الفصل الثاني أمر بالقتل

الفصل الثاني (أمر بالقتل)

عاد "راجي" إلى بيت "روزالين" وكان متخبطًا، استقبلته "روزالين" بقلق بالغ فسألته:
_أين كنت كل ذلك يا راجي؟ لقد أصابني القلق من أجلك.

جلس "راجي" صامتًا كمن تلقى ضربة على رأسه أفقدته النطق، جعل "روزالين" تنزعج؛ فسألت مجددًا:
_"راجي"، تكلم، ما خطبك؟

نظر لها هاتفًا:
_كنت أسير في المدينة؛ حتى تأكدت أنني بالفعل في بافلوبيتري.

سألت مندهشة:
_وماذا يعني لك هذا؟ لقد قلت لك ذلك أمس.

_يعني أنني صرت في مدينة غارقة منذ خمسة آلاف عام.

اتسعت أعينها في دهشة متمتمة:
_ماذا تقول؟!

_أقول ما سمعته يا "روزالين"، أنا من الحاضر، وأنتِ من الماضي.

قالت:
_هل يعني ذلك إنك من زمن غير زماننا هذا؟

_نعم يا روزالين، أنا من القرن الواحد والعشرون.

وصلت إلى ذروة الدهشة، فلم تتخيل ما قاله ولم تستوعبه، صمتت لحظات بعدها سألته:
_ولكن، كيف وصلت إلى هنا؟

قال وهو يهز رأسه:
_لا أعلم، كل ما أذكره أنني كنت أغوص في قاع البحر كعادتي، وإذ بقدمي قد علقت في حلقة حديدية، بعدها شعرت بزلزال يهز الماء، وشيء قوي يجذبني من قدمي، بعدها لم أشعر بشيء.

نهضت بحركة حماسية قائلة:
_هيا معي.

سألها:
_إلى أين.

قالت:
_سنذهب إلى الحكيم لوثر؛ لديه علم غزير قد يفيدنا، ونعرف كيف جئت إلى بلدنا، وكيف تعود إلى بلادك مرة أخرى.

هتف بأمل:
_حسنًا، هيا بنا.

ذهبا "راجي" "وروزالين" إلى الحكيم "لوثر"، وحكت له تلك الأخيرة كل ما قاله لها "راجي" ثم سألته:
_ما رأيك يا حكيم لوثر؟ وما تفسيرك لما حدث؟

ترك لوثر ذلك المجلد الذي يحتوي على وصفات طبية، على رف خشبي مملوء بالكتب، بعدها نظر إلى راجي قائلًا:

_يا بني، لقد أوقعك حظك العثر في فجوة زمنية تحدث كل خمسة عشر عاماً، هذه الفجوة تنقلك عبر الزمن إلى حقبة زمنية معينة، وقد ألقت بك هذه الفجوة إلى زماننا.

حدق راجي به غير مصدق ما يسمعه؛ فسأله:
_ماذا تقول يا حكيم؟! هل يعني هذا أنه لا يوجد سبيل للعودة إلى بلادي مرة أخرى؟!

قال الحكيم لوثر وهو يعتدل في جلسته:
_السبيل الوحيد هو أن تنتظر حتى يمر خمسة عشر عاماً أخرى، سوف تذهب إلى نفس المكان الذي سقطت منه، وحينئذ يظهر لك باب يعود بك حيث أتيت.


زفر "راجي" بإحباط، يهز رأسه كأنه ينفض عنه ذلك الكلام الغير معقول، فتمتم:
_ما العمل الآن؟ كيف سأعيش هنا؟

نظرت له "روزالين" بشفقة، بينما قال له الحكيم "لوثر":
_يا بني، لابد أن تهدأ حتى تفكر جيدًا، هذا قدرك، وقد يكون وجودك هنا لحكمة، إهدأ وفكر جيداً، بعدها قرر ماذا ستفعل.

عاد "راجي" من منزل "لوثر" متجهم الوجه، منشغل البال.
كلام لوثر معناه أنه لن يعود إلى بيته مرة أخرى، ولن يرى أمه المريضة.

بالرغم من شفقة "روزالين" على "راجي"، إلا أنها كانت تشعر بداخلها بسعادة لا توصف، ولا تعلم لماذا.

قالت له بنبرة مشفقة:
_أعلم أنك حزنت عندما سمعت كلام الحكيم "لوثر"، ولكن لابد أن تتقبل الأمر؛ فهذا قدر، وقد يكون فيه خيرًا لك، لا تعلم.

صاح بضيق:
_أي قدر هذا الذي يبعدني عن أمي المريضة! وكيف أفرح لهذا؟ أنها بحاجة لي

_أعلم، ولكن ماذا ستفعل الآن إذا؟

تنهد بضيق، فهمس بيأس:
_لا أعلم، أشعر أن عقلي قد توقف عن التفكير.


في منزل "روزالين"، كان الليل هادئ، وساد الأجواء هدوء محبب، "راجي" صامت صمتًا حزينًا، اقتربت منه "روزالين" وهمست مواسية:
_منذ عودتنا من عند الحكيم وأنت لا تتحدث، ولا تأكل، ولا تشرب، وهذا يزعجني.

نهض وقال وهو يتوجه صوب الباب، وكان صوته غاضب:
_آسف لازعاجك، سوف أرحل حتى تكونين على راحتك.

أمسكت بذراعه، فاستوقفته قائلة:
_لا "راجي"، لا تتركني، أنت لم تفهمني، أنا منزعجة من أجلك صدقني.

نظر لها بأعين ثاقبة حزينة:
_أعلم، ولكن لابد أن انصرف حتى لا أسبب لك أي إزعاج.

قالت برجاء:
_لا "راجي"، أرجوك لا تتركني؛ فأنا بحاجة إليك، منذ ظهرت في حياتي؛ أصبحت الحياة لدي لها معنى، أرجوك ابق معي.


تمتم بترد:
_ولكن.

هتفت وأعينها متعلقة به:
_ولكن ماذا "راجي"؟ تكلم.

_ أنا غريب يا "روزالين"، وجودي في بيتك قد يسبب لك بعض المشاكل؛ لابد أن أرحل.

_من قال هذا؟ بل وجودك في حياتي قد غيرها كلها للأفضل، أرجوك لا تتركني.

صمت قليلًا يفكر، ينظر لعينيها التي تتشبث به وترجوه لأن يبقى معها، قال:
_ولكن بأي صفة أبقى؟

قالت:
_بأي صفة تريد، المهم أن تكون بجواري.

أخيراً هتف:
_حسنًا، أنا سابقى معكِ.

انشرح صدرها، وابتسمت قائلة بامتنان:
_شكرًا لك، كنت أعلم أنك لن تتركني.


في الصباح استيقظ "راجي"، وجد "روزالين" قد أعدت له طعام الإفطار، عندما رأته هتفت بعذوبة:
_صباح الخير "راجي".

وجهها المشرق المشرب بحمرة، جعله ينشرح ويشعر أن صباحه جميل؛ أجاب:
_صباح الخير.

قالت:
_لقد استدعيت الحكيم "لوثر" لكي يتناول معنا الإفطار.

قال:
_خيرا ما فعلت.

بعد لحظات حضر الحكيم "لوثر"، جلس بعد أن ألقى التحية:
_صباح الخير.

أجابا "روزالين" "وراجي":
_صباح الخير.

جلس ثلاثتهم يتناولون طعام الإفطار، قال "لوثر":
_لقد فكرت لك يا "راجي" في عمل حتى لا تظل هكذا، ما رأيك؟
أجاب "راجي":
_فكرة جيدة، ولكن ماذا سأعمل؟

قال "لوثر":
_سوف تعمل مساعد لي، وسأشيع بين الناس أنك ابن أختي الذي سافر منذ أعوام وعاد.

ابتسم "راجي"وقال:
_أنا ممتن لك يا حكيم "لوثر".

أما "روزالين" ازادت سعادتها؛ لأن راجي سيظل بجوارها.

انتهى "لوثر من طعامه، بعدها نهض فقال:
_عن أذنكما سوف أذهب كي أتابع عملي، وسأنتظرك يا "راجي".

أجاب "راجي":
_أمرك يا حكيم "لوثر".

بعد قليل التفت إلى "روزالين" وقال لها:
_سوف أذهب الى الحكيم للعمل معه، انتبهي لنفسك.

أومئت برأسها قائلة:
_سأفعل، وأنت أيضًا انتبه لنفسك.

ودعها ثم ذهب إلى الحكيم، وفي بيت الحكيم الذي كان كالمتحف، وذلك القبو الذي يشبه المعمل مليئ بالكتب، والزجاجات بها سوائل مختلفة الألوان، وكتب كثيرة مبعثرة هنا وهناك، رحب به لوثر عندما رآه:

_ مرحبا بك يا "راجي" في بيتي المتواضع.

_مرحباً يا حكيم.

قال لوثر وهو يقوده حيث القبو:
_هيا معي يا "راجي"؛ لتعرف ما هو عملك.

أثناء انهماك "راجي" في العمل، سأل الحكيم "لوثر":
_هل لي أن أسألك سؤال أيها الحكيم؟

التفت له الحكيم وقال:
_نعم، بالتأكيد تفضل.

راجي:
_أين عائلة روزالين؟ هل خلقت في الحياة وحيدة؟

تكلم الحكيم بنبرة تؤكد أنه يخفي شيئًا:
_لا أحد يولد وحيداً يا بني، ولكنها يتيمة.

شعر "راجي" أن الحكيم "لوثر" يعرف الكثير عن "روزالين"، ولكنه لا يبوح، فتساءل مع نفسه:
_أشعر أن خلف روزالين هذه حكاية، ولكن ما هي! لا أعرف.

عاد ليمارس عمله، ولكنه أصر أن يعرف حكاية "روزالين" هذه.


في قصر الملك "لاديسلاو"، ذهب "ميلو" وهو يحمل تقريرًا عن "راجي"، كما طُلب منه، قدمه له بحماس:
_مولاي، لقد عرفت بعض المعلومات عن الغريب الذي كان يصاحب "روزالين".

قال له الملك بنبرة شغوفة:
_هات ما عندك يا "ميلو".

أردف "ميلو":
_"راجي" هذا يا مولاي شاب وقع له حادث في الطريق؛ فقامت "روزالين" بانقاذه، ومن يومها يا مولاي يسكن معها في بيتها، والحكيم "لوثر" يدعي أنه ابن أخته، وهو الآن يعمل معه، هذا ما ما وصلني عنه.

نهض الملك وصاح في منتهى الغضب:
_أذهب إذًا واقتلهما على الفور، لا أريد أن يأتي عليهم صباحاً جديداً، وإلا سأقتلك أنت.

ابتلع "ميلو" ريقه بخوف، انحنى وهو يردد:
_أمرك مولاي.

عاد "راجي" من العمل، وكان منهك؛ فاستقبلته "روزالين" بابتسامة مشفقة قائلة:
_يبدو أنك تعبت اليوم.

"راجي" وهو يجلس بتعب:
_نعم، تعبت كثيرًا، لقد وفد علينا مرضى كثر اليوم.

_سأعد لك الطعام حالًا.

همس لنفسه بعد أن زفر بضيق:
_إنها تعاملني كزوجة تستقبل زوجها بابتسامة، ونفس مشفقة على تعبه، تعد له الطعام، وهذا لا يعجبني، لابد لي أن أبحث عن مكان لي، يكون بجوارها؛ حتى أحميها في نفس الوقت.

راجي يأكل، وهي تتابعه بأعينها المفعمة بكلام كثير، لا يعرف ما تفسيره، قال لها:
_"روزالين"، أريد أن أقول لكِ شيئًا.

قالت له:
_تكلم، كلي أذان صاغية.

فقال:
_إني أفكر أن استأجر بيتًا يكون بجوارك، فهذا الوضع الذي أنا فيه لا يعجبني.

بدا على وجهها الضيق، فقالت له:
_هل سنعود لهذا الكلام مرة أخرى يا "راجي"؟

_من فضلك، تفهمي أمري يا "روزالين"، فوجودي معك يجعلني لا أشعر بالراحة.

أردفت له قائلة بتعجب:
_لما؟ ماذا فعلت؟

_أرجوكِ، أنا أريد هذا.

نهضت بحركه غاضبة، وقالت له بنبرة جافة:
_كيفما تشاء يا "راجي"، أفعل ما يحلو لك، تصبح على خير.

شعر بغضبها، لكن ما عساه أن يفعل، لابد أن يبتعد عنها، فوجوده بجوارها كأنه نارًا تحرقه. تناول عشائه، ثم قام بإفراغ الأواني، وذهب لينام.

بعد منتصف الليل بساعتين، شعر بحركه غريبه، فانتبه؛ فسمع صوت أقدام.

فتح الباب فتحة صغيرة، وجد هناك عدة رجال ملثمين، في أيديهم سيوفًا اتسعت عيناه رعبًا، تمتم لنفسه:
_من هؤلاء؟ وماذا يريدون؟

ثم ردد اسم "روزالينؤ بخوف:
_"روزالين".

فكر سريعًا ماذا سيفعل، تناول سيفًا كان معلقًا على الحائط، يبدو أنه ملك "روزالين" تناوله، وخرج يسير ببطئ بقدميه، وذهب إلى حجرة "روزالين"، كانوا لم يصلوا لها بعد، فأيقظها وهو يهمس بصوت خفيض:

_استيقظي "روزالين"، فنحن في خطر، هناك رجالًا مسلحين، يريدون قتلنا.

كادت تصرخ لولا أنه كمم فمها بيده، وهمس لها:
_قلت لكِ لا تتكلمي بل لا تتنفسي، اسمعيني جيدًا، افتحي هذه النافذة واخرجي منها، واذهبِ إلى "لوثر"، وأنا سأتعامل معهم.

فصاحت بصوت خافت:
_لا، لا أريد أن أتركك، سأبقى معك

صاح فيها بنبرة حازمة:
_قلت لكِ اذهبِ سريعاً، افعلي ما طلبته منكِ، هيا.

فاستمعت إلى كلامه، وقامت وذهبت إلى "لوثر"، تركض والرعب يحتل كيانها كله.

عندما رآها "لوثر" بذلك الشكل قال لها قلقًا:
_ما الخطب يا بنيتي؟ وما الذي أتى بك في مثل هذه الساعة؟!

قالت بصوت لاهث:
_هناك رجال يا حكيم، يريدون أن ينقضون علينا، في أيديهم سيوف كثيرة، "راجي " طلب مني أن آتي إليك، وهو سيتعامل معهم، إني خائفة عليه.

فهتف بانزعاج:
_يا للهول، لا تخافي، سوف أطلب من بعض الشباب من جيراننا أن يهموا لمساعدته وانقاذه.

فقالت له:
_هيا بسرعة يا حكيم.


أما "راجي"، كان مختبأ خلف أريكة، يريد أن يصطادهم واحد تلو الآخر، اقترب منه واحد بالفعل، فحاوط رقبته بذراعه، وصار يخنقه وهو يقول:
_ تقدم أيها الوغد.

سقط الرجل عند قدميه، وسار ببطىء حتى يلتقط واحد آخر، فوجد إثنان دخلوا إلى حجرة "روزالين"، اختبأ خلف الباب، وعندما دخل الرجلان، قام بضربهم بقدمه ضربة قوية أطاحت بالاثنين.

فاجتمع بقية الرجال على الصوت وكانوا ستة، فحاوطوه؛ فطار "راجي" بحركة من حركات لعبة الجودو؛ فضرب اثنين منهم.

ولكم واحد، وبقدمه الأخرى ضرب اثنين منهم، وتقدم منه رجل لينقض عليه، فجاء الشباب؛ واشتبكوا معهم حتى أفقدوهم الوعي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي