الفصل السادس

لم ترتاح "ساره" كون "ليث" لازال مهتماً بشهد بعد مرور كل هذا الوقت، وتسأل عقلها الساخط ألا يكفي أن زوجها الأحمق لازال يقارن بينها وبين "شهد" رغم أنه لم يكن يعشق "شهد" أو ما شابه، ودون أن تشعر ظهر نفورها بوضوح على وجهها، وتمتمت بسخط.

-لابد وأنها تزوجت من شاب ثرى، يحيا لأجل عشقها فقط!

قضب "ليث" جبينه لذاك الحقد الذى يطل من عينيها، وسألها بحذر عن السبب الذى دفعها لهذا الظن؟! فأجابته بسخرية لاذعه.

-أنت تعلم كما أعلم، كم كانت فاتنه، ينجذب لها الشباب كما الناموس للضوء.

علق على كلماتها بهدوء حذر: ولكن لم يكن جمالها ما يجذبنى لها، ولا أعتقد أنه السبب فى إنجذاب أى شاب لها.

نظرت له ساخره: هل تقصد ثرائها المزعوم؟ لم يكن والدها يمتلك فلساً حين مات، فقد أنفقه على طعامه، لقد أكدت هذا للجميع، ولكني أظنها كاذبه، لطالما كانت ماكره.

ظل متمسكاً بهدوئه، وأخبرها بأنها مخطئة مجدداً، فتعجبت، وقضبت جبينها، تنتظر منه تفسيراً، فتنهد بضيق، وكأن هناك ثقل على قلبه، ثم أخبرها أن شهد كانت مميزه؛ بسبب الهالة التى كانت تحيط بها، كان فؤادها بريئاً، لا يحمل الحقد لأحد على خلاف غيرها، من حملت الحقد بقلبها حتى أصبح أسود.

وقد خيمت ظلال حقدها على وجهها، وحتى لو كانت أجمل من "شهد" فلن تجذب سوى الحشرات الضالة فقط.
زاغت عيناها، وارادت الهرب، لكنه لم يمهلها الفرصة حيث سألها ما الذى حدث لشهد بالفعل؟

فنظرت إليه برعب أكد له أنها قامت بفعلة شنيعه، وأنها تخفى أسراراً سوداء، لكنه أخطأ بالسؤال المباشر، فقد نهضت تنظر له بغضب، تتهمه بالحمق؛ لأنه لازال يفكر بفتاة ليست له، لابد وأنها زوجة لأحدهم الآن، وأماً لأبنائه، لذا فليكف عن الأحلام.

كما أن "شهد" من وافقت على "زياد" فى ذلك الوقت، ولم يجبرها أحداً على شىء، بل على العكس هى المخطئه، لم تكن ملاكاً، فقد وافقت على خطبتها له، وهى تعلم جيداً أن "ساره" تُكن له المشاعر، كانت تعبث معه، وتدعي البراءة، لقد خدعت الجميع.

فالكل كان يرى هذا بوضوح، واتهمت "شهد" بأنها من غدرت بها أولاً، وفى فورة غضبها كادت تتابع قول الحقيقة، وتعترف بغبائها لإتباع خطة "سوزان" آن ذاك، لكن إبنتها ظهرت من حيث لا تدري.

-أمى لقد أكل الصغير حلواي.

نظرت " ساره" إلى إبنتها، وصرخت في وجهها بغضب: كيف سيأكل حلواكي، وهو بلا أسنان؟!

تلعثمت الفتاة للحظه، ثم تابعت مؤكده: لقد إبتلعها.

فصرخت بها والدتها: كفِ عن الكذب، فهو صفة مهلكه.

ضاقت عيناه "ليث" على وجه "ساره" ثم أومأ مؤكداً: بالفعل يا صغيرتى، الكذب هلاك.

إلتقفت"ساره" أنفاسها بخوف من نظراته التى تتهمها مباشرة، وكأنها إقترفت خطيئة ما، ونهضت مرتبكه، تنظر حولها بإرتياب، ثم تمتمت بضعف.

-سأذهب؛ لأرى إبنى الصغير، أظنه يبكى.

سألتها إبنتها بذهول: كيف سمعتيه من هنا؟!

ٱشتعل الغضب بعينا "ساره" وصرخت بسخط فى إبنتها: هذا يعنى أنكِ أيقظتيه، وهو يبكي بالفعل.

رفعت الفتاة كتفيها: هو من إستيقظ وحده.

صرت أسنانها بغضب، وامسكت بذراع الفتاة بحدة: أنتِ..

تدخل "ليث" سريعاً؛ ليخلص الفتاة منها: إتركى الفتاة وشأنها، واذهبى لللإطمئنان على ولدك.

تركتها منزعجه، وأسرعت تهرول إلى الداخل ، ففبضت الفتاة حاجبيها بإنزعاج طفولى، وهتفت بحزن.

-لما لا تحبنى؟

تفاجىء بنبرتها المتألمه، والتى لا تناسب سنها الصغير، ولكن لها ألف حق، فوالدتها فظة حمقاء، ولكن الفتاة لا ذنب لها لذا إبتسم بود نحوها.

-إنها تحبك بالتأكيد، ولكنها مرهقة قليلاً، فجدك مريض.

لكن الفتاة أصرت على رأيها: لا، هى لا تحبنى، وتهتم فقط بالرضيع.

-هذا ليس صحيحاً.

وضعت كلا يديها بمنتصف خصرها، وعبست بغضب: إذا لما تحمله طوال الوقت، وأنا لا؟

إبتسم لهيئتها المضحكه: لأنه لا يستطيع السير بعد، لازالت قدماه صغيرتان.

مد يده يجذب كرسى إلى جواره، واشار لها بالجلوس، فوافقته، والضيق باد على وجهها بصورة مضحكه، فتابع يوضح لها بصوت هادىء.

-أريدكِ أن تنصتي إلي جيداً، حينما كنتِ طفلة صغيره كنتِ مثله تماما، لذا كانت تحملك أمك طوال الوقت، والآن نضجتِ، واصبحتِ فتاة جميله يافعه، يجب أن تعاونى والدتكِ على الإهتمام بأخاكِ الصغير، لا أن تزيدى عليها تعبها.

رفعت الفتاة كتفيها بحركه غبر مباليه، واخبرته أن هذه وظيفة والدتها، فلما ستعاونها؟! فهى بالأخير لا تقوم بأمر جلل، وبدت الفتاة متيقنة مما تقول، وطريقتها، وكلماتها، لا تناسب عمرها الصغير، فضاقت عيناه بإرتياب، وسألها عمن أخبرها بهذا الحديث؟

فأجابته بأن جدتها والدة والدها دوماً تقول هذا وكذلك والدها، وعماتها، فأخبرها بهدوء، أنهم غير محقين، وحين لم يبدو على الفتاة التصديق، قرر التوضيح لها بصورة عمليه، حيث سألها إن كانت تريد تربية حيوان صغير، فتحمست كثيراً، واخبرته أنها تحب القطط، وتتمنى إقتناء واحده.

ولكن لم يوافق أحد على ذلك، فأومأ لها مؤكداً أنه سيأتى لها بواحده، ولكن فلتحسن العناية بها، وإلا ستموت القطه، فإنتفضت الفتاة فزعة من مجرد التخيل، وهنا أدرك أنه لازال هناك أمل من إصلاح تلك الفتاة، فحين ترعى القطه، ستتعلم أن العناية بأحدهم ليست سهله.

وستفهم من خلال تلك التجربه أن ما تقوم به والدتها شىء هام، فرعاية قطه مرهقه، فما بال رعاية طفل؟ ومن ثم طفلين، ثم عائلة بأكملها، فهو لم يخفى عليه ذبول إبنة عمه، والإرهاق، والحزن الباديان عليها.

فى حين كان زوجها كما لو لم يمر عليه أيام من لقاؤه الأخير به، لم يؤثر به تقدم العمر، ورغم أن "ساره" لازالت حمقاء كما كانت، وقد إكتشف لتوه أنه لا يعرفها جيداً، لكنها بالأخير لم تكن تستحق ما تمر به مع رجل أناني كزوجها الذى لا يهتم بها مطلقاً.

بل ويحولها إلى خادمة حتى إبنتهما أصبحت تتشكل بطينة والدها، وعائلته، ولا تهتم بوالدتها مطلقاً، بل لم تعد تعتبرها والدتها حتى، فهى تعتقدها مجرد خادمة لا تفعل شىء هام، وآن الأوان؛ لتدرك خلاف هذا، ورغم أنه يريد تهشيم رأس "ساره" الآن، لكنه لن يترك إبنتها تتحول إلى "زياد" آخر!

فإذا كانت "ساره" بلهاء، وسقطت فى براثنه، فقد لا تجد إبنتها الأحمق الذى يتحمل كل هذا.
للحظه أغرته نفسه؛ لسؤال الفتاة عن "شهد" لكنه تراجع، وبدأ يحاول إقناعها أن والدتها تحتاج الراحة والهدوء، ولا داعى لإزعاجها الآن.

وأراد التوضيح لها أن مرض جدها يؤثر على أعصاب والدتها، لذا فلتكف عن الشغب؛ لأجل ألا تنفجر بها والدتها، وتصب جام غضبها عليها، فالفتاة لن تهتم لحزن والدتها، لكنها ستخشى حتما غضبها، لذا ستهدأ.

ولكنه لم يستطع أن يشرح أى شىء؛ لأنه بمجرد ذكره لغضب والدتها، سألته الفتاة فجاءة بحدة لا تناسب فتاة فى مثل عمرها.

-هل هى تلك الشهد مجدداً؟

فنظر إليها مصعوقاً: شهد من؟!

رفعت كتفيها بلا إهتمام: لا أعلم، لكن كلما تشاجر والدي أو غضبت والدتى، يأتى ذكر إسم شهد هذه، ودوماً ما تنزعج والدتي بشدة من ذكر إسمها، وجدتى أيضا، لا أعلم من هى؟ ولكن ما أراه يؤكد لى أنها شريره؛ لأنها تشعل المشاكل فى بيتنا.

فسألها بلهفه: هل رأيتها؟

-لا.

تراجع الحماس من صوته، وقد اصابته خيبة الأمل، فكرر السؤال للتأكد: ولا مره؟

-لا ولكن....

مالت إليه، تنظر حولها بخوف، هامسة له: جدتى ذات يوم أخبرتنى بعد شجار عنيف بينها وبين...

صمتت فجاءه؛ لتنظر حولها بقلق، فربت على كتفها، وأخبرها ألا تخشى شيئاً، فسيحميها، وشىء ما فى نبرته الحانية طمئنها بالفعل، فاخبرته أن شجار دار بين جدتها ووالدتها؛ لأن والدتها تلوم تلك الشهد على كل ما يحدث بحياتها.

بينما من الأفضل لساره نسيان تلك الفتاة، وألا تأتى على ذكرها؛ لأنها من تدفع زوجها إلى تذكرها بهذه الطريقة الحمقاء، وحينها كان والد ساره ساخط على الأمر برمته، واتهم إبنته بأنها تستحق تلك الحياة، فهى من إختارتها، وطمعت بما ليس لها.

كان لابد له أن يحطم رأس والدتها منذ البداية حين طمعت بأكثر مما يمكنه إعطاؤها، بدلاً من مسايرتها حتى أصبحوا الآن مديونين، وهى حتى لا تهتم لو تم سجنه، ولن تفرط بذهبها لأجله، رغم أنها السبب فى هذه الديون، والذهب هو من إشتراه.

وقد أصيب يومها بنوبة قلبيه، وكاد أن يفقد حياته، ولكن تم إنقاذه بصعوبه، وفى ذلك الحين كان هناك الكثير ممن يأتون من القرية؛ لزيارته، وجميعهم يلقون باللوم على زوجته، وافعالها الهوجاء، وقد إنتشر حديث عن كون زوجته إمرأه سيئه؛ لأنها من تسببت له بالأذى؛ لأجل غرورها.

وكان يجب على الأقل أن تسد دينه، مادامت هى السبب به، وتداولت النساء الحكايا التى تسببت فى إحراج جدتها بشده، وجعلت والدها أكثر غضباً من والدتها؛ لأنه يرى أنه يوماً ما ستفعل به زوجته ما تفعله والدتها بوالدها.

مما جعل ساره تضغط أيضاً على والدتها التى إضطرت أخيراً لبيع ذهبها مرغمه؛ لتسديد دين زوجها، وظنت بفعلتها تلك أن الجميع سيبجل عملها، ولكنهم سخروا منها، فهى لم تقم بأمر جلل، هى بالأساس سبب كل هذا.

هى فقط تصحح خطئها لا أكثر، وقد مرض زوجها من تحت رأسها، فلا وجه لها؛ لتتفاخر به، وبدأت النساء تنزوى بعيداً عنها، وعن إبنتها، وازداد "والدة زياد" وبناتها فى إزعاجهما، واصبحتا الأم، وابنتها دوماً فى شجار مزعج، وسارهدوماً غاضبة، تصرخ بها، وخيم الحزن، والغضب أكثر مما كان على الجميع.

كان "ليث" ينصت إلى الفتاة بإهتمام، وتعجب فى ذات الوقت، إنها صغيرة جداً؛ لتعلم كل هذه الأمور، أولئك الحمقى لا ينتبهون أن بينهم طفلة تحتاج رعايتهم، لقد تربت بينهم على الغضب، فأصبحت تُكن الحقد فى نفسها منذ الآن لأخاها.

وتعلم أكثر مما يجب أن تعلمه، ولا تعلم للإستقرار معنى، فأى حياة بائسة إبتليت بها تلك المسكينة من أب مزعج، وأم أكثر إزعاجاً، وعائلتين ممتلئتين بالحمقى، فربت "ليث" على كتف الفتاة بود، واخبرها ألا تقلق؛ لأن كل شىء سوف يصبح على ما يرام، ولن تعانى مادام هو موجود؛ لأنه لن يسمح بهذا.

كما أخبرها أنها لو إحتاجت إلى أى شىء ،فلتلجأ له دون تفكير، وقد بدى على وجهها السعادة التى هجرته قبل أن تصله، وبدى أخيراً على ملامحها حقيقة عمرها الصغير الذى كان قد تلاشى منذ قليل فى خضم غضبها، تلك الفتاة المسكينه تعانى وسط عائلة حمقاء كلياً.

ولا أحد يهتم بها، جميعهم أنانيين -يا إلهى- ما تلك الحياة! فعلى ما يبدو لم يكن يعانى وحده طوال السنوات الماضيه، لقد قام الزمان بتحريك عصاه السحرية على الجميع، ولكن بصورة سيئه، ولازال هناك إمكانية للأسوأ.

ولكن هذا ما نال ساره، وزوجها، وما ناله هو أيضاً، فقد تلاشى من حياته المرح، والرغبة فى أى متعه، ولكن شهد ماذا تراه قد نالاها؟ وأين هى الآن؟ لقد كان عقله يؤنبه لمجرد تفكيره بها، لما لازال يحاول، وقد خدعته، ورحلت؟! ولكن قلبه الأحمق من لازال يبحث عن طيفها.

حدث هذا بينما كانت ساره تحمل طفلها، وتهدهده؛ ليهدأ، أتت إبنتها تنظر إليها بفرح أزعجها، تلك الفتاة يسعدها كل ما يرهق ساره، وساره نعم حقود، لكنها ليست حمقاء؛ لكي لا ترى هذا، وكم ألمها الأمر بشده، وحتى أنها كفت عن الإهتمام بالفتاة أكثر من اللازم، ما الذى يحدث معها؟!

ألا حق لها لتحيا، وتهنأ بسعادة فى أسرتها، وهنا سخر منها عقلها، فأى أسرة تدعي؟ زياد المدلل لازال إبن أمه، واخواته، أم والدتها التى لم تتأثر بأى شىء مما عاناه والدها، إلا حين أصبحت مصدر سخرية ،ومقت أهل القرية.

وحزنها الآن؛ لبيعها حليها، لا لأجل زوجها، أو أبنتها، وترفض طلاق إبنتها فقط؛ لكى لا يتشفى بها كل من تشفت بهم، وهم كُثُر، وليس مهم راحة إبنتها، ورفضت أن تبيع المنزل، وتغادر تلك للقرية كما فعلت فيما سبق، فالمنزل ليس كبيراً كمنزل العائلة القديم؛ لتأتى بالمال من خلفه.

كما أن ما زينت به منزلها الحالي بزينة لم يعد ذو موضة رائجه، فلن تغوى أحداً، واسعر المنازل إرتفعت، ولن تستطع شراء آخر، ويتبقى لديها وفرة من المال كما السابق، كلها حجج، ولكن حقيقة الأمر، أن والدتها لن تتخلى عن هذا المكان الذى صنعت لنفسها سيرة شيقة بين الناس.

ولكن بدأت والدتها تتراجع عن هذا بعد أن أصبح الجميع يمقت التعامل معها، وارادت بيعه، والهرب من تلك القريه، ولكن زوجها الذى لم يرفض لها يوماً أى أمر رفض؛ لأنه مديون، ولو بيع المنزل، سيذهب أكثر ماله إلى الدين، ولن يستطيعوا شراء آخر، أو الحياة بنفس الترف الذى يحيون به.

ورغم أنها سددت جزء كبير من الدين ببيع حليها، ولكن لازال هناك المزيد، فتلك الحمقاء! أسرفت فى التباهى فى تجهيز "ساره" بالكثير من الأشياء الغير ضروريه، تلى ذلك مصروفات لا فائدة منها على شراء حاجيات لطفل سارهالأول، وبعدها الإحتفال بميلاده.

وبكل مناسبه تتسبب لزوجها فى ضرر مادي؛ لتبدو ثرية، كريمه أمام أهل زوج إبنتها، ولكن كل هذا لم يجعل "والدة زياد" تحب "ساره" أو حتى ترتاح لها، لقد وافقت مرغمه على هذه الزيجة؛ لتحفظ ماء وجهها، بعد فشل خطبة إبنها بشهد، ولكن حتى لو كانت شهد فقيرة معدمه.

فهى بالأخير فتاة جميلة مهذبه، كانت لتتفاخر بين النساء بكونها زوجة إبنها، وليست تلك البغيضة، الأنانية، الماكره، كما أن "والدة شهد" كانت سيدة تستحق المعرفة، رغم غيرتها من أنها زوجة "حسين" الذى كان أثرى من بعائلتها.

ولكن السيدة كانت بحق تستحق، على خلاف "والدة ساره" إنها إمرأة بلا عقل، وزوجها لا أهمية لوجوده، إنه تابع لها لا أكثر ولا أقل، لذا لا وجه للمقارنه، لقد كان "حسين" رجل يتمنى معرفته الجميع، وما شيع عن طباعه النهمه ف الطعام.

هذا لغيرتهم منه، فقد كان وسيماً، وذو شخصية جذابه، تأثر القلوب، كما أنه كان ثرياً، وحتى حين فقد ماله، لم يدين عائلته، وظل يستمتع بحياته، وحتى بعد وفاته، أراد أن تصبح سيرته عطرة بين الناس، وهذا ما حدث، نعم، لقد ضاع ماله، لكنه لم يترك أسرته معوزيين.

على عكس "والد ساره" الذى قضى الدين على راحته، وصحته، ووالدتها لا تهتم سوى بنفسها، لذا كانت ترى "والدة زياد" أن الإبنة لأمها، فإذا تركت لها فرصة، ستفغل بإبنها ما تفعله والدتها بأبيها، ولهذا عملت جاهده لجعل "زياد" لا يهتم بها، وحقيقة الأمر أنه هو نفسه لم يحبها مطلقاً.

لقد أثارته "شهد" واحبها بالفعل، رغم إدعاؤه خلاف ذلك، لكنها تعرف إبنها جيداً، ولولا أنها تهتم جيداً بطعامه، وترعاه دوماً، لظهر آثار حزنه عليه تلك السارهالذى اكتشف غيرتها الحمقاء من "شهد" ولكن بوقت متأخر، دمرت حياته.

فهى لا تستمع إلى صوت العقل، شبح "شهد" دوماً أمامها ليقينها أنها من أذنها بلا أى وجه حق، لقد أوصت "والدة زياد" بناتها بألا يتركنها بين يدي "ساره" إذا ما مرضت، وأن يهتممن بها، فهى لا تريد لتلك الفتاة أن تنفث غيرتها بها، وهى فى وهن المرض.

غرقت "ساره" فى التفكير بحياتها البائسهة، بينما كان "زياد" يجلس فى المقهى مع أصدقاؤه، حقا المظاهر خادعه، لقد تظاهر كالأحمق أنه لا يهتم؛ ليخفى خيبة أمله, ولكنه بالفعل فقد طموحه، ورغبته فى أى شىء ما إن تيقن بأن " شهد" لا تريده.

ما فعلته لم يكن يستحق كل هذه الزوبعه، ولكنها بأفعالها كانت تؤكد له أنها لا تريده، لقد إختلقت المشاكل لكى تتخلص منه، ولم يستطع أن يتقبل أن يتزوجها، وهو يدرك تماماً أنها لا ترغب به، ولكن لما كانت تنفره هكذا؟! لقد عشقته كل الفتيات.

لكن "شهد" كانت مختلفة عنهن جميعاً، وبالمقارنة بسارهفهى لا شىء، بل أسوأ من لا شىء، إنها ذنب كل فتاة أغواها لتسليته، إنها عقابه الأبدى، لقد خدعته حين تصنعت البراءة، والحب، وتذكر بعد أن تمت خطبتهما، حين دعاها إلى أحد المطاعم.

وبالتذكر الآن هى من دفعته إلى هذه الدعوة، فهو يحب طعام والدته أكثر من طعام المطاعم، لكنها وسط الحديث حين بدى غير عابىء بما تقول، إدعت أنها رأت إنعكاس وجه "شهد" بالنافذه ففزعت، فسألها متعجباً عما يحدث معها.

فأخبرته أنه خُيِّل لها أنها رأت "شهد" تنظر من خلف الزجاج إليها بطريقة مخيفه، تهددها؛ لأنها أخذته منها، ورغم أنه تعجب لهذا، فهى لم تأخذ شىء، بل "شهد" من تخلت عن شىء لم تكن تريده، فحاول تهدئتها واخبارها أن لا شىء من هذا صحيح.

وانه لم يعد يهتم بشهد، وكم أراد أن ينهرها؛ لأن بعد فشل خطبته بشهد شيعت شائعات حول نهم "شهد" وانه تركها خوفاً من الإفلاس باطعامه إياها، ولم يكن هو مصدر تلك الشائعات، وقد أخبرته والدته أنها تشك بساره.

فقد أخبرتها إحداهن أن "ساره" من روجت لتلك الشائعات؛ لتذل "شهد" وتعجب للأمر، لما تفعل "ساره" هذا؟! ولكن حين ذكر الأمر لم تبدو متأثره، بل تغاضت عن الأمر، وحاولت تشويه صورة "شهد" وقد ظن أنه لخوفها أن يعود إلى "شهد" ويتركها.

ولكن مع الوقت إكتشف أنها كانت تغار من "شهد" بجنون، فلم تكن حتى تهتم بمدى الأذى الذى كانت تلحقه بها، حتى أن "شهد" هجرت القرية هي ووالدتها، ومنذ حينها أصبحت تلك القرية كئيبة مزعجه.

لقد كان إنتقاله منذ البداية إلى هناك؛ لأجل "شهد" فقط، لكى لا يصبح لديها حجة، بأنه يبعدها عن والدتها، لقد عشق تلك الفتاة، وزوجته الحمقاء لم تفعل أى شىء جيد؛ لتجعله ينساها بل إنها بأفعالها الحمقاء تلك، تدفعه دفعاً للرثاء على "شهد" ومقت نفسه؛ لأنه تزوج من بلهاء مثلها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي