الفصل السادس
وقفت على أعتاب مدخل الشركة وهي تخلع نظارتها الشمسية، تنظر لتلك اللافتة الزجاجية المُلفتة التي صُممت بكل براعة ويوجد عليها "A.G" أكتفوا بكتابة الحرفان فقط فهم معنى هذه البناية الضخمة من الأساس، سنعلم بها بعد وقت.
أخذت تجوب بنظراتها المتوترة على أفراد الأمن، الرجال الوسيمين يرتدون ملابس رسمية مكونه من "بذلة باللون الأسود وأسفلها قميص أبيض اللون" يبدو إن ذلك الزي هو الخاص بتلك الشركة "اليونيفورم"، أبتسمت بخفة وهي تخطو بتوتر ليست ثقة تمامًا إلى أن أوقفها أحد أفراد الأمن، قائلًا:
_ سيدتي مرحبًا بكِ، هل أتيت لإجراء مقابلة أم من أحدى الشركات لعقد صفقة جديدة؟
نظرت له بهدوء وهي تحث فمها بإخراج الكلمات، قائلة:
_ نعم، فأنا أتيت لإجراء مقابلة بخصوص الحصول على وظيفة هنا.
أماء لها بإبتسامة وهو يشير لها بالدخول، وما إن تخطت ذلك الباب الكهربائي الزجاجي وأصبحت بالداخل وجدت عالم آخر ملئ بالكثير من الأصوات حسنًا يوجد نظام فائق ولكن الصوت يتخلل داخلها ويسبب لها إرهاق، فكرت بالتراجع ولكن تذكرت كلمات "كريم" وهو يخبرها بأن ذلك سيعجل من شفاؤها وهي تأمل بذلك حقًا، تقدمت بعض الخطوات وهي على وشك الوقوع بسبب ذلك الحذاء ذو الكعب العالي الذي لم ترتديه سوى بحفلات الزفاف وبحفل تخرجها إلى أن وقفت أمام فتاة يظهر عليها إنها تعمل كسكرتارية هنا، حمحمت بهدوء، قائلة:
_ إذا سمحتِ، أنا وصلتني رسالة منكم البارحة، لأجري مقابلة مع مدير الشركة بخصوص وظيفة المترجمة.
أبتسمت لها مسرعة، قائلة:
_ حسنًا، عليكِ بالذهاب نحو تلك الغرفة.
أردفت وهي تشير لها بذراعها فألتفت "ريحانة" لترى المكان الذي تشير نحوه وسألتها وهي تشير عليه بأصبعها، قائلة:
_ هل هذه الغرفة التي يجتمع بها الكثير من الفتيات؟
حركت الأخرى رأسها لأعلى ولأسفل وهي تبتسم وتشير لها مرة ثانية لتذهب، تحركت نحوهم بخطى بطيئة مرتجفة حتى وصلت وجلست على أحدى الأرائك بالداخل بجانب إحدى الفتيات وهي تجوب بعينيها على واحدة واحدة منهن ترى ملابسهم العارية، وخصلات شعرهم المذهلة بألوانها اللذيذة فهن لوحات واقفات تقسم بذلك.
_ رباه، هل هؤلاء فتيات القوة أم ماذا؟! ماتلك الملابس الباهظة، وخصلات الشعر الممتازة هل أتوا لعرض أجسادهم أم لإجراء مقابلة؟!
جلست ترمقهم ببلاهه وكأنها ترى فتيات لأول مرة! تحدد أطوالهم وأوزانهم وترى ألوان العدسات خاصتهم وتقيم الأفضل من بينهم، تتمنى أن تتألق مثل واحده منهن، زفرت بضيق وهي تعبث بالملف الموضوع بين كفيها حتى أستمعت لصوت فتاة من بين الجالسات تقل:
_ ماهذه الحمقاء؟ هل أتت لهنا وواقفة بيننا وتظن نفسها ستقبل بتلك الوظيفة؟! ماهذا الشئ الموضوع فوق شعرها؟ وتلك الملابس ذو الأكمام غريبة هذه لم أرى مثلها من قبل!
حاولت "ريحانة" ألا تأخذ الكلمات المسمومة تلك على ذاتها ولكن لم تجد بأكمل الغرفة سواها هي من تضع وشاح "حجاب" فوق رأسها، وترتدي ملابس رسمية ولكنها بأكمام حتى تكون مناسبة بحجابها أما البقية يرتدوا ملابس رسمية حقًا لكنها تظهر وكأن ليس هناك قطع قماش تبقت لتكملتها!
نهضت وهي تقف بوجهها وبدأ توترها يظهر عليها بوضوح فها هي تستمع لكلمات سيئة تدهور حالتها وهي حتى لم تقبل بالعمل، قائلة بتلعثم:
_ أنتِ ماذا تظنين نفسك فاعلة؟ هل تجدي ملابسك جيدة للتحدث عن ما أرتدي أنا بهذه الطريقة؟!
ضحك البعض على تلعثمها بالحديث وتوترها، وعدم ثقتها بالحديث، فوجدت فتاة آخرى تتمتم ولكن بصوتٍ مسموع للجميع، قائلة بفحيح أفعى لعينة:
_ أشفق عليها حقًا، فيظهر عليها إنها لم تقرأ بإعلان الوظيفة إنهم يرغبوا بأن تكون حسناء المظهر ليست قبيحة من كل ناحية! عيونها بنيه بسيطة، جسدها عادي، حتى لم تظهر خصلاتها من ذلك مايسمى بالوشاح! ملامحها مزعجة لا تخفيهم ببعض مساحيق التجميل، لا يوجد بها ميزة واحدة لأقل لكن يا فتيات.
أنتهت من حديثها السام وهي تبتسم لها ببرود، والأخريات لم يدافعوا عنها أو يجعلوا تلك الداهية الصفراء تصمت وتكفِ من كلماتها اللعينة تلك، وقفت هي لا حول لها ولا قوة ليس لضعف شخصيتها ولكن بسبب حالتها النفسية التي تدهورت وتراجعت للخلف أكثر.
_ سيدي عليك أن تأتي فورًا، نشب شجار بين الفتيات وأجتمعوا على واحدة منهن.
كانت تلك أحد العاملون بالشركة ويبدو أنها مساعدة المدير، حاولت إنهاء الشجار وحدها لكنها لم تستطع فركضت مسرعة نحو مديرها، ليرى ماذا يحدث؟!
أنكمشت ملامحه بإنزعاج وهو ينهض من مكانه لينهي تلك المهذلة التي تحدث بوجوده وقرر أن يرفض مقابلة الجميع.
ما إن وصل نحو تلك الغرفة وجد الجميع يسخر من واحدة منهن ولكن لم يستطع الرؤية جيدًا بسبب الواقفات بوجهه يلتصقون به كالأفاعي، صرخ بهم لتنتهي هذه المشاحنات وتلك الأصوات العالية التي تزعجه حتى أبتعد الجميع وأنكمشوا بجانب بعضهم ولم يبقى سوى "ريحانة" واقفة بمفردها تضع كفيها فوق أذنيها بدايةً من كلمات تلك الفتاة اللعينة التي سخرت منها بكلمات سامة.
جحظت عيناه عندما رأها، فكيف أتت فتاته إلى هنا؟ شعر أن العالم يدور حوله فهو رأها باسوء حالتها النفسية فهو يعلم أن هناك السيئات قد أزعجوا إحدى الفتيات بالحديث ولكن لم يكن يعلم إنها تلك المُلفتة الخاصة به، أشار لمساعدته لتأخذ "ريحانة" إلى مكتبه وتعتني بها إلى أن ينتهي من عمله مع تلك العاهرات، أمأت له وهي تتجه نحوها تعانقها وهي تساعدها على السير متجهه بطريقها نحو مكتبه.
وقف ينظر لهم بإشمئزاز وقسمات وجهه لا توحي بالخير أبدًا، عقد ذراعيه أمام صدره متسألًا بغضب:
_ هل هناك من يفسر لي ماحدث؟
وقفن يفركن بأصابعهن بتوتر وخوف أن يحرمهم من المقابلة، ولكن نطقت واحدة تدعي المثالية وهي تتحدث بهدوء قائلة:
_ سخروا منها وجعلوها تستمع كلمات سيئة، جعلوها تعلم إنها أدنى واحدة تجلس بيننا بدايةً من الهيئة إلى ملامحها وتفاصيل وجهها ظللت أصرخ بهم، لينتهوا من هذه الأفعال ولكن...
نظر لها بملامح تريد الفتك بها وبكل من قال عليها كلمة سيئة، فهي الأفضل من بينهم كيف يستطيعون قول تلك الكلمات الحادة لها؟! يعلم أن تلك الفتاة تكذب بنهاية حديثها فلم يكن هناك من يجعلهم يصمتوا لكنها تفعل هكذا فقط للحصول على الوظيفة، بعدما علم بما حدث وقف يحول نظره بين كلاهم قائلًا ببرود:
_ ليكن بعلمكن أنتن الأسوء وليس هي فإن كانت هي سيئة شكلًا مثلما تقولون فأنتن سيئات شكلًا وخلقًا وكل شيء يخصكن سئ أقسم بذلك، ليس هناك مقابلة أو وظيفة حتى ولتعلموا جيدًا هي من تستحق تلك الوظيفة أريد أن أستمع تهنئتكن لها، هيا أخرجوا من هنا.
كان يحرقهم بحديثه مثلما فعلوا بها وعندما أخبرهم أن هي وحدها من تستحق أرادوا لو ينقضوا عليه ويسددوا له ضربات بوجهه ولكنه لم يكتفِ بذلك فأبصق عليهن وبعدها أولاهن ظهره وذهب، ليعود لمكتبه ويراها.
سار بخطوات هادئة على عكس ما داخله الذي يتراقص، لأنه سيراها لكنه حزين على حالتها التي تدهورت أكثر كما أنه لم يستطع نسيان رؤيتها وهي واقفة بينهم صامتة تضع كفيها فوق أذانها تستسلم لأمرها!
فتح باب مكتبه وجدها جالسة فوق المقعد تهز أقدامها بعنف وتضع كفيها فوق وجهها تخفيه عن تلك التي تقف معها تحاول أن تعتذر لها عما بدى من تلك الفتيات، أشار بعينيه، لمساعدته لتتركها وتخرج وهو سيتولى الأمر.
جثى فوق ركبتيه أمامها ليصبح بمستواها وهو يحمحم بخجل، قائلًا:
_ لا تفعلِ هكذا أرجوكِ، أنا أخذت لكِ حقك وطردت كل وقحة تحدثت معكِ بشكل سئ.
رفعت كفيها لترى ملامح ذلك المتحدث فتشعر إنها تذكر نبرة الصوت تلك جيدًا، نظرت له بتوسل عندما علمت أنه نفس ذاك الشخص الذي أفزعها ليلة الأمس، قائلة:
_ لا أعلم من أنت ولما تخرج لي بكل مكان؟! ولكن أرجوك دعني لأذهب فيبدو مثلما قالت الفتيات أن هيئتي لا تتناسق مع الشركة هنا وحتى إذا أنا لا أريد أن أعمل، لن أتحمل كل ذلك.
حرك رأسه مسرعًا يمينًا ويسارًا ينفي لها ما وشم برأسها، وحالتها جعلته يتألم ويريد ضرب نفسه، لأن هو السبب بتلك الحالة التي وقعت بها، نظر لها بهيام وحالة من اللاوعي أحتلته فجأة، قائلًا:
_ كيف هيئتك لم تتناسق؟! فوالله لم ترى العين سواكِ.
تخرج الكلمات من قلبه مندفعه نحوها بكل طلاقة، رمقته بعدم فهم وهي من الأساس ليست بحالة تعي شئ، قائلة:
_ لم أستطع فهمك، فإذا سمحت سأذهب ولن تروني مرة أخرى.
فاق من شروده وهو يبتسم لها بعبث قائلًا:
_ مرة أصطدم بكِ ومرة أرعبك وتلتوي قدميكِ ونحن الآن نجلس هكذا أنتِ تبكين وأنا أجثو فوق ركبتاي! هل كلما أراكِ تبكي؟! سيخرج عني حديث سئ ليكن بعلمك.
لم تبدي رد فعل على حديثه، حاولت النهوض لكنه منعها بنبرته وهو يقف بمكانه ويرتب حلته، قائلًا:
_ بما إني مالك ومدير تلك الشركة أهنئك بكل سرور لقد تم قبولك بالوظيفة، أه لأعرفك بنفسي، أمامك عاصم جمال مالك شركات "A.g"لتصدير الأطراف الصناعية.
لم تصدق إنها توظفت الآن ولكن هل هذا هو مديرها؟ من أخبرته بأن يدم أبله هكذا طوال عمره هو مالك تلك الشركة والأفرع الأخرى لها؟! نظرت له بإبتسامة مندهشة وهي تبتلع ما بحلقها، قائلة:
_ مرحبًا بك سيد عاصم ولكن أعتذر لست بحاجة لتلك الوظيفة، عن إذنك.
أنهت حديثها وهي تنهض من فوق المقعد وتتحرك بعض الخطوات متجهة نحو الباب، لتذهب وتختبئ بفراشها تبكي مثلما تريد، أوقفها بنبرة حزينة متسألًا بجدية:
_ لم أراكِ مرة ثانية؟ إذن ماهو أسمك؟
حركت رأسها لتنظر له بإبتسامة مزيفة فهي ليست قادرة على الوقوف لتبتسم! قائلة:
_ أعتقد أنني سأراك وأنا أصطدم بشئ يؤدي بحياتي للموت، ريحانة.. أسمي هكذا.
ضحك على ما تقل هي له، يعلم إنها تمزح فهو لم يراها سوى بالمصائب فقط وما إن أستمع لأسمها شرد به يرى هل يليق بها أم لا؟! ولم يخرج معه سوى إنه مُلفت مثلها
فقال دون وعي منه وهو يضع كفه بجيب بنطاله، وينظر لها بتمعن:
_ كل ما يخصك مُلفت مثلك.
كانت قد خرجت من الباب ولم تستمع لما قاله لها، فاق مما عليه وهو يهاتف مساعدته، لتسير معها وتساعدها على السير فحالتها ليست أفضل شئ وتخبر أحد ليصلها منزلها، فعلت ما أخبرها به وركضت خلفها تجعلها تتكأ عليها حتى أصبحوا بالخارج، وأخبرت السائق الخاص بها ليصل تلك الفتاة اللطيفة إلى منزلها، رفضت تمامًا ذلك الشئ ولكنها أستسلمت بسبب ضغط هذه البشوشة التي تصر عليها.
أملت السائق العنوان وقاد السيارة متجهًا نحو منزلها حتى أوصلها وأطمئن إنها قد صعدت إلى منزلها.
كانت تصعد فوق الدرج بخطى مترنحة لم تستطع السير جيدًا فكانت تتخبط هنا وهناك إلى أن فتحت الباب بمفتاحها الذي أخرجته من حقيبتها الصغيرة بصعوبة، ودلفت متجهه إلى غرفتها وبالتحديد فراشها ما إن رأته أرتمت فوقه وهي تحتضن وسادتها وتبكي بحسرة على ما يحدث لها، فهي كانت ذاهبة إلى هناك مفعمة بالأمل والتفاؤل ولكن خاب كل شيء وعادت وهي مُحملة الألم والجروح التي فُتحت من جديد.
_ سئمت كل شيء، لم أعد أرغب بالشفاء لأني سأصاب من جديد بسبب كلمات مسمومة تسخر منّي وأنا ليس لي ذنب بها.
كانت تلك كلماتها الأخيرة قبل أن تغادر الحياة مختبئة عدد الساعات التي تنام بها رغم أن الساعة لم تتعدى الواحدة ظهرًا، ولكن هذه تكون الأفضل بالنسبة لها ليس طوال الوقت بالطبع فأوقات يداهمها كوابيس ألعن من أي شيء يحدث معها طوال اليوم ولكن تعتاد عليها.
بعدما ذهبت هي جلس يعبث بقلمه فوق الأوراق، شارد بتفاصيل هذا اليوم العصيب على كلاهما، فهو لم يكن متخيل أن تُهان بهذه الطريقة بشركته، أن كان رأها هي عندما أتت كان أخبئها من نظراتهم ليس لقبحها مثلما نطق الفتيات ولكن خوفًا عليها فهي مثل الماس لم يرى مثلها من قبل، يرى هل يمكن أن تعود مرة ثانية؟! فهو أخبر المسؤول بتعينات الموظفين أن يسجلوها كفرد جديد هنا بالشركة، ظل يفكر ماالذي يمكن أن يفعله؟ لكن لم يجد حل سوى أن يهاتف أخيه ولكن ليس قبل أن يغادر ذلك المكان فهو يشعر بالإختناق كلما تذكر هيئتها المنكمشة وخوفها، وتوترها الزائد وعدم أخذ تلك الفتيات من شعورهن وتوبيخهم على تلك الأحاديث السخيفة.
أرتدى چاكيته الذي خلعه قبل قليل ووضعه فوق المقعد وأخبر "چينا" المساعدة الخاصة به أنه سيذهب، ليكملوا عملهم بشكل طبيعي دون أن يهاتفه أحد اليوم نهائيًا.
أخرج هاتفه يعبث بجهات الإتصال إلى أن وجد أخيه، تنهد بضيق قائلًا:
_ كريم تعال إلى المنزل.
أنكمشت ملامحه بإنزعاج يظن إنه يريد أفتعال مشكلة مرة ثانية أو أنه يمزح معه، فقال بسخرية:
_ لم أصدق هذه المرة أيها اللعوب فأنا تعلمت من الخطأ السابق، أتذكره؟
قرص فوق أنفه يمنع نفسه من الغضب أكثر من ذلك فأخيه لم يفعل شئ ليحاسبه، قال بنبرة هزيلة:
_ أنا لم أمزح ولا حتى أكذب عليك، الأمر متعلق بِ ريحانة كمريضة عندك وليست كحبيبة لي، أرجوك لتأتي قبل أن ينفجر رأسي.
لم يقل أكثر من هذه الكلمات واغلق الهاتف يركب سيارته وهو يجعلها على أقصى سرعة يسير بها نحو المنزل فهذا أمانه، يعلم أنه سيهدئ عندما يرى أخيه.
تعجب "كريم" من نبرته الغريبة على مسامعه، وتبريره له بأنه لم يمزح أو يكذب حتى عند تفوهه بإسمها هكذا أنكمش ما بين حاجبيه فمن أين علم به؟ وماذا يعني بأن الأمر يتعلق بها كمريضة، هل يمكن أن يكن أصابها شئ سئ؟!
العديد من التساؤلات تلاحق عقله ولكن لم يجد إجابه لأي واحد منهم، لملم أغراضة وغادر المكان وهو يخبر مساعده بأنه سيأتي بعد ساعتين ليغلق المكان إن أراد، ذهب للمنزل وهو يتلهف لرؤية أخيه يخشى أن يكن به شئ هو الآخر.
عندما عاد للمنزل وجد "عاصم" يجلس فوق الأريكة وهو يضع رأسه بين كفيه ويبدو عليه الغضب والضيق، وقف "كريم" أمامه يبعد كفيه، ليرى وجهه قائلًا:
_ ماذا هناك عاصم؟ ما علاقة ريحانة بك ولما الغضب ظاهر عليك هكذا؟!
أبتلع "عاصم" ما بحلقه وهو ينظر داخل أعين أخيه ويتلعثم بالحديث خوفًا من تلك الصدمة التي ستقع عليه عندما يستمع وأخيرًا تنهد قائلًا:
_ ريحانة أتت للتعيين كمترجمة بالشركة عندي.
ألقاها عليه دفعه واحده خائفًا من رد فعله، ولكن لم يرى منه سوى الصدمة وعلامات الإندهاش فوق قسمات وجهه.
كيف سيكون رد فعله؟!
أخذت تجوب بنظراتها المتوترة على أفراد الأمن، الرجال الوسيمين يرتدون ملابس رسمية مكونه من "بذلة باللون الأسود وأسفلها قميص أبيض اللون" يبدو إن ذلك الزي هو الخاص بتلك الشركة "اليونيفورم"، أبتسمت بخفة وهي تخطو بتوتر ليست ثقة تمامًا إلى أن أوقفها أحد أفراد الأمن، قائلًا:
_ سيدتي مرحبًا بكِ، هل أتيت لإجراء مقابلة أم من أحدى الشركات لعقد صفقة جديدة؟
نظرت له بهدوء وهي تحث فمها بإخراج الكلمات، قائلة:
_ نعم، فأنا أتيت لإجراء مقابلة بخصوص الحصول على وظيفة هنا.
أماء لها بإبتسامة وهو يشير لها بالدخول، وما إن تخطت ذلك الباب الكهربائي الزجاجي وأصبحت بالداخل وجدت عالم آخر ملئ بالكثير من الأصوات حسنًا يوجد نظام فائق ولكن الصوت يتخلل داخلها ويسبب لها إرهاق، فكرت بالتراجع ولكن تذكرت كلمات "كريم" وهو يخبرها بأن ذلك سيعجل من شفاؤها وهي تأمل بذلك حقًا، تقدمت بعض الخطوات وهي على وشك الوقوع بسبب ذلك الحذاء ذو الكعب العالي الذي لم ترتديه سوى بحفلات الزفاف وبحفل تخرجها إلى أن وقفت أمام فتاة يظهر عليها إنها تعمل كسكرتارية هنا، حمحمت بهدوء، قائلة:
_ إذا سمحتِ، أنا وصلتني رسالة منكم البارحة، لأجري مقابلة مع مدير الشركة بخصوص وظيفة المترجمة.
أبتسمت لها مسرعة، قائلة:
_ حسنًا، عليكِ بالذهاب نحو تلك الغرفة.
أردفت وهي تشير لها بذراعها فألتفت "ريحانة" لترى المكان الذي تشير نحوه وسألتها وهي تشير عليه بأصبعها، قائلة:
_ هل هذه الغرفة التي يجتمع بها الكثير من الفتيات؟
حركت الأخرى رأسها لأعلى ولأسفل وهي تبتسم وتشير لها مرة ثانية لتذهب، تحركت نحوهم بخطى بطيئة مرتجفة حتى وصلت وجلست على أحدى الأرائك بالداخل بجانب إحدى الفتيات وهي تجوب بعينيها على واحدة واحدة منهن ترى ملابسهم العارية، وخصلات شعرهم المذهلة بألوانها اللذيذة فهن لوحات واقفات تقسم بذلك.
_ رباه، هل هؤلاء فتيات القوة أم ماذا؟! ماتلك الملابس الباهظة، وخصلات الشعر الممتازة هل أتوا لعرض أجسادهم أم لإجراء مقابلة؟!
جلست ترمقهم ببلاهه وكأنها ترى فتيات لأول مرة! تحدد أطوالهم وأوزانهم وترى ألوان العدسات خاصتهم وتقيم الأفضل من بينهم، تتمنى أن تتألق مثل واحده منهن، زفرت بضيق وهي تعبث بالملف الموضوع بين كفيها حتى أستمعت لصوت فتاة من بين الجالسات تقل:
_ ماهذه الحمقاء؟ هل أتت لهنا وواقفة بيننا وتظن نفسها ستقبل بتلك الوظيفة؟! ماهذا الشئ الموضوع فوق شعرها؟ وتلك الملابس ذو الأكمام غريبة هذه لم أرى مثلها من قبل!
حاولت "ريحانة" ألا تأخذ الكلمات المسمومة تلك على ذاتها ولكن لم تجد بأكمل الغرفة سواها هي من تضع وشاح "حجاب" فوق رأسها، وترتدي ملابس رسمية ولكنها بأكمام حتى تكون مناسبة بحجابها أما البقية يرتدوا ملابس رسمية حقًا لكنها تظهر وكأن ليس هناك قطع قماش تبقت لتكملتها!
نهضت وهي تقف بوجهها وبدأ توترها يظهر عليها بوضوح فها هي تستمع لكلمات سيئة تدهور حالتها وهي حتى لم تقبل بالعمل، قائلة بتلعثم:
_ أنتِ ماذا تظنين نفسك فاعلة؟ هل تجدي ملابسك جيدة للتحدث عن ما أرتدي أنا بهذه الطريقة؟!
ضحك البعض على تلعثمها بالحديث وتوترها، وعدم ثقتها بالحديث، فوجدت فتاة آخرى تتمتم ولكن بصوتٍ مسموع للجميع، قائلة بفحيح أفعى لعينة:
_ أشفق عليها حقًا، فيظهر عليها إنها لم تقرأ بإعلان الوظيفة إنهم يرغبوا بأن تكون حسناء المظهر ليست قبيحة من كل ناحية! عيونها بنيه بسيطة، جسدها عادي، حتى لم تظهر خصلاتها من ذلك مايسمى بالوشاح! ملامحها مزعجة لا تخفيهم ببعض مساحيق التجميل، لا يوجد بها ميزة واحدة لأقل لكن يا فتيات.
أنتهت من حديثها السام وهي تبتسم لها ببرود، والأخريات لم يدافعوا عنها أو يجعلوا تلك الداهية الصفراء تصمت وتكفِ من كلماتها اللعينة تلك، وقفت هي لا حول لها ولا قوة ليس لضعف شخصيتها ولكن بسبب حالتها النفسية التي تدهورت وتراجعت للخلف أكثر.
_ سيدي عليك أن تأتي فورًا، نشب شجار بين الفتيات وأجتمعوا على واحدة منهن.
كانت تلك أحد العاملون بالشركة ويبدو أنها مساعدة المدير، حاولت إنهاء الشجار وحدها لكنها لم تستطع فركضت مسرعة نحو مديرها، ليرى ماذا يحدث؟!
أنكمشت ملامحه بإنزعاج وهو ينهض من مكانه لينهي تلك المهذلة التي تحدث بوجوده وقرر أن يرفض مقابلة الجميع.
ما إن وصل نحو تلك الغرفة وجد الجميع يسخر من واحدة منهن ولكن لم يستطع الرؤية جيدًا بسبب الواقفات بوجهه يلتصقون به كالأفاعي، صرخ بهم لتنتهي هذه المشاحنات وتلك الأصوات العالية التي تزعجه حتى أبتعد الجميع وأنكمشوا بجانب بعضهم ولم يبقى سوى "ريحانة" واقفة بمفردها تضع كفيها فوق أذنيها بدايةً من كلمات تلك الفتاة اللعينة التي سخرت منها بكلمات سامة.
جحظت عيناه عندما رأها، فكيف أتت فتاته إلى هنا؟ شعر أن العالم يدور حوله فهو رأها باسوء حالتها النفسية فهو يعلم أن هناك السيئات قد أزعجوا إحدى الفتيات بالحديث ولكن لم يكن يعلم إنها تلك المُلفتة الخاصة به، أشار لمساعدته لتأخذ "ريحانة" إلى مكتبه وتعتني بها إلى أن ينتهي من عمله مع تلك العاهرات، أمأت له وهي تتجه نحوها تعانقها وهي تساعدها على السير متجهه بطريقها نحو مكتبه.
وقف ينظر لهم بإشمئزاز وقسمات وجهه لا توحي بالخير أبدًا، عقد ذراعيه أمام صدره متسألًا بغضب:
_ هل هناك من يفسر لي ماحدث؟
وقفن يفركن بأصابعهن بتوتر وخوف أن يحرمهم من المقابلة، ولكن نطقت واحدة تدعي المثالية وهي تتحدث بهدوء قائلة:
_ سخروا منها وجعلوها تستمع كلمات سيئة، جعلوها تعلم إنها أدنى واحدة تجلس بيننا بدايةً من الهيئة إلى ملامحها وتفاصيل وجهها ظللت أصرخ بهم، لينتهوا من هذه الأفعال ولكن...
نظر لها بملامح تريد الفتك بها وبكل من قال عليها كلمة سيئة، فهي الأفضل من بينهم كيف يستطيعون قول تلك الكلمات الحادة لها؟! يعلم أن تلك الفتاة تكذب بنهاية حديثها فلم يكن هناك من يجعلهم يصمتوا لكنها تفعل هكذا فقط للحصول على الوظيفة، بعدما علم بما حدث وقف يحول نظره بين كلاهم قائلًا ببرود:
_ ليكن بعلمكن أنتن الأسوء وليس هي فإن كانت هي سيئة شكلًا مثلما تقولون فأنتن سيئات شكلًا وخلقًا وكل شيء يخصكن سئ أقسم بذلك، ليس هناك مقابلة أو وظيفة حتى ولتعلموا جيدًا هي من تستحق تلك الوظيفة أريد أن أستمع تهنئتكن لها، هيا أخرجوا من هنا.
كان يحرقهم بحديثه مثلما فعلوا بها وعندما أخبرهم أن هي وحدها من تستحق أرادوا لو ينقضوا عليه ويسددوا له ضربات بوجهه ولكنه لم يكتفِ بذلك فأبصق عليهن وبعدها أولاهن ظهره وذهب، ليعود لمكتبه ويراها.
سار بخطوات هادئة على عكس ما داخله الذي يتراقص، لأنه سيراها لكنه حزين على حالتها التي تدهورت أكثر كما أنه لم يستطع نسيان رؤيتها وهي واقفة بينهم صامتة تضع كفيها فوق أذانها تستسلم لأمرها!
فتح باب مكتبه وجدها جالسة فوق المقعد تهز أقدامها بعنف وتضع كفيها فوق وجهها تخفيه عن تلك التي تقف معها تحاول أن تعتذر لها عما بدى من تلك الفتيات، أشار بعينيه، لمساعدته لتتركها وتخرج وهو سيتولى الأمر.
جثى فوق ركبتيه أمامها ليصبح بمستواها وهو يحمحم بخجل، قائلًا:
_ لا تفعلِ هكذا أرجوكِ، أنا أخذت لكِ حقك وطردت كل وقحة تحدثت معكِ بشكل سئ.
رفعت كفيها لترى ملامح ذلك المتحدث فتشعر إنها تذكر نبرة الصوت تلك جيدًا، نظرت له بتوسل عندما علمت أنه نفس ذاك الشخص الذي أفزعها ليلة الأمس، قائلة:
_ لا أعلم من أنت ولما تخرج لي بكل مكان؟! ولكن أرجوك دعني لأذهب فيبدو مثلما قالت الفتيات أن هيئتي لا تتناسق مع الشركة هنا وحتى إذا أنا لا أريد أن أعمل، لن أتحمل كل ذلك.
حرك رأسه مسرعًا يمينًا ويسارًا ينفي لها ما وشم برأسها، وحالتها جعلته يتألم ويريد ضرب نفسه، لأن هو السبب بتلك الحالة التي وقعت بها، نظر لها بهيام وحالة من اللاوعي أحتلته فجأة، قائلًا:
_ كيف هيئتك لم تتناسق؟! فوالله لم ترى العين سواكِ.
تخرج الكلمات من قلبه مندفعه نحوها بكل طلاقة، رمقته بعدم فهم وهي من الأساس ليست بحالة تعي شئ، قائلة:
_ لم أستطع فهمك، فإذا سمحت سأذهب ولن تروني مرة أخرى.
فاق من شروده وهو يبتسم لها بعبث قائلًا:
_ مرة أصطدم بكِ ومرة أرعبك وتلتوي قدميكِ ونحن الآن نجلس هكذا أنتِ تبكين وأنا أجثو فوق ركبتاي! هل كلما أراكِ تبكي؟! سيخرج عني حديث سئ ليكن بعلمك.
لم تبدي رد فعل على حديثه، حاولت النهوض لكنه منعها بنبرته وهو يقف بمكانه ويرتب حلته، قائلًا:
_ بما إني مالك ومدير تلك الشركة أهنئك بكل سرور لقد تم قبولك بالوظيفة، أه لأعرفك بنفسي، أمامك عاصم جمال مالك شركات "A.g"لتصدير الأطراف الصناعية.
لم تصدق إنها توظفت الآن ولكن هل هذا هو مديرها؟ من أخبرته بأن يدم أبله هكذا طوال عمره هو مالك تلك الشركة والأفرع الأخرى لها؟! نظرت له بإبتسامة مندهشة وهي تبتلع ما بحلقها، قائلة:
_ مرحبًا بك سيد عاصم ولكن أعتذر لست بحاجة لتلك الوظيفة، عن إذنك.
أنهت حديثها وهي تنهض من فوق المقعد وتتحرك بعض الخطوات متجهة نحو الباب، لتذهب وتختبئ بفراشها تبكي مثلما تريد، أوقفها بنبرة حزينة متسألًا بجدية:
_ لم أراكِ مرة ثانية؟ إذن ماهو أسمك؟
حركت رأسها لتنظر له بإبتسامة مزيفة فهي ليست قادرة على الوقوف لتبتسم! قائلة:
_ أعتقد أنني سأراك وأنا أصطدم بشئ يؤدي بحياتي للموت، ريحانة.. أسمي هكذا.
ضحك على ما تقل هي له، يعلم إنها تمزح فهو لم يراها سوى بالمصائب فقط وما إن أستمع لأسمها شرد به يرى هل يليق بها أم لا؟! ولم يخرج معه سوى إنه مُلفت مثلها
فقال دون وعي منه وهو يضع كفه بجيب بنطاله، وينظر لها بتمعن:
_ كل ما يخصك مُلفت مثلك.
كانت قد خرجت من الباب ولم تستمع لما قاله لها، فاق مما عليه وهو يهاتف مساعدته، لتسير معها وتساعدها على السير فحالتها ليست أفضل شئ وتخبر أحد ليصلها منزلها، فعلت ما أخبرها به وركضت خلفها تجعلها تتكأ عليها حتى أصبحوا بالخارج، وأخبرت السائق الخاص بها ليصل تلك الفتاة اللطيفة إلى منزلها، رفضت تمامًا ذلك الشئ ولكنها أستسلمت بسبب ضغط هذه البشوشة التي تصر عليها.
أملت السائق العنوان وقاد السيارة متجهًا نحو منزلها حتى أوصلها وأطمئن إنها قد صعدت إلى منزلها.
كانت تصعد فوق الدرج بخطى مترنحة لم تستطع السير جيدًا فكانت تتخبط هنا وهناك إلى أن فتحت الباب بمفتاحها الذي أخرجته من حقيبتها الصغيرة بصعوبة، ودلفت متجهه إلى غرفتها وبالتحديد فراشها ما إن رأته أرتمت فوقه وهي تحتضن وسادتها وتبكي بحسرة على ما يحدث لها، فهي كانت ذاهبة إلى هناك مفعمة بالأمل والتفاؤل ولكن خاب كل شيء وعادت وهي مُحملة الألم والجروح التي فُتحت من جديد.
_ سئمت كل شيء، لم أعد أرغب بالشفاء لأني سأصاب من جديد بسبب كلمات مسمومة تسخر منّي وأنا ليس لي ذنب بها.
كانت تلك كلماتها الأخيرة قبل أن تغادر الحياة مختبئة عدد الساعات التي تنام بها رغم أن الساعة لم تتعدى الواحدة ظهرًا، ولكن هذه تكون الأفضل بالنسبة لها ليس طوال الوقت بالطبع فأوقات يداهمها كوابيس ألعن من أي شيء يحدث معها طوال اليوم ولكن تعتاد عليها.
بعدما ذهبت هي جلس يعبث بقلمه فوق الأوراق، شارد بتفاصيل هذا اليوم العصيب على كلاهما، فهو لم يكن متخيل أن تُهان بهذه الطريقة بشركته، أن كان رأها هي عندما أتت كان أخبئها من نظراتهم ليس لقبحها مثلما نطق الفتيات ولكن خوفًا عليها فهي مثل الماس لم يرى مثلها من قبل، يرى هل يمكن أن تعود مرة ثانية؟! فهو أخبر المسؤول بتعينات الموظفين أن يسجلوها كفرد جديد هنا بالشركة، ظل يفكر ماالذي يمكن أن يفعله؟ لكن لم يجد حل سوى أن يهاتف أخيه ولكن ليس قبل أن يغادر ذلك المكان فهو يشعر بالإختناق كلما تذكر هيئتها المنكمشة وخوفها، وتوترها الزائد وعدم أخذ تلك الفتيات من شعورهن وتوبيخهم على تلك الأحاديث السخيفة.
أرتدى چاكيته الذي خلعه قبل قليل ووضعه فوق المقعد وأخبر "چينا" المساعدة الخاصة به أنه سيذهب، ليكملوا عملهم بشكل طبيعي دون أن يهاتفه أحد اليوم نهائيًا.
أخرج هاتفه يعبث بجهات الإتصال إلى أن وجد أخيه، تنهد بضيق قائلًا:
_ كريم تعال إلى المنزل.
أنكمشت ملامحه بإنزعاج يظن إنه يريد أفتعال مشكلة مرة ثانية أو أنه يمزح معه، فقال بسخرية:
_ لم أصدق هذه المرة أيها اللعوب فأنا تعلمت من الخطأ السابق، أتذكره؟
قرص فوق أنفه يمنع نفسه من الغضب أكثر من ذلك فأخيه لم يفعل شئ ليحاسبه، قال بنبرة هزيلة:
_ أنا لم أمزح ولا حتى أكذب عليك، الأمر متعلق بِ ريحانة كمريضة عندك وليست كحبيبة لي، أرجوك لتأتي قبل أن ينفجر رأسي.
لم يقل أكثر من هذه الكلمات واغلق الهاتف يركب سيارته وهو يجعلها على أقصى سرعة يسير بها نحو المنزل فهذا أمانه، يعلم أنه سيهدئ عندما يرى أخيه.
تعجب "كريم" من نبرته الغريبة على مسامعه، وتبريره له بأنه لم يمزح أو يكذب حتى عند تفوهه بإسمها هكذا أنكمش ما بين حاجبيه فمن أين علم به؟ وماذا يعني بأن الأمر يتعلق بها كمريضة، هل يمكن أن يكن أصابها شئ سئ؟!
العديد من التساؤلات تلاحق عقله ولكن لم يجد إجابه لأي واحد منهم، لملم أغراضة وغادر المكان وهو يخبر مساعده بأنه سيأتي بعد ساعتين ليغلق المكان إن أراد، ذهب للمنزل وهو يتلهف لرؤية أخيه يخشى أن يكن به شئ هو الآخر.
عندما عاد للمنزل وجد "عاصم" يجلس فوق الأريكة وهو يضع رأسه بين كفيه ويبدو عليه الغضب والضيق، وقف "كريم" أمامه يبعد كفيه، ليرى وجهه قائلًا:
_ ماذا هناك عاصم؟ ما علاقة ريحانة بك ولما الغضب ظاهر عليك هكذا؟!
أبتلع "عاصم" ما بحلقه وهو ينظر داخل أعين أخيه ويتلعثم بالحديث خوفًا من تلك الصدمة التي ستقع عليه عندما يستمع وأخيرًا تنهد قائلًا:
_ ريحانة أتت للتعيين كمترجمة بالشركة عندي.
ألقاها عليه دفعه واحده خائفًا من رد فعله، ولكن لم يرى منه سوى الصدمة وعلامات الإندهاش فوق قسمات وجهه.
كيف سيكون رد فعله؟!