الفصل الرابع الهروب

الفصل الرابع (الهروب)

في منتصف الليل، خرج كل من راجي و روزالين من القبو إلى البيت، وجدا الحكيم لوثر شاردًا، وملامح وجهه مهمومة؛ فنظرت روزالين إلى راجي في قلق، جلسا الاثنان بجواره فسأله راجي:
_ما خطبك يا لوثر؟ هل هناك ما يزعجك؟

نظر لهما لوثر، ثم قال بنبرة حزينة:
_يجب أن تهربا، وبأقصى سرعة.

سألت روزالين وقد خفق قلبها رعبًا:
_لما؟ هل حدث شيء؟

أجاب لوثر:
_نعم؛ لقد جاءني اليوم مريض، عندما شكى لي ما يعانيه؛ ذهبت لكي أجلب له الدواء، بعد أن عدت وجدته يفتش في المكان؛ لم أظهر له إنني شككت في أمره، ومن وقتها وأنا أترقب حضورهم، كأنهم سيهجمون علينا في أي لحظة.

راجي:
_يا إلهي، إننا في خطر؛ لابد أن نترك المكان سريعاً.

لوثر مؤكداً:
_نعم، ومن الأفضل اليوم قبل غد.

صاحت روزالين:
_ولكن أين سنذهب في مثل هذه الساعة المتأخرة؟ لننتظر للصباح.

قال راجي:
_لا روزالين؛ سنرحل الآن، فلن ننتظر حتى يهجمون علينا؛ هيا لكي نجمع بعض الأغراض التي قد نحتاجها.

ذهبت خلفه على مضض، ودموعها تجري على وجنتيها، تنظر للوثر كأنها تستنجد به، فرأت في عينيه الشفقة.

لملم راجي بعض الأغراض وروزالين واقفة تبكي، ولوثر بجانبها يربت على كتفها، هامسًا بنبرة آسفة:
_كفى يا بنيتي، لا نعلم أين الخير.

قالت له روزالين تستجديه:
_أذهب معنا لوثر، لا أستطيع أن أتركك بمفردك.

فقال راجي مؤيدًا:
_نعم لوثر، لابد أن تأتي معنا؛ حتى لا ينشغل بالنا عليك.

قال لوثر:
_أخشى أن أكون مراقب؛ فتقعون في قبضتهم، لا تحملان همي، هيا لكي تنصرفا قبل أن يلج الصباح.

سأله راجي:
_وإذا أردنا أن نتصل بك، ماذا نفعل؟

أجاب لوثر:
_يوم السبت في منتصف الليل تماماً سأنتظرك عند القصر المهجور في شرق المدينة، نصف ساعة، إن لم آتِ؛ فانصرف فورًا.

قال راجي:
_جيد.

لملم راجي أغراضه، وروزالين تنظر للوثر وتبكي، قالت له من بين دموعها:
_أذهب معنا لوثر؛ لا تمكث بمفردك، أرجوك لوثر.

قال لوثر بعد أن اقترب منها وقبل جبينها:
_لا تخافي روزالين؛ قد ألحق بكما بعد أن تهدأ الأجواء، أعدك.

ابتسمت له؛ ارتمت بين أحضانه كأبنة ترتمي في أحضان أبيها تودعه، عانقه راجي أيضاً فقال له لوثر:
_انتبه عليها راجي، وانتبه على نفسك، فإنكما تواجهان بشر بلا ضمير.

قال راجي:
_لا تقلق، سوف أحميها بروحي، انتبه أنت أيضًا لنفسك.

أردف لوثر:
_ سأفعل، هيا اخرجا من الباب الخلفي للقبو؛ حتى لا ينتبه عليكم أحد.

ودعاه، وانصرفا، ولا يعرفون وجهتهما، حتى سألت روزالين:
_أين سنذهب راجي؟

أجاب قائلًا:
_لا أعلم، ولكن لابد أن نبتعد عن المكان قدر الإمكان قبل الصباح.

وظلا يسيران على غير هدى؛ حتى لمح راجي من بعيد كهف؛ فهتف:
_هناك كهف يا روزالين؛ سوف نذهب إليه، ونختبئ به حتى ندبر أمرنا.

قالت روزالين وهي تحدق برعب حيث أشار:
_ولكن هذا الكهف خطر للغاية، فهو مليء بالحيات والثعابين.

تردد راجي قليلاً، بعدها قال:
_ربما قد يكون مكانًا مناسباً؛ فلن يتوقع أحد وجودنا بداخله، هيا ولا تخافين؛ فأنا معك.

أخذ يدها، وصعد بها إلى تلة عالية ليصلان إلى الكهف؛ فارتجفت روزالين دون إرادة منها لمجرد تخيلها الحيات والثعابين تزحف نحوها.


امتثل الرجل الذي كان يدعي المرض أمام قائده بينيت قائلًا:
_سيدي، إنني أشك في الحكيم لوثر، عندما ذهبت له وأنا أدعي المرض أمامه، وجدت ثيابًا لبائعة الورود هذه، أعطني أمرًا بتفتيش بيته.

صاح بنيت بلهفة:
_ماذا تنتظر يا رجل؟ ها هي موافقتي مكتوبة، أذهب على الفور وفتش بيته، لا تترك ركنًا واحدًا دون تفتيش، ولا تعود إلا بهما.

أدى الرجل التحية، وصاح بحماس:
_أمرك سيدي.

بالفعل ذهب بعض الرجال إلى بيت الحكيم لوثر، الذي كان يتوقع قدومهم؛ فسألهم بثبات:
_ماذا تريدون؟

قال الرجل بنظرات خبيثة:
_أعلم أنك كنت تشك بي، وتعلم أنني أدعيت المرض.

سأله لوثر بنفس الثبات:
_هات ما عندك أيها الشرطي، ماذا تريد مني؟

دار الرجل حوله؛ فصاح بنبرة قوية:
_إننا نبحث عن فتاة تدعى روزالين، وقد علمنا إنك أقرب شخص منها، نحن نشك أنها تختبئ في منزلك.

أشار لوثر بيده على المكان وقال:
_من أين علمتم أنها تختبئ هنا؟ لا يوجد في المنزل أحد أيها الشرطي؛ والمكان أمامك، تستطيع أن تبحث فيه كما تشاء.

ثقة لوثر البادية على ملامحه؛ جعلت الشرطي يخفي ضيقه لأنه تأكد أن الفتاة ليست موجودة؛ ومع ذلك صاح في رجاله:
_أيها الرجال، فتشوا المكان جيدًا، لا تتركوا شبرًا واحدًا دون التفتيش فيه.

الرجال بصوت جهوري:
_أمرك سيدي.

اقترب الرجل من لوثر، وسدد له نظرات تهديدية قائلًا:
_إذا علمنا إنك كنت تخفي الفتاة؛ سيكون مصيرك القتل.

أجابه لوثر بصمت واثق:
_أنا نظيف تماماً أيها الشرطي.

بعد قليل خرج الرجال وقالوا:
_لم نجد أحد يا سيدي.

لملم الرجل غيظه وقال:
_حسنًا، هيا بنا.

نظر للوثر واستطرد:
_ولكني على ثقة أننا سنعود مرة أخرى.

بعد انصرافهم تنفس لوثر الصعداء، وظل يتمتم بالدعاء حتى ينجوا راجي وروزالين.


ذهب الرجل إلى بينيت وأخبره أنه فتش المكان؛ لم يجد شيء، ولكنه واثق أن الحكيم كان يخبئ تلك الفتاة، فأمره بينيت أن يراقب ذلك الرجل المدعو لوثر جيداً؛ لعله يقابلها أو يتصل بها، انصرف الرجل وداعب بينيت ذقنه بحيرة متسائلاً:

_ماذا أفعل الآن؟ وكيف أخبر الملك أنني حتى الآن لم أجد تلك الفتاة؟ لابد أنه سيقتلني.

بعد دقائق، جاء رسول من الملك يدعوه للأمتثال أمامه:
_سيدي، مولاي الملك يطلبك على وجه السرعة.

ازدرد بينيت لعابه بصعوبة مجيبًا عليه:
_سوف أذهب على الفور.

ردد في نفسه، وقد كانتا ساقاه ترتحفان:
_يبدو أنها قد حانت ساعة موتي.

وأمام الملك أمتثل بينيت، انحنى بوقار يشوبه الخوف من ردة فعله:
_أمرك يا مولاي.

صاح الملك بصوت جعله يرتجف:
_ماذا فعلت حتى الآن؟ يومان ولم تأتِ بأي أخبار!

قال بينيت بصوت مضطرب:
_يا مولاي، أنني أبحث عنها في كل بقعة في المدينة؛ كلفت كل رجالي حتى يبحثون عنها، ويراقبوان كل من كان له صلة بها، ولكن للأسف؛ لم نعثر لها على أثر.

صرخ الملك:
_ماذا؟ يبدو أنه لا جدوى منك أنت أيضًا مثل الجميع.

صاح بينيت رعبًا:
_أرجوك يا مولاي، أعطني فرصة أخرى، صدقني أنني أبذل قصارى جهدي للعثور عليها.

أنقذه كونارد عندما قال لأبيه الذي كان جالساً بجواره:
_أبي، ما رأيك أن تعلن عن جائزة كبرى لمن يأتي بمعلومات تدلنا عن تلك الفتاة والشاب الذي معها؟

لمعت أعين أبيه بإعجاب؛ فهتف:
_فكرة رائعة يا كونارد.

ابتسم كونارد، فهتف في خيلاء:
_هذه هي عقول الشباب يا أبي.

إلتفت الملك لاديسلاو إلى بنيت قائلًا:
_هيا يا بينيت، أعلن عن مكافأة مجزية لمن يدلي بأي معلومات عن مكان الفتاة والشاب الذي معها.

زفر بنيت براحة، وتمتم في نفسه "مرحى؛ لقد نجوت من الموت."

سأل بنيت الملك:
_كم ستكون المكافأة يا مولاي؟

فكر لاديسلاو قليلًا؛ بعدها صاح:
_لتكن المكافأة ألفين قطعة ذهبية، هيا وأعلن في المدينة على الفور.

انحنى بينيت قائلًا:
_أمر مولاي.

كلف بنيت رجل ليعلن عن المكافأة، صار الرجل يصيح بأعلى صوته وهو يسير في المدينة:
_أيها الناس، إسمعوا وأعوا، بأمر الملك لاديسلاو؛ من يأتي بأي معلومات عن بائعة الورود التي تدعى روزالين، سوف يجزى بمائتي عملة ذهبية؛ والحاضر يعلن الغائب.

أخذ يكرر ذلك الأعلان، والناس تهمهم بكلام مختلف، منهم من يقول:
_ماذا فعلت تلك الفتاة؟ وما هي تهمتها؟

ومنهم من سال لعابه لتلك المكافأة، وعزم على البحث عن تلك الفتاة؛ لكي يحظي بتلك الجائزة الكبرى.

لغط كثير جعل الشائعات تنتشر، وظنوا أن الفتاة قاتلة أو سارقة، أو مجرمة خطيرة، وإلا ما كان الملك أعلن عن تلك الجائزة للقبض عليها.


كانت روزالين جالسة على صخرة، تنظر للسماء بسأم، مسحت على بطنها هاتفة بتذمر:
_لم أعد احتمل الجوع راجي، هل سنظل هكذا بلا طعام ولا شراب؟ لقد نفذ ما لدينا منذ يومين.

زفر راجي بقلة حيلة هاتفًا:
_لا يوجد حل إلا أن أذهب إلى المدينة؛ لأجلب الطعام.

منذ يومان هم راجي للذهاب لكي يشتري طعاماً وشرابًا لهما؛ ولكنها مانعته خوفًا عليه، ولكن الآن هي كادت تتضور جوعًا؛ فلن تستطيع منعه، إن لم يموتا على أيدي أعوان الملك، سوف يموتان من الجوع.

قالت له روزالين باستسلام:
_أرجوك راجي، لا تتأخر وانتبه لنفسك.
أردف راجي:
_لا تقلقي.

بعد أن ودعها، وإبتعد عنها مقدار ثلاثة أمتار سمع صرختها، فركض نحوها، وجدها تمسك بقدمها، وجهها المتعرق بدأ يشحب، وقد أزرقت شفتيها؛ فسألها بقلق:
_روزالين، ما خطبك؟

صرخت وهي تشير على الأرض:
_ثعبان؛ ثعبان قام بعضي في قدمي، ها هو، أحذر منه راجي.

نظر راجي حيث تشير؛ فوجد ثعبان ضخم يرفع رأسه ويصدر فحيحًا مخيفًا، أمسك راجي بحجر وضربه به، ولكنه هرب ولم يصبه.

إلتفت إلى روزالين، كانت تمسك قدمها وتصرخ، بعدها فقدت الوعي وهو يصيح برعب:
_روزالين؛ أفيقي، لا تخافي؛ سوف أنزع السم من قدمك.

وأخذ يمتص السم من قدمها، ثم يبصقه على الأرض، ثم أتى بخرقة انتزعها من ثيابه، ربط قدمها أعلى عضة الثعبان، حتى لا يتسرب السم إلى جسدها، حملها وسار بها حائرًا أين يذهب بها، هامسًا لنفسه "أين أذهب بها؟ آه يا الهي."

ظل يسير بها حتى أبتعد بها عن الكهف، فقد أصبح غير آمن، لمح شجرة كبيرة؛ توجه صوبها ووضعها تحتها، ظل يربت على خدها:
_روزالين، أتسمعينني؟ روزالين أستيقظي.

بدأت تتململ، وتتأوه، لا يعلم راجي ماذا يفعل، هل يتركها هكذا؟ ستموت، وإن جلس بجوارها؛ ستموت أيضا همس:
_روزالين، لابد لي ان أذهب إلى الحكيم لوثر، حتى أجلب منه الترياق للسم، وأجلب أيضا الطعام والشراب.

همست بصوت واهن مريض:
_لا تتركني؛ سأموت.

همس والدموع في عينيه:
_وإن مكثت بجوارك ستموتين أيضاً من السم، بل من الجوع، والعطش.

همست بوهن:
_انتبه على نفسك.

_لن أتأخر، سوف أركض وأعود لك في لمح البصر.

كانت تتشبث بيده ولكنه كان مضطر أن يتركها.

تركها وظل يركض، ويركض بأقصى سرعته؛ حتى إنقطعت أنفاسه، ذهب إلى بيت الحكيم لوثر، حاول أن يدعي أنه مريض؛ حتى لا ينتبه له أحد، فوجأ به لوثر أمامه؛ فصاح غير مصدق:
_راجي! كيف جئت إلى هنا؟! وأين روزالين؟!

قال راجي وهو يلهث بشدة:
_روزالين في خطر، لقد عضها ثعبان.

حدق لوثر فيه بانزعاج صائحًا:
_ماذا؟

استطرد راجي:
_أرجوك، هيا معي، إنها تحتاج لدواءك وتريقاك، لم نأكل منذ يومين، خشيت أن آتي هنا.

قال الحكيم وهو ينزل إلى القبو في همة، وسرعة:
_سوف آتي معك حالًا، وجودي هنا أصبح خطر، فقد جاءت الشرطة تفتش هنا عنكما.

فقال راجي بخوف:
_إذًا، هيا بسرعة أرجوك.

أخذ الحكيم لوثر يجمع بعض الأدوية، وبعض الطعام والشراب، وضعهم في حقيبة مصنوعة يدويًا من جلد الثعبان، نظر إلى راجي؛ وجده يجمع هو الآخر بعض المواد الكيمائية؛ فسأله متعجباً:
_ماذا ستفعل بتلك المواد الخطيرة؟

أردف راجي قائلًا:
_ستعرف فيما بعد، أشعر أني سأحتاجها، هيا بسرعة قبل أن يرانا أحد.

قال لوثر:
_هيا، لقد انتهيت، سنخرج من باب القبو الخلفي.


وفي المكان حيث الشجرة الكبيرة الذي راجي روزالين تحتها، كانت تتأوه، وتبكي بألم؛ فتوقف رجل يرتدي ثيابًا مصنوعة من جلد الماعز، شعره عظيم، له لحية وشارب يخفيان معظم وجهه، على رأسه غطاء من ريش الطاووس:
_أتسمع هذا الصوت يا "بريتيش"؟

توقف بريتش، وكانت هيئته تشبهه تمامًا وأنصت بأذنه لهذا الصوت، ثم أردف:
_نعم، أسمعه "دوس".

قال بريتش:
_أنه صوت أحد يتألم.

لمعت أعين دوس كصياد وجد فريسة سهلة هامسًا:
_يبدو أننا ضمنا صيدنا الليلة.

لعق بريتش شفتيه في نهم قائلاً:
_أرجو أن يكون رجل ضخم؛ حتى يملأ بطوننا.

همس دوس بنبرة جائعة، تشبه نبرة ذئب مفترس:
_ولما لا تكون فتاة جميلة، يحظى بها الملك ثم تكون لنا.

قال ريتش:
_أي كان الصيد؛ فالليلة لن نعاني في البحث ككل مرة؛ صيدنا قريب منا.

قال دوس بحماس وهو يشهر جربته؛ حتى يقتنص بها الفريسة كعادته:
_نعم، معك حق؛ هيا نبحث عن فريستنا ونتبع الصوت.

ظلا يتبعان الصوت حتى صاح ريتش:
_ها هو؛ الصوت يصدر من هذا الاتجاه، تحت الشجرة، هيا بنا.

وتسمرا الإثنان عندما وجدا فتاة جميلة، رقيقة، على رأسها تاج من الورود، قدمها مضمدة بخرقة، تتأوه، وجهها شاحب في شبه غيبوبة، فصاح دوس بإعجاب، وقد ركع بجوارها على ركبتيه:
_يالهذا الجمال النادر الذي لم أره من قبل.

ركع ريتش هو الآخر متأملًا ذلك الجمال الساحر، هامسًا:
_هل هذه فتاة أم ملاك هبط من السماء؟

نظر دوس إلى ريتش بابتسامة ظافرة قائلًا:
_لقد تحققت أمنيتي يا ريتش.

قال ريتش:
_يا لك من سعيد الحظ؛ ولكنها مريضة.

أردف دوس:
_ليس مهم؛ سنعالجها، فنحن لا نأكل صيد مريض ولا.

قاطعه ريتش:
_إذًا، هيا لنحملها قبل أن يأتي أحد يأخذها منا؛ فلا أظن أن هذه الفتاة جاءت هنا بمفردها.

قال دوس:
_نعم، معك حق، هيا أحملها معي.

وحملاها حيث الملك.


وصل كل من راجي ولوثر حيث المكان الذي ترك فيه روزالين، ولكنه صاح بانزعاج:
_روزالين، أين ذهبتز لقد كانت هنا.

أردف راجي وعيناه تبحث هنا وهناك بحثًا عنها:
_عندما لدغها الثعبان، خشيت أن أتركها في الكهف؛ فوضعتها هنا تحت الشجرة حتى أعود لها بالترياق، لا أعلم ما الذي حدث.

كان لوثر يتفقد المكان، يذهب هنا وهناك، و راجي يضم قبضته بغيظ هامسًا لنفسه "ليتني ما تركتها وانصرفت."

إلتفت إلى لوثر الذي قال وكان يحمل في يده ريشة كبيرة حمراء:
_لقد عرفت أين هي.

سأله راجي بلهفة:
_أين هي يا لوثر؟

قال لوثر بأسف:
_للأسف، إنها في قبضة ملك من قبيلة المنبوذين.

سأله راجي متعجباً بعد أن ذوى ما بين حاجبيه:
_ما هي قبيلة المنبوذين هذه؟!

تنهد لوثر بضيق يشوبه القلق قائلًا:
_انهم قوم يفعلون كل ما ينافي العقل والمنطق، يعيشون بلا قوانين تحكمهم، ولا رادع يردعهم.

يعيشون كالأنعام، بل هم أضل سبيلًا، وعندما رفضت مدينتنا أفعالهم؛ حكم عليهم بالطرد؛ فاتخذوا تلك البقعة من المدينة وعاشوا فيها، إذا وجدوا أحدا من أهل المدينة قرب جزيرتهم؛ أخذوه غنيمة لهم.

إنقبض قلب راجي؛ فسأله:
_ماذا يفعلون بهم؟

صمت لوثر قليلًا؛ فانزعج راجي أكثر؛ فكرر السؤال:
_تحدث يا لوثر، ماذا يفعلون بهم؟

قال لوثر بصوت آسف:
_إن كان رجل؛ يقيمون حفل شواء عليه، يقومون بربطه حيًا، ثم يقومون بشويه، فيأكلونه كما يأكلون الماعز.

راجي بأعين محدقة في جزع، وصوت يخنقه الخوف:
_وروزالين، ما هو مصيرها؟.

أردف لوثر:
_إذا كانت جميلة؛ يأخذها الملك، يتمتع بها ثلاثة ليالي، بعدها يعطيها لرجال القبيلة يتمتع بها كل رجل ليلة، ثم يأكلوها أيضًا.

إنهارا راجي؛ فلم يحتمل ما قاله لوثر، ثم قال له:
_أتعرف كيف نذهب الى تلك الجزيرة؟

أردف لوثر:
_نعم أعرف، ولكن الوصول إليها بمثابة الانتحار.

صاح راجي:
_ليكن؛ ماذا سنفعل؟! هل سنتركها في أيديهم؟! هيا لكي ترشدني إلى مكان تلك الجزيرة.

تنهد لوثر باستسلام قائلًا:
_هيا، اتبعني.

وسار أمامه الحكيم لوثر حيث جزيرة المنبوذين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي