ميساء

الفصل الواحد والثلاثون
سأكون
الجزء الثانى
استيقظت باكرا، بل يمكن القول انها لم تنم من الأساس، هل ما حدث لها صحيح، لقد تركها في ليلة زفافها وفر منها كأن بها مرضا يخشى أن ينتقل إليه منها، تنهدت في خيبة أمل وحسرة شديدة وهى تنظر إلى نفسها في المرآة، دمعت عيناها وهى تتحسس بيدها وجهها وتعكس لنفسها في مرارة:
-  لا اظن انى بكل هذا القبح ، لما يا ترى فعل بي هذا؟ بل لما تزوج بي من الأساس؟
ظلت لفترة أمام المرآة تتحدث دون توقف حتى شعرت أنها قد هدأت قليلا وتحركت للخروج من الغرفة لتتفقد باقى المنزل فهى لم تأكل شيئا وقد أصابها الجوع الشديد والعطش الآن من كثرة البكاء، ما إن فتحت باب غرفتها حتى رأته نائما على أريكة غير مريحة على الإطلاق بكامل ملابسه، تنهدت وهى تهز رأسها يمينا ويسارا في ضيق من أفعاله الغريبة الغير مفسرة واقتربت منه في هدوء حذر حتى لا يستيقظ فزعا ومدت يدها تهزه في رفق شديد هاتفة بكل نعومة ورقة:
-  أستيقظ يا عاطف، هيا فلتنم داخل غرفة نومك فأنت مجهد للغاية.
فتح عاطف عينيه في رعب وتطلع إليها في دهشة كأنه يتساءل من تكون تلك الفتاة التى أمامه وأخذ عدة ثوانى قليلة حتى أدرك أين هو ومن تكون هى التى تحدثه.
اعتدل جالسا وهو ينظر إليها صامتا، داخله صراع لا يعلمه ولا يشعر به أحد، كم هو إحساس الظلم صعب ويشعر أنه ظلمها بزواجه منها ودون إعطائه أي فرصة للتفكير او مراجعة نفسها فى أمر هذا الزواج الذى تم خلال أسبوعين فقط من أول مقابلة حدثت بينهم، ما التصرف الصحيح الآن؟ هل يتركها مثلا هكذا لا زوجة ولا حتى أم؟ امتلأ قلبه وفمه بالمرارة حين أتى على ذكر هذا الأمر.
ليس بيده أن يجعلها أم ولكن على الأقل لا ...
قاطعت مايسة أفكاره المعقدة المتشابكة وهى تهتف في عذوبة ورقة كعادتها:
-  هل أنت جائع؟ سأقوم بإعداد الافطار، هلا تناولنا الطعام معا؟
نظر إليها في دهشة وتعجب من طريقة تعاملها الرقيقة للغاية وخفق قلبه وجعا عليها، ليس بيده ما يفعله ويعلم انها لا تستحق ما يحدث لها، تلك الرقة والجمال والأخلاق العالية تستحق رجلا كاملا وليس رجلا مثله ناقص معيوب في نظر الجميع، هز رأسه في عنف حتى يخرج تلك الأفكار التى تكاد تطيح بعقله وتودعه قريبا في إحدى مستشفيات الأمراض النفسية.
تراجعت هى للخلف في ذعر من حركته تلك متوقعة أنه يهز رأسه رفضا لتناول الطعام معها مما فجر الدموع في عينيها وهتفت بصوت مختنق:
-  لهذه الدرجة تكره وجودى حتى أنك لا تحتمل رؤيتي أو تناول الإفطار معى.
وقف سريعا هاتفا في صدق مبررا موقفه في تلعثم لا يصطنعه:
-  ماذا تقولين ميساء، بالطبع أحب تناول الإفطار معك، اعذري غبائي فجمالك أطاح بعقلي الصغير.
ابتسمت في سعادة وفرحة طاغية وهى تهز رأسها في رضا وأسرعت دون أن تنبث بكلمة إضافية لتحضير الطعام في حين ابتسم هو وهو يقف ليحرك جسده المتيبس من النوم على الأريكة وهمس لنفسه في سعادة:
-  يا للنساء! كلمة ترفعهن للسماء وأخرى تلقى بهن أرضا في قسوة شديدة.
مط شفتيه وهو يدخل إلى غرفة نومه ويختار إحدى ملابسه المريحة ليأخذ حمامه قبل أن تنتهى هى من تجهيز الإفطار.
يجلسان أمام طاولة الإفطار في هدوء، يرى ما أمامه موضوعا ومرتبا في إهتمام ورقة شديدة جعلت الإبتسامة لا تفارق شفتيه وهتف بها مشاكسا في مرح اسعدها للغاية وانساها ما حدث منذ قليل:
-  وهل يمكن تناول هذا الطعام يا صغيرة، أنه تحفة فنية لا استطيع ان اقترب من أى شئ منه فهو مرصوص بدقة واشعر انى سأقوم بهدم كل هذا الجمال بقضمه واحدة منه.
ابتسمت في خجل وهتفت في حياء وهى تبعد عينيها عن مجال رؤيته تماما:
-  كلا يمكنك الأكل بكل أريحية فقط اتبع النظام وستجد الأمر ممتعا للغاية.
نظر إليها في حنان وامتلأت عيناه بالراحة لمرآها على هذه الحالة من السعادة والمرح وهتف مرة أخرى مناكفا إياها في إصرار:
-  هل تستطيع صاحبة اللوحة الفنية والترتيب العظيم أن تظهر لي كيف أضع الطعام وكيف أكله دون أن ادمر هذا الفن الراقى.
أمسكت هي طبقها في هدوء وهى تبادله الابتسامة في راحة وبدأت في تناول الطعام في بطء وروية وبطريقة منظمة للغاية، اسعدته رؤيتها تأكل وركز جيدا في طريقة تناولها إلا أنه وبعد مرور ما يقارب الخمس دقائق زفر في ضيق شديد وهتف في قلة صبر:
-  ميساء صغيرتى، سأتضور جوعا إن فعلت ما تفعلينه صدقا، لا استطيع الصبر وتناول الطعام في حوالى خمس ساعات، لدينا يوميا ثلاث وجبات نضرب في خمس ساعات يكن مجموعهم خمسة عشر ساعة إذن لن نعمل وبالكاد سنجد وقتا للنوم صغيرتى.
ضحكت ملء شدقيها حتى كادت أن تنقلب للخلف في قوة لولا أن امسك بها في شدة وهو يتأملها في سعادة فما يحدث الآن بينهما لا يتخيله مطلقا، هل هذا هو الود الذى يذكرونه دائما، هل هو سيتركها كما قال حتى لا يؤذيها او تؤذى هي مشاعره.
نفض رأسه من الأفكار التى بداخلها وقرر أن يعيش كل لحظة بلحظة دون التفكير فيما سيحدث أو ماذا حدث في الماضى القريب.
_____

ينتظر سماع رنة هاتفه بفارغ الصبر، لا يدرى كيف يصف شعوره نحوها، يريدها بكل جوارحه وسيفعل كل ما يلزم من أجل أن يمتلكها ولن يقف في وجهه أحد مهما حدث.
اقتربت منه زوجته وهى تنظر إليه في هدوء خاص بها ويميزها هاتفة بنبرة غامضة:
-  لما كل هذا القلق يا ناصر؟ هل هناك ما تنتظره وسيأتي عبر الهاتف؟
رفع عينيه إليها شرزا وهتف في ضيق وعدم اكتراث لما تقول:
-  وهل هناك ما يأتى عبر الهاتف عبير، أريد فنجانا من القهوة من فضلك.
ابتسمت في هدوء وهى تهز رأسها دون رد وتحركت في آليه اعتادت عليها من كثرة تصرفاته الغريبة دوما في حين زفر هو في غيظ ناظرا إلى الهاتف هامسا في ترجى:
-  هيا أمنية لقد لبيت لك كل طلباتك اعطيني إشارة البدء لقد مللت من هذا الانتظار.
وكأنها سمعت همسته فرن هاتفه وظهر رقمها على الهاتف فبرقت عيناه في شغف وانتصار وشعر أنه على بعد شعرة واحدة من تحقيق حلمه فقط مجرد شعرة وسينتظر بصبر حتى يحقق مأربه ولكن عليه الحذر حتى لا تشعر زوجته عبير بما يحدث وقتها سيخسر الكثير وهو لا يقبل الخسارة مطلقا .
وامتدت يده نحو قبول الإتصال في هدوء و حذر وروية شديدة.
نهاية الفصل الواحد والثلاثون
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي