الفصل الرابع

المساندة والدعم بوقت الشدة كان أكثر ما تحتاجه السيدة "زينب" بالوقت الحالي وقد قدمته لها "عفاف" وأظهرت شجاعة لم يظهرها لها أحد، كانت كطوق نجاة بالنسبة لها والعقل المدبر لإيجاد حلًا لتلك المصيبة التي حلت على رأسها بسبب وضاعت "سمير" سليل الحسب والنسب.
لم تضيع وقتًا وانما عزمت على الذهاب إلى قصر عائلة "محفوظ" لتهدمه فوق رؤوسهم، فإما يتم الزواج أو تلجأ لحيلة "عفاف" ولن تترك أحدًا بالبلدة أو بدائرة معارفهم إلا وتخبره بما فعله ابنه الحقير.
وقفت أمام البوابة الحديدة الضخمة للقصر، نظرت "زينب" للباب المغلق وابتسمت بسخرية، طوال فترة عملها هنا لم يحدث قط أن أُغلقت البوابة الحديدة بل كانت مفتوحة دومًا بأمر من السيد "محفوظ" إذا ما احتاجه أحد ولجأ إليه والآن يتخلى عن أحد القوانين القديمة للقصر فقط خوفًا على ابنه منها بعد فعلته الشنيعة، جيد جدًا لقد سهل عملها بما فعله فقد استطاعت رؤية خوفه مما تخطط لفعله.

خرج أمامها أحد الحرس "محمود" تعرفه جيدًا فقد كان بمثابة ابنًا لها، هتفت "زينب" مبتسمة بود:

_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف حالك بني؟.

ابتسم "محمود" بحذر متمنيًا ألا يراه أحد وهو يتحدث إليها، فتعليمات أرباب عمله واضحة إذا ما حاولت "زينب" الاقتراب من القصر عليه التصرف معها بالطريقة المناسبة التي تمنعها من المجئ مجددًا.

_وعليكم السلام والرحمة، بأحسن حال والحمد لله، كيف أساعدك؟.

لم يخفى على "زينب" تحفظ "محمود" في الحديث معها لكنها تفهمت موقفه جيدًا، فإذا كانت هي نفسها خافت من بطش هذه العائلة واختارت التخلي عن حق ابنتها وإذا لم تظهر تلك المصيبة التي تحملها ابنتها باحشاءها لم تكن لتجرؤ على الاقتراب من قصرهم ولو بضعة خطوات بسيطة.

تنفست بعمق ثم أردفت بنبرة هادئة وابتسامة بسيطة:

_أنا أريد مقابلة السيد "محفوظ" لأمر بالغ الأهمية.

ابتلع "محمود" ريقه بصعوبة ثم أردف محرجًا يخبرها بما أمره به رجال العائلة:

_أنا أعتذر وبشدة سيدة "زينب"، أنا لا استطيع مساعدتك بهذا الأمر تحديدًا، فأوامر السيد "محفوظ" فيما يخصك تحديدًا واضحة وغير قابلة للنقاش، لذا رأفة بي ارحلي الآن ولا تقتربي من القصر ثانيًة.

وضاعة "محفوظ" وتصرفاته فاقت ابنه الحقير، يبني حصنًا وحاجزًا منيعًا حوله وحول عائلته ظنًا منه أنها ستستسلم مثلًا!، لقد أخطأ بظنه فإذا كانت سابقًا ستكتفي بمناجاة رب العالمين لينتقم لها منهم فالآن وبعد تلك المصيبة التي تحملها ابنتها فقد نفضت عنها رداء الضعف والاستسلام وقلة الحيلة.
أخذت نفسًا عميقًا ثم عزمت أن تخبر "محمود" بجزءًا من الحقيقة المرة ليساعدها في الدخول للقصر وبلوغ السيد "محفوظ".

-لا أريد أن أتسبب لك بالمتاعب بني، لكني سأطلب منك أن تخبر رب عملك أنني هنا وأريد أن أتحدث معه بأمر بالغ الأهمية.

صمتت لثوان ثم اردفت بنبرة هادئة:

-لقد تطاول السيد "سمير" على " إيمان" و….

كلمة السر، والحافز الرئيسي الذي جعل محمود يرفع سماعة الهاتف الارضي ليجري اتصالًا بداخل القصر ويخبر السيد "محفوظ" بوجود "زينب" بالخارج كانت هي وحدها "إيمان" ذو العقل النقي والروح الصافية، ملاكه الحزين.

جاءه صوت السيد "محفوظ" القاسِ يخبره بغضب:

-ألم أخبرك بما عليك فعله إذا ما اقتربت من القصر بضعة كيلومترات!.

هتف "محمود" بنبرة هادئة قوية يمنعه من إكمال حديثه:

_تريد مقابلتك لأمر هام، يخص ابنتها إيمان وابنك سمير سيد محفوظ.

ابتلع "محفوظ" ريقه بوجل وقد تأكد الآن أن مخاوفه أصبحت حقيقة، خاصة مع زيارة "عفاف" للمزرعة.

هتف أخيرًا ما أن وجد القوة بصوته يأمر "محمود" :

-اسمح لها بالدخول، وأخبرها أنني أنتظرها بغرفة المكتب.

أغلق الهاتف وأعاده إلى مكانه مجددًا وخرج من الغرفة ليستدعي إبنه الأكبر "ناجي" عله يجد حلًا لتلك المصيبة التي أخلفها طيش "سمير".



بعد قليل كانت السيدة "زينب" تقف أمام كل من السيد "محفوظ" والسيد "ناجي"، كانت تنظر لهما بتشفي واضح، كم اختلفت ملامحهما هذه المرة عن المرة الأولى، وكأن الأدوار انقلبت لتأخذ هي دورهم بالهيمنة والسيطرة فيما يجلسان هما أمامها وعلى وجهيهما نظرات الخزي والعار.

لم تجلس على المقعد بل كانت تشبع عينيها بارتباكهما الواضح، تنتبه لكل حركة تخرج من كل منهما بتركيز شديد ثم هتفت أخيرًا بغصة مسننة بحلقها:

_إيمان حامل.

كلمتان فقط جعلت السيد "محفوظ" يغمض عينيه بألم شديد ويتهادى بجسده على ظهر المقعد بتخاذل وضعف، ما كان يخشى منه قد حدث بالفعل وأصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها، عليه الآن أن يجد حلًا لتلك الكارثة بشكل يضمن سلامة سمعة العائلة التي ستصبح علكة بفم الجميع ما أن تقرر "زينب" فضحهم.

نظر "ناجي" إلى والده منتظرًا منه أن يجيب عليها بما يتناسب مع وضعها لكن حالة والده أخبرته بما لا يدع مجالاً للشك أنه ليس هناك حلًا سوى الزواج وكم صعب عليه أن يقولها حتي ولو بينه وبين نفسه.

عندما لم تحصل منهم "زينب" على إجابة أظهرت أنيابها المفترسة وهتفت بصوت حاد مرتفع أجفل الاثنان:

_هذه المرة لن أتنازل عن حق إيمان، إما يتم الزواج وفي غضون بضعة أيام، وإما سأتولى بنفسي مهمة الدق على أبواب كل منزل بالبلدة لأخبرهم بوضاعة ابنك الحقير، أنا جادة للغاية ولن أتراجع أبدًا.

لم يتحمل "ناجي" أن يكون والده تحت رحمة إمرأة لم تكن سوى خادمة بقصرهم الراقي ليضرب الطاولة أمامه بقوة هاتفًا بنبرة حادة:

-لقد تجاوزت حدودك يا إمرأة، أنت لست سوى خادمة أأ…

قاطعته "زينب" مبتسمة بسخرية وهتفت متهكمة:

_أنا أعلم مكانتي جيدًا، أنا خادمة من عائلة فقيرة تربيت على الأخلاق والأصول التي يفتقرها ساكني القصور أمثالكم، أنا خادمة عملت بشرفها وحافظت عليه ليأتي أخيك الخسيس ويتعدى على شرفها.

صمتت لثوان تلتقط أنفاسها ثم أردفت تستكمل حديثها بنبرة أقوى من سابقتها مضيفة إليها تهديدًا صريح اللهجة:

-إما أن يصلح أخيك خطؤه وإما أتولى أنا مهمة كشف نواياكم وأخلاقكم الوضيعة لسكان البلدة، أمهلكم يومًا واحدًا فقط وبعدها سأبدأ بالتنفيذ.

وكما جاءت غادرت، نفس المشهد يعاد مرة أخرى بعد مرور ثلاثة أشهر وكم اختلفت نتائج المقابلتان، انقلبت الأدوار لتكون السيدة "زينب" هي من يتحكم بمقاليد الأمور فيما يجلس أمامها "محفوظ" و "ناجي" ولا يقوى أيًا منهما على النظر بعيناها والنتيجة واضحة حتى ولو لم ينطقها الإثنان، زواج "سمير" من "إيمان" سيحدث رغمًا عن أنف الجميع.

تنهد "محفوظ" بتعب شديد ثم أردف بنبرة خافتة منكسرة:

_أريد سمير أمامي خلال نصف ساعة، علينا أن نضع حدًا لهذه الكارثة التي حلّت على رؤوسنا بسببه.

أومأ "ناجي" برأسه وقد ظهر القلق والتوتر على ملامحه بوضوح، كان يدعو بداخله أن تمر حادثة "إيمان" على خير ودون أن يضطر أخيه للزواج منها لكن لم يستجيب الله لدعاؤه وحدث ما يخشاه، لا يعلم كيف ستكون ردة فعل أخيه جراء ما سيجبره والده على تنفيذه، لكن ما هو أكيدًا منه أن هناك حربًا عنيفة على وشك الحدوث بين أبيه وأخيه ولا يعلم كيف ستنتهي..هل بزواج أخيه من "إيمان" وامتثاله لأوامر والده، أم بمزيدًا من التبجح والوضاعة التي ستجعل غضب والده يبلغ عنان السماء؟.



بعد مرور ساعة تقريبًا كان "سمير" يجلس أمام والده بغرفة المكتب ينظر إلى أخيه محاولًا معرفة ما يحدث هنا بالضبط، فقد بعث إليه أخيه "بمحمود" حارسهم الأمين ليخبره بأوامر والده بالحضور على وجه السرعة، وكالعادة لم يهتم "سمير" بما يريده والده ولم يذهب مع "محمود" إلا بعد أن انتهى مما يفعله مع أصدقاء السوء.

ملّ صمتهم هذا، فمنذ أن دلف إلى غرفة المكتب وهما لم ينطقا بكلمة واحدة، تأفأف "سمير" بنفاذ صبر وهتف يسألهما:

_ماذا حدث؟، أنا هنا منذ ما يقرب من الساعة تقريبًا وأجلس أمامكما منتظرًا أن يتحدث أيًا منكما ليخبرني بما يحدث بالضبط، لكني لم أحصل إلا على صمتكما، هلا أخبرني أحدكما بما يجري؟.

كان ينظر لهما بين الحين والآخر وهو يتحدث إلى أن استقر بنظره على أخيه الذي تجاهل نظراته والتفت لينظر إلى والده وكأنه يقول له "أخبره أنت" وقد فهم السيد "محفوظ" نظرة ابنه له لينظر إلى ابنه الأصغر بنظرة قوية حازمة ويهتف بنبرة لا تحتمل النقاش:

_إيمان تحمل طفلك، لذا غدًا سنذهب إلى المزرعة ليتم الزواج، ستعود إيمان إلى القصر كونها زوجتك ووالدة طفلك.

ران الصمت للحظات يحاول فيها "سمير" استيعاب ما يقوله والده، من سيتزوج!، ومن العروس!، "سمير" سليل الحسب والنسب سينتهي به الأمر متزوجًا من فتاة خرقاء ذو إعاقة ذهنية!، بل وسينجب منها أيضًا، أي جنون هذا ما يقوله والده!، بالتأكيد جنّ أو تعرض لصدمة ما عنيفة أخلفت تلفًا بخلايا عقله.

هز "سمير" رأسه يمينًا ويسارًا بنفي هاتفًا بنبرة مذهولة:

_ماذا؟، من سيتزوج؟، من العروس!.

تولى "ناجي" الأمور هذه المرة فهو يعلم جيدًا إلى أي مدى صعب على والده أن يقرر هذا القرار:

_غدًا سيتم عقد قرانك على إيمان، وهذا الأمر غير قابل للتعديل أبدًا، إيمان تحمل طفلك وقد جاءت والدتها اليوم وتوعدت الجميع إما أن يتم الزواج وإما أن تخبر جميع سكان البلدة بما فعلته بإبنتها، باختصار شديد أنت مجبر على إتمام الزواج.

انتفض "سمير" من مكانه وهتف بصراخ حاد رافضًا ما يقوله أخيه:

_هذا جنون، ومحال أن أمتثل لأوامر أيًا منكما، ليس من العدل أن أدفع عمري كاملًا ثمنًا لخطأ ارتكبته.

حديثه كان كعود ثقاب أشعل غضب لم يسبق له مثيل من "محفوظ" تجاه ابنه الحقير؛ نهض من مكانه ممسكًا بعصاه يتكئ عليها إلى أن وقف أمام ابنه وبلمح البصر كان يرفع يده ليهبط بها على وجنة ابنه في صفعة قوية ألحقت الضرر بشفتي "سمير" ليسيل خطًأ رفيعًا من الدماء بجانب فمه، وقبل أن يفيق مما فعله والده سمع صوته الجهوري الذي يكاد يجزم أنه زلزل الأرض من تحت قدميه يهتف بغضب جحيمي:

_وليس من العدل أيضًا أن تترك فتاة بريئة تفوقك طهارة ونقاءًا تدفع عمرها وسمعتها ثمنًا لحقارتك يا وضيع، ستتحمل خطأك رغمًا عن أنفك، سيتم الزواج بالغد وبعدها سأحرص تمام الحرص أن أعيد تربيتك من جديد بشكل سليم يتوافق مع كونك فردًا من عائلة "محفوظ".

كان عليه أن يفكر بطريقة للهرب من المنزل إلى وجهة لا يعلمها غيره، هذا الزواج لن يحدث أبدًا، وكان أول ما تبادر إلى ذهنه هو الركض ليخرج من المكتب ومنه إلى بوابة القصر الخارجية لكن أخيه أدرك ما يفكر فيه وعندما حاول "سمير" أن يخطي أول خطوة إلى الخارج كان "ناجي" يقف أمامه كالحائط يمنعه من بلوغ هدفه، دفعه "ناجي" إلى الأريكة خلفه وأسرع يوصد باب الغرفة بالمفتاح.

استند "سمير" بكلتا يديه على الأريكة محاولًا السيطرة على جسده وهتف بغضب شديد ونظرات نارية ساخطة يسلطها على أخيه:

_لن يستطيع أيًا منكما منعي من الخروج،كما أنني لن أتزوج من تلك الخادمة الغبية، هذا الطفل ليس لي فلتبحث عن آخر لتلصق به هذا الطفل.

شمر "محفوظ" كمي العباءة عن ساعديه وكان على أتم الاستعداد لمنع ابنه من الهرب، رفع عصاه الغليظة وهبط بها على ساقي "سمير" وهو يهتف بصوت حاد مرتفع أجفل "ناجي":

_أنا أستطيع، أنا أستطيع أن امنعك من الخروج واجبارك على الامتثال لأوامري وتنفيذها رغمًا عنك، زواجك من إيمان ليس أمرًا مطروحًا ولك مطلق الحرية بالموافقة أو الرفض، بل هو أمر واجب التنفيذ.

صراخ "سمير" جعل جميع سكان القصر يهرولون نحو غرفة المكتب يحاولون فتح الباب الذي أوصده "ناجي" منذ قليل، أما "ناجي" فركض إلى والده يحاول أن يكف أذاه عن أخيه هاتفًا بوجل:

_يكفي يا حاج، لقد تضررت ساقيه بالكامل.

لم يندم "محفوظ" للحظة مما ألحقه بابنه وقد شفى غليله تمامًا ليبتعد عنه لاهثًا بعنف ويهتف:

_بهذه الطريقة لن يستطع الهروب أبدًا.

صمت لثوان ثم نظر إلي "ناجي" هاتفًا بأمر:

_هذا الحقير مسؤوليتك بالكامل إلى أن يتم الزواج غدًا، اصطحبه إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم وبعدها يعود إلى المنزل ليستعد للذهاب إلى المزرعة.

تركهما "محفوظ" وخرج من الغرفة غير عابئًا بأسئلة ابنته عما حدث فقط نظراته النارية انبأتها أن ما حدث له علاقة "بزينب" وابنتها.

أما بالداخل فكان "ناجي" يحاول مساعدة أخيه ليخرجا من القصر ويذهبا للطبيب عندما استمع لجملة "سمير" التي تقطر كراهية شديدة وقد أعلن الحرب عليه!.

هتف "سمير" بكره شديد لأخيه متحاملًا على ألم ساقيه الفظيع:

_ لن أنسى ما فعلته أبدًا بل سيبقى محفورًا بذهني إلى أن يأتي الوقت المناسب لأرده لك، أنا لا أراك سوى عدوي بعد الآن!.


جافى النوم عيناها منذ أن عادت من زيارتها للقصر، تنتظر انتهاء المهلة التي حددتها بفارغ الصبر، تدعو وتتضرع إلى الله بداخلها أن تجدي خطة "عفاف" نفعًا ويضطر السيد "محفوظ" للرضوخ لما تريده، لا تستطيع تحمل عار حمل ابنتها بطريقة غير شرعية وحدها وببلدة كبلدتهم التي يبحث سكانها عن أي فضيحة جديدة لتكون حديث الساعة وكل ساعة.

نظرت إلى ابنتها التي أصبحت تلازمها أينما ذهبت حتى أنها تُصر على النوم بجانبها وتتعلق بها محاوطة جسدها بذراعيها تضغط عليه بقوة حتى تشعر بوجودها بجانبها، تبدل حالها إلى النقيض تمامًا لم تعد تلك الفتاة التي تمرح وتلعب طوال اليوم دون كلل أو تعب بل أصبحت بقايا إنسان علاوة على عدم تركيزها بأي شيء، هي حتى لا تعلم كيف سيصمد جسد ابنتها الضعيف أمام ذلك الطفل الذي يتكون بداخلها!، بالتأكيد ستفقدها يومًا ما، عند هذه النقطة وجدت نفسها تضم جسد إبنتها بقوة وقد خفق قلبها بخوف شديد بداخلها حتى كاد أن يهشم أضلُعها.

مرت ساعات الليل كلأعوام عليها إلى أن ظهرت أمامها سيارة السيد "محفوظ" السوداء واستطاعت أن ترى "سمير" يجلس بالمقعد الأمامي بجانب السائق، تهللت أساريرها وأدمعت عيناها فرحًا ومضت تشكر الله عز وجل، فقد استجاب لدعائها وستر عُريها.

اللحظات التالية مرت كالحُلم، لم تنتبه السيدة "زينب" إلى المأذون الشرعي الذي كان يجلس بالمقعد الخلفي بالسيارة بجانب السيد "محفوظ"، تم الأمر وسط صمت تام وكأنها مهمة واجبة التنفيذ لا أكثر، فقط نظرات "سمير" النارية نحو كل فرد موجود بالغرفة بما فيهم المأذون يحملهم جميعهم زواجه من "إيمان" وكأنهم هم من أخطأوا وليس هو.

مررت "زينب" الدفتر لابنتها وأمسكت بإصبعها تغمسه بالحبر لتطبعه على الورقة البيضاء بجانب إمضاء "سمير" الأنيقة وكم أجج غضبه هذا الأمر، هو "سمير محفوظ" نجل العائلة العريقة التي أنفقت عليه بأفخم وأرقى المدارس والجامعات الأجنبية ينتهي به الأمر متزوجًا من فتاة خرقاء ذو إعاقة ذهنية تجهل حتى كتابة إسمها!.

رافق "ناجي" المأذون إلى الخارج بنظرة من والده، أما السيد "محفوظ" فأمسك بتلك الحقيبة الجلدية الفخمة التي كان يمسك بها بين يديه، أخرج منها علبة مخملية بلون كُحلي فخم وفتحها هاتفًا بنبرة مقتضبة يحدث "زينب":

_مساء غدٍ سيمر عليك محمود ويقلك أنت وإبنتك إلى القصر بعدما تمري على أبواب كل منزل بالبلدة لتخبريهم بزواج ابنتك من سمير وتريهم شبكتها الفخمة.

مدت "زينب" يدها لتأخذ العلبة من يدي "محفوظ" وهي تومئ برأسها ببطء، لم تنتبه إلى نظرات "سمير" الساخطة لها ولابنتها وهو يتوعدهم بداخله سيجعل كل من ساهم في هذا الزواج رغمًا عنه يندم أشد الندم وعلى رأسهم أخيه وتلك العجوز المسماة " زينب".
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي