الفصل الثالث

الفصل الثالث.

أسرع عبد الله ليرى لماذا تصرخ زوجته بهذه الطريقة، وتنادي عليه بغلظة، كأنما دارت الحرب على أوجها.

خرج مندهش مذهول إلى مكانها يصوب عينيه نحوها يستكشف ماذا حدث لهذه اللعينة القاسية، فوجدها جالسة على الكرسي في غرفة الطعام أمام المائدة، وعندما رآها صرخ فيها مستفسرًا عن الأمر:

-ماذا حدث يا نعمات ولماذا تصرخين وتنادين علي بهذه الطريقة المفزعة، أخبريني لكي يطمئن قلبي، هل وصل خبر عن مكان رزان ابنتي الحبيبة؟

هل حدث لها مكروه ما، تكلمي لقد بلغ مني الرعب مبلغه، أصبحت كالمشرف على حريق سيصيبه ويجعله كالهشيم المحترق.

نظرت له نعمات بغضب وحاولت أن تعنفه على كثرة سؤاله وتنهره، فهي لا تطيق صوته مطلقًا خاصة إذا كان يستفسر عن ابنته التي تتمنى لها السوء دومًا، فهي تكرهها كأنها عدوتها اللدود التي تعد لها الحرب دومًا وقالت في حدة بالغة:

-مالك أيها المجذوب الخرف؟ أليس في حياتنا شيء نتكلم عنه غير ابنتك اللعينة، دع سيرتها جانبًا الآن، وإلا ضربتك بعصا المكنسة وقضيت عليك كي أستريح منك أيها الضعيف الهزيل الذي يذكرني ببؤسي وحالي المزري.

ارتعد عبد الله من هذه المقدمة المشؤمة، وراح يتخيل الأمر، ويفكر أيكون ابنته وجدوها في مكان ما محترقة، أو أصابها مكروه.

لكن زوجته لعنت ابنته وسبته، إذًا الأمر ليس في ابنته ابتلع ريقه وتنفس مطمئنًا، وراح يتسائل عن الأمر مستفسر:

-إذًا لما تصرخين يا نعمات لقد قلقتيني وأصبتيني بالرعب بصوتك القوي هذا، أخبريني لماذا تصرخين إذًا؟

برقت عيناها وتنفست بعمق ونظرت له ساخرة وتقول في غلظة متناهية:

-إنني جوعانة ولقد تأخرت علي في صنع الطعام أود أن أأكل لكي أنام؛ لأني مصابة بصداع يؤرقني منذ الصباح، هيا تحرك وهات الأطباق بسرعة، وإلا جعلت ليلتك سوداء فاحمة، لا ترى فيها راحة أبدًا.

هدأ عبد الله عندما عرف سبب صراخها لقد أفزعته وظن بالأمر سوءًا، إنه عاشرها آيامًا طويلة وإلى الآن يتفاجيء بحركاتها المفزعة، وراح يهدأها ويخبرها أن الأمر لا يستحق كل هذا:

-لقد أفزعتيني أيتها المرة القوية، كل هذا من أجل الجوع الذي أصابك، إنني كنت أعد لكِ طبق السلاطة المفضل، ولقد أعددت لكِ طعامًا شهيًا، ستأكليه بالهناء.

لكن أرجوكِ لا تصرخي علي بهذه الطريقة مرة أُخرى، فأنا قلق على ابنتي، وأي صراخ يفزعني ويقلقني عليها، فهل من الممكن أن تكوني رحيمة بي وبإبنتي الغائبة؟

غضبت نعمات وأحست أن الرجل لا زال منشغل بأمر ابنته فنهرته قائلة بحدة بالغة:

-ألن تفهم شيئًا مطلقًا، ألم أقل لكَ منذ دقيقة، لا تتكلم عن ابنتك أبدًا، هيا ادخل وأجلب لي الطعام بسرعة حتى أهدأ وأنام، هيا وإلا صرخت فيك مرة ثانية، فأنا غاضبة جدًا، ولن أهدأ حتى أأكل.

هرول عبد الله إلى المطبخ ليأتي بالأطباق في حيرة من أمره، أهذه المرأة قد جنت لتضخم الموضوع هكذا؟

أكل هذا الصراخ من أجل الطعام، لقد يأس الرجل في فهمها، إنه يشعر أنها غير طبيعية ودائمًا تتصنع الشجار، ولا تهدأ أبدًا.

ورغم كل هذا إلا أنه يحبها ويتمنى رضاها، لا يعرف ما السر في هذا الحب، أيكون هو المجذوب الخرف كما تصفه نعمات؟

أم أن هناك أمر آخر يجعله يتعلق بهذه المرأة القاسية الطبع، إنه تعب من كثرة ما تفعله في حياته.

منذ أن تزوجها وهي لا تهدأ عن الصراخ مطلقًا، لقد تعب، وراح يبحث عن حلول لكي تهدأ هذه المرأة التي ابتلي بحبها.

لقد تعب من كثرة التفكير لكنه على كل حال سيضع لها الطعام لتأكل وتنام كي يذهب للحج شرف شريكه، ويطلب منه ما دبره من أمر ابنته.

خرج ووضع الطعام على المائدة وانتظرها كي تأكل وتنام، بدأ يأكل معها بحذر؛ كي لا تصرخ فجأة وتوبخه على أي شيء، إنها كالأطفال تتذمر على أي شيء دون رحمة، أو روية.

بعد ربع ساعة طلبت منه أن يأتي لها بمسكن لهذا الصداع الذي يؤرقها، فدخل ورائها يمسك حبة المسكن وكوب الماء.

فإذا بها على غير عادتها تأخذ الكوب دون ثرثرة وعويل وابتلعت الحبة وصعدت على الفراش لتمدد.

طلبت منه أن يغطيها لأنها متعبة جدًا، اقترب منها حذرًا وراح يشد عليها الغطاء بلطف وروية، ثم خرج إلى الباب ليلحق بشريكة الحج شرف في بيته، إن الحج شرف وحيد يعيش مع ابنه وزوجتها بعد أن ماتت زوجته منذ سنتين.

ظل على ذكراها ولم يفكر في الزواج مطلقًا، أخذ يراعي حفيدة الوحيد ويربيه بكل استمتاع كما ربى ابنه سعيد الوحيد.

وصل عبد الله لبيت الحج شرف سعيد لأنه أخيرًا سيجد طريقة للبحث عن ابنته الوحيدة رزان، طرق الباب بهدوء ففتحت صفاء زوجة سعيد له ورحبت به:

-أهلًا بكَ يا عمي عبد الله، لو أوحشتنا كثيرًا، إنكَ لم تأتي بيتنا منذ شهر، ألم نوحشك يا عمي الطيب؟

ابتسم الرجل بحب وود وراح يرحب بها في سعادة بالغة:
-أهلًا بكِ يا ابنتي صفاء كيف حال ابنك، وزوجك سعيد؟ أين هو الآن؟

نظرت له بسعادة وراحت تجيبه في ود:
-الحمد لله يا عمي جميعنا بخير، ولا ينقصنا شيء إلا رؤياك، إن سعيد ذهب ليزور أحد أصحابه لأنه مريض، فراح يقوم بالواجب.

حاول عبد الله أن يرد في سعادة بالغة لأنه يحبهم ويفضل عشرتهم الطيبة فراح يقول في بهجة:

-الحق أن سعيد صاحب واجب دومًا، ولا يفوته شيء، لكني في كرب شديد يا ابنتي منذ أن اختفت ابنتي وأنا تائه حزين شريد لا شيء يسعدني.

لا أعلم مكانها كي يطمئن قلبي بخبر عنها يسعدني، ولابد أن أجد طريقة لأجدها بإذن الله، ادعِ لها يا ابنتي أن نجد طريق يوصلنا لها لقد تعبت لكني لم أيأس، لكن أين الحج شرف؟

نظرت له بود وقالت بحنان بالغ:

-الحق يا عمي عبد الله أن ابنتك رزان آية في كل شيء جميلة فاتنة وذات أخلاق عالية، ولابد أنها حُسدت فيهم، فالناس تستكثر عليها جمالها، وأخلاقها العالية، إن عمي الحج شرف نائم سأوقظه لك حالًا.

شعر عبد الله أنه أتى في وقت غير مناسب فراح يعتذر قائلًا:

-أعتذر أنني أتيت في وقت غير مناسب، لكني كنت في عجلة من أمري، وكنت أُريده في أمرٍ هام، سأذهب وسوف آتي في وقتٍ آخر.

هرولت صفاء ناحيته وراحت تمسك يده كي تجلسه وتخبره أن الحج شرف طلب منها أن توقظه الآن ليأخذ دواءه فهذا الوقت موعده، وأنها سوف توقظه له.

وقف عبد الله منتظر صفاء أن توقظه، وفجأة خرج عليهم الحج شرف لقد سمع حوارهما فقام ليسلم عليه قائلًا:

-أهلًا ومرحبًا بك يا عبد الله، انتظر لقد استيقظت وانتهى الأمر، لما الخجل، حتى لو كنتُ نائمًا، ادخل حجرتي وأيقظني بنفسك، إنه بيتك يا رجل، فلا تخجل مرة ثانية، وإلا غضبت منك.

اقترب عبد الله من الحج شرف يسلم عليه، فسلم عليه وأخذه إلى غرفة الجلوس ليجلسا سويًا يتسامرا، ثم نظر لصفاء قائلًا:

-اذهبي يا صفاء وأعدي لنا طعامًا من السمك الذي طهوتيه اليوم، فعبد الله لم يزورنا منذ زمن، ولابد أن يأكل معنا فرحة بهذه الزيارة الطيبة، اذهبي ولا تنسي الشاي المضبوط الذي يحبه.

ابتسم عبد الله له وراح يشكره بحب وود على الترحيب البالغ به، وأخبره قائلًا:
-لماذا كل هذا الكرم يا شرف؟ هل أنا غريب أو ضيف؟ ثم إنني تناولت غدائي مع نعمات قبل أن أتي، لا داعي لكل هذا ودعني أحدثك في أمرٍ هام.

أخذت ملامح الحج شرف تتسم بالحزن قليلًا وقال:

-ألم تجد طريقًا يوصلك بابنتك يا صديقي الطيب؟ طمئني عليك، كيف حالك؟ تذكر جيدًا، فمن الجائز أنها سافرت لأحد أقاربك.

وسوف تعود بإذن الله، فلا تقلق أبدًا، إنكَ رجل قريب من الله، ولن يخذلك أبدًا، اجلس لكي ترتاح.

حاول عبد الله أن يتماسك أمام صديقه كي لا تنهمر دموعه لكنه لم يقدر وغرق في بكاء شديد وقال:

-أخاف أن أموت قبل أن أراها يا شرف، لقد ضايقتها كثيرًا بزواجي من نعمات، أود أن أحتضنها وأعتذر لها، لقد كانت تشكو كثيرًا من زوجتي، لكني كنت أتصور أنها تضخم الأمور، وأنها تغار علي من نعمات وحركاتها.

فكنت أهدأها بأي حجة لكي تسير الأمور على خير، وأنت تعلم مدى غلظة نعمات معنا جميعًا، الحق أني أحببتها، رغم قسوتها، وظننت أني مع الوقت سأغيرها للأفضل.

لكن لم يحدث وظلت على غلظتها وقسوتها، لقد خربت بيتي يا شرف، والمشكلة أني لا أستطيع البعد عنها.

نظر له شرف بحدة وغضب شديد وراح يكظم غيظه منه حتى لا يضايقه وقال بحنان شديد:
-ألا زلت تحب هذه المرأة؟ لقد حذرتك منها كثيرًا، وطلبت منك أن تطلقها كي تخفف الامر على ابنتك الطيبة.

لقد عانت كثيرًا من قسوتها، وكان عليك أن تتخذ موقفًا يردعها، كي تحافظ على ابنتك الجميلة الطيبة، لكن فضلت الضعف والخنوع على نصرة ابنتك، أيعجبك حالك الآن؟

زاد هذا الكلام بكاء ونشيج الرجل، وراح يمسح دموعه ويقول في حرقة شديدة كأنه وليد فقد حضن أمه:

-أعلم أنني مقصر في حق ابنتي، لكني أخطأت كثيرًا وأود أن أصلح أخطائي، أُريدها أن تعود وسوف أحقق لها ما تريد.

أرجوك ساعدني في هذا الأمر، وإلا فقدت عقلي من شدة الحزن، ساعدني أرجوك يا شرف، أستحلفك بمعزة ابنك سعيد عندك أن تقف بجانبي.

ذُهل الحج شرف من ترجي عبد الله له الشديد وصعب عليه حال الرجل الهزيل الضعيف، وراح يفكر كيف سيساعده وهو لا يعرف طريقها فنظر له في رقة وحنان بالغ:

-إني مقدر ظروفك يا عبد الله لكن ليس بيدي شيء، أخبرني ماذا تُريد مني؟ وأنا مستعد لأي شيء، ولن أخذلك مطلقًا، لكن اهدأ حتى تستطيع الكلام، وأعدك أني لن أتخلى عنك أبدًا.

نهض عبد الله من مجلسه وذهب ناحية باب الغرفة وأغلقه ثم عاد وجلس بجوار الحج شرف وهمس قائلًا:

-إنني سأطلب منك طلبًا هامًا، وأرجو أن يكون هذا الأمر سرًا بيننا، عِدني أرجوك أنكَ لن تبيح بالسر الذي سأقوله لك الآن، فأنا رجل حزين ولن تقوم لي قائمة إلا بمساعدتك.

احتضن الحج شرف يد عبد الله وراح يربت عليها قائلًا في حب بالغ:

-تكلم ولا تخشَ شيئًا مطلقًا، فأنا أخوك وصديقك الوفي، هيا أخبرني بما تريد، ولا تخف من شيء، وسوف أُساعدك في كل شيء، هيا إنني على أتم الاستعداد لمساعدتك.

خفض عبد الله صوته وراح يقول هامسًا:
-سوف آتيك بخمسين ألف جنيه هي كل ما ادخرته للزمن، لكي تعلن عن مكافأة لمن يدلنا على طريق ابنتي رزان الطيبة الجميلة، وتقول أن من ساعدني بهذا المبلغ.

لأنك صديقي الوفي، كي لا تعلم نعمات أن عندي نقود أدخرها، لأنها إذا علمت لن تتركني أقم بالإعلان عنها، لهذا أطلب منك أن تأتي إلى بيتي غدًا.

لتخبرني أنكَ ستساعدني بهذا المبلغ، وتكون قد اتفقت مع كل الصحف على اتمام الإعلان، أفهمت يا صديقي؟

ابتسم الحج شرف وراح يطمئن عبد الله قائلًا:
-اطمئن من ذلك سوف أفعل ما تريده مني، فأنا لن أخذلك أبدًا، واترك مالك لك وسوف أدفع حق الإعلان والمكافأة من مالي الخاص.

اعتبرها دين لي عندك وسوف أسدده، إنكَ صديقي الوفي الطيب، ولن أدعك تعاني في هذا الأمر، اطمئن فإن عندي مال وفير، ولن يؤثر هذا المبلغ على تجارتي.

فرح عبد الله، وابتسم مبتهجًا، ونهض كي يقبل رأس الحج شرف؛ كي يشكره على صنيعه الطيب، لكنه منعه وراح يحتضنه ويربت على كتفه ويطمئنه أنه سوف يكون خير معين له، وأنه لن يتخلى عنه مهما حدث.

كما نصحه أن يتصل بأقارب أم رزان في الصعيد كي يسألهم عنها، لربما تكون قد لجأت لخالها الذي يقيم هناك مع زوجته، لكن عبد الله ابتسم له في حنان وقال بودٍ بالغ:

-أعلم أنكَ تود أن تطمئنني وتريح ذهني من كثرة التفكير، لكني أحب أن أعلمك أني منذ أن تغيبت ابنتي منذ اسبوع، قد اتصلت بكل أقاربنا في الصعيد فلم أجد ردًا منهم يهديء قلبي ويثلج صدري.

ولقد تعبت من كثرة ما اتصلت بهم، فأنا يوميًا من تغيبها أتصل لأطمئن لعل وعسى تكون قد ذهبت إليهم، لكنهم أيضًا قلقين، ويبحثون عن شيء يوصلهم بها، أو يعرفون خبرًا يطمئنهم عليها.

ولقد تعبت كثيرًا في البحث، والسؤال، وأود أن أستخدم الإعلان، لعل وعسى أجد أحدًا يدلني عليها، أُدعُ معي أن يساعدنا الله في العثور على خبرٍ يدلنا على مكانها.

ابتسم له الحج شرف وراح يطمئنه على ابنته، وأن اختفاءها هذا وعدم وجود شيء مادي عليها دليل خير، لأنها لو كانت قد أصيبت بمكروهٍ لكانوا وجدوا دليل على هذا المكروه.

وأنه لابد لهم من التأني حتى يفكروا جيدًا لعلهم يجدون شيئًا يقودهم إلى مكانها، وأنهم طالما سيعلنون عن مكافأة، لابد أن يجدوا من سيرشدهم إلى مكانها، وأثناء حوارهما سمعا صفاء لدى الباب تطرقه كي تضع صينية الطعام التي أمرها بها الحج شرف أن تحضرها.

فنهض وذهب ليأخذ منها الصينية، وضعها على المنضدة واقترب من يد عبد الله يجذبه بحنان كي يأكل معه، وألح في طلبه وأخبره أنه لم يتناول غداءه لأنه شعر بالتعب ودخل لينام.

لهذا حثه على تناول الطعام معه؛ كي تنفتح شهيته عندما يأكلا معًا، ثم نادى على صفاء وطلب منها اعداد الشاي، ابتسم له عبد الله وأخبره قائلًا:

-إنني بالفعل قد أكلت مع نعمات قبل أن آتي إليك، لقد أجبرتني القاسية أن أعد لها المائدة لأنها متعبة، وجدت الفرصة لكي أصنع طعامًا على ذوقي فشويت اللحم وأعددته على طريقتي التي أحبها، ثم أكلنا سويًا أنا وهي.

وبعد الغداء تناولت حبة الصداع ودخلت لترتاح وتنام كي يزول عنها هذا الصداع، هي تجهل أنها السبب الرئيسي في جلب الصداع لها، تظل طيلة الوقت تتشاجر مع الجميع دون هوادة.

تسب هذا وتلعن هذا، حتى تتعب ويأتيها المرض، لقد تعبت ولم أعد أحتمل شجاراتها المختلفة، لطالما أخبرتها أن تهدأ، وأعلمتها أنني أحبها واتمنى رضاها بكل ما أُتيت من شيء.

لكنها عنيدة، وقاسية تطلب مني دومًا أن أنظف البيت معها وأصنع الطعام، ولقد كبرت ولم يعد بي صحة كي أُساعدها، لكنها عنيدة لا تهدأ أبدًا.

أحس الحج شرف أنه قد تعب من اقناعه بسوء نعمات، وأنه لابد أن يجد طريقة لكي يتخلص منها حتى لو اضطر لتطليقها، لكنه شعر في صوت الرجل برغبة شديدة فيها وحب دفين لهذه الغريبة نعمات.

تعجب وراح يفكر، هل هذا الرجل يعشق الإهانة والعذاب، إنها دومًا تهينه، وتنهره أمام الجميع، لا تتورع مطلقًا، ولقد رآها مرة تأتي إلى محل عملهما معه، وراحت تتشاجر معه على مصروف البيت أمامه، وراحت تسبه وتلعنه أمامه دون خشية منه.

وقد حاول أن يفهمها بهدوء أن عبد الله رجل كبير وله احترامه ولابد من أن توقره، لكنها نهرته هو أيضًا، وراحت تسبه أمام الناس، فما كان منه إلا أن ترك لها المكان وخرج حتى تهدأ، فهو رجل مشهور برقي أخلاقه وإسلوبه في التعامل.

لهذا آثر أن يتقي شرها ويخرج من أمامها، بالإضافة إلى أنه كان يود أن يرضي صديقه ولا يفعل شيء يغضبه، فهو يحترم صديقه ويوقره.

لأن بينهما عشرة طويلة فهو شريكة منذ خمسة عشر عامًا، منذ فتح محله التجاري سويًا، لهذا حفظ ما بينهما من ودٍ وعشرةٍ.

يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي