مصير مجهول

Shaimaa magdy`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-06-30ضع على الرف
  • 180.8K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

صرخة ذات صدى صوت بالغ القوة، انتشرت في أرجاء البيت، كما لو اهتزت الجدران على إثرها، آثارت الفزع في نفوس جمع العاملين، عندما استمعوا لها، ليهرعوا على الفور تجاه مصدر الصوت، لتفقد الأمر، لمعرفة صاحبة ذلك الصوت، كان الصوت ل"استريد" المتواجدة بغرفة والدها، منذ بداية تعبه و دخوله في الغيبوبة، لترفض حينها دخوله المشفى، و طلبت من الطبيب اامختص بحالته أن يشرف على حالته من البيت دون نقله إلى أي مشفى، مهما تكلف الأمر، لخوفها البالغ منذ الصغر من الشئون الخاصة بالمشافي، و لكي يتسني لها من جانب آخر، البقاء بقربه.

كان الصراخ يزداد، و لا يتوقف، مصاحبا له تشنجات عصبية عدة، مع رفض تام لابتعادها عن جسد والدها الذي فارقت روحه جسده توا عن طريق سكتة قلبية، كانت تناديه وسط صرخاتها، مع رجاء بالغ أن يستجيب لندائه و يفتح عينيه لها، و يصحو من نومه كما خيل لها عقلها الذي بدا مغيبا عن حقيقة موته، كانت تبعد كل من يقترب منها و تدفعه ليبتعد و لكيلا يمنعها من احتضانه و إفاقته المزعومة، انتاب الطبيب القلق مما تفعله، و استراب من حالتها الهوجاء، فما هي عليه لا يوحي الا بانهيار عصبي حاد، شور لممرضتيه أن تذهبا للإمساك بها بإحكام، و انصاعتا له على العفور، بينما كانت تتململ بقوة، محاولة نزع جسدها و التملص منهما، و لكن كان الطبيب سريعا في خطوته، و قبض علي ذراعها محكما مسكته، ثم حقنها بإبرة طبيبة، بمهدئ سريع المفعول، لينتشر المهدئ شيئا فشيء في عروقها.

انتابها شعور بتراخي في كامل جسدها، و لا يوجد بها ذرة قوة للتحرك، صوتها اصبح مكتوما في حلقها، بالرغم من شعورها بمغادرة الكلمات من فيهها، مرت عدة ثوان، و ظهرت من العدم سحابة ضبابية، شوشت الرؤية لديها، و سحبتها بداخلها، لينغلق عينيها شيئا فشيء، ثم بعدها لم تستمع إلا هدوء، شاعرة بسكينة احتضنت كامل زوبعتها.

انقضت عدة ساعات حتى زال مفعول المهدئ، كانت تفتح عينيها رويدا رويدا، مع صداع لعين تحتس به في رأسها، نظرت في انحاء الغرفة بغرابة وتيه، مع العلم أنها بغرفته، و لكن الاستغراب بالغ بداخلها من كيفية مجيئها، ارتفعت بجذعها لتنهض، و لكن الصداع يزداد مع دوار شوش الرؤية لديها للحظات، مرت عدة ثوان كانت مغمضة العينين بهما من شدة ما يصيب رأسها، و لكنها فتحتها عندم بدأت تتحسن، و ارتخى وجهها الذي اشتد من الوجع، بعدما شعرت بالتحسن تخلل وجدانها.

وخزة قاتلة أحست بها في غرفتها، عندما استعاد ذهنها أحداث ما تم قبل إعطائها المهدأ، تمنت لوهلة أن يكون حلم بل كابوس راودها و أن يكون والدها بخير و معافى من أي مكروه  ظلت تقنع نفسها بذلك، إلى أن وجدت والدتها تدلف الحجرة عندما كانت على شفا مغادرة الفراش، كانت مرتدية ثواب اسود، و ظاهر على محياها البكاء، انقبض قلبها، و ازداد وتيرة أنفاسها، كانت خاشية من تصديق الحقيقة المرة، و مما تطرق لفكرها المغزى من وراء ما تريديه والدتها و بكائها المتراءي لها.

أستفاقت من تفكيرها المرتعد، على يد والدتها التي وضعت بتفقد فوق كتفها، ثم صوتها ذات البحة التي تدل على تأثر حلقها من شيء ما متسائلة:

-أأصبحتي بخير استريد؟

ابتلعت ريقها بارتياع، و استقرت غصة خانقة بحلقها  من هيئة والدتها الباعثة على التخويف، و تساءلت بصوت متلعثم راغبة في تكذيب كل ما يجوس في ذهنها عن موت والدها المحتوم مرددة:

-أبي.. لم يصيبة أي مكروه.. أليس كذلك؟

ذرفت "صوفيا" دموعا غزيرة، و هي تربت على ذراعها، و الحزن طاغي على وجهها امتخضب بحمرة بالغة، و أجابتها باكية:

-ادعي الرب أن يتقبله من الصالحين حبيبتي، هو لا يحتاج لشيء الآن باستثناء ذلك.

اتسعت عينيها في صدمة، و اهتز قلبها و سائر كيانها، لما قالته، حركت وجهها بالسلب بعدم تصديق، و تهاوت الدموع دون شعورها، ثم وثبت عن الفراش و هرعت للخارج، متوجهة إلى الغرفة التي تحتضن أعز ما تملك، أو إذا صح القول الآن ما كانت تملك.

ولجت الغرفة بهيئة مندفعة متألمة، كل ما تود في تلك اللحظة هو رؤية وجه والدها، و احتضان جسده، توديعا للمرة الأخيرة، وجدته فوق الفراش، بثيابه، منزوع منه سائر الخراطيم الطبية التي كانت متصلة به، و تم إفراغ الغرفة من سائر المعدات الطبية، امتلأت عينيها بدموع حارقة، و لم تستطع التحمل لتقع على الارض باكية بقوة، بقهرة بالغة، فقد فقدت ما كانت تحيا لأجله، و به، كان صديقها الوحيد، لم يكن لديها رفقاء سواه، كانت تبكي و جسدها ينتفض مع كل شهقة مطولة تسحبها لصدرها، و نهنهات بكائها تقطع نياط قلب كل المستمعون لها، و الذي لم يعيدوا الكرة بمحاولة الاقتراب إليها، فيكفي ذلك البكاء، لا ينقصها انهيار عصبي آخر.

وثبت عن الارض، بصعوبة و تثاقل في جميع انحاء جسدها، قدماها تتدفعهم للحراك و التقدم من جسد و الدها الراقد على الفراش، دنت منه و هي متحاملة على نفسها، بخطوات مرتجفة، تعركلت في الهواء لمرات عدة، و ما إن اضحت امام الفراش، حتى دفعت بجسدها في حضنه الذي لا يسعه ضمها، و ازداد بكائها و عويلها، كانت ممسكة بثيابه، تهز جسده في أمل أن يستجيب لها و هي تنتحب قائلة:

-انهض أبي أرجوك، انهض لأجلي، فأنا لن أستطيع العيش بلاك أبي أنهض، انت لن تموت و تتركني لا يستحيل ان يحدث ذلك، انهض أبي.. ألم تقل لي مرارا أنك ستظل ممسك بيدي طوال العمر، لا تخلف بوعدك مع، ليس لدي أصحاب غيرك، ليس لي أحد غيرك أرجوك ابي، أرجوك لا تتركني، أنهض ابي، انهض.

انسابت دموع الحاضرين جميعا، من تلك الكلمات الممزقة للأفئدة، لم يقترب أحد منها، باستثناء واحد فقط، اقبل إليها بتردد، و لكن ما ينبغي أن يبقوا هكذا لأكثر من ذلك، فيجب أن تتم مراسم الدفن قريبا، أمسك بيدها يحثها على النهوض، و تكلم بلين ونبرة حانية في محاولة منه لتهدئتها و ابعادها:

-لا يسعنا الانتظار لأكثر من ذلك ابنتي، ينبغي علينا أن نذهب به للبدء في مراسم الدفن.

التفت برأسها له، تناظره بعينيها الحمراوتين ذاتا الرؤية المغبشة، و توسلته بدموع تنهمر بلا توقف:

-انتظر قليلا أرجوك، سأودعه فحسب، اتركني لأملي عيني من وجهه و أشبع من دفء أحضانه، سأحرم منهما ابد الدهر.

تألم قلبه لما قالته، و تأثرت عينيه، و لكنه يعلم انهما إذا تركها، لن تبعتد على الإطلاق، لذا انحنى أكثر، و أحاط ذراعيها بذراعيه، و رفعها منهما بعدما أمسك بهما بإيحكام و رفق، و هو يقول بطريقة تحمل الود و الهدوء لكيلا تعند و تتشبث بموقفها على عدم الابتعاد عنه:

-انهضي ابنتي، ادع الرب له في صلواتك، أن يتغمده بالرحمة، و لكن الانتظار ليس صائبا، فينبغي أن نذهب به الآن.

قبضت على أحد يديه بيد مرتعشة، محاولة ازاحتها عن ذراعها، و هي تنظر له باستجداء و طلبت منه بوهن و قلة حيلة:

-سأقبل رأسه فقط، و سأبتعد بعدها و اتركه لكم، اقسم لك هذا ما سأفعله فقط لا غير.

لم يجد الرجل بدا من إبعادها، فقد تعاطف مع تلك الدموع التي تستهل عينيها بها، توجهت إليه بخطواتها التي تأبى التحرك، و دنت من فراشه مجددا، ضمته لها بقوة، و قامت بتقبيل رأسه و دموعها تنهمر فوق وجهه، ثم أغمضت عينيها و هي متكأة فوق جبينها، ثم ابعدت وجهها و تمعنت النظر بملامحه التي ستشتاقها إلى الحد الأقصى، و أخبرته بخفوت لكيلا يسترقَ أحد السمع لهما مثل عادتهما الدائمة في الحديث، و لعلمه بسائر أسرارها لما يجمعهما من أحاديث عدة و ذكريات كثر:

-سأشتاق لك كثيرا، لكنني سأظل اتذكرك، و سأصلي من أجلك، و سأظل منتظرة اليوم الذي آتي إليك فيه، و نعود معا مرة أخرى، وداعا حبيبي.

قبلت جبهته مرة أخرى، و أجبرت نفسها على النهوض من جنبه، ليأتي بعدها رجلين من خلفها، و حملا جثمانه من فوق الفراش، و ساعدهما في حمله رجلين آخرين، ثم وضوعوه بداخل التابوت، بينما هي لم تقدر على تحمل رؤية المشهد ذلك، وضعت يدها فوق فيها لتمنع شهقة البكاء التي غادرت حلقها من الظهور للعيان، و ركضت للخارج و هي تبكي و تستهل عينيها دموعا حارقة.

¤¤¤¤¤¤

بغتة و دون سابق إنذار، ولج غرفة الإجتماعات  "نوح"، دون استئذان، أو حتى طرقة تدل على دخوله  و تنبه ابنه الذي يرأس الإجتماع بمجيئه، فقد تطايرت شرارات الغضب من عيني ابنه من فعلته، التي تقلل من شأنه أمام موظفي الشركة، الذين يعقد معهم الإجتماع، حدجه "ماسيمو" بنظرة تحمل الغضب و التفاجؤ بآن واحد، و لكن ما جعل التفاجؤ يزداد عنده اكثر، هو تحدثه بنبرة عالية موجها كلماته للموظفين، و هو يسير نحوهم مرددا:

-الإجتماع انتهى، الجميع يعود إلى مكتبه.

احتل عدم الفهم نظرات ابنه، الذي رجع بظهره على مقعده، الموضوع عند منتصف الطاولة الكبيرة التي يجلسوا جميعا حولها، الموظفين رفقة "ماسيمو" الذي يترأسهم، و ذلك أثناء انعقاد الإجتماع، كونه ابن مالك الشركة، و يعمل في منصب المدير العام بها، كانت نظراته كالعاده يندلع منها الهيمنه و الغرور، الذي لا يتجزأ من شخصيته المتغطرسة، من تلك العينين الرماديتين الضيقتين، قابل والده تلك النظرات، بنظرات مبهمة، و وجه لا يعتليه أي من المشاعر الطبيعية، خاليا تماما لا يُفهم من خلاله شيء، كان واقفا أمامه مباشرة، و بعد صمت دام لثوان، صدح صوته قائلا بنبرة ثابتة:

- عمك مات، انهض معي الآن، لنحضر مراسم الدفن، و نبقى هناك لنأخذ العزاء.

على فوره، اعتدل "ماسيمو" في جلسته، و اتسعت حدقتيه بصدمة واضحة، و ردد مقتبسا مما قاله:

-مات!

هز رأسه له في إيماءة مؤكدة، و أخبره بنفاذ صبر ظهر على محياه و هو يستدير مغادرا الغرفة:

-نعم، و أسرع هيا، سأنتظرك بالأسفل في السيارة.

خرج من المكتب، و سار حتى المصعد بخطوات ثابتة لا تهتز رغم ما علمه من فاجعة موت شقيقه، فلو كان غيره لكان خر أرضا باكيا بشدة، من ينظر له بهيئته الصلبة تلك، لن يتوقع أنه تلقى منذ دقائق خبر وفاة أخيه الأصغر، و أنه متوجه الآن لحضور مراسم دفنه و أخذ عزائه، تلك الأمارات المعتلية وجهه و المجردة من أي تعابير مؤكده لن تخرج من أحد سوى ذلك الشخص، و المسمى ب"نوح جوناس"، البالغ من العمر ستة و خمسون عاما، و لكن جسده مازال محتفظ بقوته، لديه العديد من شركات الإلكترونيات، في الولايات المتحدة الأمريكية، ملامحه تتسم بالجمود، ذات طابع حاد، بالإضافة إلى نظرات ثاقبة، كل ذلك جاهلا له هالة خاصة مريبة بعض الشيء.

دخل المرآب، حيث يصف سيارته السوداء الفخمة، ذات الدفع الرباعي، جاء إليه السائق بخطوات مسرعة، و قام بفتح باب السيارة الخلفي له، جالسا لالمقعد الخلفي، منتظرا ابنه ريثما ينتهي، و يقوما بالذهاب معا لحضور مراسم الدفن.

بداخل حجرة المكتب ..

كان ما يزال بالداخل "ماسيمو نوح جوناس" الأبن الأكبر ل"نوح جوناس" كما أنه الذراع الأيمن له بالعمل، فقد أعطى له سلطة إدارة شركاته، كما أعطى له الحرية كاملة للتصرف فيهم، فهو يملك من الدهاء و الحنكة في العمل ما يجعله محل ثقة، و النظام الذي يسير على خطاه في إدارة الشركات ينفذه بطريقة أقل ما تتصف به أنها مثلى.

أخذ سترة حلته الرسمية، من فوق ظهر الكرسي، و قام بارتدائها بطريقة مهندمة، لعمل على الحفاظ على هالته الأنيقة المهندمة، فهو واحد ممن يهتمون بالمظاهر الخارجية، كانت هيمنته و غروره الطاغيين و الذي لا جدال عليهما الإرث الأكبر الذي كان له نصيب الأسد من والده، عينيه الرماديتين، الضيقتين ذاتا المظهر الخلاب، مع بشرته القمحوية، و خصلاته المائلة إلى الشقرة، و حفاظه على ذقنه مشذبه و شعره غير مستطال، يعطي له مظهر خلاب، و يمكن القول أنه لا يشوبه شائبة.

خرج إلى خارج الغرفة، و في طريقه للمصعد قام بإخبار مساعدته الخاصة أن تقوم بإلغاء أي اجتماعات و مقابلات مع العملاء ليوم آخر، خطى خطواته حتى المصعد، بتلك الخطوات الواثقة، و الجسد الرياضي، بمنكبيه العريضين، و الذي يليق مع قامته الطويلة الفارعة، كان منتبه لنظرات الموظفات الهائمات و اللاتي يختلسن النظر إليه، عالما بمدي تأثيره الطاغي عليهن، و لكن ما به من غرور بالغ، يجعله يمتنع عن النظر لأي منهن.

دخل المصعد، و قام بالضغط فوق زر الهبوط لأسفل، متوجها نحو المرآب حيث ينتظره والده، ليذهبا معا لحضور مراسم دفن عمه، لم يكن يوما تجمعه علاقة طيية بعمه أو عائلته، أو صح القول لم يجمعه به علاقة بالأساس، لم يكن هناك أحاديث بينهم من قبل، حيث إنه من صغره كان اهتمامه الاكبر منصب على دراسته، و بعدما أضحى شابا بعد تخرجه أصبح عمله المنزلة الرئيسية في حياته، فلم يضع من ضمن أولوياته العائلة نهائيا، فكل ما كان يسعى إليه، هو العلو بمكانته الإجتماعية، وما كان يقوم به خلسة من نزواته الشخصية، التي لا يعرف عنها شيء، لرغبته في عدم تدخل أي أحد في شئونه الخاصة، كما أن الأحاديث المتفرقة عنه حينها لن تنتهي، و لن يرضيه الأمر حينها.

لمحت عينيه سيارة والده، رآيا إيه منتظرا بها، لم تكن السيارة قريبة منه، حيث كانت تبتعد بمسافة كبيرة نسبيا، لذا أخرج الهاتف الحوال خاصته، من جيب بنطاله، و أجرى إتصالا عليه بينما كان يتوجه إلى سيارته الشخصية، أجاب والده المكالمة بينما كان قد ولج سيارته، أخبره "ماسيمو" بهدوء وهو يدير السيارة متحركا من المرآب:

-سأذهب بسيارتي أبي، أخبر سائق أن يغادر المرآب الآن فأنا خلفك مباشرة.

اغتاظ "نوح" من برود اعصابه، و عدم إبلاغه بذهابه بسيارته من البداية، و جعله ينتظر لكل ذلك الوقت، انهى معه المكالمة دون أن يضيف كلمة، ثم أمر سائقه بالتحرك في الحين.

سارت السيارتان في مجازهما متجاورين، في طريقهما نحو بيت "مايكل جوناس" كل واحد من الاثنين بداخل عقله أمرا مغايرا للآخر، حيث إن "ماسيمو" لا يهمه سوى القيام بآداء الواجب المطالب به أمام الجماعة المنسبون إليها من علية القوم، فهو لا يشغله سوى المكانة الإجتماعية فحسب، بينما "نوح" يشغل رأسه العديد من الأمور، و يرى أن وقتها المحتوم قد ازف، و سيصل إلى ما سعى إليه مرارا وتكرارا.

▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

كانت حالتها مهتاجة للغاية، لم يكن من الموجودين، أحد قادرا على ردعها من الركض خلف التابوت الموضوع به جثمان والدها، فقد أصيبت بحالة هياج رهيبة، من تطرق لعقلها نقطة أنه ذاهب بلا رجعة، و قد تحتم عليها عدم رؤيته او الحديث إليه مرة أخرى، كانت تهرول و هي تصيح بصراخ قطع حبالها الصوتية مرددة:

-أنتظر أبي لا تتركني، لن أستطيع العيش بدونك، انتظر أرجوك أبي.

بغتة و دون سابق إنذار وجدت يد أحدهم أطبقت على خصرها، لتحول دون ركضها الأهوج، خلف روحها التي سحبت منها، التفت و الذعر كله كان على ملامحها المنهكة و الذابلة للغابة، حدقت به بعينين محمرتين و الرؤية مشوشة من سحابة الدموع الغائمة حدقتيها رماديتين اللون خلفها، بصعولة و بعدما دققت النظر وجدته ابن عمها "ماسيمو"، تململت في يده محاولة التملص منه، و هي تفرق النظر بينه و بين التابوت الذي ابتعد عنها و قارب على مغاد ة الفيلا.

عادت بنظرها الملتاع إلى وجهه الجامد، و هى ما تزال تتلوى محاولة الفكاك من حصاره الخانق، صارخة بنبرة تأثرت بشدة من البكاء الذي ما تزال لم تكف عنه منذ علمت بنبأ موت والدها الغالي:

-اتركني، ابتعد عني لأذهب لوالدي، هيا ابتعد عني، سيأخذوه و يبتعدوا، أبي انتظر لا تذهب، اتركوه لا تأخذوه مني، لن استطيع العيش بلاه، اتركني... أبي.

يُتبع ...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي