قدر الفقراء

Qadoury`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-01-26ضع على الرف
  • 18.9K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

قدر الفقراء

قدر الفقراء
1
عفو عام
#قصص #عراقية #واقعية #للكاتب #قدوري #الدوري
مساء يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر تموز من العام 1976 توجهت المدعوة هيفاء عبد الحسين وابنتها أزهار الساكنتين في القطاع 16 من مدينة الثورة الى مركز الشرطة المجاور لما يسمى حينها بسوق الاورزدي باك والذي صار يسمى فيما بعد فرع الأسواق المركزية في مدينة الثورة .
أيامها كانت الحكومة تتكفل باستيراد وبيع كل ما تحتاجه العائلة العراقية وفق نظام رقابي محكم وأسعار زهيدة مدعومة .
أمام مفوض الشرطة ادعت الأم هيفاء عبد الحسين بان زوجها شاكر محمود الذي كان مودعا في سجن أبي غريب لعدة سنوات لارتكابه عدد من جرائم السرقات, قد حضر إلى دارها قبل ثلاث ليال, بعد أن أطلق سراحه من السجن بعفو عام أصدرته الحكومة آن ذاك, وقام بالاعتداء على ابنتها وفعل معها الفاحشة بعد أن جعلها هي وابنتها يفقدان الوعي اثر مناولته لهما حبوب منومة .
مثل هكذا جرائم كالتي وقعت على أزهار كانت تحضا دوما باهتمام تام من لدن السلطات الحكومية ومن العوام . باعتبارها من الجرائم التي تستثير الرأي العام . وقد بوبها القانون العراقي تحت مسمى الزنا بالمحارم وفرض على مرتكبيها عقوبات تصل أحيانا إلى الإعدام .
كان على مفوض التحقيق أن يتمعن ويدقق في كل شاردة وواردة ويخوض في تفاصيل لم تخطر على بال الأم وابنتها .
ويطرح من الأسئلة مما تحمر له وجنات النساء خجلا وحياءً أيا كان سلوكهن وتربيتهن .
كل ذلك من اجل أن يتوصل إلى حقيقة الواقعة واثبات الفعل وتقديم مرتكبهِ للعدالة .
كذلك فعل .. فطلب من أزهار مثلا أن تأتيه بملابسها الداخلية ساعة ارتكاب الجريمة . وهذا ما لم تفكر بهِ لا الأم ولا ابنتها .
ردت الأم بعد أن تجاوزت حالة الارتباك التي أحدثها وقع الطلب في نفسها والذي بدا واضحا على محيّاها, بان ابنتها قامت عن غير دراية ولا قصد بالتخلص من ملابسها الداخلية برميّها في ساقية المجاري الآسنة القريبة من دارهم - حيث لم تكن أيامها تتوفر حاويات للنفايات في المدينة البائسة الفقيرة, وكانت الخدمات البلدية تكاد تكون معدومة . وسواقي المياه الآسنة هي البديل الوحيد للتخلص من النفايات - .
ولما سألهما المفوض عن سبب تأخرهما في الإبلاغ عن الجرم . قالت الأم إن ابنتها حاولت أن تتكتم على الأمر لخشيتها من الفضيحة أولا ولعدم تأكدها من أنها تعرضت للاغتصاب وهي منومة ثانيا . حيث لم يخطر على بالها بان تصل الدناءة بابيها حد الإقدام على هذه الفعلة الخسيسة . فلم تسمع من قبل إن أبا اعتدى على ابنته بتلك الطريقة ولا راودها شك في ذلك . إلا إن حضور الأب في اليوم التالي ومحاولته التحرش بالبنت وهي صاحية دفعها إلى البوح لامها عما وجدت عليه حالها ساعة استيقظت من نومها بعد الليلة التي حصل الاعتداء عليها .
برر المفوض صمت البنت وتولي الأم الإجابات عنها وعزاه إلى خجلها . كذلك لم يغفل ما لاحظه عن الأم من لباقة وطول لسان .
كان على مفوض التحقيق الخفر أن يتصل بقاضي تحقق خفر العاصمة هاتفيا, ويستحصل منه قرار مستعجلا يتضمن إصدار أمر القبض والتحري بحق شاكر محمود, بعد أن أعلمته الأم بتواجد زوجها في الدار ساعة حضورهما إلى المركز وإنها تخشى إن هي عادت إلى البيت أن يدس لها ولابنتها حبوبا مخدرة ويكرر فعلته مع البنت مرة ثانية .
لذا جاء قرار القاضي متوافقا مع رأي المفوض - أيامها كان القضاة يسترشدون بآراء المحققين ويستأنسون بها . كما كان يحق للمحققين المجازين من وزارة العدل اقتراح القرارات المناسبة على القضاة . فالمحقق - وهذه حقيقة صار القضاة الحاليين يتغاضون عنها ولا يعيرونها أدنى اهتمام . هو أول من يصل إلى موقع الجريمة وأول من يجمع الأدلة ويحافظ عليها وبإمكانه إن أراد أن يغير مجري التحقيق من خلال التلاعب بالوقائع والأدلة الجرمية .
من ثم أعْلَمَ المفوض الخفر مراجعه الإدارية ببرقية هاتفية بكل التفاصيل والإجراءات التي اتخذها .
أرسل المفوض شرطيا إلى المختار ليخبره بضرورة الحضور إلى مركز الشرطة لأمر عاجل .
فيما فضلت هيفاء العودة مع ابنتها إلى البيت ريثما يحضر المختار, والتظاهر بأنهما كانتا في السوق كي لا تثيرا شكوك شاكر بغيابهما .
كما إنَّ عليهما أنْ تبدوان طبيعيتين في التصرف أثناء تواجدهما في المنزل وعليهما التظاهر بإعداد طعام العشاء ريثما يحضر مفوض الشرطة والمختار ليلقي القبض على شاكر .
بعد اقل من ساعة من مغادرة هيفاء وابنتها أزهار لمركز الشرطة حضر المختار فاصطحبه المفوض مع اثنين من رجال الشرطة الشبان وتوجها إلى دار المشتكية .
لم يكن عصيا على المختار ولا الشرطة الوصول إلى العنوان . فالمختار له المعرفة والخبرة الكافية بقاطني الحي ( القطاع ) كما أن أرقام الدور هناك متسلسلة ولا يمكن أن يخطئها حتى من ليس له إلمام بهذا الشأن . فكيف بالشرطة والمختار .!!
طرق المختار باب الدار :-
جاءه من الداخل صوت المرأة متقطعا :- منوو .
على عادة العراقيين في الرد على مثل هكذا حالات . دون ان يفصحوا عن الاسم, أجاب المختار بصوت أجش :- اااني .
:- أي جاك .
سُمِعَتْ همهمات خلف الباب . فُهِم منها أن المرأة تدفع بزوجها إلى فتح الباب ليتبين الطارق, ما دام رجلا .
بعد ثوان قليلة ملئها الترقب, فتح الباب واطل الرجل . تفاجأ بحضور الشرطة ولم يبدي أية ردة فعل .
رمقه المفوض بنظرة متفحصة . رجل في الأربعين من العمر قصير القامة ضعيف البنية لا زالت سحنة من بياض ممتزج بصفرة تطغى على بشرته السمراء جراء مكوثه في السجن . حليق الذقن والشاربين, تعلوا سالفيه نتف من شيب . يرتدي بيجامة مقلمة ونعل ذو إصبع مصنوع من الإسفنج الرخيص, كان شائع الاستعمال في تلك الحقبة . هي نفس المواصفات التي ذكرتها زوجته هيفاء .
بإشارة من المفوض تقدم الشرطيان وأحاطا بالرجل وامسكاه من ذراعيه وجراه بعيدا عن الباب .
ذلك بعد أن سأله المفوض عن اسمه وأجاب بالإيجاب وقد بدت عليه علامات الذهول والاستغراب .
:- نعم سيدي أنا هو ..
:- تفضل معنا .. فأنت ملقي القبض عليك بتهمة ستتبين تفاصيلها في المركز .
تمتم بكلمات لم يتبينها المفوض ولا رجلي الشرطة ثم قال :- حسنا .. هل لي أن أغير ملابسي .
لم يمهله المفوض ولا رجلا الشرطة, اللذان اقتاداه بعيدا عن الباب .
لحظتها أطلت زوجته من خلف الباب . ابتسمت بوجه المفوض ورجال الشرطة . ثم غيرت من تعابير وجهها ما أن نظرت صوب زوجها :- ارجع لابو غريب احسن لك يا گواد انته ما تعرف تعيش بعيد عن السجن
ما أن سمع الرجل عبارات زوجته المتشفية الناقمة حتى أدرك أنها هي من أوقعت به . فرد عليها بسيل من السباب والشتائم . وختمها بكلمات عتاب غاضبة . .
وتوجه بالسؤال إلى المفوض :- الله يخليك سيدي المفوض ما تگلي شگالت لكم عني هاي الــ .. استغفر الله العظيم .
رد عليه المفوض :- سد حلگك لك سافل .. لا تغلط على المره .
تبادل الزوج والزوجة السباب والشتائم فيما جر الشرطيان شاكر المحمود بعيدا عن بيت زوجته .
لم تنقطع سلسلة الشتائم والألفاظ البذيئة بين الطرفين إلى أن ابتعدت مفرزة الشرطة وغادرت الزقاق . فتوارت الزوجة خلف الباب بعد أطلت من خلف أبواب الجيران رؤوس بعض النسوة مدفوعات بالفضول, وتجمع ثلة من الفتية والأطفال ليشغلوا أنفسهم بسماع قصة جديدة لم يألفوها في الدربونة .
***
في مركز الشرطة قرأ المفوض على شاكر تفاصيل الشكوى التي قدمتها ضده زوجته وابنته .
ابتسم شاكر بمرارة بعد أن هدأت ثورة غضيه وحل محلها شعور باليأس مقرون بالندم . ثم قال :- والله يا سيدي ما صار لي أسبوع من طلعت من السجن بالعفو الأخير . كل ظني اعدل حالي وادور على شغل واعيشهن بشرف .
قاطعه المفوض :- وش كانت تهمتك .؟!!
:- سرقة .. سيدي .. سرقة .. يشهد الله أني بريء .
قاطعه المفوض مرة ثانية :- كل المساجين يدعون إنهم أبرياء . احجي لي سالفتك . ولك وين وصلتونا . سمعان احد يعتدي على بنته .؟!!
ضل شاكرا مطرقا براسه ولم يجد ما يجيب به على أسئلة المفوض . ويعد ان الح عليه ذذاك قال :- اقسم لك بالله العلي العظيم . سيدي كل كلام هيفاء تلفيق بتلفيق . ووو .
عند تدوين أقواله أنكر كل ما أوردته زوجته بشكواها جملة وتفصيلا . وأضاف عليه سيل من الاتهامات لزوجته بافتعال أحداث ووقائع ما انزل الله بها من سلطان بغية التخلص منه وإبعاده عن البيت كي يخلو لها الحال وتُسَمْسِر على ابنتهما الوحيدة أزهار .
هكذا قالها دون أن يشعر بالحرج . مما أثار غضب المفوض .
هَمَّ المفوض لأكثر من مرة بصفع الرجل كلما زاد من كيل الشتائم لزوجته . ثم كان في كل مرة يتراجع ويستغفر ربه .
دوَّن أقواله ابتدائيا وربطها بالأوراق ومن ثم اتصل بقاضي تحقيق خفر العاصمة هاتفيا وأطلعه على التفاصيل .
فقرر القاضي توقيف المتهم شاكر محمود وإرسال ابنته أزهار إلى الطبابة العدلية لإجراء الفحص عليها وبيان فيما إذا كانت باكرا او ملاط بها من عدمه . وتثبيت أي آثار جانبية قد تعزز الواقعة الجرمية .
***
في صباح يوم السبت عُرِضت أوراق الدعوى على ضابط المركز النقيب عبد العزيز . ولان الحادثة من نوادر الحوادث ان ذاك لذا أرسل في طلب المرأتين اللتين حضرتا قبل نهاية الدوام, فاستمع مجددا إلى أقوالهما . وابلغهما بضرورة الحضور في اليوم التالي على أن تجلب أزهار معها صورتين شمسيتين بغية إرسالها إلى الطبابة العدلية لإجراء الفحوصات الطبية العدلية عليها .
هكذا احتُجِزَ شاكر في غرفة ضيقة خانقة لا يدخلها الهواء إلا من نافذة علوية لا تتجاوز سعتها القدمين وقد دعمت بقضبان حديدية من باب الأمان وخشية من أن يستغلها المحتجزين فينفذوا منها هاربين .
صار شاكر ومن معه وقد تجاوز عددهم العشرين ممن أوقفوا لاتهامهم بارتكاب أفعال يحاسب عليها القانون . صاروا ينتظرون بفارغ صبر تلك الدقائق القليلة التي يُجْلب لهم فيها الطعام فتُفْتح الباب لتتسلل نسمات هواء نقية, وان كانت حارة, تخفف من نتانة روائح العرق الناضح من أجسادهم المتعفنة .
لحظتها كان الجميع يتسابقون ليتخذوا لهم موقع قريب من الباب كي يحضوا بتلك النسمات التي لا يقدر قيمتها إلا من جرب مرارة الاحتجاز في غرفة التوقيف الضيقة .
كان على شاكر أن ينتظر أسابيع وربما أشهرا ريثما ترد نتائج الفحوصات . كذلك بقي في انتظار أن يعرض على قاضي التحقيق ليصدق أقواله بالاعتراف أو بالنكران .
***
لم تكن لشاكر القدرة المادية على توكيل محام للدفاع عن نفسه . ولم تكن مهنة المحاماة آن ذاك شائعة كشيوعها اليوم . فمحاكم التحقيق لا تنتدب محامين للمتهمين العاجزين عن توكيل محام, وان كان بشكل روتيني . ( فالحل والربط ) منوط بسلطة قضاة التحقيق . ولا حضور يذكر لسلطة الادعاء العام سوى في المحاكم الكبرى . مع هذا فان اغلب أحكام قضاة ذاك الزمان, والحق يقال, تنطبق ونصوص القانون وتتسم بالنزاهة والحزم . وان شط بعضها عن تحقيق العدالة فذلك لا يتعدى إلا نسبة ضئيلة .
لمّا مَثُل شاكر المحمود أمام قاضي التحقيق بعد أسابيع من توقيفه استطاع أن يستجمع شتات أفكاره ويتذكر ما لم يكن يتذكره لحظة جيء بهي إلى مركز الشرطة .
حينها كان قد ابْلِغ من قبل القاضي بنتيجة الفحص التي لم يكن يتوقعها ويرجوها . حيث تَبَيَّن إن أِبنته أزهار فاقدة للعذرية منذ أيام قليلة .
ابتلع ريقه عدة مرات وهو يسمع الخبر . ثم استجمع شتات أفكاره واستدرك أقواله فذكر للقاضي واقعة حصلت له يوم أن كان في السجن . ظن أنها ربما تبعد عنه التهمة الباطلة الموجهة اليه .
قال من بين ما قاله للقاضي أن شابا – لحظتها اعتصر ذاكرته كي يستعيد ذكر الاسم الذي غاب في طيات النسيان – نعم .. إن شابا يُدْعى محسن حضر لزيارته في سجن ( أبو غريب ) قبل إطلاق سراحه بأشهر قليلة وطلب منه يد ابنته للزواج على سنة الله ورسوله .
لم يكن قبلها يعرف الشاب, فأسغرب حضوره واستهجنه . وطلب منه أن يمهله ريثما يخرج من السجن . غير أن الشاب ألحَّ في طلبه ولمح بما يشبه التصريح بان أمر زواجه من أزهار مفروغ منه, وان حضوره إليه لا يعدو أن يكون أمرا شكليا أراد بهي ذر الرماد في العيون كما يقولون . أو هكذا فهمه شاكر .
الطريقة التي اتبعها الشاب في خطبة أزهار لم ترق لشاكر .
غير أن الوضع الذي كان عليه شاكر لا يمكنه من الوقوف بوجه هذه الزيجة غير المُرْضية . حينها وكما ظن فانه تصرف بحكمة ساعة طلب من الشاب أن يمهله متسع من الوقت ريثما يتخذ قرارا قاطعا في الأمر . ليقع على حقيقة موافقة ابنته من الزواج من محسن ويطلع على طبيعة العلاقة التي تربطهما معا . فاشترط على الشاب أن يحضر مع ابنته أزهار وأمها في زيارته القادمة . كي يتأكد من رغبة البنت بالزواج أولا وكي يقف على الموانع التي دفعت بزوجته إلى الامتناع عن زيارته طيلة السنوات الثلاث الماضية .
وهكذا حصل . في الزيارة التالية حضر محسن برفقته أزهار, إلا أن الزوجة لم تحضر وعللت البنت سبب عدم حضور أمها بتعرضها لوعكة صحية طارئة . وبعد أن لمس من ابنته رغبة في الزواج بمحسن لم يتردد بمباركة ذاك الزواج . رغم أن الأمر كان مخالفا لطبيعته, ومناف للأعراف والتقاليد الاجتماعية .
لذا فانه استدرك وذكر أمام القاضي, انه على يقين من أن محسن قد تزوج من ابنته . فلا غرابة فيما ورد في التقرير الطبي .
كان يأمل أن تستمر زيارة محسن له بعد الزواج . إلا انه انقطع من يوم إن خطب منه ابنته . وعندما خرج من السجن الذي مكث فيها أكثر من ثلاث سنوات بحث عن زوجته التي اكتشف أنها هجرت بيته المتواضع في شارع الكفاح بمحلة قنبر علي, دون علمه ورضاه, تاركة أمه العاجز المريضة الفقيرة تلاقي الأمرَّين من وحدة وعدم مراعاة .
كان يعرف كيف يجد زوجته . فلم يعجزه الأمر . فتوصل إلى عنوان سكنها سريعا بعد أن التقى ببعض معارفه السابقين من زملاء المهنة .
أمام القاضي لم يتمكن شاكر من تذكر السم الكامل لمحسن ولا من ذكر ما يبرر لزوجته تصرفها الأخير, وسبب شكواها منه, وهو البريء كل البراءة مما نسبته إليه, كما يزعم .
لم يكن ما ذكره شاكر متسقا ومتطابقا وفق ما اكتبه لكم ألآن . فقد كان يعتري كلامه الكثير من اللبس والتخبط والغموض . مما جعل القاضي ولأكثر من مرة يطالبه بإعادة صياغة جمل بذاتها كي يدونها كاتب التحرير الجالس على كرسي من خشب من تلك الكراسي التي ليست لها مساند جانبية والتي كانت شائعة الاستخدام حينها في الدوائر الحكومية . ليصغها ذاك وفق فهمه, بلغة عربية فصيحة .
كما انه لم يتمكن من الإجابة بشكل دقيق على الكثير من الأسئلة التي طرحها عليه قاضي التحقيق . فلم تسعفه ذاكرته مثلا في ذكر تاريخ زيارة الشاب له في السجن ولا تمكن من تذكر اسم عائلة الشاب رغم انه أكد ولأكثر من مرة أن الشاب قد ذكرها له . كذلك لم يتمكن من ذكر أسماء شهود على واقعة الزيارة .
مع ذلك فقد حرص شاكر في بعض الأحيان على أن يختار كلماته بدقة وعناية وان لا يتجاوز حدود اللياقة الأدبية عند ذكر الوقائع التي تجمعه بزوجته وابنته . ففي السجن اكتسب عدة أمور لعل من أهمها الصبر ومن بينها أسلوب مخاطبة المسؤلين الحكوميين, كي لا يثير نفورهم . كما اكتسب مهارات عدة, فتعلم الحياكة والحدادة في ورش السجن .
أعيد شاكر إلى غرفة الاحتجاز والتوقيف في مركز شرطة الثورة ريثما يتم حضور محسن مجهول اسم الأب واللقب, هذا إن تمكنت الشرطة من الاستدلال على محل سكناه . سيَّما وان البنت أزهار قد أنكرت عند استدعائها من قبل القاضي واقعة زيارتها لأبيها في سجنه رفقة ذاك الشاب الذي زعم والدها بأنه زاره برفقتها وطلب منه خطبتها للزواج منها . كما أنكرت أية معرفة لها بشاب اسمه محسن .
في مثل هكذا حالات يميل القضاة غالبا إلى التأني في الأحكام وتأخير إحالة الأوراق إلى محكمة الجنايات .
أذاً لابد من الانتظار أشهرا أخرى . ريثما يتم التأكد من صدق أقوال الأب . فان لم يحضر محسن سيبطل ادعاء شاكر محمود ويصار إلى إحالته إلى المحكمة للنطق بالحكم ضده إن لم يستجد جديد . فالأمر لا يحتاج إلى أدلة وشهود إثبات . فالنساء مصدقات على فروجهن كما يقولون . وتلك التي شكته لم تكن سوى ابنته وزوجته .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي