الفصل الثالث

عاد ثلاثتهم إلى المنزل، رأوهما الجيران مع هذا الغريب، فتجمعوا حولهما ليروا ماذا هناك، فشهد تستند إلى والدتها، وآثار المرض بادية على وجهها، حينها أحس "ليث" أن لا جدوى من وجوده، وغادر وسط الزحام.

كان اليوم بطىء، يبعث على الملل بصورة خانقه، ولكن التسلية الوحيدة التى حظت بها "شهد" هى تصرفات "ساره" والتى بدت مختلفة تماماً منذ أتت لها بالصباح، ترتدى أفضل ثيابها تتعطر بعطرها الذى تستخدمه للحفلات، عطر ثقيل مزعج، تمنع "شهد" نفسها بصعوبة من إخراج كل ما بجوفها بسبب رائحته.

لكنها لا تستطيع إخبار صديقتها بذلك، فساره لا تتقبل النقد أبداً، وشهد لا تريد خسارتها، وتتزين بحُلاها المزخرفه، وفوق كل هذا تضع على وجهها كل أنواع الألوان، لقد بدت كالمهرج، لكن "شهد" لم ترضى لها هذه المهانة مع عائلة والدها، فحذرت "ساره" بروية علها تستوعب، ولكن كما توقعت، بدت ساخطة.

تتفوه بالحماقات التى لا فائدة منها، حتى أتى أحد الضيوف، وعلق بكلمات ساخرة حول "ساره" ولاحظت حينها أن الشخص التالى يهزأ منها، فأسرعت تختبأ بغرفة "شهد" وتطلب عونها، حين ساعدتها فى تخيف ة زينتها المبالغ بها.

كانت ملتصقة طوال اليوم بزياد، ولكنه بدى غير مهتم، ومغرور أحمق، يظن أنه من الطبيعى أن تعجب به الفتيات، لذا حين لاحظ بوضوح أن "شهد" لا تعييره أدنى إهتمام، بدأ يتخلص من تلك اللزجة الملتصقة به، ويوجه إهتمامه بمن تنفر منه، فهو لن يقبل أن ترفضه فتاة، او حتى تفكر بالأمر، لذا وجد الامر تحدي له.

مر الوقت من حولها وهى لا تدرى به، يوم طويل بلا جدوى، زيارات متوالية من سكان القرية يدعون القلق عليها، وحتى زيارة صديقتها لم تكن لها أى أثر فى نفسها، فعقلها غائم فى نظرات ذاك الغريب، الذى حتى لم تعلم من يكون ، وحين سألت والدتها بأول فرصة، تفاجأت بها تخبرها أنها لا تعلم، ولا تذكره، فقد إلتقفت أول من صادفها بالطريق ليساعدها

فتأففت "شهد" بإنزعاج، ومازاد إنزعاجها، هو أن ذاك الزياد وباقى العائلة سيأتون لزيارتها بالغد، ولاحظت سعادة صديقتها بهذا الخبر، وبعد أن كانت لا ترغب بأن تأتى بالغد لأجلها، متزرعة بأعمالها المنزليه، وأن إبن عمها عاد من سفره من عدة أيام، ووصل لتوه لزيارتهم، وينتوى المكوث لفتره، فأسرته تدبر أمر زيجته.

قررت فجأه أن تقضى اليوم بأكمله معها، ولكن "شهد" لم تفكر بالأمر طويلاً، فقد كانت منهكة بما يكفى، وها قد مر اليوم بإزعاجه أخيراً حتى غشى الليل أرجاء القرية، وخيم الظلام كل ركن وزواية بها، وإستيقظت النجوم يصاحبها القمر لتنير السماء، مختلطة بأضواء أعمدة الإنارة التى تضىء الشوارع.

وإختفت أصوات الطيور، والحيوانات النهاريه، حل السكون، يتخلله نقيق الضفادع، وصرير حشرات الليل، ونسيم الليل البارد يتسلل من بين ثنايا النافذة، يعيد إلى " شهد" وعيها ويجبرها على العودة إلى فراشها، تستجدى الدفء.

كان يوماً مزعجاً كما توقعت، فزياد سمج مزعج كباقى عائلة والدها، ولكن صديقتها الحمقاء تضحك ببلاهة على نكاته السخيفه، وتتصنع أى فرصه لكى تلفت إنتباهه، حتى أنها نسيت أنها من المفترض أنها أتت لزيارتها، ولم تقتنع "شهد" ببسمات والدته المتصنعه، ولطافتها الماكره، وأزعجها أكثر سعادة والدتها بتواجدهم.

تنهدت "شهد" بضيق لما فعلته بنفسها، فهى لم تنصت لصوت العقل يوم عودتها إلى القرية، لو لم تتحامق، لما عاقبتها والدتها، ولما أصبحت طريحة الفراش، تستمع لسخافات أُناس تمقت وجودهم!

شردت تتذكر ما حدث، وتنهر نفسها لعدم إنصاتها لساره، وثقتها القوية في عدم معرفة والدتها بالحقيقه.

- إرحمنى يا إلهى، هيا بنا من هنا، فوالدتك مؤكد أنهت تحضير الطعام.

- لازال الطريق طويلاً! لايمكنني أن أسير خطوة أخرى دون أن آكل، لم أتناول شيئاً منذ الصباح.

تهدج صوتها بتأثر: أوه يا عزيزتى، وتتحملين طوال هذا الوقت.

- هل تسخرين منى؟

- بالطبع لا، أنتِ تعلمين جيداً، أننى حين يتعلق الحديث بالطعام لا أمزح.

صرت أسنانها بغيظ: نعم أعلم، أتعلمين أنتِ ما يغيظنى؟ كيف لكِ أن تأكلى كل هذا الطعام، ولا تسمنين أبداً.

رفعت كفها ودفعته فى وجه "ساره": قل أعوذ برب الفلق، عيناكِ الحاقدة تلك ستدمر شهيتى للطعام.

كانت تمازحها ولا تعلم أنها بالفعل تحقد عليها، حتى حين علقت على كلماتها بسخريه.

- لا أعتقد أن هناك شىء قد يدمر شهيتكِ الكبيره.

- يا إلهى، أنتِ مزعجه بحق.

- كفى عن التنمر، وهيا لنسرع إلى منزلي، وهناك يمكنك الإتصال بوالدتك لتخبريها بتأخركِ عندي.

- هل تمزحين؟! بالطبع لن أفعل هذا!

- لماذا؟!

- والدتي لن توافق مطلقاً، بل وستغضب علي قائله.

 حاولت تقليد صوت والدتها، وحركتها، وهى تتابع حديثهما: هل صديقتكِ أهم من والدتكِ، أتسافرين طوال هذا الوقت، وحينما تعودين تذهبين إلى صديقتك تتسامران بدلاً من تأتى لرؤيتى أيتها الجاحده!

 قهقهت " ساره" بمرح حقيقى، ثم أومأت لها مؤكدة: لديها ألف حق.

- أتعلمين لن أخبرها بشىء، هى تعلم أننى سأعود اليوم، لكنها لا تعلم متى تحديداً، سآتى معك نتناول الطعام، ونقص الحكايا كما نريد، وتخبرينى عن كل ما حدث معكِ منذ تركتكِ وحتى الآن، ومن ثم سأذهب إلى المنزل، ولن تدرى والدتى بشىء.

 - حسنا، وأنتِ أيضاً ستخبرينى بكل ما مررتِ به منذ سفركِ وحتى هذه اللحظه.

 - حسنا هيا، فالطعام سيبرد.

- هيا أيتها الشرهه.

مر الوقت سريعاً بين الطعام والحديث حتى آذان المغرب، فحثتها "ساره" على المغادره، فظلام الليل بدأ يغمر القريه، ووالدتها قد تقتل كلاهما إذا ما علمت أن " شهد" بالقرية منذ الظهيرة، ولم تذهب مباشرةً إلى المنزل، وكانت قلقة بالفعل، فوالدة " شهد" ثورتها مخيفة بحق.

رغم أن "ساره" أكدت على والدتها ألا تخبر والدة" شهد" لكنها لازالت قلقه، لكن " شهد" لم تكن تبدو حتى أنها مهتمه.

إستأذنتا من والدة" ساره" فأكدت على إبنتها ألا تتأخر فالليل على الأبواب، فأجابتها بتأكيد.

- حسنا أمي.

ودعتاها، وغادرتا يسيران سوياً حتى وصلتا إلى منزل " شهد" ولكن حين وصلتا كان باب المنزل شبه مفتوح، فتسلل القلق إلى قلب " شهد" فدفعت الباب بحذر ودلفت إلى الداخل وتبعتها " ساره" تتسلل ببطأ، ولم تجدا أحداً ببهو المنزل

أفاقها من شرودها حمحمة صادرة من والدتها تنبهها بأن "والدة زياد" تحدثها.

لم يعبأ "زياد" بمحاولات "ساره" لجعله ينتبه بها، فكل ما كان يجول بذهن " زياد" هو كيفية جعل "شهد" تهتم به ككافة الفتيات، نعم كان وسيماً بصوره مزعجه، ولكن "شهد" لم ترى وسامته، بل رأت غروره، وأنانيته، خلاف ذاك الغريب الذى تحيط به هالة غامضه.

تدفعها إلى الإنجذاب إليه كما الفراشة إلى اللهب، وإن كانت منزعجة من "زياد" فيما سبق، فبعد رؤيتها لهذا الغريب، أصبحت ترى "زياد" كصبى مدلل إعتاد أن يحصل على أى لعبة يريدها حتى ولو لم تكن له، أو لا تناسبه، وبالفعل كانت تلك حقيقته المجرده، شاب آخر، مدلل، متفاخر.

لا يهتم بأى شىء فى الحياة سوى نفسه، وفقط، لكن يبدو أن صديقتها لا ترى به عيباً مطلقاً.

بينما كان " ليث" فى منزل عمه، يتعامل بينهم كصيف غريب لا رغبة لهم بوحوده، رغم حفاوة إستقبال عمه له، حتى أنبهته زوجته المزعجة بالكارثة التى نسى أمرها، ولما لا وهى من تدير دفة حياته فلم يعد يدرى بأى سبيل يسير.

ألقت زوجة عمه عليه تحية الصباح، فإبتسم لها بتقضيبة خفيفة، أصبحت تلازمه منذ وصل إلى هنا، ووجدها تنظر نحوه متعجبه حين فتحت باب منزلها لترى من يطرق بابها فى هذا الوقت المبكر، فهى لم تعرفه، ولا عتاب عليها فى هذا، فقد مرت سنوات طويله لم تراه فيها.

ولكنها حين إنتبهت إلى ثيابه، وسيارته الفارهة التى تقطن أمام منزلها، إشرأب  وجهها، ورحبت به دون أن تعلم من يكون، وكذلك إستقبلته ساره بحفاوة بالغه، فبدأ يتأملها قليلاً، فقد تغيرت كثيراً، ولكن يبدو أن والدتها إنتبهت إلى شروده بوجه "ساره" وظنته معجباً بها.

وبدلاً من أن تثور عليه لذلك، أسعدها الأمر، ولكى لا تتمادى ف تخيولاتها، أخبرها بصورة مباشره من يكون، وحين ذكر إسمه، إكفهر وجهها هى وإبنتها بصورة بغيضه، جعلته يعلم بأن "ساره" تبلورت بشخصية والدتها، ولم تعد تلك الفتاة اللطيفة المشاغبه.

لم يكن ليبالى بمكانته الآن لو كان وجدها على عهدها القديم معه، ومازحته بطفوليتها التى عهدها منها فى السابق، وسيسايرها بمچاكرتها تلك، ولكن كل هذا تبخر الآن بكل أسف، لقد أتى؛ لستعيد مرحه السابق معها، ويستعيد بسمته الضائعه، ولكن بكل أسف لم يعد هناك ما يجده معها.

ولكنه سيظل بمنزل عمه، فوالديه سيلحقان به كما أنه لم يرى عمه بعد، فحين سأل عنه، قيل أنه بالعمل، ولم يفهم أى عمل هذا الآن، وقد تخطى سن المعاش بعدة سنوات! وتوقع أنه يعمل ليكفى حاجيات تلك الفيلة المدعوة بزوجته، وإبنتها التى أصبحت صورة مصغرةً منها.

لم تعرض عليه أى منهما أن يظل، لذا إستعاد وجهه الآخر، وشحصيته الرزينة التى لا يعرفانها، وأخبرهما ببرود أنه أتى؛ ليظل، وأن والديه سيلحقان به، ولكن أولاً ليخبرهما أن عنوان مسكن عمه قد تغير تماماً، ومن ثم جالت عيناه فى أرجاء المنزل الصغير المزين بكرم أكثر من زائد.

-بالطبع- فالمنزل القديم رغم بساطته، لكنه كان كبيراً، ومساحته واسعه، لذا لابد وأن ثمنه كان ثروة صغيره؛ لتشترى تلك الزوجة الطامعه هذا المسكن الصغير الذى منذ دخله، وقد أدرك أنه تم تجهيزه بصورة مبالغة بها، واستقرت عيناه على يديها التى تلمعان بالذهب.

ثم رفع عيناه ليرى شحوب وجهها، بعد أن علمت أن المواجهة الحتمية أتت، لقد إستغلت عدم زيارة "والد ليث" إلى القرية لسنوات، واقنعت زوجها ببيع المنزل، واخذ المال لنفسه دون إخطار أخاه، أو الإهتمام حتى برأيه، كل ما إهتم به هو أخذ المال، والركض لتبذيره؛ لأجل سعادة زوجته التى لا تهتم سوى بالمال.

لم يقل"ليث" شيئاً واضحاً، لكنه فقط تلاعب بالألفاظ؛ ليرعبهما، فهو لم يعجبه أبداً، طريقة إستقبالهما له، ولا تفكيرهما المادي، وبهدوء سألهما عن أى غرفة سيمكث بها، فأشارت زوجة عمه إلى غرفة خصصتها للضيوف، وكم كانت كريمة جداً فى الإسراف عليها؛ لتبدو من أثرياء القوم.

حين رأى الغرفة، تذكر كلمات المالك الحالى لمنزل عائلته القديم عن سبب بيع المنزل، فعلى ما يبدو أنه كان محقاً، لقد أنفقت زوجة عمه مال لا يخصها من بيعة لا تمتلكها؛ لأجل الرغبة فى زيجة ثرية لإبنتها المصون، وكم أحس بالإختناق من كثرة الزينة فى هذا المكان الذى يؤكد ردائة ذوق صاحبته.

فبساطة الشىء تزيد من جماله، والبهرجة الزائده تدمره، وحينها تذكر تلك الفتاة المريضه، فخفت تقضيبته، وأومأ بصمت، فتركته زوجة عمه، واغلقت الباب خلفها، ولو ظنت أن صوتها كان منخفضاً، فهى حتماً مخطئه، فلقد أخذت إبنتها إلى أبعد ركن بالمنزل.

وبدأت تدور كالذبابة الحائرة خلف باب زجاجى موصد، لا تنفك تصطدم به، وهى لا تعلم كيف تتصرف بتلك النكبة التى حلت فوق رأسها، لقد إنتقلت هنا بعد أن أجبرت زوجها على بيع المنزل؛ لأن الجميع هنا لا يعلم عن خلفيتهم الفقيره، وحتماً ثرائها وبزخها فى منزلها سيجذب الرجال الأثرياء لإبنتها.

ولم تعلم أنها مخطئة تماماً بظنها هذا، وبدأت تهتف بسخط عن حظها العاثر لظهور "ليث" واسرته الآن، وكانت أكثر من غاضبه لعودتهم مجدداً، فقد ظنت أنهم ما داموا أصبحوا أثرياء، لن يعودوا مجدداً، ولم ينصت أكثر، بل إبتسم بإستهزاء من طريقة تفكيرها التى لم، ولن تتغير.

ومن ثم تذكر حقيبته، فخرج من الغرفة، حينها عم الصمت، وابتلعت زوجة عمه كلماتها الحمقاء، وظلت تتابعه يتحرك بخفة كالملك فى منزلها حتى خرج، فنظرت إلى إبنتها متعجبه، وما إن إنتوت أن تلحق به، وتغلق الباب خلفه عله غير رأيه، وسيرحل، فليس هناك أى فائدة لها من وجوده، بل على العكس تماماً.

وجدته عائداً يحمل حقيبته، ومر من أمامها، وكأنه لا يراها، فإزداد غيظها أكثر، إنه لا ينوى أن يظل فقط،  بل لقد قرر بالفعل المكوث لوقت ليس بقريب، فالحقيبة كبيره، ثم نظرت بفضول خلفه عله أتى بالهدايا لهم، لكنه أغلق الباب خلفه.

وما إن فتح حقيبته حتى نظر بإنزعاج إلى الهدايا التى كان قد أحضرها، إنهما لا يستحقانها على كل حال أبعدها، واخرج ثيابه البيتيه، وبعد أن غيرها، ألقى بجسده المنهك على الفراش، ولكن الفراش كان غير مريحاً مطلقاً، وبعد معاناة تافف من خشونة المفارش المطرزة التى تلامس ذراعيه.

فنهض بنفاذ صبر، وجذب كل تلك المفارش بحدة، وألقاها على الأرض لينام هانىء البال، ومنذ تلك اللحظة وحتى الآن، وهو يتعامل معهم ببرود، وهدوء، ويلقى بين الحين والآخر تعليقات موبخة تزعجهم.

بينما كانت "ساره" ساخطة كوالدتها، وارادت أن تنفث عن غضبها، فذهبت لزيارة "شهد" لترى ماذا حل بها، فلم تزرها بالأمس؛ لكى لا تمنع "شهد" من أن تنال عقابها، ولكى لا تُسمعها "والدة شهد " حديثاً لاذعاً، ولكنها تفاجأت بتوافد الجيران إلى منزل "شهد" وسمعت حديث البعض منهم عن مرض "شهد".

وقد ظنت بسعادة أنه ليس مرضاً، وان والدتها قد هشمت عظامها، وتخفى الأمر بإدعاء المرض، ولكنها صُعِقت حين وجدت شهد تنال الرعاية بسخاء، وقلق والدتها حقيقى، تحسدها عليه، فوالدة ساره غليظة القلب، ولولا أنها ترغب بالتفاخر، والاستفادة من زيجتها، لما إهتمت بتزويجها  من شاب جيد.

ولم تكن لترغب مطلقاً بالتواجد بجوارها فى مرضها، لكن حين علمت "ساره" أن "زياد" سيأتى فى الغد لزيرة صديقتها، تهلل وجهها، وتناست كل حججها، واتت باليوم التالى مزخرفة بكل ما تملك من زينة، وقد ظنت أنها رائعة الجمال حتى خيل لها خيالها الأحمق، أن "شهد" غارت منها.

وارادتها أن تخفف من زينتها، ولم تدرك خطأ ظنها إلا من نظرات، وتعليقات من أتوا لزيارة "شهد" فأسرعت بطلب مساعدة شهد حتى لا يرى "زياد" هيئتها تلك، وها هى تجاهد منذ أتت أن تثير إهتمامه بلا جدوى، ولكن تلك ليست هى مشكلتها الآن.

المشكلة أن "زياد" يحاول إثارة إهتمام "شهد" التى لا تواليه أى إهتمام، فأى قوة خفية تجذب هؤلاء الشباب إلى "شهد" تريد أن تعلم؛ لتفعل مثلها، وظلت طيلة المساء، تجاهد بتلميحاتها عن كون الليل مخيف، والوقت متأخر، وهى ترغب فى العودة إلى المنزل، ولكنها خائفة، ولكن زياد لم يأبه بها.

فلاحظت "شهد" يأس صديقتها، فطلبت من "زياد" إيصال صديقتها، فوافق بإنزعاج واضح، ولكن ما إن فتح "زياد" الباب حتى تفاجىء بمن يمد يده؛ ليدق جرس الباب، فسأله متعجباً من يكون، وكأنه يعلم كل من يأتى إلى هذا المنزل، أو كأنه صاحب المنزل، وعند هذا التفكير إنزعجت "شهد".

فدفعت "ساره" بلطف من أمامها؛ لترى من القادم، حينها تجمدت بأرضها حين وجدت أنه نفسه الغريب الذى ساعد والدتها، فسألته بصوت حاولت قدر المستطاع أن يخرج ثابتاً.

-من تريد؟

ظل ثابتاً، لم يتفاجىء مطلقاً لرؤيتها، فحين أتت إليه زوجة عمه؛ ليأتى بإبنتها من منزل صديقتها، وسألها عن العنوان، وبدأ يسال الماره أحس أن الطريق مألوف لديه، وحين وجد نفسه مجدداً أمام منزل تلك المريضة الغريبه، تمنى لو يراها، لذا لم يتفاجىء لكن قلبه أحس بالسعادة؛ لرؤيتها.

حمحم بخشونة عله يستعيد إتزانه، ويمنع رغبته القوية فى التهليل بحماس لرؤيته لها، وظهرت "ساره" من خلفها تنظر له بغضب، وتهتف به منزعجه.

-ما الذى أتى بك إلى هنا؟!

تبدلت نظراته الهائمه لأخرى ساخره حين أجابها: أتيت لأصطحبك يا إبنة العم، فقد تجاوزت الساعة العاشره، ووالدتك تخشى عليكى الذئاب البشرية الموجودة بعقلها فقط.

نظرت "شهد" نحوها متفاجئة: هل هذا هو إبن عمكِ؟!

أومأت مؤكده لها بضيق: أجل، هو.

لقد ظلت  "ساره" طوال الصباح تنخر رأس ،"شهد" عن سماجة إبن عمها، وإنزعاجها من وجوده، وأنها غيرت رأيها بشأن زيارتها لها اليوم؛ لتتخلص فقط من صحبته، وتسائلت " شهد" بينها وبين نفسها، هل صديقتها تلك بلا عقل، هل تهين هذا، وتهيم بزياد!أتت "والدة شهد" لترى من أتى.

وحين راته تذكرته فوراً، فرحبت به بحفاوة، فاجئت كلا "ساره وزياد" الذى لم يلقى تلك الحفاوة، نعم هى تسعد لقدومه، ولكن ليس إلى هذا الحد، فازداد الفضول بنفس "ساره" كذلك "زياد" حول ما يحدث فسألت "ساره".

- من أين تعرفون بعضكم؟!

أجابتها "والدة شهد" بإمتنان: لقد أنقذنى ذاك الشاب الشهم، ليلة مرض شهد -يا إلهى- لا أستطيع التفكير حتى بما كان سيصبح عليه الحال لو لم أجده مصادفةً تلك الليله.

نظرت "ساره" إلى "ليث" متفاجئه: هل تعنى أنك كنت هنا منذ الليل؟!

أجابها بلا مبالاه: أجل.

فسألته متعجبه: ولما لم تخبرنا بشىء؟!

زوى جانب فمه ساخراً: ولما سأخبرك؟

كان ضجره منها، وغضبها يوحى بأشياء أزعجت نفس "شهد" وبدى عليها بوضوح، مما ضايق "زياد" لكنه أسعد "ساره" التى لمعت عيناها بخبث لم ينتبه إليه أحد، فقد واتتها فكرة ستخلصها من كافة المتاعب دفعة واحده.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي