الفصل الثاني

" انتي باين عليكي اتجننتي و هتجننيني معاكي "
ديما بهدوء محاولة الشرح : " ياماما انا.. "
قاطعتها سارة بانفعال من سلوك ابنتها الغير مبرر " بلا ماما بلا زفت ، انتي هتعيشي معايا عند خالك غصب عنك "
قلبت ديما عينيها و حاولت تمالك اعصابها و لكن فشلت في ذلك : " انا وافقت اني ارجع مصر عشان كلكم راجعين بس مش معني ده اني اضحي كمان و اعيش مع خالي اللي انتي عارفة كويس انه عصبي و مبيحبنيش اصلا "
فتحت سارة اعينها علي اشدها متعجبة من كلمات ابنتها السامة : " خالك مراد مبيحبكيش ؟ ده صمم انه ييجي في نفس اليوم اللي .." ابتلعت ريقها ثم اكملت بنبرة ضغيفة " اليوم اللي امجد الله يرحمه توفي فيه "
لاحظت ديما تغير نبرة والدتها عند اتيانها بسيرة والدها الراحل فأشفقت عليها و اقتربت منها ضامة اياها معتذرة : " ماما انا اسفة "
تساقطت قطرات من الدموع من سارة و سارعت الي محوها مكملة حديثها بتعقل : " يا حبيبتي احنا مينفعش نفترق ، مش هستحمل يا ديما اخسرك انتي كمان ، ده انتي بنتي الصغيرة اخر العنقود و حتة من قلبي "
ديما بحنان و قد مستها كلمات والدتها : " ماما محدش هيقدر يفرقنا ابدا ، انا هبقي اشوفكم ديما و يستحيل اني اسيبكم ، بس انا اسفة يا ماما مش هقدر اكون تحت رحمة خالي و عصبيته "
تفهمت سارة الوضع فعلي الرغم من كرهها الشديد لابتعاد ابنتها عنها الا انها لن تنكر معرفتها بعصبية اخاها و تحكمه المفرط و ديما تتمتع بمنزلة خاصة داخل قلبها و لن تتحمل طبع اخاها الحاد فلم تجد مفر من الموافقة علي مضد : " ماشي يا ديما انا موافقة انك تعيشي مع عمك ، بشرط تباتي معايا كل خميس و جمعة "
شعرت ديما بأن هناك جبلا قد تحرك من فوق صدرها فلم تتوقع موافقة والدتها بتلك السهولة : " طبعا يا ماما من غير ما تقولي يا حبيبتي "
تبادلا العناق سويا و كل منها تتمني ان يكون القادم افضل فقد نالوا حظهم من الحزن .
....

في مكان اخر يجلس هو يتابع التي اثقلت كاهله منذ شهرين و السبب يعود الي الصفقة التي يستميت علي الحصول عليها فهي ان رست عليه ستعد نقلة مرضية لطموحه .
قطع تركيزه دخول مساعدته الحسناء و كم كان توقيتها مثالي فهو حقا احتاج جرعة من الاستمتاع بعد عناء يوم طويل.
" تحب يا باشا اطلبلك حاجة تشربها او تاكلها "
ابتسم لتغنجها الواضح و لاحظ ملابسها الفاضحة التي توحي بأكثر من مجرد عرض للشراب او الطعام فجذبها من خصرها ناحيته و اقترب من شفتيها المطلية باللون الاحمر القاني هامسا امامها : " في مواعيد تانية النهاردة ليا يا شهد "
غاصت في عبقه الساحر و قامت بتمرير يدها علي صدره القوي و بادلته الهمس بإغراء : " لا يا باشمهندس سيف مفيش "
كانت تلك كإشارة خضرء له بأن يقتنص تلك الشفاه المغوية و ما ان لاحظ مبادلتها له قام بتجريدها من ملابسها مانحا لنفسه بعض المتعة الرجولية كمكافأة له علي عمله تلك الفترة بدون انقطاع .
.....
" ايه الكلام اللي انتم بتقولوه ده لا طبعا "
سارة باستعطاف بعد ان يأست من اقناعه : " يا مراد افهمني دي رغبة البنت ارجوك متكبرش الموضوع "
و هنا تدخل حسن غاضبا : " هو في ايه يا مراد مش كفاية ان كارلا و روز هيقعدوا معاك ، مستخسر ان ديما تقعد معايا و لا ايه "
مراد بغيظ : " يعني ينغع اخواتها و امها يكونوا عندي و الهانم تكون لوحدها "
حاولت سارة تلطيف الوضع قدر استطاعتها بعد ان لاحظت اشتعال الاثنين : " يا مراد يا حبيبي ده عمها و مش غريب و هو الموضوع بس انه بيت استاذ حسن اقرب للكلية بتاعتها مش اكتر "
ابتسم مراد بتهكم و رفع حاجبه الايسر : " مبتعرفيش تكدبي يا سارة و مهما حاولتي مش هتعرفي ، انا عارف انها عاوزة تدور علي حل شعرها و عارفة اني هشكمها "
لم يستطع حسن تحمل ما قاله فانفجر به بدون شعور : " حاسب علي الفاظك يا مراد ، انا بنت اخويا متربية احسن تربية يا أخي طب احترم امها اللي واقفة جمبك ، ده انا قاعد معاك يومين و مش طايقك لازم البنت متستحملكش طبعا "
ادرك مراد انه اخطأ التعبير و مما آلمه كثيرا هي نظرات الحزن و الخذلان التي ارتسمت علي معالم اخته فاسرع معتذرا : " انا اسف يا سارة حقك عليا ، انا عارف ان البنت متربية احسن تربية و ميقدرش حد يقول غير كدة طبعا سامحيني خاني التعبير "
اومأمت سارة له دلالة علي قبولها الاعتذار فقام بتقبيل رأسها و التفت بعدها مرة اخري الي حسن موجها له الحديث : " انا موافق ان البنت تعيش معاك لحد ما تخلص دراستها و كل خميس و جمعة هتقضيه مع مامتها طبعا ، و مفيش فرق بين بيتي و بيتك اكيد "
حسن منهيا الحوار فقد استنفذ هذا البغيض طاقته : " اكيد طبعا ، عن اذنكم بقي داخل انام عشان مستنينا سفر الصبح "
....

حل الصباح سريعا و حانت لحظة الاستعداد لدي الجميع ومنهم من استيقظ خائفا و اخر استيقذ علي مضد ، اعدوا الحقائب و ودعوا منزلهم الذي شهدوا فيه سنوات سعيدة صنعوا خلالها ذكريات لا تنسي مع والدهم العزيز.
توجهوا الي مطار اسطنبول لاخذ الرحلة المتجهة نحو مطار القاهرة الدولي في الدرجة الاولي و ما هي الا ساعتين و نصف حتي وصل الي اذانهم ترحيب المضيفة بهم في ارض مصر بلدهم العزيزة.
اخذت كارلا شهيقا عميقا الي صدرها ثم اغمضت عينيها متلذدة به : " الواحد كان واحشاه مصر اوي يا بنات ، ريحة الهوا هنا مميزة بجد "
ديما بتهكم : " ريحة تقرف و تراب في كل حتة و الجو ملزق "
ابتسمت روز لتزمر اختها : " ديما يا حبيبتي احنا لسة مخرجناش من المطار عشان تقولي كدة ، ده لسة التقيل جاي قدام "
ديما بلا مبالاة : " خلاص خلاص مش عاوزة اعرف ، المهم عمي و خالو كل ده بيجيبوا الشنط ، بجد بلد بطيئة "
همت كارلا للرد علي اختها الشكائة و لكن وصل اليها صوته ، فهي لو عاشت مئات السنين لن تنسي تلك البحة الرجولية ، كيف لها ان تنسي حب مراهقتها و الذي تزوج من غيرها و قام بكسر قلبها ، خرجت من دوامة مشاعرها العاصفة علي صوت اختها .
روز بترحاب شديد : " عمر ازيك عامل ايه ليه تعبت نفسك و جيت "
عمر برصانته المعهودة : " لا تعب و لا حاجة انا اسف اني مجيتش احضر العزا في تركيا بس كان في شغل مهم جدا و كان لازم اتابعه "
رفعت ديما حاجبها الايسر باستهزاء : " لا و لا يهمك بصراحة مبرر قوي اوي يا باشمهندس "
تعجب عمر لتلك الفاتنة الوقحة التي تجرأت عليه للتو : " انتي مين "
" دي يا سيدي تبقي اخر العنقود ام لسان طويل "
التفت عمر لمصدر الصوت و وجدها زوجة عمه فاتجه ناحيتها : " ازي حضرتك يا مدام سارة ، البقاء لله "
سارة بابتسامة حنونة : " ربنا يخليك يا حبيبي ، اتمني متكونش الزئردة الصغيرة دايقتك "
نظر الي ديما نظرة جانبية خاطفة ثم اعاد نظره الي سارة : " متخيلتش ابدا انها هتكون كبرت بالسرعة دي "
سارة بمحبة : " و المهم انت عامل ايه يا حبيبي "
عمر : " انا كويس و المهم انتم تكونوا بخير "
لا تصدق انه تجاهلها كليا ، فهو اخذ يتسامر مع والدتها و روز و حتي ديما تدخلت في الحوار و هي لم تنبس ببنت شفة و لم يلاحظ حتي وجودها او لم يرد ان يفعل ، كم شعرت بغبائها في تلك اللحظة فهي ظنت انه عندما يراها سيحاول ان يكسب ودها فهو اصبح وحيدا الان بالاضافة الي علمه بحبها الشديد له ، و لكن لن تنكر انه ازداد وسامة فذقنه النامية قليلا اعطته هالة رجولية لا تقاوم مما جعلها تتساءل داخل نفسها لماذا عليه بأن يكون صعب المنال هكذا ! .
" عاملة ايه يا كارلا "
هل ما سمعته الان صحيح اما ان اشتياقها له جعلها تتخيل انه يحدثها ، تأكدت انها المعنية بحديثه عندها لكزتها روز بجانبها الايسر فخرج صوتها ضعيفا : " الحمدلله كويسة "
" يلا يا بنات عالعربية عشان نتحرك " نادت سارة علي الفتيات لتحثهم علي الاسراع نحو العربة و بالفعل و اسرعوا اليها
عانق مراد ديما بحنان ابوي : " خلي بالك علي نفسك و لو حسيتي في يوم انك مش مبسوطة مع عمك تعالي ، انا بيتي مفتوحلك في اي وقت "
اومأت له ديما بطاعة و قبلت رأسه و فعلت المثل مع والدتها و قبلت اختيها و ودعتهم و انطلقت داخل سيارة عمها.
حسن بحب محاولا التهوين عليها : " انا بقي يا ستي عاملك جناح خاص بيكي لوحدك و هتنبسطي منه جدا "
ديما بابتسامة و قد ادركت ما الذي يحاول ان يفعله عمها : " شكرا يا عمو ربنا يخليك ليا "
مرت نصف ساعة و لم يصلوا بعد الي المنزل ، لم تكن تتوقع ان منزل عمها بعيد لتلك الدرجة ، قلبت عينيها من الملل و تأففت ثم وجهت نظرها الي عمر قاصدة مشاكسته لعلها تتغلب علي شعورها هذا : " ما تسرع شوية ، او لو مش عارف تسوق ممكن تنزل و تخليني اسوق "
نظر لها من المرآة نظرة حادة بمعني اخرسي ، لن تنكر انها اخافتها لوهلة فكيف لاختها ان تعجب بهذا الهمجي الوسيم صاحب النظرات المرعبة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي