الفصل الرابع

كانت نائمة بعمق و الابتسامة تعلو شفتيها تحلم بأباها الراحل و هو يدللها و يلح عليا بأن تتناول بعض الطعام و هي تجادله كالمعتاد بأنها تتبع حمية غذائية كي تنقص من وزنها ، ثم يغضب منها و يخبرها انها جميلة و لا تحتاج لذلك بل انها تحتاج لاكتساب بعض الوزن ، و لكن فرحتها بذكرياتها لم تكتمل فشعرت بصخب شديد وصل الي اذنها مخرجا اياها من حلمها الجميل ، فتحت عينيها ببطء و وجدت كارلا تمارس الرياضة الصباحية محدثة جلبة في المكان .
روز بتذمر : " يا شيخة بجد حرام عليكي ده انا مصدقت جالي نوم "
كارلا بنشاط اثر تمريناتها الصباحية العنيفة : " يلا يا كسولة انتي مش رايحة تقدمي اورائك النهاردة ؟ "
دثرت روز نفسها بالغطاء مرة اخري و اغمضت عينيها محاولة العودة الي النوم متجاهلة اختها.
ابتسمت كارلا من طفولة الاخري و قامت بنزع الغطاء و القته ارضا : " يلا يا روز قومي ، انا داخلة قوضتي اخد شاور و البس عشان خارجة "
روز بعدم استيعاب : " خارجة رايحة فين "
كارلا بجدية : " رايحة ادير فرع شركة بابا اللي هنا و عاوزة كمان اتصل بسامح اشوف الاخبار عنده ايه و المشروع اللي كان بابا الله يرحمه شغال عليه خلص و لا لسة "
غادرت روز الفراش فقد طار النوم من عينيها الان بسبب ما تهذي به تلك الاخري : " كارلا انتي بتهزري صح ؟ ، طب الكلام ده يطلع من ديما عادي انما منك انتي لا "
رفعت كارلا حاجبها الايسر : " ليه ان شاء الله عملت ايه "
روز بانفعال : " اكيد مينفعش نسيب ماما لوحدها و خصوصا انها لسة منهارة بسبب اللي حصل ، و انا رايحة اقدم ورقي النهاردة و بعدين ما انتي طول عمرك بتشتغلي ايه مزهقتيش "
كارلا بلا مبالاة : " لو عاوزة تعيشي دور البنت اليتيمة الضحية فانا مش مستعدة العب الدور ده تاني و ديما هي اقوي حد فينا ، سلام "
غادرت كارلا و هي غاضبة من نفسها بسبب ما قالته و خاصة عندما لاحظت خط الدموع الذي تكون في مقلة روز و لكن هي مدركة تماما ان روز بحاجة الي تلك الصدمة فهي اضعفهم و يجب ان تجتاز حزنها في اسرع وقت كما ان مسوولية العمل الان تقع علي عاتقها فهي غير مستعدة ابدا ان تعتمد علي خالها في اخذ الاموال لا هي و لا احد اخوتها و لا حتي والدتها.
وصلت كارلا الي غرفتها و اختارت ثوب عمل اسود اللون قصير نسبيا و كم تكره ذلك اللون و لكن هي غير مستعدة لسماع محاضرة من والدتها عن العادات و التقاليد ففضلت الانصياع مؤقتا في تلك النقطة ، مشطت شعرها الاصفر فهي كانت شقراء زرقاء العين لوالدتها علي عكس روز التي امتلكت ملامح والدها الجذابة و ديما التي جمعت بينا لون عين والدتها الازرق و سمرة والدها الساحرة ، انتهت من تجهيز نفسها و ارتدت العقد الذي يحتوي علي صورة اباها ثم اخذت الدرج هبوطا كي تستعد للمغادرة.
" علي فين ان شاء الله "
حسنا هذا ما كان ينقصها الليلة : " رايحة الشركة يا ماما "
سارة بعدم فهم : " شركة ايه "
كارلا : " شركة بابا اللي هنا "
سارة بتوتر اثار ريبة الاخري : " اه اه فهمت ، طيب يا حبيبتي مع السلامة "
شعرت كارلا بأن هناك دلوا من الماء البارد سكب فوق رأسها ، فآخر شئ قد توقعته هو موافقة امها بتلك السهولة ، فغادرت مسرعة و علامات الريبة ترتسم عليها .
.......

تقف امام شركة والدها العزيز و نبضات قلبها ازدادت اضعافا فأغمضت عينيها لمدة دقيقة كاملة تخبر نفسها بأنها قوية كما اعتادت دائما في لحظات ضعفها ، فتحت عينيها و نظرات الثقة اصبحت تعتليها و كأنها شخصا اخر غير الذي كان هناك قبل دقيقة ، سارت بغرورها المعتاد الي داخل الشركة و اعترض طريقها احد الحراس : " مين حضرتك و معاكي معاد و لا لا "
نظرت له نظرات مستحقرة فالابله يمنعها من دخول شركة اباها فردت عليه باستهجان : " انا صاحبة الشركة يا استاذ و يلا متعطلنيش ورايا شغل "
الحارس بعدم فهم : " بس استاذ عمر جوة يا فندم و مدام سارة بلغتنا ان هو المسؤول ، ثانية واحدة هبلغه ممكن اسم حضرتك "
حسنا هذا ما كان ينقصها فهذا البغيض اعتبر ان الشركة ملك له و لكن لحظة واحدة هو بالفعل لديه هذا الحق باعتبارهم ثلاث فتيات و لا اخ ذكر لهم ، صفعت رأسها بعد ادراكها تلك الحقيقة ثم اجابت بغضب : " قوله انسه ديما "
الحارس بإحترام : " حاضر يا فندم ثانية واحدة "
وقفت تغلي من الغضب عازمة علي تلقين هذا العمر درسا لن ينساه و ستفرغ غضبها به فور رؤيته و وجدت نفسها للمرة المائة تستعجب من حب اختها البلهاء له .
قطع الحارس نوبة غضبها قائلا بأدب : " اتفضلي يا انسة ديما مكتب الاستاذ عمر في الدور التاني "
لم تكلف نفسها عناء الرد و تركته مسرعة الي مكتبه و بداخلها بركان يتفجر و فور ان لاحظت يافطة رئيس مجلس الادارة اتجهت الي ذلك الباب .
" مين حضرتك و ازاي عاوزة تقتحمي كدة مكتب المدير " قامت فتاة مثيرة بشدها من زراعها مانعة اياها من الدخول
هنا و صبر ديما قد نفذ فانفجرت في الواقفة امامها صائحة : " انتي اتجننتي ، ازاي تلمسيني اصلا انا صاحبة الشركة دي "
علا بازدراء : " صاحبة الشركة ؟! " ثم نظرت لها من الاسفل الي الاعلي فوجدتها ترتدي تيشرت ابيض اشبه بملابس الرجال مع بنطال اسود و حزاء ابيض و كاب اسود يغطي نص وجهها و خاصة مع غرتها الطويلة و كأنها فتاه مراهقة قادمة الي منتجع رياضي و ليس شركة فخمة فردت عليها بابتسامة سمجة : " صاحب الشركة موجود جوة في المكتب ده "
لاحظت ديما نظراتها المستنكرة فبادلتها نظرات مشابهة : " ادخلي للي جوة ده و بلغيه ان الانسة ديما مستنية برة "
ابتسمت علا بتهكم : " الباشا عنده عنده اجتماع مهم و نبه عليا ان محدش يقاطعه "
اعمضت ديما عينيها لثوان ثم فتحتها راسمة ملامح ملائكية : " طيب تمام انا هستناه "
علا بانتصار : " ايوة كدة ، اقعدي و بعد ما يخلص هبلغه و لو وافق هدخلك مع اني اشك " و اتجهت الي مكتبها كي تكمل اعمالها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي