إحياء الموتى الفصل الرابع

ليلى: هذا أنتم, لقد رأيتكم أخيرا يا رفاقي, أعرف كل منكم من صوته.

ظهرت علامات الغضب على أحدهم والذي اعتادت ليلى منه على الجرأة والأراء المتسرعه الغاضبة وهو يقول.

صوت: لقد أحتملت سخافاتهم بما يكفي, ولكن هذا قد تجاوز الحد, لن نقف صامتين امامهم بعد الآن.

كانت نجاة تشعر بغضبه يسري في عروقها ولكنها لم تكن ترى أو تسمع شيئا مما يحدث في الخارج.

صفعها ياسر صفعة قوية أفقدتها الوعي وتراخى جسدها بين يدي حسن وعبدالل.

حسن: هل جننت يا ياسر ماذا تفعل؟! لقد قتلت الفتاة
ياسر: إنها فاقدة الوعي فحسب من أثر تلك الصفعه.
عبدالله: ماذا سنقول لفتحي عندما يعود؟
ياسر: ماذا احل بكم! لما انتم خائفين من فتحي بهذا الشكل؟ سنقول لهذا الحقير عندما يعود أنها أصابتها حالة من الجنون بسبب الجن الذي يسكنها وحاولنا السيطرة عليها.
حسن: ولكن يا ياسر...
ياسر يقاطع حديثه: ليس هناك لكن وإلى أن يأتي أتركوا لي تلك الحقيرة.

مد ياسر يده ليمسك بليلى ولكن فجأه فتحت ليلى عينيها التي اصطبغت باللون الأحمر وامتلئت ملامحها بغضب شيطاني وهي مازالت معلقه بيدي حسن وعبدالله اللذان سمعا صرير أسنانها تبعه صوت غريب مغاير لصوتها قد خرج من حنجرتها وهو يقول في لهجة مرعبة أرتعدت أوصال ثلاثتهم حين سماعه.

ليلى: على من تطلق لقب (الحقيرة) أيها الوغد السكير؟ سألقنك الآن درسا لن تنساه بقية عمرك, هذا إن كان فيه بقية بعد أن أفرغ منك أيها الصعلوك.

لم يكن الرجال الثلاثة يتخيلون في أسوأ كوابيسهم أن ذلك الجسد الرقيق لتلك الفتاة قد يكون بهذ العنف والشراسه والقوه, ولكنها لم تكن ليلى، لقد انتفضت الدماء الشيطانية في عروقها واستغل أحد إخوتها فقدانها الوعي والسيطرة على الجسد الذي يؤيهم ليعبر عن غضبه وسخطه من بني البشر.

لقد جذب حسن وعبدالله اللذان لازالا يمسكان بذراعي ليلى إلى الأمام بقوة رهيبة ليصطدم كلا منهما بالآخر في وجهه قتحطم انفيهما وتفجرت الدماء لتغرق وجهيهما ثم أعاد فتح ذراعيه بقوة ليلقي كل منهما في اتجاه فيطيران ليصطدم كل منهما بجدار ويسقط في الأرض.

وهنا التفت نصف الشيطان إلى ياسر الذي نظر في ذعر لعينيه الحمراوين وبدأ في التراجع في فزع متعثرا بقطع الآثاث حتى سقط بجوار المائدة التي كانوا يحتسون عليها الخمر, تناول ياسر زجاجة خمر فارغه وأمسكها من أعلى وطرق بها بقوة على المائدة ليحطم قاعدة الزجاجه ليبقى الزجاج المحطم بارزا كسلاح يدافع به عن نفسه, ووقف متحفزا مباعدا بين ساقيه ليلوح بالزجاجه في وجه الشيطان في جسد ليلى, ولكن الشيطان باغته بقفزة مذهلة ليرتكز على الحائط المجاور له على ارتفاع المترين لمدة ثانية واحدة ثم ينطلق من على يمين ياسر الذي حاول الالتفات اليه ليوجه له طعنة بالزجاجة ولكن الشيطان أمسك بذراعه وقام بليها خلف ظهره ليستخلص الزجاجة من يده في سلاسة كما لو كان ينتزعها من يد طفل في الثانية من عمره, ثم أكمل لي ذراع ياسر ليسقط الأخير على ركبتيه في ألم ويرجع برأسه إلى الوراء في محاولة للحد من ألم لي ذراعه, لكن الشيطان عاجله بضربة بالجزء الحاد المدبب للزجاجه مرت على رقبته مخلفة قطعا حادا بلغ حتى منتصف عنقه لتنفجر نافورة من الدماء لتغرق ياسر وجسد ليلى والمنزل, ليطلق ياسر خوارا عميقا وهو يلوح بيديه في الهواء محاولا دفعه إلى داخل صدره دون جدوى, فألقى به الشيطان في تقزز على الأرض جثة هامدة ليلتفت إلى عبدالله وحسن.

ما أن رأى عبدالله وحسن ما حدث لياسر تركا الدماء التي تتفجر من وجهيهما ونقلا بصريهما بين ياسر المذبوح على الأرض وبين الشيطان في جسد ليلى حاملا الزجاجة المحطمة والدماء قد أغرقته هو والزجاجة وبين عينيه الحمراء الدامية ونظر كل منهما إلى الآخر وانطلقوا في سرعة جهة باب المنزل, ولكن الباب أغلق أمامهما فجأه وشعر كل منهما بقبضة قوية تمسك بكل منهما من مؤخرة عنقه لترفعهما إلى الهواء وتعيدهما في بطىء مرعب إلى مواجهة الشيطان المتحكم في جسد ليلى, زمجر الشيطان مرة أخرى في غضب شديد وأشار بيده جهة الزجاجات الفارغة لترتفع جميعها عن الأرض ببطء, ثم ترتطم كل منها بالأخرى لتبرز أطرافها الحادة جميعا, ثم تندفع الزجاجات جميعها جهة حسن وعبدالله لتمزقهم إلى أشلاء ويسقطون على الأرض وسط بركة من الدماء التي غطت أرضية المنزل.

في تلك اللحظة فتح فتحي باب المنزل عائدا محملا بزجاجات الخمر, وما أن دلف إلى داخل المنزل حتى وجد الباب يصفق خلفه في قوة ورأى ليلى وقد أغرقتها الدماء من رأسها حتى أخمص قدميها وهي تبتسم في شراسه, ثم انتبه إلى لون عينيها الأحمر لتسقط الزجاجات من يده وتتحطم على الأرض بعدما سمع الصوت الصادر من ليلى وهي تقول.
ليلى: أخيرا وصلت, لقد خشيت للحظه أن يفوتك هذا الحفل البهيج.

بعد ساعتين من تلك الأحداث أفاقت ليلى لتجد نفسها وسط بركة من الدماء التي تغطي جدران وأرضية المنزل وتغطيها هي الأخرى ومن حولها الأشلاء متناثرة في كل مكان, تراجعت في فزع حتى ألصقت ظهرها بالحائط وهي تتلفت حولها في رعب شديد لتجد أربعة رؤوس معلقة على الحائط ميزت فيهم وجوه فتحي ورفاقه فأطلقت صرخة فزع وأخفت رأسها بين ركبتيها وقد ضمتهما إلى صدرها وانهارت في بكاء متواصل.

لم تشعر ليلى بالخطوات التي كانت تتجه إليها وسط آثار المذبحة التي جرت في المنزل حتى بلغ الشخص صاحب تلك الخطوات مكان جلوسها ووقف إلى جوارها, لم تشعر سوى بكف يمسح على شعرها بعطف شديد فجفلت وانتفضت في فزع ملتفتة إلى ذلك الشخص و ما أن فتحت فمها محاولة التحدث حتى وجدت كف توضع على شفتيها برفق وتمنهها من الاسترسال في الحديث ثم أخذ ذلك الشخص بيدها واصطحبها معه مغادرين ذلك المنزل.

في المساء طرقت فايزة باب المنزل عدة مرات دون جدوى, ففتحت حقيبة يدها باحثة عن المفتاح وقامت بفتح الباب ودلفت إلى المنزل الغارق في الظلام وهي تنادي على من بالمنزل.
اشتمت عديلة رائحه غريبه وهي تبحث بيدها عن زر الإضاءة حتى عثرت عليه وقد استبد بها الخوف والقلق, وما ان أضيئت أنوار المنزل حتى أطلقت فايزة صرخة مدوية وسقطت على الأرض وقد فقدت النطق إلى الأبد.

مسكينة أنتي ياليلى، تواجهين وحدك جيوش الظلام وشياطين الجن والإنس، وتحملين داخل جسدك مصير بني البشر ، ترى إلى أين المسير هذه المرة؟!

القاضي: إذًا، فقد ثبت بشهادة الشهود بأن فايزة لم تكن موجودة في المنزل وقت وقوع تلك الجريمة، كما أنه لا يوجد أثر لاقتحام المنزل، أي أن ذلك السفاح الذي اقترف الجريمة كان معروفًا للضحايا.
المحقق: نعم ياسيدي، وقد تعذر استخلاص أية معلومات من فايزة نظرًا لفقدانها النطق من أثر الصدمة، كما أنها أمية لا تعرف القراءة أو الكتابة.
القاضي: وماذا عن تلك الفتاة الصغيرة ابنة عديلة؟
المحقق: لقد رآها الجميع تغادر المنزل مبكرًا قبل وصول الضحايا ولم يرها أحد تعود للمنزل، ولكن الجميع أجمعوا على أن والديها كانا يعاملانها معاملة سيئة، هذا بخلاف ما...
القاضي: بخلاف ماذا أيها المحقق؟
المحقق: بخلاف ما يردده الجميع، عن أن تلك الفتاة ممسوسة من الجن، ويغلب الظن أنها مريضة نفسيًا، وقد هربت من المنزل، كما أنها بعيدة عن الاتهام، حيث إن الجريمة تستدعي شخصًا بالغ القوة ليتغلب على أربعة رجال أشداء ويحدث بهم تلك المجزرة، إن كان القائم بها شخصًا واحدًا، وهو ما لا أعتقده، وليس فتاة صغيرة، وذلك طبقًا لإفادة الطبيب الشرعي.
القاضي: إذًا نقضي ببراءة (فايزة عدلي السيد) من تهمة القتل العمد، وتقييد هذه القضية ضد مجهول وإغلاقها للأبد، كما نوصي بعدم انتشار تلك الأخبار بين العامة حتى لا تتسبب في قلق عام من وجود قاتل طليق في المجتمع.

جلس الشيخ مسعود، المعالج القرآني، في مضيفة منزله بمدينة طنطا، بالقرب من مسجد (السيد أحمد البدوي) الشهير مع بعض الزوار الذين يتهافتون على منزله، بغرض تلقي جلسات العلاج بالقرآن والرقية الشرعية، فقد ذاع صيته في البلاد بمهارته وقدرته على علاج تلك الحالات، ودون أن يتلقى أجرًا مقابل ذلك.

كانت المضيفة عبارة عن غرفة مربعة فسيحة، وقد استقرت حول جدرانها مصاطب خشبية تعلوها وسائد قطنية مريحة، وفي منتصف المضيفة مبخرة نحاسية كبيرة يتصاعد منها أدخنة العود والعنبر، وقد ألحق بها غرفة أصغر بها مكتب خشبي مزدان بالصدف وأريكتين وبعض المقاعد، تستخدم في جلسات علاج النساء والفتيات، وطيلة الوقت يتناوب سعيد وسعد، أبناء الشيخ مسعود، مساعدة والدهما أو تقديم المشروبات للزوار الذين لا ينقطعون عن مضيفة أبيهما.

كان الشيخ مسعود منشغلًا مع شاب في العشرين من عمره يدعى (حماد)، قد تلبّسه جن عنيد، وقد كانت هذه هي الجلسة الثالثة له مع الشيخ مسعود، الذي تلا عليه بعض آيات القرآن الكريم، ونثر على وجهه وصدره بعض الماء المقروء -الماء الذي تلا عليه آيات قرآنية- فانتفض جسد الشاب، وانحرفت عيناه وغاب بؤبؤها وصارت بيضاء، ثم تشنجت أطرافه وتلوّت أصابعه وخرج منه صوت متحشرج عجيب، والشيخ مسعود قد وضع يمناه على رأس الفتى وهو يقول

الشيخ مسعود: قيدوه.

هبّ والد الشاب وعمه، اللذان حضرا معه، لتنفيذ أوامر الشيخ، ولكنه أشار إليهما بالابتعاد قائلًا

الشيخ مسعود: لست أتحدث إليكما أنتما

ولدهشة الجميع التفّت ذراعا الشاب خلف ظهره وجُذب رأسه إلى الخلف، وهو يحاول الاندفاع لمهاجمة الشيخ دون جدوى، كأنما هناك رجلين شديدين يقيدان حركته.

الشيخ مسعود: ما اسمك؟

رد عليه الشاب بزمجرة غريبة كأنما هي زمجرة ذئب شرس، فتناول الشيخ مسعود حفنة من الماء المقروء ونثرها على وجه الشاب، فتصاعدت صرخات الألم من الشاب بذلك الصوت الأجش الغريب مثيرًا تعاطف الحاضرين جميعًا، فأعاد الشيخ مسعود عليه السؤال بغضب وحدة

الشيخ مسعود: ما اسمك؟
الشاب: اسمي لم يعنيك في شيء، ولكني مارد يستطيع تدمير كل من يقف أمام رغباته
الشيخ مسعود: ومن أين أنت أيها المارد؟
المارد: أنا من بلاد فارس.
الشيخ مسعود: وما دينك ايها المارد؟
المارد: أنا مجوسي، من عبدة النار.
الشيخ مسعود: وماذا تفعل في جسد هذا الشاب أيها المجوسي؟
المارد: إنّ هذا الجسد ملكًا لي، أسكن فيه، وليس لك شأن بذلك.
الشيخ مسعود: تأدب في الحديث معي أيها الجني، وإلا أذقتك من العذاب ألوانًا.

زمجر المارد في غضب وهو ينظر إلى الشيخ ويحاول مهاجمته، ولكن من يقيدوه يمنعونه من الحركة.

الشيخ مسعود: إذًا أنت غاضب وتريد مهاجمتي، ذق إذًا من عذاب آيات الله ألوانًا..

{وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿49﴾ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ﴿50﴾}
وتغشى وجوههم النار، وتغشى وجوههم النار، وتغشى وجوههم النار.

صرخ المارد في ألم شديد والشيخ يعيد قراءة الآية وهو يصيح: كفى، كفى، كفى أرجوك، إنك تحرقني، أرجوك توقف عن القراءة، سأجيب جميع أسئلتك، لكن توقف.
الشيخ مسعود: الآن تتأدب وتجيب بعدما ذقت العذاب، أخبرني، ماذا جاء بك في جسد ذلك الشاب المسكين؟ هل آذاك في شيء؟
المارد: لا، أنا مكلف بإيذائه والمكوث في جسده حتى يفسد زواجه من ابنة عمته.
الشيخ مسعود: وما نوع ذلك التكليف أيها الفاجر؟
المارد: سحر، سحر، سحر مأكول وضع في طعام تناوله.
الشيخ مسعود: ومن دس له هذا السحر؟
المارد: لا أستطيع إخبارك، سيعاقبني ملك عشيرتي.
الشيخ مسعود: يبدو أنك نسيت طعم العذاب وتريد أن أحرقك مرة أخرى.
المارد: لالالا، إنها زوجة عمه هذا الذي يجلس هناك؛ لأنها تريد أن تزوجه بابنتها.

صمت الشيخ مسعود قليلًا وهو يراقب بطرف عينيه تلك المرأة ذات العباءة السوداء وغطاء الوجه الأخضر، التي دلفت إلى المضيفة وفي يدها فتاة في الرابعة عشر من عمرها ذات نظرات ثاقبة، وشاهدها وهي تجلس فى نهاية الغرفة وبجوارها الفتاة، ثم لم يلبث أن صرف انتباهه إلى الشاب مرة أخرى.

الشيخ مسعود: اسمع ايها المارد، لقد سمعت آيات الله وشعرت بنارها تحرقك، وإني أعرض عليك الدخول في الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد بدلًا من عبادة النار، فهل تقبل بذلك؟
المارد: لا.. لا، لن أعبد إلهك، أنا أعبد النار طيلة عمرى، ثلاثمائة عام، وسأعبدها حتى أموت.
الشيخ مسعود: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.. إذًا فإني آمرك باسم الله العظيم وسلطانه القديم أن تغادر جسد هذا الشاب ولا تعود إليه أبدًا، ما قولك؟
المارد: لا، لن أغادر جسده، أنا أسكن جسده، أنا مكلف بذلك.
الشيخ مسعود: أخرج بالتي هي أحسن بدلًا من أن أحرقك.
المارد: لو خرجت سيقتلني ملك العشيرة، لن أخرج أبدًا.
الشيخ مسعود: إذًا، لك ما شئت، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الاَْثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِى الْبُطُونِ (45) كَغَلْىِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}

كان المارد يصرخ في ألم شديد أثناء قراءة الشيخ مسعود الآيات وتكراره لها، وعندما أعادها في المرة الثالثة صرخ الجني صرخة عظيمة، ثم سقط الشاب أرضًا وقد تراخت أطرافه.

الشيخ مسعود: قم يا حماد يا ولدي، لقد زال الأذى بفضل الله تعالى.

قام الفتى في إرهاق شديد وتعالت تكبيرات الحاضرين وهتافهم بالدعاء بالبركة للشيخ مصطفى، وهكذا ظل الشيخ يقوم بجلسات العلاج حتى غادر آخر ضيوفه، فالتفت إلى ضيفتيه في آخر الغرفة وهو يقول

الشيخ مسعود: عذرًا للتأخير يا ناجية، فكما ترين عدد الزوار، وليس من شيمي رد من يأتيني طالبًا العون، مرحبًا بكِ يا أميرتنا ومرحبا بضيفتك الصغيرة.
ناجية: أعانك الله يا شيخنا وأدام عليك نعمته.

ثم هامست الشيخ مسعود قائلة

ناجية: هذه هي ليلى التي حدثتك عنها من قبل، لقد حدثت بعض التطورات، وفرض أحد إخوتها سيطرته على جسدها وأحدث فوضى عارمة كما توقعت أنت من قبل، ولم أجد ملجأ يأويها غيرك يا شيخنا الجليل، فأنت الوحيد القادر على حفظها ورعايتها وإخفائها عن أعينهم، وفي الوقت نفسه تستطيع السيطرة على إخوتها أنت ومساعدوك الشجعان.
الشيخ مسعود: وإلى أى حد كانت تلك الفوضى التي تتحدثين عنها؟
ناجية: إلى حد المذبحة، ولكنه كان دفاعًا عنها يا شيخنا، أرجو ألا أثقل عليك بهذا الطلب.
الشيخ مسعود: أنتِ ووالدك أصحاب فضل سابق يا ناجية ولا يمكن أن أرد لكِ طلبًا، الله المستعان، على بركة الله، سأطلب من زوجتي أم سعيد تجهيز غرفة مناسبة لها، ومن اليوم ستصبح أختًا لابنتي جميلة.

التفتت ناجية إلى ليلى قائلة في بسمة حانية

ناجية: هذا هو بيتك الجديد يا ليلى، وسيكون الشيخ مسعود بمنزلة والد لكِ، ستعيشين هنا مع أبنائه في أمان.

أطرقت ليلى رأسها في خجل واحترام وهي تقول

ليلى: السلام عليكم يا شيخ مسعود.
الشيخ مسعود: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا بنيتي، سأصطحبك الآن إلى زوجتي أم سعيد لتتعرفي عليها وعلى إخوتك، سعد وسعيد وجميلة.

دلفت ليلى إلى غرفتها الجديدة بعد أن استقبلتها أسرتها الجديدة بترحاب شديد، خاصة جميلة، جلست ليلى على فراشها الجديد تتحسسه بيدها وهي تتسائل ماذا سيحمل لها المستقبل من أحداث وآلام وأحزان جديدة، ثم زفرت بقوة وهي تحادث نفسها بصوت هامس ليبدأ حديثها من جديد مع الأصوات من داخلها: والآن ما الذي تريدون قوله؟
صوت غاضب: هل أحضرتيننا إلى هنا ليحرقنا ذلك الشيخ كما فعل مع هذا الشاب؟
ليلى: أما زلت تكابر وتصرخ بعد كل ما تسببت به لنا! لقد كدت تودي بنا جميعًا.
صوت أنثوي: نعم، ذلك صحيح، لقد كان ما فعلته بشعًا.
الصوت الغاضب: أهذا جزاء أنني أنقذتك من براثن هؤلاء؟
ليلى: هذا صحيح، ولكن لم يكن هناك أي داع لتلك المجزرة التي ارتكبتها.
صوت آخر: في الواقع لقد عرضتنا لخطر داهم جميعًا، ولولا ناجية لكنا جميعًا الآن في غياهب السجون، إن لم نتعرض للقتل.
صوت أنثوي آخر: فلندع ما حدث ونفكر الآن في حياتنا الجديدة في هذا المنزل.
صوت آخر: هل رأيتم ما فعله الشيخ مع هذا الشاب؟ هل نحن مثل ذلك الجني الذي احترق؟
ليلى: لا بكل تأكيد، وإلا كنا احترقنا مثله عندما قرأ تلك الآيات.
صوت أنثوى: ماذا نكون إذًا؟
ليلى: أنتم إخوتي، هذا كل ما أعرفه، ولكن الآن فلتهدؤوا قليلًا لأنني أشعر بالإرهاق وأريد أن أخلد إلى النوم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي