الفصل الرابع

لم تكن تدرى "والدة شهد" كيف تكافئ "ليث" وهو رفض أى من محاولاتها فى رد جميله، وكم أراد أن يستمر الليل إلى الأبد، يختلس به نظرات نحو "شهد" ولكن ذلك السمج الذى لم يعلم من يكون هو حتى، فحين وصفت له "والدة شهد" قرابته إليهم، وجدها معقده يصعب فهمها، وعلى كل هو لم يرتاح له مطلقاً.

لكن ما أزعجه بحق هى تلك الفتاة السمجة أخته، فقد كانت تتعمد الإلتصاق به، وتوجه له أغلب حديثها، لم يعجبه دلالها، ولم يرتاح لتصرفاتها، ونفر من نظراتها، وملابسها التي تبدي أكثر مما تخفي، وظنها الأحمق بأنها لا تقاوم، جعلها كالبلهاء في نظره.

كما لاحظ إهتمام "ساره" بزياد، حسنا هو لا يهتم، بل يراهما يليقان ببعض.
بعد قليل سألته "والدة شهد" عن نفسه فأخبرها عن  مرض والده منذ أربعة أعوام مضت، ولكنه لم يخبر عمه، لأنه لم يكن يريد إزعاجه، لكن هل كان عمه حقاً سيهتم؟! على ما يبدو الآن، فالحواب هو لا.

وقد ترك "ليث" دراسته؛ ليتابع أعمال والده حتى شُفى والده، لكن الطبيب منع عن والده أى إنزعاج، وهذا يعنى منع العمل عنه، فاصبحت الأعمال كلها فوق كتفي "ليث" وقد كان جديراً بها، ولكنه لم يسلم من النفوس الطامعه التى حاولت الإلتفاف حوله، وتعلم الكثير بتلك السنوات القليلة.

لقد تغيرت شخصيته تماماً، من ذاك الفتى المرح لهذا الرجل الجاد، وبعد أن إستقرت الأعمال، وأصبح وضع والده يسمح له بمتابعة عمله الذى إزدهر أكثر بوجود "ليث" قرر "ليث" السفر لإنهاء سنته الدراسية الأخيره التى أجلها؛ لأجل والده، وبعد التخرج قرر أن يستعيد مرحه بالعودة إلى منشأ طفولته.

ولكن هل كان محقاً، هو الآن لم يعد متأكداً.
لم تتاثر "ساره" مطلقاً بما يقول، مما أثار تعجب "شهد" وسألتها إن كانت تعلم بقصة مرض عمها، فهى لم تأتى لها على ذكرها مطلقاً، فأجابتها لا مبالية، بأنها لم تكن تعلم سوى الآن فقط، فلم تعقب شهد.

ونظرت إلى والدتها التى أخبرتها نظراتها ألا تتمادى فى الإستفسار الآن، فأومأت لها "شهد" بصمت، فتدخل "زياد" يستفسر أكثر عن عمل "والد ليث" وحين أدرك من يكون، فإسمه غني عن التعريف، ومكانته الكبيرة بالمجتمع، تدفع زياد، وغيره؛ للتقرب من "ليث".

كذلك الحال مع "سوزان" التي بعد ان كانت مجرد معجبة بجاذبيته، أصبحت تضعه هدفاً نصب عينيها، فحاولت بإستماته  جذبه نحوها، ولم تخجل مطلقاً مما تقوله، أو تفعله، وأخاها يجلس بلا كرامة يتابعها بضجر.

بينما كانت "شهد" تنظر إليهم بضجر، فلا دنيا الأعمال تستهويها، ولا هى تعلم من تكون تلك الشخصيات التى يتحدثون عنها، لكن من الأكيد أن "زياد" تغير بلحظة واحده إلى النقيض فى سلوكه مع "ليث" كذلك مع "ساره" الذى إبتسم لها لأول مره منذ رأى وجهها.

إنتهت السهرة، وغادر الجميع، وخيم الهدوء أخيراً فى المنزل، فجلست "شهد" بغرفتها تتابع من نافذة الغرفه، أضواء النجوم البعيدة فى السماء، وكأن السماء ترتدى ثوباً يتلألأ بضوء القمر، تستعيد ملامح وجهه، ونغمة صوته، وتبتسم تاره حين تستطيع إستجماع هيئته فى ذهنها.

وتعبس تارة أخرى حين تتذكر ظنها عنه مع صديقتها، فهى لا تعلم طبيعة علاقتهما، وعند تذكر ذلك الظن، قررت ألا تسير خلف شعورها تجاهه، واذا ما صادفته مجدداً قبل أن يغادر القرية لن تعطيه أدنى فرصه  للحديث معها بأى أمر أى إن كان.

ولن تسمح لنظراته بتقييد لسانها، ومنعها من ما تنتويه، وأكدت على نفسها ألا تسمح لقلبها بأن يهواه، لن تسمح لنفسها أن تكن سبباً في ألم صديقتها، رغم غرابة تصرفاتها، فمن أين لها أن تعجب بزياد، وهى مرتبطة بآخر، أم تراه سوء ظن وقع بينهما، وهذا الظن ما رجحت أنه ما قد حدث.

فلا فكرة أخرى قد تخطر برأسها سوى هذا، فصديقتها ليست عابثه

لقد أحبت "سوزان" شاب من القرية ولكن والدته لم ترغب بها، فهى ليست حمقاء؛ لأنها تعلم أن " سوزان" ستستأثر به لنفسها، وتبعده عنها، كما والدتها ماكرة حقود كإبنتها تماماً، بجانب انها ترغب بماله لا أكثر، لكن إبنة  مثال الزوجة التى ترغب بها لإبنها.

تقربت والدة الشاب من والدة جارتها كما أن الشاب نفسه ليس أعمى، فالأخرى تستحق بالفعل أن ينجذب إليها،  ولهذا كانت "سوزان" تحث جارتها على النفور منه ومن عائلته، وما كان يساعدها على هذا أن جارتها نفسها لا تريد الزواج من هذه القريه مطلقاً.

ولكن حين رفضته جارتها لم يأتى إليها، بل زوجته والدته من إحدى قريباتها البعيدات.

لقد فقدت "سوزان " الشاب نعم، ولكن فى المحيط كثير من الأسماك، وهى لا ترغب مطلقاً بأن تجعل أحد يتشفى بها لفشلها فى الحصول عليه، وستفوز بمن أفضل منه، ليس عشقاً له ، بل غروراً منها.
وها قد وجدت ضالتها بليث.

فهو افضل من اى شاب قد التقطه من قبل، وتستطيع ان تتفاخر به كما تريد، ولكنه لا يواليها اى اهتمام، لكنها لن تيأس، سوف تلاحقه حتى تتمكن منه

ظلت "ساره " صامته طوال الطريق، وهو لم يعقب بشىء، وحين وصلا إلى المنزل دخل إلى غرفته، يحاول أن يجد حلاً لإضطراب قلبه، ورغبته الجامحة فى العودة ركضاً إلى تلك الفتاة، وتسائل متعجباً، كيف تكون ملاكاً هكذا، وهى صديقة لإبنة عمه المزعجه.

بينما إنفردت"ساره " بوالدتها، وهى تبتسم بإنتصار، فظنت والدتها أنها أوقعت بالشاب، وسيأتى لطلب خطبتها عما قريب، ولكنها حين سألتها، أجابت بإمتعاض.

-لا لم يسقط بعد، ولكنى وجدت الحل أخيراً، الحل سيخلصنا من كل العوائق.

زوت والدتها جانب فمها بسخريه: أى عوائق هذه أيتها البلهاء!

قضبت جبينها منزعجه: لا توبخيننى، حسنا، أنتِ ستستفيدين من الأمر جيداً.

-بدأت أضجر حقا.

-أنصتى فقط، اليوم لاحظت إهتمام ليث بشهد.

لم يبدو على والدتها أى إهتمام، فتابعت بخبث: ولاحظت إهتمامها أيضاً به.

إعتدلت والدتها سريعاً، وبدأت تنصت بإهتمام، فتابعت ساره  بسعاده.

-لما لا نوفقهما سوياً، فيصبح الطريق إلى " خالياً" وخاصة وانه بدأ يهتم بالفعل، كما أن ليث لن يزعجنا بسبب المال لأجلها، فهى تعتبرنى أختاً لها، ولن تقبل أن أتأذى.

-نعم ويظل مالى لى، هل تعلمين الآن فقط أصبحتِ إبنة أمكِ.

وقهقتا بسعادة، وإرتياح، ولم يكونا يدريا بأن هناك خبايا لا يعلماها، فبالصباح أتى إتصال من "والدة ليث" تسأله عن رأيه فى عروسه، ولم يفهم مقصدها، فأخبرته عن إختيارها لزوجته المستقبليه، وأنها تسكن بالقرية، ولهذا أرسلته إلى هناك.

فقد أرسلت خطاباً إلى زوجة عمه تخبرها فيه بكل شىء ولكنها لم تكن تعلم أن الاخرى لم تستلمه مطلقاً، فظن هو أن والدته تعلم ببيعة عمه لمنزل العائلة القديم، ولم تخبره لكى لا ينزعج، فقد كان يحب هذا المنزل، وقد ألمحت والدته أن الفتاة صديقة ساره .

حسنا لو كانت كذلك، فواحدة فقط من يفكر بها، ولهذا فقط وافق والدته على خطتها لأول مره، فقد  أسعده إختيار والدته الموفق لأول مره، وشرد يتذكر  ملامح وجه "شهد" البرئ، وجمالها الذى لم يرى له مثيل، ودون أى مجهود يذكر جعلته أسيرها الذى كان دوماً ضد النساء، والزواج.

كأنه محصن ضدهم، رغم إستمتاعه بصحبتهن، فقد حطمت قلبه إحداهن ذات يوم بلا رحمه، فماذا حل به منذ إلتقى بها؟! هل سحرته تلك الصغيرة، أم ماذا؟!  بدأ يحسن معاملة عمه وأسرته، لظنه أنه قد ظلمهم، وأن والديه يعلمان بشأن بيعة المنزل، كذلك بدأت محاولات "ساره " فى جمعه مع صديقتها.

مما أكد له ظنونه، ولكن الفتاة كانت تختلق الأسباب لتبتعد عنه، مما أثار حنقه، فعيناها تخبره الكثير، ولكن لسانها يبخل عليه بالقليل، كما أنها تغيرت معه بلا سبب منطقى، فقد كانت ودودة معه، فماذا حدث بين ليلة وضحاها؟! لكنه لن ييأس مطلقاً، وقد حاول التقرب إليها بشتى الطرق.

لكن دوماً ما كان يتحول الأمر إلى شجار بينهما بلا معنى، وكأنها تنتظر أن يتفوه بكلمة ؛ لتتصيد له الاخطاء، فتتعارك معه! ورغم أن عيناها كانت اسيرته لكن لسانها كان يرشقه بسهام الكلمات اللاذعة دوماً، لا تترك له مجالاً للتفوق عليها، وقد أحيت بنفسه الطفل المشاغب الذى كان عليه ذات يوماً بصباه.

حتى أنه أصبح يناديها بأسماء الحيوانات؛ ليكيدها، فهى تتوهج حين تغضب، فتزداد جمالاً، وهو يستمتع حقاً برؤيتها على تلك الصوره، وكم أمتعه تواجده هنا، ولكن رغم شجارهما، كانت هناك لحظات لا تستطيع إخفاء عشقها عنه، وحين واجهها ذات مره أدرك سوء ظنها، فقهقه بمرح، وأوضح لها خطأ ظنها.

فلانت ملامحها، وخف الشجار، لكنهما لم ينتبها لنظرات "سوزان" التي اصبحت تراقبهما عن قرب، وتأتي لزيارة السيدة "فاطمه" بحجج واهيه، لتتقرب من "ساره" من خلال "شهد" فتصل إليه، إنها حقا حمقاء، فدروبها الملتوية نهايتها مغلقه.

لاحظت ما يحدث بين "ليث وشهد" وقررت بخبث أن تنهي ما بينهما، فلن تسمح لفتاة بسيطة أخرى أن تأخذ منها صيدها الثمين، ولاحظت أن "ساره" ليست محبة لشهد كما تدعي، وترغب بزياد، لذا قررت الإستفادة من الأمر، وبدأت تفكر بخطة؛ لتصل إلى هدفها.

  فى مساء أحد الأيام، قرأ خبراً أزعجه يشده، لا لأن الخبر عمن طعنت فؤاده سابقاً، ولا لأنه عن خبر زواجها من آخر.

لكنه أعاد إليه ذكريات سيئه، فقد تذكر تفاصيل قصته معها، فقد تعرف إليها بأحد المقاهى التى يتوافد عليها، وكان إعجابهما متبادل، ولكن والديه لم يرتاحا لها، فتعجب من هذا، فقد كانت مناسبة تماماً له، نفس مستواه الإجتماعى، والمادى، الفتاة التى تناسبه بين أفراد مجتمعه المخملى.

لكنه منعاً لشجار لا طائل منه، قرر تأجيل أمر خطيته لها، ولم يخبرها بأى من هذا، وقد ظنته لم يسقط فى شباكها بعد، لذا بدأت فى وضع خطتها

لم يرى "ليث" وجهها الآخر يوماً، ولكن بدأ الأمر تدريجياً، وقد بدأ ذاك اليوم حين إصطحبها معها لزيارة أخته التى منذ تزوجت بزميلها الجامعى، بعد شجار عنيف بينها وبين والديهما؛ لرفضهما لهذا الشاب، لا لفقره كما ظن، وكما أوحى لها حتى صدقته، ولا لتندى مستواه الإجتماعى.

ولكن الشاب بكل بساطه لا يستطيع بأى حال من الأحوال الإنفاق عليها، لقد ظلت مدللة طوال حياتها، حتى حين كانوا فى وضع مالى أقل من هذا، كما انه لديه أفكار سيئه تخص كل من لديه مال، فهو يراهم جميعاً وحوشاً تمتص دماء الأقل منهم قدراً، رغم معرفته أنهم ليسوا أثرياء بالوراثه.

فلقد بنيت مكانتهم تلك بالعرق والكفاح، لقد كانت أخته دوماً عنيده مزعجه، ولكنها لاتزال اخته الصغيرة التى لا يريد لها الحزن،فعكف على زيارتها دوماً لكى لا تظن أنه تخلى عنها، أو يظن زوجها أنهم تبرأوا منها، فيتطاول عليها، وبذاك اليوم كان قد أنهى عمله، فمر بها ليطمئن عليها، ومعه خطيبته.

خلع معطفه وطوى كمى قميصه ثم جلس بأريحيه على أحد الكراسى، فبدأت تشكو له أخته من سوء الجيرة هنا، ومن سوء المبانى التى أوشكت على السقوط، وزوجها لا يرغب بترك المكان، فسألها بضيق.

-وما الذى يجبرك على هذا؟!

أجابته بحرج: أحبه يا أخي، الا تفهم؟!

تنهد بإنزعاج: لقد أخبرت زوجكِ أننى سأساعده بإيجاد عملاً أفضل مادام لا يريد العمل معى، كما عرضت عليه أن تسكنا معنا، أو أن أحضر لكما سكناً آخر بعيداً عن هنا، ولكنه رفض!

أجابته بضيق: كرامته تمنعه من تقبل هذه العطايا.

علق على كلماتها ساخراً: لكن كرامته تلك تسمح له بترككِ تعانين هكذا! ويوماً ما سيصبح لديكما أطفالاً يعانون معكما، وكل هذا فقط لإرضاء غروره الأحمق!

عاتبته بحزن: لا تقل هذا يا أخي، لقد إخترته لعزة نفسه.

ثم رفعت رأسها بكبرياء: كما أننا بخير تماماً، لا نحتاج إلى معونة أحد، حياتنا مزدهرة بالورود.

رفع حاجبه: أية ورود هذه؟! لا أرى سوى أشجار ذابله، أخبرينى الآن أين هو؟! لقد إنتهت أغلب الوظائف، والجميع بمنازلهم.

-لكنه يعمل عملاً إضافياً.

-ليس لديكما طفلاً حتى، ويعمل عملاً إضافياً؟! ملك فلتتعقلى الرجل لا طاقة له بدلالك، وطلباتك المبالغ بها.

عنفته بإنزعاج: أنت مخطىء ليس هذا بسببى، فلديه والدته، وأختيه مسؤولات منه، أترى لقد أحسنت الإختيار، وتهذبت تصرفاتى، وتعلمت الكثير.

نظر حولها بإزدراء، وسخريه: أجل أرى هذا.

-لا تهزأ بحالنا، فيكفى أننى لازالت أثبت على رأيى، وها أنا وبكل فخر لازلت زوجته منذ شهرين كاملين.

رفعت رأسها بشموخ، وكأنها أحرزت نجاحاً منقطع النظير، فأشاح بوجهه عنها؛ لكى يخفى ضحكته، لكن رغم أنه لم يصدر صوتاً، لكن إهتزاز كتفيه كشف أمره، فهتفت "ملك" باسمه مستنكره، حينها دق جرس الباب فتوجهت " ملك" إليه، لتجد إبنة الجيران.

تسألها عن مطرقه تدق به مسامير بابهم التى إنتزعها الزمان، وأصبحت كالأشوك تنخر ثياب كل من مر بها، وهناك عريس قادم لخطبة أختها الكبرى، فلا يجب أن يرى مساوئ منزلهم منذ أول وهله

تملمت خطيبته بضيق واضح، ونظرت إلى "ليث" فوجدته غير منتبه لها، ويتابع ثرثرة أخته مع جارتها، فتأففت بضيق لإقتراحها الأبله بأن تأتى معه، فقد ظنت أنها إذا ما إدعت أنها تهتم لنفس الأمور الذى يهتم بها ستجعله يقتنع أنها الأنسب له.

صرخة فزع أخرجتها من أفكارها، فنظرت حولها لتجد "ملك" تركض خلف جارتها، وتبعها "ليث" دون تفكير، فلحقت بهم، وهناك وجدت تزاحم كبير للناس على الدرج، وتزايدوا بالباب المؤدى إلى قمة المسكن  حيث وقفت إحدى الجارات القاطنة هناك تصرخ مستغيثه؛ لأن إبنها الصغير كان يلعب حولها.

وهى تنشر غسيلها، ثم تهاوى من أعلى الحافة، وهو الآن ممسك بصعوبة بقطعة حديد مثبته بجانب من جوانب الحافه، وهناك جاره أخرى لا تأبه بالصبى بل ساخطه عليه؛ لأنه أوقع طبق الإرسال لتلفازها من أعلى المنزل، وثنى فى سبيله للتمسك بأى شىء ينقذه عموداً من الحديد الصدأ.

كانت تثبت به الطبق اللاقط للإرسال، لقد ذهل "ليث" ما يحدث، فالكل مشاهد فقط، لا أحد يمد يد المساعدة لهذا الطفل المسكبن، فتوجه مسرعاً إلى الصبى، ومال بجسده على الحافه، ومد يده بأقصى ما إستطاع حتى أمسك بيد الصبى، ورفعه بسرعه.

فركض الطفل نحو والدته الحمقاء التى أرادت ضربه لإرعابه إياها بدلاً من إحتضانه، وطمئنته، فنهرها "ليث" على هذا، ثم إستدار لتلك الحمقاء الأخرى التى تنوح على إرسال تلفازها، وهتف بها بغضب.

-كفى يا إمرأه! لقد صرعتي رأسنا، كفاكِ نواحاً.

-لقد دمر طبق الإرسال خاصتى، كيف لا انوح؟! وقد كلفنى ثروه!

أخرج "ليث" حافظته، وفتحها، ثم سحب منها عدة أوراق نقديه من الفئة الكبيره، ودفع بها إلى المرأة التى سال لعابها لرؤية محتويات حافظته، فاندفعت نحوهما والدة الصبى، تبكى حالها.

-هل تعطيها كل هذا المال لأجل طبق إرسال صدئ؟! فما بال مسكينة كحالى، لديها أطفال كثر ولا مال لديها لتكفيهم قوتهم.

أخرج عدة ورقات أخرى، واعطاها للصبى، وقبل أن يستدير، أو يرى الصبى ما أعطاه له، نشب شجار بين الأم والابن حول النقود، ومن ثم  تفاجئ "ليث"  بالتفاف الجميع حوله، يشكون ضيق المعيشه، ويتسولون منه فصفحت أخته جبهتها بيأس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي