الفصل الخامس

حين وصلت رفيقة "ليث"  أخيراً تنظر حولها بعجرفه، وتقزز لكل من حولها، لقد كان حينها فى بداية عمله مع والده بجانب دراسته الجامعيه، ولم يفهم بعد ألاعيب الحياة، وكان ينفق ماله كله حتى جذبته أخته خلفها؛ لتنقذه من ما أوقع نفسه به دون أن يدرى، وتبعتهما تلك التي لا تعلم لهويتها معنى.

فأسرع الناس خلفهما، وأثناء تدافعهم كانوا يأخذون كل ما بطريقهم، فأسرعت "ملك" بأخاها حينها لاحظت الأخرى أخيراً أنها بخطر الدعس تحت الأقدام، فركضت تلحق بهما، وحين دخلت منزل أخته، إنفجرت بها مظهره بوقاحة مدى إحقتارها لها، ولأن أخته كانت ذات منزلة خاصه له.

لم يتحمل ما سمعه، ونهر الأخرى وأمرها بالمغادره، فتركت المكان ساخطه منزعجه، ولكنها عادت يعد عدة أيام حين يأست من أن يركض خلفها لطلب السماح منها، ولم يفكر حتى بالإعتذار منها، فحاولت هى إستعادة وده، ولم تتعب كثيراً معه، فقد لان سريعاً.

أخرجه من شروده صوت إبنة عمه تصرخ بحماس، تخبره أن والديه أتيا ومعهما أخته، وقد أسعده قدومهم، ورحب بهم بحفاوه، ولكنهم كانوا غاضبين بعد أن علموا بفعلة عمه الحمقاء، فلو أراد مال لأعاره أخاه، أو إشترى هو المنزل، لا أن يبيعه لغريب يحيا بين جدران إمتلأت بذكرياتهم الجميله.

تعاتب الأخوين لوقت ليس طويلاً، وبالأخير تراضيا، خاصه ان الأبناء أصلحوا بينهما، والزوجتان تدخلتا، ولكن كل هذا فقط لمصالحهم، فعمه واسرته أنفقوا المال، ووالديه يرغبان بأن يظلا هنا لتتم زيجته من الفتاة التى إختاروها له.

تحدث الأخوين، وتقرر إقامة وليمه رائعه ليتفقوا على كل شىء، وتفاجأت "والدة ساره " بمن تكون العروس، وحاولت تغيير رأيهم، لكنهم كانوا قد راسلوا والدها، وتم الإتفاق على كل شىء، لقد قررت "والدة ليث" أن تزوجه من إبنة أخاها.

ولكن المشكله أن "والدة ساره " كانت قد طلبت من إبنتها أن تأتى بصديقتها، لتراها والدة زوجها المستقبليه لتقنعها بها عروس لإبنها، لذا فقد تمت دعوتها كذلك، وحين أتت كانت تصرف بحريه كما ترغب، فهى تعد  منزل صديقتها كمنزلها تماماً ، وقد تعرفت بالجميع.

واعجبوا بمرحها،  لكن ليست العروس من بينهم، فقد أتت برفقة والديها، ولم يعيرها "ليث" أدنى إهتمام فى حين ظل يدور خلف "شهد" أينما ذهبت.
إلتف الجميع حول المائده، وجلست "شهد" بجوار "ليث" وظل يراقبها بجانب عينيه طيلة الوقت، يحاول إخفاء بسمته لخجلها من مراقبته لها.

لكن فجأه، وبدون سابق إنذار وجد والدته تبعدها؛ لتجلس مكانها إبنة خاله، فتنهد بضيق، وكاد أن يتحدث لولا إبنة عمه التى بدى عليها الضيق بعد أن اخبرتها والدتها بالكارثة التى حدثت، وهى من كانت بدأت تستقطب "زياد" أخيراً، وتتصنع المواقف للقاؤه، وهو منسجم معها.

ولكن والدته ترغب بشده فى ان تزوجه من "شهد" وهو مهما كان مدلل يحيا برخاء، فوالدته حين تأمر ينتهى الأمر، فكان كل ما تتمناه ساره  أن تتزوج "شهد" من "ليث" لكى لا يصبح لدى والدة ليث أى حجه، ولكن كل أحلامها تبخرت الآن.

لذا تمتمت بحنق وهى تنظر لتلك الدخيله قائله.

-عفواً شهد هلا إنتقلتى؛ لتجلس العروس بمكانها.

نهضت تتحرك كجثة متحركه، وبدلاً من أن تنتقل من جواره، غادرت المنزل كله بمنتهى الهدوء.

حينها كان "ليث" يمسك بالملعقه، يرفع بها الطعام إلى فمه، لكن يده تجمدت فى الهواء، واتسعت عيناه بذهول، فالدخيله هى عروسه، ويريدونها أن تجلس بجواره، وما يعلمه عن عروسه المستقبليه، هو أنها فقط صديقة إبنة عمه، لكن أليست العروس هى من أسرت قلبه؟!

ومنذ متى كانت إبنة خاله، وإبنة عمه صديقتان! وكزه والده: ما بك؟!

إعتدل ينظر له متفاجئاً، وكأنه إنتبه توا لوجوده الآن فقط، ثم إستدار ينظر إلى العروس للحظه.

-من أنتِ؟!

تلعثمت بإرتباك من تصرفاته، وقلق من نظراته، فنظرت حولها عل أحدهم يغيثها، فهتفت والدتها بمرح أحمق.

-ماذا حدث لك بنى، هل الفرحة أطارت عقلك، أم ماذا؟!

فصرخ بها مستنكراً: عن أى فرحة تهذين؟! إبنتكِ تلك لا أعرفها، ولا أريدها، هل تهزئون منى؟!

ثم نهض ينظر لهم جميعاً بسخط، وتابع غاضباً: منذ متى أصبحتم أصدقاء؟! أخبرونى! نعم الآن تذكرت إبنتكِ، أليست تلك الفتاة نفسها التى ذاع صيتها بين الشباب حتى إضطررتم لإيقافها عن الدراسه منعاً للمزيد من الفضائح!

فعنفته والدته بغضب: بما تهذي أنت؟! هل جننت؟! أصمت!

-لن أصمت!

ثم أشار إلى العروس بسخريه: أهذه من سأبنى حياتى، ومستقبلى معها؟! أنا لم أخدع يوماً فتاة، فلما أتزوج من لم تترك شاباً وشأنه؟! لن يحدث مطلقاً، فلتحترقوا بها.

تركهم يتهربون بأعينهم من بعض، وخرج راكضاً يبحث عن حبيبته فلم يجدها، فأسرع إلى منزلها وهناك، وجد أن لديهم ضيوفاً كُثُر، ووالدتها تخبره بهدوء أن يغادر فالوقت ليس مناسباً لتواجده هنا، ولسبب ما أحس أنه حتى لو رأى حبيبته فلن يحدث ذلك فارقاً، فقرر التروي حتى تهدأ.

عاد ليجد جمع عائلته قد إنفض، فإنفرد بابنة عمه؛ ليسألها عن "شهد" فأخبرته أنها خرجت مسرعه حين علمت بأمر زيجته، فعقب بحزن.

- ساره تعلمين جيداً أننى برىء من ظنونها تلك، ولم أكن أعلم.

تنهد بغضب، ثم تابع معاتباً: يا إلهى كنتِ تعلمين، ولم تخبرينى!

شهقت متفاجئه: ماذا؟! لا، لم يحدث، أقسم لك، ولأثبت لك، سأجعلك تلتقي بها غداً لتوضح لها الأمر؛ لأن الليله لديهم زواراً.

بدى الإرتياح على وجهه، بينما إنبعث الأمل فى نفسها أن تعيد علاقتهما إلى مسارها الصحيح، فتحصل هى على من تريده.

ولكن للصدفة المخذيه، كان الزوار هم عائلة والد "شهد" أتوا ليتقدم "زياد" لخطبتها، فوالدته أمرت، ولم يستطع إخبار ساره، والتى هى مجرد فرصه أخرى؛ ليصل إلى أهدافه، إنه يسايرها فقط؛ لأنها إبنة عم "ليث" ولأن "شهد" كانت بقلب جريح، فقد غادرت قبل أن تسمع حديث "ليث" ورفضه.

ظنته كان يعبث بها، فألغت عقلها، ووافقت على من تقدم لخطبتها، وهى لا تريده، ولا تستصيغه حتى، وتم الإتفاق على كل شئ، وحين أتت "ساره" لتطلب منها أن تأتى معها لرؤية "ليث" لأنه يريد التحدث معها، أخبرتها بوضوح أن تخبره أن يبتعد عن طريقها تماماً؛ لأنها أصبحت لغيره.

فقد تمت خطبتها لرجل لم يحاول أن يعبث بقلبها، حاولت "ساره" توضيح الحقيقة لها، وقد أذهل "شهد" ما سمعته، وبدأت تشعر بالندم، خاصة وانها لا تميل لزياد مطلقاً، ولا ترتاح لأخته، ولا والدته، إنها تمقت كافة أقارب والدها، فجميعهم سيئين حذرها والدها منهم.

وقررت أن تتراجع لكن والدتها حذرتها من العواقب، فيقال انها فتاة عابثة تتلاعب بمشاعر الشباب، لكنها حين أخطرته بالخبر، صرخ بها غاضباً.

- ماذا؟! هل تهذين أم جنتتِ؟!

حاولت أن تبدو متماسكه ولا تركض من أمامه، فقد بدى لها كالوحش الكاسر، قد يفتك بأى أحد، وحاولت تهدئته لطن بلا طائل، بل زاد غضبه أكثر.

- هل كنتما تتلاعبان بى؟!

لقد ساء الوضع أكثر، خاصة بعد أن أخبرته "ساره" أن من خطب "شهد" هو "زياد"وقد ظن أنها خطة بلهاء من "ساره" وصديقتها ليسخرا منه، ولم يستمع لأى مما تقوله، ولم يصدقها، فقد تمت خطبتها بالليلة التى إكتشف بها خطأ ظنه حول زواجهما، فأى مصادفة عجيبه فعلت هذا؟!

لقد لاحظت"سوزان"ما يحدث، فخشيت أن يتم إعادة الود بين "شهد وليث" وهي من دفعت بزياد ليحاول خطبة " شهد" لتزيلها من سبيلها.

يمكنها التخلص بسهولة من إبنة خال "ليث" فهو لا يريدها، لكن "شهد" يرغب بها، لذا لابد ان تنهي علاقتهما بطريقة لا تدع مجالاً للعوده.

خططت مع أخاها خطة ماكره، حيث دعت والدتهما "هد" ووالدتها لزيارتهم، واثناء الزياره هاتفت "ساره" لتخبرها بان تتصل هاتفياً بشهد، وهى توهمها بأنه تفتعل قصة، لكي تنهي الخطبة، ثم يتقدم "زياد" لخطبتها، فتبعتها كالبلهاء دون أن تعلم حقيقة الأمر.

حين أجابتها "شهد" وجدتها تتحدث معها عن "ليث" وكما توقعت "سوزان" فقد إبتعدت  "شهد" بالهاتف فتحركت "سوزان" نحوها مما دفع "شهد " إلى دخول اول غرفة أمامها، وهذا ما خططت له "سوزان".

فقد كانت غرفة "زياد" وقد إتفقت معه أن يختبأ بالغرفة حتى تأتي له بالشهود، فقد تصنعت الخجل، وإدعت أن "زياد وشهد" يتغازلان بالغرفة وحدهما، فهرولت "فاطمه" بذعر الى الغرفة، حينها اصدر "زياد" صوتاً أنبه "شهد" بوجوده، فسقط هاتفها إثر المفاجئه.

وإستدارت فزعة، لتجده أمامها، وقبل أن تتفوه بحرف واحد كانت والدتها قد دفعت الباب بغلظة حتى ضرب ظهر "شهد" بقوة أسقطتها أرضاً، ولم تقنع والدتها بالتعقل ، أو الإنصات لها، بل أمسكت بخصلات شعرها تشدها بعنف حتى إقتلعت بعضها.

وكادت تميتها بين يديها حتى أن "سوزان" إرتعدت مما حدث، لقد ظنتها ستأمرها بإتمام الزواج، لا أن تقتلها!

بصعوبة أنقذ "زياد" ووالدته "شهد" من بين براثن والدتها، وبعد يأس تقرر أن يتم عقد قران " شهد وزياد" بالغد، بينما كانت "شهد" عاجزة على الحركة إثر ما نالها من ضرب مبرح.

وقع الخبر كالصاعقة فوق رأس "ساره" ولم تستطع معرفة السبب، ولكن  "سوزان" أخبرتها أنها ارادت مساعدتها بأن ينصت لها أحدهم أثناء حديثها عن "ليث" فتدمر الزيجه، لكن ما حدث لم يكن بالحسبان.

لعنت "ساره" حظها العاثر، وغادرت ساخطه، فقد فشلت كافة مخططاتها، وأبلغت "ليث" بما حدث ، وظنته سيفعل شيئاً ما، ولكنه أخبرها بهدوءغريب أنه سعيد لأجى "شهد" وسزف يرحل من هنا

وقد سمعتهما والدته وهما يتحدثان، فثارت على "والدة ساره"؛ لأنها أدركت أنها خلف كل هذا، فقد تذكرت محاولاته اليائسة لمنع تنفيذ إقتراحها بتزويج "ليث" من إبنة أخاها، ولكن ما لم تفهمه لما فعلت هذا؟!

وبدأ الأمر بسؤال بسيط، ومن ثم تحول إلى شجار، ولم تستطع "والدة ليث" رغم هذا إرغامها على قول الحقيقة الخفيه، فتلك المرأه لا تفعل شيئاً جيداً لأحد دون سبب، وهكذا إزدادت حدة الشجار بينهما، وحين عادت "ساره" حاولت الفض بينهما بلا جدوى، فتدخل "ليث" منزعجاً.

- كفاكما شجار، أمى بشهد أو بدونها، بزوجة عمى أو بدونها، تعلمين جيداً أننى لن أرضى بزواجي من إبنة أخاكِ تلك، ولا أفهم بأى عقل أتيتِ بذاك الإقتراح الرهيب، كما أنكِ وزوجة خالي لا تتفقان مطلقاً، لقد هدأت المشاكل بينكما فقط ؛ لأننا إنتقلنا إلى المدينه، وخلاف هذا لن تتحابا يوماً ما، كما أن الفتاة سيئة السمعه، كيف تتقبلين هذا، وتريديننى أن أتقبله، أنا لا أفهم؟!

هدأ الشجار، وإبتعدت كلا منهما عن الأخرى، فتقدمت "ملك" بهدوء تطلب من والدتها بهدوء التى صرخت منذ لحظات بأنها لن تمكث هنا ولو لدقيقة واحده، أن تمكث هنا عدة أيام أخرى، ولكن والدتها كانت تخشى من أن تأتى زوجة أخاها إلى هنا، وينشب شجار أسوأ من هذا.

فوافق "ليث" على إقتراح أخته، علها بوجودها هنا تساعده فى إصلاح ما فسد، وقد وافقت والدتهما لكنها لن تبقى، وقد أيد زوجها رأيها هذا، فالجو مشحون بالغضب، كما أن هذا المنزل صغير خانق، ورغم أنه بالامس مرر الأمر لأخاه، فهذا فقط لأجل إتمام زيجة إبنه، ولكنه الآن مليء بالسخط نحوه.

لذا بدأ كلاهما تجهيز حاجياته للمغادره، وما أن أوشكا على المغادره حتى عادت "ساره" تجر أذيال الخيبة، وودعتهما بضيق، أرجئوا سببه لحزنها على مغادرتهما بهذه السرعه، وقد تفاجأت بأن "ليث وملك" سيظلا، ولكن هذا أعطاها الأمل، فهذا يعنى أنه قد يحاول إصلاح الأمر بينه وبين "شهد".

لقد تعلم  "ليث" من تجربته السابقة ألا يثق تماماً بأحد، ولكنه تعلم أيضا أن يحسن الحكم على الآخرين، ولكن كيف تم خداعه هكذا ؟! لقد إنساق كالأعمى دون تفكير خلف شعوره نحوها، وها قد خدعته أخرى.

لكنه لن يذل نفسه لأجلها، ولن يركض خلفها، سيتركها، ويرحل، لا تستحق منه العتاب حتى.
لقد صدمه الخبر بشده نعم، لكنه تماسك جيداً، وقرر ألا يعير مزحتهما السخيفة، القاسية، أدنى تفكير.

مرت أعوام، وها قد عاد الغائب لذويه، ولكنه ما إن عاد حتى تفاجئ بمرض عمه، فتحتم عليه زيارته برفقة باقي الأسره، ولم يكن يرغب حقاً برؤية إبنة عمه؛ لكى لا تعيد إليها ذكريات يحاول جاهداً كبحها بشده.

لكنه مضطر للقائها، فعمه محتجز بغرفة العناية المشدده بمشفى القريه، وهناك حين رآها، كانت شبح إمرأة قضى عليها الزمان، ووالدتها السمينة الحقود، تحولت إلى عجوز باليه.

وكأن هناك ألف عام مضت منذ رحل، وليست خمس أعوام فقط!
وقف يتابع بهدوء ما يحدث، فكلتاهما بائستان، تحمل "ساره" بين ذراعيها رضيع، تهدهده عله يكف عن البكاء، ووالدتها تحيط بذراعها فتاة نائمه تبدو أنها حفيدتها، فتوجهت والدته نحوهما تواسي مصابهما.

كذلك والده الذى طلب رؤية الطبيب، وأصر أن ينقل أخاه أفضل مشفى فى البلاد، وفعد يتابع فقط حتى ظهر " زياد" فجأه، لم يبدو عليه أى تغيير، ولو طفيف، لكن وجوده يعني وجودها، لقد كانت صديقة "ساره" ولازالت، وهذا يؤكد له أنه كان محقاً بظنه أنه ضحية مكيدة سخيفه.

رحب به "زياد" وأيد رأى "والد ليث" بنقل أخاه إلى مشفى آخر، وكان يتحدث، وكأنه له الكلمة الأخيره، ولم تعترض أى من زوجة عمه، ولا إبنتها، مما آثار تعجب "ليث" وتسائل أين زوجها، وهنا كانت الإجابة كصفعة مدوية له، حين أخبره "زياد" أنه هو نفسه زوج "ساره".

ألف سؤال ضج برأسه، ولا جواب لأى منهم، والوقت ليس مناسباً إطلاقاً، لكن رغبته فى معرفة الحقيقة جعلته نافذ الصبر، لكن رغم هذا، إهتم بعمه، وأسرته، وإنتقل الجميع إلى المدينه، لأجل عمه، ولكن فى الليلة السابقة لسفرهم، تسلل إلى خارج المنزل، وأخذته قدميه إلى منزلها.

لكنه تفاجىء به مهجور من أدنى إشارة للحياة به، والأطلال تخيم أشباحها عليه بشكل مخيف، فسأل أحد الماره عن أصحاب هذا المنزل.

- لقد رحلوا منذ سنوات.

- إلى أين؟!

- لا أحد يعلم.

- ولا حتى أهل زوج شهد؟

بدى الإندهاش على وجه الرجل: وهل تزوجت شهد؟! لقد رحلتا بعد أن تزوج خطيبها السابق من صديقتها، بعد أن هرب من شراهتها، لقد خاف المسكين على نفسه، ولكن أتعلم؟

خفض صوته، وهمس له بتشفى: لقد نفذت شهد بجلدها من هذه الزيجه، فمن تزوج بها جعل حياتها بائسه، والدته إمرأة حقود، تغار من زوجته الحمقاء التى ظنت أنها كسبت الجائزة الكبرى بزواجها منه، ذاك المدلل الذى لا يدع فتاة وشأنها!

لم يكن يحتاج لهذا الثرثار ليخبره بتلك الملاحظه، ولكن كيف حدث كل هذا، وعن أى شراهة يتحدث؟!
رغم رغبته فى المعرفه، لكنه أومأ إلى الرجل بصمت، وإبتعد، فهذا الرجل على ما يبدو سيضج رأسه من كثرة الحديث، ولن يفيده بشىء، وحدها إبنة عمه من تعلم الحقيقه، ولن يتركها حتى تخبره بكل شىء.

بالصباح التالى غادرت العائلة كافه، مباشرةً إلى مشفى المدينه، حيث مكثوا خارج الغرفة التى وضع بها عمه، ينتظرون بقلق راى الطبيب، والذى أخبرتهم بوضوح أن حالة المريض حرجه، ولكنهم سيقيمون بأقصى ما لديهم من جهد لعلاجه، فبدأ الجميع يلتقفوا أنفاسهم، وطلب منهم الطبيب المغادره.

لم يجادله أى منهم، فجميعهم مرهقاً،وغادروا، وتوالت زياراتهم إلى المشفى تباعاً؛ لأجل عمه، وليث لم يعد يحتمل إنتظار الحقيقه، لكنه مرغم على الصبر، ولكن بعد يومين فقط من تواجدهم بالمدينه قرر "زياد" السفر إلى القريه، ونشب شجار بينه، وبين زوجته.

فهى لا تريده أن يتركها وحدها بهذا المأزق، وبدى حينها على وجه والدتها البؤس، ولم تتدخل، ومنعت "والد ليث" من التدخل، وفى الصباح غادر "زياد" تاركاً ساره، تجلس فى الحديقة حزينه شارده، لقد عقد "زياد" قرانه عليها منذ سنوات قليله، وقد تعهد فيه بأن يصونها، ويعاملها بالود، والرحمه.

وما هى إلا أيام قليله، وإنقشع وهم الخيال لتصطدم"ساره" بالواقع المرير، وتكتشف أن والدته تعتبرها مجرد خادمه له ولعائلته، ولم تجد "ساره" من يغيثها من مآساتها، فحتى والدتها، تنصلت منها، وأخبرتها بحزم، أن تحيا كما يريد زوجها، فلن تقبل أن يتم طلاقها منه بهذه السرعه.

وهى لم تتم حتى عاماً على بداية زواجها، ولن تسمح أن تثار حولها شائعات مغرضه، وحثتها بأن تحيا خاضعه لهم حتى تتقى شرورهم، ويوماً ما ستصبح والدة أبناؤه، فيحسن معاملتها، ولكنها لم تكن تعلم، أن ذلك لن يساعدها، بل على العكس تماماً ، سوف يزيد قيودها أكثر فأكثر.

لقد لاحظت بوضوح منذ البدايه نظرات والدته لها، وأخواته التى لم تكن سوى حقد صافى، لكنها لم تهتم، فكل ما يهمها هو زوجها المتيمة بعشقه كما أنهما يسكنان فى مسكن وحدهما، ومع هذا لم تسلم منهن، فكانت زياراتهن لا تنقطع أبداً، إما هذا او يأخذها لزيارتهن، وأثناء تلك الزيارات.

تقوم بتنفيذ كل أوامرهن، لذا دام الشجار بينها، وبين زوجها، وظنت أنها بإنجابها لطفل منه سيتحسن الحال، لكنه إزداد سوءاً، فأتت بالثانى لظنها أن المشكلة تقبع فى أن مولودها الأول كانت فتاة، وأدركت أخيراً، أنه لو أحبها لما إهتم بجنس الطفل، ولما كان الإنجاب هو وسيلتها اليائسة لجعله يحسن معاملتها.


إقترب منها "ليث" ووضع كفه على كتفها؛ ليعيدها إلى واقعها المرير، فرفعت رأسها إليه.

ورأته بتشوش من خلف دموعها، حيث إلاف حول كرسيها وجلس أمامها.

- صباح سعيد يا إبنة العم.

أومأت له بصمت، فتابع بهدوء: أين صغيريكِ؟

أجابته بصوت مثقل بالتعب: نيام.

- وأباهما؟

- رحل.

تغيرت نبرة صوته الهادئة فجأه إلى أخرى ساخطه: وكيف بحق الله أصبح والدهما؟!

نظرت إليه بتقضيبة تستفسر منه متعجبه: ماذا تعني؟!

- ألم يكن زوج شهد المستقيلى؟! كيف تحول إلى زوج لكِ أنتِ؟!

إتسعت عيناها بتفاجؤ، وبدى عليهم التوتر، والإرتباك، ولكن لا مفر لها، هكذا أخبرتها نظراته الحاده، فأجابته بهدوء.

- لقد إنتهت خطبتهما، فخطبني أنا.

قهقه بلا مرح، ثم نظر نحوها، كنمر يتربص بفريسته: بهذه البساطه!

- أجل.

- واين ذهبت شهد؟

- لا أعلم، ولا أحد يعلم.

- لكن مؤكد تعلمين لما رحلت؟

- لا أعلم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي