أن الساحرة قد أطلقت بعض جُنُودهَا، الذين يحاولون مهاجمة المملكة.

عادت يولاند بظهرها للخلف قائلة:
_هذا شيء وهذا شيء آخر أنه يستطيع التصدي لهم بكل سهولة، لكن الأميرة شاهيناز ستصل بعد عدة أيام، كان يجب عليه البدء بالاستعداد لقدومها، لكنه أهمل كل شيء.

ربتت ريلين على كف يد أمها:
_أنتِ تعلمين وجهة نظره بهذا الأمر، هو يرفض فكرة الارتباط بهذه الطريقة يا أمي، تريان رجل كبير وعاقل ومسؤول عن حياة ملايين الأشخاص، هو يكرس كل تفكيره بأن يحمي الممالك ضد هجمات الساحرة المتلاحقة.

اقتربت رئيسة الخدم وهي تنحني قائلة:
_لقد تم تجهيز كافة الاستعدادات للأحتغال يا مولاتي، ننتظر فقط وصول الأميرة بسلام.

هزت يولاند رأسها قائلة بينما تعقد حاجباها:
_لقد سمعت عن المعركة، التي دارت في قصر الحريم في الصباح يا ”كاتيا”.

ارتكبت كاتيا وهي تهمس قائلة:
_لقد تمت معاقبة كل الفتيات، الذين تسببوا بهذا الإزعاج يا مولاتي.

أردفت يولاند قائلة من جديد:
_أتمنى ألا يحدث هذا الأمر من جديد، لأنه سيكون على أخذ بعض القرارات التي لن تكون في صالحكِ أبدا.

اعتذرت كاتيا من الملكة قبل أن تسمح لها بالخروج، حولت يولاند عينيها إلى رئيس المشرفين في القصر:
_هل الملك في جناحه الآن يا إكساند؟!

أخفض إكساند رأسه قائلا:
_لقد ذهب منذ وقت قصير يا مولاتي.

نظرت يولاند إلى الظلام الذي حل بالخارج، قبل أن تنظر لابنتها قائلة بسخط:
_أنظري، ألم أخبركِ عن تصرفاته في الليل، هذه التصرفات مريبة، ولا تليق بمكانته كملك للبلاد.

طمأنتها ريلين قائلة بخفوت:
_أنا أثق في قرارات مولاي الملك، وبالتأكيد هناك سبب مهم لهذه التصرفات.



حين مرت آسيا من طريق الغابة بعد أن أغلقت المكتبة، حين وصلت إلى البحيرة.
توقفت وهي تبحث عنه بعينيها، إلا أنها هذه المرة لم تجده.

اقتربت ببطء من بحيرة وهي تقف أمامها، بينما تنظر إلى القمر الذي ارتسم ضوئه على البحيرة.
_هل كنتِ تنتظرينني؟!

استمعت آسيا لتلك الكلمات خلفها مع إقتراب صوت خطوات، حينذاك استدارت بسرعة وهي لا تزال محافظة على ثباتها.
بينما يشاهد هو تلك الأنثى الإستثنائية، فابتسم فجأة بإغراء أسقط قلبها.

وهو يقترب منها، كلتا يداه في جيوب بنطاله، حتى وقف أمامها ينظر إلى عينيها التي تنظر له، بنظرة جعلت من قلبه يخضع لها بطريقة لم تحدث من قبل معه.

لم يسبق وأثارت قلبه أنثى من قبل هكذا، سحب إحدى يديه من جيبه ليمدها نحوها فنظرت إلى يديه بتردد كبريائها يقول إياكِ إن تضعي يدكِ في يده، وقلبها يقول بإمكانكِ وضعها، كما كان عقلها المجنون يطالبها بالمخاطرة.

وما بين هذه وذاك اختارت أن تخوض هذه التجربة، لأنها ربما لن تتاح لها فرصة رؤيته مجددًا.
خلعت قفازات يدها اليمنى، الذي اعتادت على ارتدائها لأسباب رؤيتها إلى ماضي كل شخص تلمسه أو أي شيء تلمسه بيديها.

لكنها قررت هذه المرة أنها تريد معرفة كل شيء عنه، لذا وضعت يدها الباردة بين كف يديه لتتسع ابتسامته تلك قبل أن ينحني ليقبل كف يدها.

جاعلًا قلبها يرتجف ترقبًا وارتباكا، إنها لم تجرب شيئا كهذا من قبل، وهذا كان جليًا على ملامحها وهو يقف أمامها ليتأمل عينيها.
بإمكانه الشعور بهذا، بأنه الرجل الأول الذي يتمكن من الحصول على هذه الفرصة معها.

بينما عقدت آسيا حاجبيها، إنها المرة الأولى التي تلمس بها شخصا ولا تستطيع رؤية ماضيه.
وهذا جعلها تشعر بالفضول في معرفة من هو هذا الشخص الذي يقف أمامها.

بينما تمتم لها بصدق وعيناه الزرقاء الحادة تنظر لها بتمعن:
_في الواقع لم أر امرأة بهذا الجمال، حتى في عاديتها.

كمْ كانت مذهلة في نظره! لم يلتق يوم بأنثى لا تحاول إثارة إعجابه، التمرد كان جليًا على ملامحها الفاتنة.

كان النظر لها كفيلا بإخراس حواسه ليبقى فقط قلبه من ينظر لها ويسمعها ويشعر بها، قلبه كان سيد الموقف ولكنها لم تغرها أفعاله تلك، لقد وجدته كاذبًا على الرغم من شعورها بصدقه.


أبعدت آسيا يديها من كف يده، حين سمع كل منهم صرخة قوية من داخل الغابة.
التفت آسيا بفزع وهي تنظر إلى الغابة من الخارج بعد أن صمت صوت الصراخ، لكنه عاد فجأة مرة أخرى.

نظرت آسيا إلى الغَرِيب الذي قد قفز على حصانه وهو يتجه ناحية الغابة، بينما وقفت تتابع المنظر من الخارج برهبة.
أرادت التقدم والدخول خلفه، وتساءلت ماذا إن كان الأمر مجرد خدعة؟ فتحركت من خلفه وهي تتقدم بعده إلى داخل الغابة.

نظرت آسيا حولها وهي تبحث عنه بينما يحيط بها الضباب الكثيف، قفزت مَكَانهَا برعب وهي تستمع من جديد للصرخة، والتي كانت قادمة عن يَسَارهَا.
تقدمت في وسط الغابة بين أغصان الأشجار، بينما تشعر بأن هناك من يراقبها وهذا الشعور جَعْلهَا تشعر بِخَوْفِهَا يتزايد.

حين اقتربت أكثر شاهدت شخصا ملقى على الأرض ينزف، وحصان الغَرِيب يقف إلى جانب الرجل.
اقتربت آسيا وهي تنخفض بجانبه بينما تتحسس دقات قلبه، كانت دقاته ضعيفة، لكنه لا يزال على قيد الحياة.

وهذا ما جعلها تبعد طرف عباءتها عن كتفيها وهي تقطعه بسرعة، ثم انخفضت لتضعه على مكان الجرح النازف بغزارة في منتصف صدره.

وقفت من جانب الشاب الذي كان فاقد الوعي، وتحركت بسرعة ناحية الصرخات.
أرادت أن تستفهم عما يحدث هناك، لكنها فوجئت بالغَرِيب وهو يخرج يحمل سيف بين يديه، بينما على الأرض هناك فتاة مصابة بشكل أكبر من الشاب.

أسرعت إليها لتتحسس نبضها من جديد لكنها كانت لا تزال على قيد الحياة، فعادت لتقطع جزء من عباءة كَتفها؛ لتضعها من جديد على الفتاة.
حولت عيناها وهي تبحث من جديد عن الغريب ومصدر هذه الصرخات الأنثوية التي اندلعت برعب أكبر، وكأنها تواجه شيء أكبر من مخاوفها حتى.

بحثت بعينيها عنه، لكنها لم تستطع رؤيته بسبب كثافة الضباب من حولهم، فعادت بسرعة لخلع قفاز يديها وهي تبسط كف يدها لتضعه على الأرض مغمضة عينيها.

كانت هذه إحدى قواها التي اكتشفتها مؤخرًا، أنها تستطيع رؤية ما يحدث من حولها أن لمست الأرض بكف يَدهَا.
في وسط الضباب بينما كانت مغلقة الأعين، شاهدت جسمين، الأول كان للغريب، والآخر كان لحيوان بدا لها كالذئب.

قبل أن يهرب مبتعدًا فشاهدت قدوم الغَرِيب، فنزعت كف يدها بسرعة وهي ترتدي قُفَّازهَا.
اقترب من جديد بسرعة ناحيتها وهو يتساءل بخفوت:
_هل هي على قيد الحياة؟!

هزت آسيا رأسها وهي تؤشر على الرجل الآخر، قائلة:
_وهو أيضا لا يزال على قيد الحياة، لكن نبضهم ضعيف جداً.

في تلك اللحظة لم يجد تريان سوى الحل الوحيد أمامه وهو يغمض عينيه، بينما يفتح التواصل بينه وبين رئيس الحرس، ليطلب منه القدوم، طريق التخاطب بين عقلهم.




حين عادت آسيا من جديد للمنزل كان منتصف الليل قد حل، بينما قفزت اوديلا من مكانها برعب وهي تصرخ قائلة:
_لقد تأخرتِ، هل تعرفين كمْ كنا خائفين عليكِ؟!

توقفت اوديلا عن الصراخ وهي تنظر إلى هَيْئَتهَا المشعثة، عباءتها التي على كتفها مقطعه تقريبًا، وفستانها الأزرق ملطخ بالدماء.

لم تجد آسيا القدرة على التحدث، لكنها همست بصوت ضعيف:
_هل ذهب أبي؟!

هزت اوديلا رأسها من جديد:
_يبدو أنه حدث شيء فظيع في القرية، فطلب منه الذهاب، لكن ما الذي حل بكِ، طمئني قلبي الضعيف يا صغيرة.

خلعت آسيا عباءتها عن كتفها، وهي تهمس بتعب وضعف واضح عليها:
_لقد هاجم ذئب مفترس، رجلا وزوجته في الغابة منذ قليل.

شهقت اوديلا بصدمه:
_هل أنتِ من أنه ذئب؟ لم يظهر أي ذئب منذ ما يقارب ١٠٠ سنة، حتى أن الجميع قالوا إنهم انقرضوا.

هزت آسيا رأسها وهي تتحرك ناحية غرفتها، بدلت آسيا ملابسها بعد أن اغتسلت من آثار الدماء العالقة بها.
ألقت بجسدها على السرير وهي تنظر إلى سقف الغرفة، الذي قد صار منظرا مملًا بالنسبة لها.

عرفت اليوم من كان هذا الرجل، حين جاء له رئيس حراس القصر الملكي الأطباء والعربة لنقل المصابين.
كان الملك بكل بساطة، لا تزال تجد صعوبة في تصديق هذا الأمر في الحقيقة.

أعني كيف يمكن للملك شَخْصِيًّا أن يقف معها، ولأكثر من ذلك أنه قد تغزل بها، سمعت الكثير عن الملك معظم أفراد الشعب يتحدث كثير عنه، لَكِنَّهَا لم تستطع رؤيته من قبل.
لا تزل رائحة الدماء تشعر بها في أنفها، بينما تتذكر منظر الذئب المفزع حين استطاعت رؤيته

دلفت اوديلا وهي تحمل بين أصابعها كوب كبير من عصير الليمون، وجلست بجانب آسيا على الفراش وهي تساعدها بالاعتدال قائلة:
_يبدو وجهك أصفر اللون، أحتسي بعضا منه، ستكونين بخير بالتأكيد.

كان جسدها بأكمله ينتفض بذعر، بين ذراعي اوديلا التي أبعدت الكوب وهي تضمها إليها.
واندثرت بجانبها على الفراش بينما تَحْتَضِنهَا، وهي تدندن لها لحن أغنية.
قديمًا حين كانت لا تزال طفلة، لم تكن تستطيع النوم، سوى على صوت اوديلا وهي تدندن بنفس الأغنية.

وهذا جعل اوديلا تبتسم بخفوت وهي تراها قد ذهبت للنوم، تتمنى ألا تحلم بذلك الكابوس كالمعتاد، لأنها اليوم كانت تصرخ طالبة للنجدة أثناء نَوْمهَا.

حين استيقظت آسيا في صباح اليوم الثاني، توجهت إلى خارج غرفتها وهي تبحث عن أبيها، لكنها لم تجده.
ابتسمت اوديلا حين شاهدتها مستيقظة مبكرًا:
_صباح الخير أيتها الجميلة.

أرادت الترفيه عنها، إلا أن آسيا كانت ملامحها جامدة وباردة، وهي تبحث عن أبيها بعينيها.
فتنهدت اوديلا وهي تردف بهدوء:
_لم يأت بعد منذ الأمس، يبدو أن الأمر خطير جِدًّا.

جلست آسيا أمامها قائلة بخفوت:
_كنت أريد الاطمئنان منه عن الرجل وزوجته! وإذا كانوا قد وجدوا الذئب أم لا؟

أبعدت اوديلا خيوط الصوف التي كانت تخيطها قائلة:
_القبض على ذئب طليق وخطير أيضا، ليس بتلك السهولة يا آسيا، بل يحتاج إلى مدربين متخصصين في هذا الأمر.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي