الفصل السابع

لقد عانت شهد  كثيراً منذ صغرها من سخرية الناس، ولكن أن تطلق تلك الكلمات السامه عنها صديقة إعتبرتها أختاً لها، فهذا ما لم تتحمله أبداً لقد أذتها "ساره " كثيراً فقد أخفت عنها خداع "ليث " ومن ثم نشرت حولها شائعات بلا معنى.

وكل هذا؛ لكي لتستعيد "زياد" رغم أن "شهد " كانت تجتهد بصوره واضحه؛ لتجعله يفسخ خطبتهما التي أُرغمت عليها، لم تضع بحسابها خبث بعضهن، فلقد أقسمت "سوزان" حينها أنها رأتها أكثر من مرة برفقة "زياد" في أوضاع حميمية تثبت جدية علاقتهما المزعومه.

وقد أكد "زياد" فلم تنصت لها والدتها مع تأكيداتهم، ولكن هما لا يهمنها بشيء، ولن تلومهما مطلقاً، لكن أن تتهمها صديقتها المقربة بالخيانة، فتؤكد بذلك أقوالهما، مما دفع والدتها لإرغامها على تلك الخطبه، لقد نفدت بأعجوبه من هذا الفخ.

لا تعلم "شهد" كيف واتتها الشجاعة للذهاب إلى منزل "ساره" والسؤال عن "ليث" ولم تبالي بسخرية "ساره" ووالدتها التي أكدت لها تلك الظنون السوداء التي تعبث برأسها تجاه صديقتها، لكنها لن تترك لها فرصة التشفي.

فقد أخبرتها صراحة بأنها إذا ما إلتقت بليث سوف تنهي خطبتها بزياد ويصبح متاح لها، وكم آلمها وأثار تقززها تحول صديقتها بلحظه من بين السخرية إلى تصنع الود الزائف، لكنها لم تعد تهتم، وتفاجأت بأن "ليث" في سبيله إلى الرحيل.

فأسرعت للحاق به، لا فقط لأجل إنقاذها؛ بل لأجل إشتياقها إليه، وحين توقفت أمامه، كانت رغبتها تؤلمه في إلقاء نفسها بين ذراعيه، لكنها تماسكت أمام نظراته الثلجية، وسألته بهدوء فاجئها.

- حسنا لن أطيل عليك الحديث، أنا فقط أريدك أن تتزوجني.

صوت صديقتها ما أنبهها لشرودها: شهد !

نظرت نحوها بتقضيبة متعجبه تسألها ماذا هناك؟! فأجابتها بضيق.

-أفيقى يا فتاة! وإلا سوف يتم طردك، وانتِ بحاجة إلى هذا العمل.

أومأت بتأكيد: نعم، أنا بحاجته.

-حسنا إذاً، كونى أكثر تركيزاً.

-سأحاول جاهدة، أعدك.

تنهد بضيق: سنرى.

لقد تعلمت "شهد " بعد رحيلها من قريتها، أن أقرب من لها ليسوا أقاربها، بل جيرانها، لأنهم الأقرب لنجدتها حين تقع أى كارثه، لقد فاجئها مرض والدتها ، ولم يعاونها سوى جيرانها، لقد كانوا الأقرب لمؤازارتها فى الأحزان، الأقرب لمشاركتها الأفراح، يعلمون عنها ما لا يعلمه أهلها.

صراخها أثناء الشجار مع أحد ما يزعجها، صخبها أثناء الإحتفال بنجاة والدتها من الموت، فقد كانت نوبة قلبية شرسة تلك التى داهمتها بدون أى إنذار سابق، كذلك جيرانها هم أول من رأوا وجهها بالصباح، حينها أدركوا كيف هو حالها؟ إذا كانت على ما يرام أم لا؟

وقد أدركت أيضاً أنه لو كانت جيرتها جيده ستحيا بليلى، أما لو كانت سيئه ستجعل أيامها مزعجه، بينما لو كانوا أقاربها سيئين أو جيدين، فيمكنها ببساطه الإبتعاد عنهم أو تجاهلهم، لكن جارها حتى لو أغلقت بابها سيصل إليها صوته، فأين ستهرب ؟ لكنها كانت محظوظه بالفعل، فجارتها رائعه.

"ليلى" تلك الفتاة كانت هدية السماء لها، فهى مرحة لطيفه، على خلاف "ساره " المتصنعة الهدوء والرزانه، ولم تكتشف "شهد " أنه مجرد قناع واهى إلا بيوم زفاف "ساره " فقد كانت ترقص مع "زياد" بصوره مخجله.

وتكاد تقفز فى الهواء من فرط حماستها، ولو كانت هى بمحلها لقيل الكثير، لكن الكل تغاضى عن تصرفاتها الهوجاء، وكأنها فازت باليوبيل الذهبي، حسنا، هنيئا لها! فلتنعم به! فمنذ البدايه لم تكن "شهد " ترغب به، ولكن تصرف "ساره " ما أزعجها بالفعل.

لقد أقيمت الأفراح، وتعالت الزغاريد، وكلمات التهنئة للإحتفال بزواج "ساره  وزياد" والجميع يهنئهما بسعاده، وكأنهما لم يدعسا قلب تلك المسكينة "شهد " بما تم نشره عنها من شائعات كاذبه، جعلت الجميع يتلذذ بالسخرية منها أكثر مما كانوا عليه.

فوجدت والدتها أن الحياة بتلك القرية لم تعد تحتملها، ويجب أن تغادرها، فليست تلك هى نفسها القرية الجميلة التى تربت بين أهلها الطيبين، لقد أصبح الجميع لا يهتموا سوى بمصالحهم فقط، ولم يعد يهتم أحد بمشاعر غيره.

لقد تلاشت كل تلك الأشياء الجميلة التى كانت تجعلها تتمسك بقريتها، فقررت الرحيل بإبنتها الذى ذبلت منذ تمت خطبتها لذاك الوغد، لقد أخطأت، حين لم تنصت لها كون عائلة زوجها أوغاد، ولا يحملون بأنفسهم سوى السواد.

ولقد عوض الله " شهد " عن تلك الغيورة المصطنعه بصديقة أفضل، إنها "ليلى" جارتها المرحه التى لم تتعلم شئون المنزل، ولما ستفعل مادامت والدتها تقوم بكل شئ؟! كذلك لم تكن "ليلى" جيدة بالدراسه، مادامت ستتزوج، ومن يحملن الشهادات لا يعملن بها.

ولو عملن سيكون بمجال مختلف تماماً عن دراستهن، كانت تلك حججها، بينما الحقيقة، أنها كانت تهرب من أعمال المنزل كسلاً لا أكثر، ولا تجتهد بالمذاكره؛ لأن قدرتها على الإستيعاب ضعيفه، وتجد الدراسه مزعجه، مجهده بلا فائده، نعم لم تكن مميزه أبداً، بل على العكس تماماً.

لكنها كانت تختفى خلف اللامبالاه، والكسل، تخفى خوفها من الفشل، خوفها من كونها خيبة أمل لعائلتها كما كانت تظن، وهذا لأن من كن مثيلاتها بالعمر من عائلتها دوماً متفوقات، وهى لا، تتظاهر أحياناً بقوة، وجرأة ليست موجوده، هى ضعيفه، هشه بسيطه، خائفه لا أكثر.

لقد كانت " ليلى" تحب أحدهم فيما مضى، ولكنه هجرها؛ لأجل أخرى ثريه، ولكن قبل أن يهجرها علمت "ليلى" بوجود علاقة بينه وبين إحداهن، فقررت مواجهته، وحينها تفاجأت به يطلب إليها طلباً وضيعاً، ومرعباً.

فقد أراد منها أن تثبت حبها له عن طريق تقديم نفسها له كبرهان على ذلك الحب؛ ليضمن أنها ستظل له، ولن تصبح لغيره حتى يستطيع الإنتهاء من تكوين نفسه.

شهقت حينها بفزع مما يقول، نعم، كانت تحبه بل كانت تظن أنها تعشقه، لكنها لم تكن تريد علاقة محرمه، فحاولت إثناؤه باللين عما يفكر به، وذلك لظنها بأنه لابد وأن الغضب أعمى بصيرته، فأخبرته أنها ستظل له، ولو أراد الضمان يمكنه أن يتزوجها.

فضحك ساخراً، وهو يخبرها أن الزواج تضحية منه لا منها، فستقع مسؤليتها فوق رأسه لأمد غير معلوم، كما أنهما لن يستطيعا أن يتخلصا من بعضهما بسهولة، لو أعجب أى منهما بشخص آخر،  لكن أن تصبح له بلا أى دليل غير حبه لها سيجعلهما هذا يمتلكان الحرية فى إختيار مصيرهما!

لم يعجبها منطقه، ولا ما يقوله أبداً، ولم تكن أول مره تعترض على مقترحاته لحل الأمور، ولكنها كانت دوماً تجد له العذر، فهى كانت تعشقه وتثق به.

حاولت مجدداً جعله يتعقل، لكنه لم يستمع، وحاول تقبيلها غصباً، فدفعته بغضب، وصفعته بقوه أذهلتها، قبل أن تصعقه.

ظل ينظر لها بذهول، وهو لا يستوعب كيف واتتها الجرأة؟! فحاول رد الصفعه، لكنها هربت راكضة من أمامه، وظلت تعنف نفسها بسبب غباءها، فهى من ظلت تلتمس له الأعذار حتى كاد يدمرها.

قررت "ليلى" بعد تلك التجربة المؤلمه، أن تترك الكسل، وتخفف حزنها بالعمل المفيد، ولسخرية القدر أن العمل الوحيد الذى إستقبلها كان نادلة فى مطعم، وهى من كانت لا تستطيع حمل قدح شاى دون سكبه، تدربت، واستطاعت النجاح؛ لتثبت للجميع أنها ذات فائده، وانها تستطيع أن تنجح إذا ما أرادت.

وقد عملت مدة شهر، ونصف ثم تفاجأت بحبيبها يحجز المطعم الذي تعمل به؛ لإقامة حفل زفافه، وتعمد طلبها؛ لتشرف على الزفاف، فرفضت، ولكن صاحب المطعم أصر عليها، فاستقالت، وقررت أن تترك البلده التى عاشت بها طوال حياتها، فبكل الأحوال كانت يتيمة وحيدة.

لا تملك بهذه الدنيا سوى والدتها، واخاها الصغير، وقد وافقتها والدتها على قرارها بالرحيل؛ لأنها تعلم بقصة حبها مع ذاك الوغد، وحين إنتقلوا، وجدت " ليلى" عملاً كنادله، ووجدت والدتها أفضل صحبه مع "والدة شهد " والتى جعلت "ليلى" تتعرف على "شهد " فاحبتها.

وقررت مساعدتها، وها هما صديقتان تعملان سويا بأحد المطاعم الفاخره، وكانت تهتم بأمر "شهد " بصدق.

لقد أنصتت "ليلى" باهتمام إلى قصة "شهد " حين أصبحتا مقربتين، حيث دفعها الفضول لسؤال "شهد " عن سر نظراتها الحزينه، كلما رأت إثنين متحابين، وأغلب الظن أنها قصة عشق مدمره، ولكن فضول "ليلى" يجبرها أن تعلم التفاصيل.

لم تترك "شهد " حينها هفوة لم تخبر "ليلى" بها ، وكأنها كانت تنتظر من تفضي بألمها له ، ويتفهما.

-ما بالكِ أنتِ، ووالدتكِ؟! حادثتان بيومين متتاليين؟! أم تراها عادة فى دياركِ، هل دوماً تتصيدن الرجال بالحوادث؟!

لم تستطع "ليلى" منع نفسها من التعقيب عن الأمر، فما خطب تلك العائلة مع الحوادث، لكن "شهد " لم تنزعج، بل إبتسمت ساخره، فكلا الحادثتين أتيا برجلين دمرا حياتها، لم تكن فشل خطبتها إلى "زياد" سبب يأسها.

لقد عملت جاهدة بأن تجعله يتركها، فبعد أن هدأ غضبها إكتشفت غباء فعلتها، فالأمر لم يكن فقط لأنها وافقت على رجل لا تريده بل الأسوأ أن هذا الرجل هو "زياد" الشاب الذي لم تكن تتقبله مطلقاً، وصديقتها رغم أنها أخفت عنها خطبة "ليث " من أخرى إلا أنها لن تكون مثلها أبداً.

لن تدع الغضب من خداع "ليث " لها، ورغبة عمياء فى الإنتقام من "ساره " أن تحولها إلى شخص تمقته، ولم يزعجها أن ساره  تمت خطبتها إلى "زياد" سريعاً، لقد تدمرت "شهد " كلياً يوم إكتشفت أن "ليث " يتلاعب بها.

لقد حطم فؤادها، فدمر روحها، وما حدث لاحقاً لم يكن زى أهمية، بل على العكس تماماً لقد أسعدها أن تبتعد عن كل تلك المؤمرات، وعن ذكرياتها التى أصبحت كالأشباح التي تطاردها فى صحوها ومنامها.

-يا إلهى- هل هناك من لازال يمتلك سذاجتك، كيف خدعتك تلك الساره  طوال هذا الوقت؟!

-لا أعلم، ولم أعد أهتم، فلقد أصبح كل هذا من الماضي.


أفاقت مرة أخرى "شهد " من ذكرياتها، إثر وكز "ليلى" لذراعها بكوعها، فرفعت رأسها لتجد أن رئيسها ينظر نحوها بضيق، فعادت إلى عملها، نافضة تلك الذكريات من رأسها.

فى المساء، بعد أن أنهت عملها تسللت إلى المطبخ تتأمله، لقد كانت تختلس النظر إلى الطهاة فى أوقات العمل لكن أحدهم عنفها لهذا.

لحقت بها "ليلى" ووضعت كفها على كتف "شهد " فأجفلت لتفاجؤها، ومن ثم تمتمت بحزن.

-أعتقد أنه يجب أن نغادر.

نظرت لها صديقتها متسالئلة: ولما هذا؟!

-هل نسيتى ما قاله الطاهى بالمرة السابقة حول عملى بالمطعم؟!

زوت جانب فمها بسخريه: نعم عزيزتي، أذكر جيداً، ولكن ما لا تعرفينه أن رئيس الطهاة أشاد بعملك، وقال أن المعجنات التى صنعته لأفضل ما قدمه الطاه، واثتى عليه تحسن مستواه بالطهو، فقد  بدأ الجميع يضجر من تكراره الأصناف، حتى التوابل نفسها فى كل وصفة.

فأصبحت كل الوصفات بنفس الطعم تقريباً، وكون رئيس الطهاة أشاد بعملك، فهذا يضعه بخطر، فابعدك لكى لا ينتبه لكى رئيس الطهاة، ويقوم بطرده، ويضعك مكانه.

حركت رأسها لكلا الجانبين رافضة: هذا مستحيل! لقد درس الطهي، ولديه الخبرة، يستحيل أن أتفوق عليه، حتى ولو كان طهوه مضجراً.

تنهدت بيأس من عدم ثقة "شهد " بقدراتها: يا فتاة، الأمر موهبة فطرية بكِ، ومن مثلك تثقل موهبتها التجربه، والتعلم، لكن طاهينا العزيز لا يملك أدنى حس فني بالطهو، هو فقط درس بلا شغف، لقد علمت بكل هذا اليوم، ذاك الوغد لم يذكركِ أمام رئيسه، لم يذكر إسمك حتى ولو كصدفة.

قبل أن تتفوه صديقتها بأى تعليق، تابعت ساخطة: إنه مجرد وغد! لقد نسب عملك إليه، كيف ستتركينه يفلت بفعلته تلك؟!

أنكست رأسها بخزي: لا حيلة لدى، أنا أحتاج لهذا العمل، بكل الأحوال، لن يختارنى رئيس العمل، ويقوم بطرد الطاه، فأنا بلا خبره.

تأففت صديقتها بضيق من يأسها، ثم تذكرت صديقة لها   تمتلك مخبزاً فأخبرت "شهد " عن هذا المخبز، هو صغير نعم، ولكنه يعمل جيداً، والخباز لديهم يريد من صاحبة المخبز أن تزيد راتبه، والأمر شبه مستحيل فلديه الكصير من المصروفات من خامات وايجار، وفواتير الكهرباء، والغاز، وخلافه.

والمخبز رغم أنه يسير بشكل جيد، لكن صاحبته إذا ما رفعت راتب الخباز فإنها لن تستطيع تلبيه إرتفاع الأسعار فى الخامات، وهى يائسه، فاقترحت "ليلى" على "شهد " أن تحدث صديقتها عنها، وحين رفضت "شهد " لعدم حصولها على شهادات خبره بهذا المجال، وشهادة تخرجها لا تمت بصله إلى هذا المجال.

لكن "ليلى" حثتها على المحاوله، فخبرة الشخص بيديه، وليست بالشهادات، والزبائن التى تأتى لتناول خبزاً جيداً، أو كعكة لذيذه، لا تطلب الزبائن رؤية شهادة الطاه، بل كل ما يهمها جودة الطعام، ونظافة المكان، خلاف هذا لا شىء مهم.

وبدأت تشجع "شهد " على الأمر حتى وافقت، فهللت  متحمسه، وقررت أن تخبر صديقتها، فراتب الطاهى لديها يضاهى ضعف راتب "شهد " هنا، كما أنها ستعمل بشىء تحبه، ولن تتعرض لمضايقات الزبائن على خلاف ما تراه هنا.

نامت "شهد " تلك اللية تشعر بالغبطة؛ لتخلصها من عملها بهذا المطعم، وظنت أنها ستنعم بأحلام ورديه، لكن عقلها كان يتذكر حزنها بمعرفتها لما فعله الطاه، فلم تكن صديقتها هي أول من علمت منها، لقد كانت هناك لكن أخفت عن صديقتها الأمر؛ لكى لا تثور، وتخسر وظيفتها.

الألم ينهش صدرها كذئب يلتهم لحم فريسته بنهم، رؤيتها له بخير يضحك، وكأنه لم يفعل شيئاً مطلقاً، تزيد فى رغبتها فى الفتك به، كيف يجرؤ على فعلة كتلك؟! يتباهى الآن بعملها كالطاووس المتفاخر بألوانه المزركشه، بينما هو مجرد غراب.

لص سرق ريش الطاووس، وتركه حسير على حاله، أهذا نفسه من كان بالصباح يدور بالغرفة حائراً، كذبابة مسجونة خلف باب زجاجى، ترتطم به كلما حاولت النفاذ، وطلب عونها، فرأفت بحاله لتكتشف أنه مخادع، ثعلب ماكر إرتدى ثوب الأرنب البرىء.

لقد نسب كل العمل له، ولم يذكرها ولو كمساعدة له! إستغل ضعفها، وفقرها، وصغر مكانتها، وسرقها، كم ترغب فى القفز فوق رأسه، وتمزيق وجهه المبتسم بأظافرها؛ لترى إذا كان يحمل دماءاً كغيره من البشر أم لا؟ فأغلب ظنها أنه ذو دم بارد.

مكون من قطع ثلجيه تطفوا فى مياه ضحله، وبين رغبتها المُلحة فى تهشيم رأسه؛ لتمحى تلك البسمة السمجة من وجهه، وبين رغبة أكثر إلحاحاً فى الصراخ به أمام الجميع؛ لتفضح أمره، إختارت بكل أسف الصمت فقط؛ لأنها ضغيفة بلا حامى حتى إنتهى الحشد المهنىء له.

فنظر لها ببسمة أرادت محوها من على وجهه، لازال يتفاخر حتى أمامها! وكأنه لم يسرقها، وأخبرها أنه سيستعين بخدماتها مجدداً، إذا إحتاجها، وهنا وقد فاض الكوب حتى سال ما به، لم تعد تحتمل أكثر فصرخت به تعنفه على خداعه لها.

-أيها الوغد! ألم تكتفى بسرقة عملى؟! سأجعل كل من بالمدينة يعرفون بأمرك، سأحرق سيرتك الفاخرة برماد كدى، سأحول حياتك لأحلك الكوابيس، هل ظننت حقا أننى سأتركك هكذا بلا عقاب؟! حتى ولو كنت ضعيفة فسأنتقم.

ظلت تصرخ، وتركل بقدميها فى الهواء، حتى أيقظت والدتها، ووصل صوتها إلى الجيران، فأتت "ليلى" راكضة تحمل عصاة غليظة تنتوي بها قتل اللص، ولحق بها أخاها الذي يحمل معلقة يهدد بها، وخلفهما والدتهما، حينها تجمدوا مذهولين أمام " شهد  النائمه تصرخ.

-أيها اللص! سأقتلك، إطلبوا الشرطة ، لقد سرقنى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي