إحياء الموتى الفصل الخامس

بدأت ليلى حياتها الجديدة في منزل الشيخ مسعود الذي تعهدها برعايته، وبدأ يكشف لها قدراتها أولًا بأول، تعلمت على يديه الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن الكريم، كانت تساعده في جلسات علاج النساء والفتيات، وكانت تجلس لتراقبه من الغرفة الملحقة بالمضيفة وهو يقوم بجلسات العلاج للرجال.

انطلقت ليلى بكل شغفها لتحلق في سماء الروحانيات وما وراء الطبيعة، أصبحت ترى كل مساعدي الشيخ مسعود من الجن المسلم الذين يعاونونه في علاج حالات المس واللبس والسحر وخلافه، تعرفت إليهم، وبدأت تحادثهم وتتعلم من حكمائهم.

حتى جاء ذلك اليوم، حينما استدعاها الشيخ مسعود لتساعده في إحدى الجلسات، وكانت تخص فتاة في السابعة عشر من عمرها، وطلب الشيخ من ليلى تولي جلسة علاج تلك الفتاة وبدأت ليلى جلستها الأولى لتحقق نجاحًا باهرًا، وتتم علاج الفتاة من أول جلسة.

تعددت الجلسات، وذاع صيت ليلى كمعالجة بالقرآن، مستعينة بإخوتها القابعين داخلها، بالإضافة إلى مساعدين الشيخ مسعود من الجن المسلم.

مرت الأيام والسنوات وليلى تعيش في كنف أسرة الشيخ مسعود، ولكن يأبى القدر أن يستمر صفو الأيام مع ليلى، كانت قد قاربت العشرين من عمرها، حينما وصلت إلى مضيفة الشيخ مسعود إحدى الفتيات بصحبة والديها لتتلقى العلاج بالقرآن من حالة تلبس شديدة الوطأة، وكالعادة تولت ليلى علاج الفتاة، وبدأت أولى جلساتها، ولكن لم تكن تلك الحالة كثائر الحالات التي واجهتها ليلى من قبل.

فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، نحيفة بدرجة ملحوظة، علامات الأرق والإرهاق أخفت جمال ملامحها خلف تلك الهالات السوداء حول عينيها، آثار خدوش الأظافر على جانبي وجهها بصورة تؤكد أنها من تسبب في ذلك لنفسها، لم يكن شعرها الأشعث أو تلك النظرة الزائغة التي تنم عن شراسة ظاهرة هو ما أثار دهشة ليلى، ولكنها تلك القيود التي تكبل يديها وساقيها لتمنعها من الحركة تمامًا.

للمرة الأولى التي تشعر فيها ليلى بالخوف من إحدى الحالات التي تعالجها، قشعريرة غريبة سرت في جسدها عندما التقت عيناها بعيني تلك الفتاة، تجاهلت ليلى نظرات الفتاة لها وابتسامتها الساخرة المليئة بالمكر والتهديد، ووجهت حديثها إلى والدي الفتاة، وهي تسترق النظر إلى الفتاة في توتر نجحت في إخفائه عن عيني والديها.

ليلى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا عماه، خيرًا إن شاء الله؟
الوالد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا بنيتي، لقد حضرنا من سفر طويل للقاء الشيخة ليلى المعالجة، هل سنستطيع مقابلتها ؟
ليلى: هي بين يديك يا عماه.

نظر إليها الرجل في استنكار ثم أردف في دهشة

الوالد: هل أنتِ الشيخة ليلى المعالجة الشهيرة؟
ليلى: أنا ابنتك ليلى المعالجة يا عماه، هلا أخبرتني عن ابنتك عما حلّ بها ليتم تقييدها بهذا الشكل؟

سالت دموع صامتة من عيني الأم، بينما تنهد الوالد تنهيدة طويلة واعتدل في جلسته قائلًا

الوالد: لقد كانت ابنتي هنادي أجمل طفلة في بلدتنا وأكثرهن رقة، كانت تسكب الفرحة في قلبي أنا ووالدتها وإخوتها، حتى جاء ذلك اليوم، كان عمرها ست سنوات، حينما حانت ولادة أخيها الأصغر، وفي خضم إنشغالنا في المنزل وقت الولادة خرجت هنادي لتلعب مع الأطفال في قريتنا، طال غيابها حتى كادت الشمس أن تغرب، فخرجت للبحث عنها خوفًا من أن يحل الظلام وهي خارج المنزل، ولكن دون جدوى، حتى حل الليل، وبدأنا نسأل عنها أهل القرية والأطفال الذين اعتادت أن تلعب معهم.

أخبرنا أصدقاؤها أنهم كانوا يلعبون الغميضة (لعبة الاختباء) في أحد الغيطان في أطراف القرية، ولكن هنادي اختبأت ولم يستطيعوا العثور عليها، وظنوا أنها عادت إلى المنزل، انطلقت مع أهل القرية إلى ذلك الغيط حاملين المشاعل حتى انتهينا من تمشيط الغيط وبلغنا نهايته عند مقابر القرية القديمة، التي قمنا بنقل الجثامين منها بعد أن أغرقتها المياه ولفظت الأرض الجثامين منها، لا أدرى لماذا انتابني ذلك الشعور حينها أن ابنتي قد ضاعت وسط تلك المقابر، التي لا يطأها أحد من سكان القرية بعد ما نُسج حولها من أقاويل وروايات عن أضواء وأصوات غريبة تصدر منها في الليل.

أخبرت من معي من الرجال بأني سأبحث عنها في المقابر، لم يجرؤ على مرافقتي سوى اثنين من الرجال، بينما أبدى الآخرون اعتراضهم ومحاولاتهم لإثنائي عن ذلك، بعضهم يستبعد دخول ابنتي إلى المقابر، وبعضهم يقترح الانتظار للصباح، أما البقية فكانوا يحاولون إقناعي بعدم جدوى ذلك، لأنها إن كانت قد دخلت المقابر فبالتأكيد قد أخذها أسياد المقبرة، ولن أستطيع استرجاعها ما حييت، ولكن محاولاتهم زادتني إصرارًا على إقتحام المقابر للبحث عن فلذة كبدي (هنادي).

دخل ثلاثتنا إلى المقابر المحاطة ببقايا سور قصير متهالك، ولكن ما إن خطت أقدامنا أرض المقابر حتى شعرت بقشعريرة غريبة تسري في جسدي، كان صفير الريح مع ظلال شواهد القبور المفتوحة المظلمة على ضوء القمر يبعث رجفة في أوصالي تزيد من هلعي وخوفي على ابنتي الصغيرة، بدأت في السير بين المقابر وأنا أنادي بصوت خافت نسبيًا باسمها عند كل فتحة قبر مظلمة.

لم تكن نيران المشعل الذي أحمله في يدي تنجح في تبديد ظلمة المقابر بالرغم من أنني كنت أدفع بها إلى داخل فتحاتها، كان هناك شر كامن في تلك المقابر، بدأت أشعر بندم الرجلين اللذين رافقاني على إقدامهما على مرافقتي، ورفعًا للحرج اقترحت عليهما العودة إلى مدخل المقابر وانتظاري هناك، فلم يتردد أحدهما لحظة واحدة، وأنا أعذرهما في الواقع، فقد كان المكان مرعبًا بحق.

أصبحت وحيدًا بتلك المقابر، وبدأت ألمح ظلالًا تتحرك بين الحين والآخر، ولكنني تجاهلت كل ذلك واستمريت في البحث، وبينما أمر إلى جوار أحد المقابر المفتوحة، الذي بدا كما لو كانت الأرض تفغر فاها لتلتقم من تسوّل له نفسه الولوج إلى ذلك المكان، حتى لمحت دمية (هنادي) التي اعتادت أن تحملها معها أينما ذهبت حتى في وقت النوم، انحنيت والتقطتها في لهفة، والتفت إلى ذلك القبر لأرى ظلًا أسود يتحرك ليختفي خلف شاهد القبر، انحنيت حاملًا المشعل وأنا أنادي بلهفة على ابنتي، ولكن خيطًا واحدًا من ضوء المشعل لم يبدد ظلمة ذلك القبر، خلعت عباءتي وحملت مشعلي ونزلت إلى جوف القبر محاولًا -دون جدوى- أن أتذكر آية الكرسيّ، كان صوت اصطكاك أسناني يكاد يعلو على صوت صفير الريح.

قبل أن تمس قدمي أرضية القبر شعرت ببرودة شديدة؛ إذ إن القبر كان قد وصل ارتفاع الماء فيه ليغطي قدمي تمامًا، ولكنني لم أهتم، جلست القرفصاء داخل القبر الذي هالني أن في نهاية القبر فتحة أو مدخل نفق أو ممر ضيق، شيء ما نبأني بأنني سأجد ابنتي في نهاية ذلك الممر، زحفت على أربع ممسكًا بالمشعل أمامي، بدأت أشعر بأنفاس، وأسمع همسات وضحكات ساخرة وأصوات غريبة، ولكن كان عقلي قد توقف تمامًا عن التفكير، كان قلبي ينبض بشدة، وأتنفس بصعوبة، والماء يزيد ارتفاعه شيئًا فشيئًا، حتى بدأ النفق يتسع ويزيد ارتفاعه وأنا أخترق تلك الظلمات، و التعب قد بلغ مني مبلغه، حتى سمعت أنينًا خافتًا ليس ببعيد، ازداد حماسي، أسرعت في الزحف حاملًا المشعل أمامي لينير الطريق، وفجأة وجدت أمامي ظلًا لكائن أسود غريب الشكل قد جلس القرفصاء موليًا ظهره لي، منحنيًا على جسد ما يتشممه، أمعنت النظر وقد صارت دقات قلبي كدقات الطبول، تعرفت على جلباب ابنتي حول ذلك الجسد، إنها (هنادي)، صرخت في ارتياع: اتركها، اترك ابنتي.

أدار ذلك المخلوق رأسه إلى الخلف تمامًا، كما لو أن رقبته بلا عظام، حدق في وجهي بعينين حمراوين مرعبتين، نفخ نفخة قوية أطفأت نيران المشعل وأغرقتني في ظلام دامس، لم أفكر لحظة.. ألقيت بالمشعل المنطفئ وزحفت باتجاهه حتى بلغت المكان الذي كان موجودًا فيه وأنا أتحسس المكان بيدي، ولكن كفاي لم تشعرا إلا بجسد هنادي، تحسستها بلهفة، إنها تتنفس إنها على قيد الحياة، ضممتها إلى صدري واجتهدت لأفُل عائدًا من الممر زاحفًا في تلك الظلمة الرهيبة حاملًا ابنتي، وبعد مجهود مضني استطعت سلوك طريق العودة من الممر وقد تعالت في النفق أصواتًا بلغة غريبة لم أفهم منها حرفًا واحدًا.

بلغت فتحة القبر بعد عناء شديد، صعدت إلى الأعلى وقد امتلأ جسدي بالخدوش والجروح من جراء الزحف في الظلام، لففت ابنتي في عبائتي وانطلقت أعدو عائدًا إلى القرية، وهي فاقدة الوعي وتصدر أنينًا متقطعًا والدماء تسيل من أنفها وأذنيها، عدت إلى المنزل ركضًا، وما إن بلغت الباب حتى سقطت أنا الآخر مغشيًا عليّ.

تلقفت الأم طرف الحديث من زوجها وأكملت القصة على مسامع ليلى، التي كانت تشعر بصخب شديد في داخلها لا تعرف له سببًا، كانت هناك حالة من التوتر بين إخوتها وكلهم يتحدثون في آن واحد، كانوا يشعرون جميعًا بشيء غريب يحدث، يحاولون فهمه دون جدوى، بينما ليلى تحاول جاهدة الاستماع إلى القصة وعدم إظهار ما يحدث في داخلها أمام الأب والأم، اللذين جاءا للاستنجاد بها لإنقاذ ابنتهما المسكينة.

الأم: كنت ما زلت أعاني آثار آلام الوضع حينما أخبروني أن زوجي قد عثر على هنادي وعاد بها، وأنه سقط مغشيًا عليه من الإرهاق، لم يفق زوجي من إغمائه إلا عند ظهيرة اليوم التالي، بينما ظلت هنادي تعاني من حمى غريبة لمدة ستة أيام متواصلة، حتى تيقنت أنها سوف تلقى حتفها في أي لحظة.

وفي صبيحة اليوم السابع استيقظت هنادي في كامل عافيتها كأن لم يصبها شيء، تطلب الطعام بإلحاح، وكلما أحضرنا لها صنفًا من أصناف الطعام رفضته وسكبته في عنف وطلبت فقط اللحم، قمنا على الفور بذبح شاة حتى نطهوا لها اللحم الذي تطلبه، فهي لم تتناول شيئًا لمدة أسبوع متواصل، ولكن يبدو أن الجوع قد استبد بها، فهرعت إلى المطبخ، وكنت قد وضعت قدرًا من المرق به قطع اللحم لينضج على النار، وأمام ناظري مدت هنادي يدها الرقيقة داخل الماء الذي يغلي على النار والتهمته وهو ما زال لم ينضج بعد، حاولت إثنائها وإبعادها عن القدر والماء المغلي، الذي لم يؤثر على يدها، فزمجرت زمجرة غاضبة كذئب يدافع عن فريسته، تراجعت في فزع، ولكن حانت منها التفاته إلى أحد الأركان الذي كان فيه باقي لحم الشاة النيء، فقفزت إليه بعنف وبدأت في قضمه والتهامه، لم أحتمل ذلك المشهد المريع، فهرعت أرسل إلى زوجي ليحضر مسرعًا تاركًا أعمال الزراعة في أرضه.

الوالد: تكتمنا الأمر تمامًا خوفًا من انتشار الخبر في أرجاء القرية، وأقنعنا أنفسنا بأن ذلك من أثر الصدمة وما حدث لها وسيزول قريبًا، ولكن ذلك لم يحدث؛ بل بدأت الأحداث تتزايد عددًا وحدة ورعبًا، بدأنا نسمع أصواتًا غريبة بالمنزل أثناء الليل، وأصوات خطوات وأبواب تفتح وتقفل، وتكررت الحرائق في المنزل بصورة غريبة ودون أسباب، حرائق تشتعل وحدها وتنطفئ وحدها دون أن تخلف أية خسائر، لم تلبث هنادي أن بدأت تتحدث بأصوات مغايرة لصوتها وتسبنا بأبشع الألفاظ، حتى جاء يوم ودخلت غرفة نومها ليلًا فلم أجدها، بدأت البحث عنها في أرجاء المنزل دون جدوى، هممت للخروج للبحث عنها، ولكن مررت على غرفتها أولًا للتأكد من عدم وجودها، وبالفعل دلفت إلى غرفتها وبحثت تحت فراشها وفي خزانة ملابسها فلم أجدها، وقبل أن أغادر غرفتها أحسست بحركة غريبة في سقف الغرفة، نظرت إلى أعلى لأجد ابنتي متعلقة بالسقف بأطرافها الأربعة، وقد التوت أطرافها والتوت رقبتها ليلتف وجهها إلى الخلف وهي تنظر إليّ بتلك العينين الحمراوين وتزمجر كحيوان بري، كانت ابنتي تسير على السقف على أطرافها الأربعة مقلوبة على ظهرها.

لجأت إلى الشيوخ والمعالجين، وأصدقك القول بأنني لجأت إلى السحرة والمشعوذين والدجالين، لم أترك بابًا إلا وطرقته طوال السنوات العشر الماضية، أخبروني جميعًا أن ابنتي يتلبسها عشيرة من جن المقابر، زارنا الكثير من المعالجين، ولكن كل من يحاول علاجها كان يموت إما مقتولًا أو منتحرًا بعد جلستين أو ثلاثة من العلاج، سمعت عنكِ من أحد الأصدقاء فقررت اللجوء إليكِ لطلب العون، فهل تقبلين بعلاج ابنتي بعد كل ما أخبرتك به؟
لقد صدقتك القول في كل ما أخبرتك به، وكنت قد عزمت على ألا أحاول عرضها على معالجين مرة أخرى، ولكن ابنتي تضيع بين يدي، وجسدها يذوي أمامي، وأنا وأمها لم يعد لدينا سواها، ولم نعد نستطيع تحمل ما يحدث بالمنزل من أفعال شيطانية.

ليلى: ولكن يا عماه، لم تخبرني حتى الآن عن سبب تلك القيود التي توثقها بها!
الأم: لأننا نشك يا بنيتي أنها من قتلت أخويها الرضيعين في غفلة منا، ذلك الذي ولد يوم الحادث، وطفل آخر أنجبته منذ عامين، وقد توفاهما الله وهما في مرحلة الرضاعة دون أسباب واضحة.

ارتفعت الأصوات في عقل ليلى تطالبها برفض علاج تلك الحالة والاعتذار لوالديها، رجفة تتسلل إلى أعماق قلبها ليخفق في عنف، رعب يسري في شرايينها، لم تختبر ليلى تلك المشاعر من قبل، ولكنها تعلمت شيئًا واحدًا من تلك السنوات التي قضتها في منزل الشيخ مسعود ومن الحالات التي عالجتها، لقد تعلمت أن تقدم العون والمساعدة لأشخاص ضاقت بهم السبل، كانت تقف بقوة إيمانها بكلمات ربها أمام ذلك الشر الذي يجتاح أناس لا ذنب لهم ولا حيلة، وضعت نفسها في موضع تلك الفتاة، لقد سخر الله لها من أخذ بيدها منذ نعومة أظفارها، ووهبها الله قدرات وإمكانات ليست لغيرها، هي تعلم أنها مختلفة، وأن الله قد خلقها مختلفة لحكمة لا يعلمها إلا هو.

ليلى: لقد قبلت علاجها يا عماه، وتوكلت على ربي، فلن يصيبني ضر إلا قد كتبه الله عليّ، فلنبدأ أولى جلساتنا غدًا يا عماه.

تعالت ضحكة شيطانية ساخرة سمعتها ليلى بوضوح في عقلها، التفتت ليلى في حدة جهة الفتاة لتلتقي عيناهما في تحد واضح.

- خطأ، خطأ، لقد تسرعتي يا ليلى في قبول تلك الحالة الخطرة، أنتِ تعرضين نفسك لخطر داهم، كان يجب عليكِ استشارتنا أولًا.

هتف سعيد ابن الشيخ مسعود بتلك الكلمات بصوت مرتفع في حضور والده، الذي تأمل وجهه في عتاب جعله ينتبه لتصرفه غير اللائق، لصراخه بليلى وفي حضور والده، فأطرق رأسه أرضًا واستطرد بصوت هاديء

سعيد: عذرًا يا أبي، لقد انفعلت رغمًا عني حينما سمعت تلك القصة خوفًا على ليلى، فأنت تعلم أن جن المقابر هم أخطر أنواع الجن، كما أن ما قصته ليلى علينا من تطور تلك الحالة يعني أنها واقعة في حالة استحواذ كامل من الجن، ولا أدري إن كانت ليلى قد بلغت من الخبرة ما يكفي للدخول في مواجهة مع صنف خطر من الجن مثل هذه الحالة، التي يتخذ فيها الاستحواذ صورًا مادية بهذا الشكل الفج، مثل إيذاء المعالجين والتسبب في مقتلهم وأكل اللحوم النيئة والتعلق بالأسقف، أعتقد أن الأمر قد تجاوزت خطورته ما اعتدنا عليه من تلبس جني عاشق أو جني موكل بسحر أو حسد نستطيع طرده من جسد المصاب.

ليلى: إذا فكرنا بهذه الطريقة فلن نعالج أحدًا يا أخي، في كل حالة نتولى علاجها يكون توكلنا واعتمادنا على الله وليس على مهاراتنا أو قوة مساعدينا من العمار، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ}، إن الله تعالى خلق الداء وخلق الدواء، وجل ما فعلته أنني أحسنت الظن بالله، لقد كان من الممكن أن أكون أنا في موضع تلك الفتاة، (لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، لقد رأيت في السنوات السابقة ما يجريه الله على يدينا من معجزات ليس إلا لأننا نقدم العون للمحتاج دون انتظار أجر أو منفعة، لقد توكلت على ربي وأنا على يقين أن ربي لن يخذلني أبدًا، وحتى لو أصابني ضرر ما فذلك بأمره ومشيئته وذلك يكفيني.
الشيخ مسعود: أحسنتِ القول يا بنيتي، ولكن هذا لا يمنع من اتخاذ الحيطة والحذر وعدم إلقاء أنفسنا إلى التهلكة، سأمنحك مساعدة اثنين من خيرة جنود العمار الذين قدّموا لي الميثاق، وعاهدوني على الموت في سبيل الله ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، رعاك الله وحماك يا بنيتي وأعانك على ما أنتِ مقدمة عليه.

سعيد: ائذن لي يا أبي في مساعدة ليلى في علاج تلك الحالة بعد أن أستأذن والديها.
الشيخ مسعود: لك ذلك يا ولدي.

ترى هل ستستطيع ليلى مواجهة العشيرة؟!
أم ستسقط ضحية أمام جن المقابر؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي