الفصل الثاني

شرد يطرح الكثير من الأسئلة على نفسه ولكنه لم يجد إجابة وظهر على ملامحه العبوس، فلاحظ أخيه هذا، فقال:

_ عاصم، إلى إين ذهبت؟!

أبتلع ما بحلقه وهو ينظر له ويشجع نفسه على السؤال، قائلًا:

_ رأيت فتاة اليوم عندما كنت أصعد فوق الدرج وكانت تبكي، دون أن أقصد أصطدمت بها ظلت تعتذر وأنا المخطئ، لم أفهم أي شيء أنا أفكر بها ولم أتمكن من إخراجها من رأسي، هل هي كانت عندك..أقصد هل هي مريضة؟!

تحدث بنبرة هادئة متوترة وهو يشرح له بيديه، يعلم إنه لم يفهم نفسه ولكن أخيه يفهمه حتى وإن كان أمرًا ساذجًا، حاول شرح كل شيء ليفسر له جيدًا، فبادله "كريم" النظرات المتسأله:

_ ماذا كانت ترتدي؟! أقصد هيئتها كيف؟!

أخذ "عاصم" يتذكر جيدًا ويبتسم بوسط تذكره مما جعل أخيه يندهش أكثر، أغمض عينيه وقال وهو يراها صورة أمامه:

_ بنطال أسود واسع، نعم ليس ضيق، وتي شيرت قصير بنصف كم، باللون البنفسجي هناك بعض النقوش عليه باللون الأسود مماثل تمامًا للون القميص ذو الأكمام الذي ترتديه أسفله و وشاح أسود فوق رأسها، خرجت بمظهر لطيف رغم بساطتها وأعينها المتورمة اقسم لك يا أخي لن أصادف شبيهًا لها حتى ببلاد الخارج.

تنهد براحة بعدما أنتهى من وصف تلك الفتاة لأخيه، وعلى وجهه علامات الهيام وكأنه غرق بها منذ الوهلة الأولى كما يقولون! رمقه "كريم" بغرابة فهو لأول مرة يراه بهذه الهيئة الغريبة ماذا حلَّ به؟!

_ لا عليك وصف أخر يا أخي فأنت أخفتني منك.

بادله "عاصم" نظرات غاضبه فهو كل ذلك الوقت يخبره ليجد ردًا على أسألته وهو ماذا يقل هذا الأبله! أمسك بوسادة موضوعة جانبه والقاها بوجه أخيه الذي يسخر منه وكان على وشك الهجوم عليه ما أوقفه أشاراته له ليهدأ ويستمع له، قائلًا بهدوء وسط ضحكاته:

‏_ أهدئ قليلًا، ماذا حلَّ بك يا أخي، هل جننت؟!

‏ رمقه "عاصم" بتحذير مرة آخرى ليحترمه بعض الشيء ويحترم ما يقل ويجيبه بدلًا من سخريته تلك! قائلًا:

‏_ هل لك أن تجيبني وتكف من صرصرتك تلك؟!

هتف بضيق فهو لأول مرة بحياته يتحدث بمثل هذه الأشياء أو عن فتاة بمعنى أصح، حياته خالية من هذه الأشياء، جديد عليه هذه الأحاديث لم ينكر إنها لطيفة ولكن تربكه فلن ينقصه أخيه، أماء "كريم" بجديه وهو ينظر له زافرًا، وقال:

_ وصفك هذا ليس غريب علىّ أبدًا، فهي كانت آخر مريض لدي اليوم ولكن لما تسأل هل هناك خطب؟!

تاه بعالم آخر وأحتلت الدهشة، والصدمة ملامحه، وتركيزه أنتقل لمكان بعيد بعدما أستمع لكلمة مريض منه، تمنى أن يكون يمزح معه أو حتى هو كان طبيب آخر ليس طبيب نفسي! ولكن هذه الحقيقة ولا مفر، أبتلع ما بحلقه وهو يعيد النظر لأخيه، قائلًا:

_ أنت تمزح معي، أليس كذلك؟!

نفى له ذلك محركًا رأسه يمينًا ويسارًا، عقد ذراعيه أمام صدره متسألًا بخبث:

_ لما عبس وجهك هكذا؟ بالطبع لا أمزح أخي!

_ كريم حبًا بالله أخبرني هل حالتها سيئة؟ أعني كيف حالها، هي بخير صحيح؟!

وكأن قلبه أنتزع من محله بعدما أخبره أخيه إنها مريضة نفسية، قلق عليها وتمنى أن يكون لها هو الطبيب وليس أخيه.

_ عاصم، أنظر لي جيدًا هذه أسرار مريض لن أخرجها لك، شئت أم أبيت ليس لديك علاقة بها فلما الأسئلة؟!

هتف "كريم" بجدية فهو حتى الآن لم يتوصل لسبب إندفاع أخيه بالسؤال عنها، فهو بذاته لن يعلم عنها الكثير فكان اليوم هو يومها الأول.

_ من فضلك أخي أنا لا أمزح معك، أخبرني أسمها حتى لأجدها مرة ثانية.

_ من تكون بالنسبة لها لأخبرك؟! أنت فقط أخي أنا، وهي مريضة عندي وأنا أحترم مهنتي، وأحتفظ بأسرارهم، حتى أسمها لا يعنيك.

هتف بكل أريحية وهدوء أثار الغضب داخل "عاصم" من طريقته الباردة هذه، فصاح به قائلًا:

_ اللعنة، كريم لا تتحدث معي بهذه الطريقة فأنا غاضب الآن، إذا سمحت فلتخبرني كيف أصل لها؟

نهض من مكانه وهو يجلس بجانب أخيه ليهدئ من غضبه بعض الشيء بعدما ثار مثل الثور وعلى وشك هدم هذا المنزل فوق رؤوسهم، عانقة وهو يشدد على عناقة، قائلًا:

_ ليس بيدي يا عزيزي، فهذا عملي وأنا لا يجب علىّ أن أفعل ذلك، حالتك تلك يمكن أن تكن إعجاب لهيئتها، ويمكن أيضًا أن تكن مجرد شفقة لأنك رأيتها وهي تبكي وحالتها ليست على ما يرام، أو يمكن أن تكن إنجذاب لها لأنها أعتذرت لك أولًا وهي ليست مخطئة ودفعتك دون عمد منها أن تعتذر أيها ال Attention!

كان يتحدث معه بعقلانية ونبرة مريحة وكأنه يتعامل بحذر مع أحد يتعالج عنده ولكن هذا أخيه عله يفيده بعمله أولًا، أتى بالنهاية وأراد أن يمازحه وبالفعل جعل هذا الرجل يضحك على ما قاله، تنهد بضيق وهو يعبس وجهه مرة أخرى، قائلًا:

_ لا ليست شفقة، يمكن أن يكن أي شيء ولكن شفقة مستحيل، أتنسى ما مررنا به يا أخي العزيز؟ أنا لم أرغب يوم أن أكن موضوع للشفقة وبالتالي لا أحب أن يشعر أحد أنني أشفق عليه، هذا شعور مذري أقسم لك.

لفت إنتباهه تلك الجملة التي قالها وسط حديثه فهو قد سمعها اليوم من نفس تلك الفتاة التي يتحدث عنها أخيه "أنا لم أرغب يوم أن أكن موضوع للشفقة" أهذه صدفة!

ربت "كريم" فوق كتفه يبث الإطمئنان داخل قلبه بعدما فاق من تفكيره، حمحم بهدوء، قائلًا:

_ هل أفهم من حديثك إنك سقطت من فوق الهاوية؟!

ضحك "عاصم" بخفة على ما يقول أخيه، يسأل نفسه هل هو حقًا هكذا؟! أم إنه مجرد أعجاب طفيف ويذهب إينما أتى؟!

تركه "كريم" يفكر بالموضوع يمينًا ويسارًا دون أن يفتح فمه بحرف واحد، يرمقه فقط بين الحين والآخر وبالنهاية تحدث "عاصم" بهيام أخيرًا وقد أحتلت الإبتسامة شفتيه، قائلًا:
_ الوشاح فوق رأسها لم يكن مضبوط، أعينها السوداء سلبت روحي منذ وقوع عيني عليها رغم إنها كانت متورمة آثر البكاء، وكحلها الأبيض الذي يزينها، بسيطة للغاية لكنها مُلفتة، أتوافق أن أكون الطبيب بدلًا منك لسنة.. أثنان ليس لوقتٍ طويل أعدك ولكن حتى تشفى على يدي.

نظر له بحاجب مرفوع، وهو يكاد يصرخ بأذن أخيه، هل هذا "عاصم" أخيه الصغير الذي لا يحب الفتيات وأمورهم؟ هل الآن يأتي ويتفنن بشرح طريقة وقوعه بفتاة؟! لم يستطع التصديق، رمقه ببلاهه، قائلًا:

_ عاصم، أخبرني بصراحة، هل أنت عاصم؟! عاصم جمال يتغزل بفتاة هكذا؟ أهذا طبيعي؟!

أماء له "عاصم" بسماجة وهو يبرم شفتيه ليدل على معرفته بعدم الشئ، وعقد ذراعيه أمام صدره قائلًا بحيرة:

_ لا أعلم هل أنا عاصم أم لأ! ولكن ما أعلمه جيدًا أنني من اليوم لن أتحدث عن أحد سوى أميرتي اللطيفة، من سرقت لي قلبي بنظراتها البريئة تلك.

خبط " كريم" كف بالآخر وهو يحوقل داخله ويتوسل الله أن ينجي أخيه من تلك البحيرة التي وقع بها، ف "ريحانة" ليست جاهزة لأي شيء حتى العلاج وزيارتها له لم تكن جاهزة لذلك، حتى تحبك يتطلب الأمر فترة طويلة ممتدة ليس لها نهاية!

صاح به "عاصم" وهو يرفع عليه سبابته بهيئة جعلته مضحك ومخيف بنفس الوقت، قائلًا:

_ ستخبرني إسمها وإلا سوف أتي عند عيادتك وأجلس ليلًا ونهارًا لأراها فقط، أخبرتك وفعلت ما أملاه ضميري علىّ.

نهض "كريم" من مكانه وهو يلاعب له حاجبيه ليستفزه-كعادته- وأبتسم ببرود مع نبرة صوته الباردة تلك، قائلًا:

_ لن أخبرك بشئ يا أخي العزيز فلتفعل ماتشاء.

يظهر أن هناك قلب علق بالحفرة ولن يستطيع الخروج منها سوى بظهور طوق نجاته مرة ثانية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي