الصديق

الفصل الثالث والثلاثون
.سأكون
الجزء الثانى

تقف داخل غرفة سامح وهى ترتجف خوفا عليه، هناك شيء خطير يحاك ضده وهى تحاول بكل قوتها أن تدفع عنه هذا الخطر ولكن على ما يبدو أن الأمر أكبر منها.
لقد اصرت على أن تكون هى الوحيدة التي تعطيه الدواء وغيرت نظام عملها من أجله ولا تنكر أنها حاولت تحذيره أكثر من مرة وتثق أنه فهم ما تعنيه ولكن ما الفائدة الآن.
تنهدت وهى تقيس نبضه الذى انخفض لأقل نسبة وجعلتها تقلق بالفعل على حياته، بدأت بالدعاء من أجله وداخلها يبكى من أجله، لا تدرى سبباً للارتباط به، هو قاس بارد ويتعامل بتكبر مع الجميع ولكن تشعر بأنها المسؤولة عنه ولن تتركه .
جلست بجواره في صمت حتى دخل عليها مدير المشفى فوقفت في سرعة واحترام شديد.
تنهد المدير في ضيق وهو يقترب من سامح ليطمئن عليه وزفر في حزن هاتفا:
-  حقا لا أدرى سببا لما يحدث له شمس، لقد كان في منتهى القوة والصحة حتى أن الطبيب الخاص بحالته ( دكتور عمرو) قرر أن يكتب له على علاج أقل في النسبة واوصى بخروجه بعد غد إن ظل على هذا المستوى من التقدم .
دمعت عينا شمس وهى تحرك رأسها لتثبت عيناها على سامح لتتأكد من كل علاماته الحيوية وتتابعها باهتمام والتى تظهر على شاشات الأجهزة المتصلة بكل جسده.
سألت في اهتمام واضح:
-  متى حدث هذا سيدى المدير؟ اقصد متى سقط هكذا دون حراك؟
تنهد الرجل وهو يجذب كرسيا للجلوس ويجلس متعبا منهكا وهتف في حزن جلي واضح :
-  لحسن الحظ أن هذه المرة كان السقوط أمام عاملة النظافة التي كانت ترتب غرفته، المرة السابقة استطاع أن يدق جرس الأنظار وتسرعين أنتِ بإنقاذه أما هذه المرة سقط دفعة واحدة وهو...
صمت قليلا قاطعا كلامه وهو ينظر إليها متأملا في اهتمام اشعرها بالرهبة والخوف والدهشة من تصرفه هذا إلا أنه أكمل ما جعله ترتجف أكثر:
-  ينادى باسمك شمس، لم ينطق أي اسم سواكِ كأنه يطلب منك إنقاذه مثل المرة السابقة لذا طلبت منهم الاتصال بك وقمت بالاعتذار بالنيابة عنك لمدير المشفى التي تعملين بها صباحا حتى يسمح لكِ بالخروج دون أى مشكلة.
هزت شمس رأسها وهى تتنهد في ضيق وألم لا تدرى ماذا تقول أو ماذا تفعل، هو قبل أن يسقط ينطق باسمها كم يذبحها هذا.
دون أن تشعر بما تفعله مدت يدها لتربت على يده كأنها تخبره أنها بجواره ولن تتركه وحيدا مطلقا.
عاد السيد المدير للحديث دون أن ينتبه لما فعلته شمس:
-  هل تعلمين شمس أنه صديق عمرى وأشعر أنى خذلته.
رفعت شمس عينيها إليه في دهشة صامتة وعيناها تسأل في صمت فأجابها في سرعة:
-  لقد كنا معا في المدرسة ولكن هل تصدقين كان هو الأول دائما لكنه لم يستطع إكمال الدراسة...
قاطعته شمس هذه المرة في دهشة مستنكرة:
-  ماذا! السيد سامح لم يكمل دراسته الجامعية؟ هل هذا معقول؟
أبتسم المدير في شجن وهو يعود بالذكريات إلى الماضي وهتف في هدوء:
-  كان من أفضل الطلاب وأذكى من عرفت ولكن وفاة والده وانقطاع المال جعله يعمل في جد من أجل نفسه وأخته الوحيدة، وللحق يقال استطاع أن يحقق ثروة في وقت قياسي بالجهد والعمل المتواصل. وانقطعت أخباره عنى لمدة تزيد عن عشر سنوات كاملة حتى فجأة وصل إلى هنا بشكوى غريبة وتعب غير مبرر على الاطلاق.
تنهدت شمس وهى تدرك أن الأمر ليس سهلا وعليها أن تعرف بالضبط ماذا يحدث له وأسباب الهبوط الحاد الذى يحدث كل فترة ولا فائدة من الدواء أو التحاليل الطبية الكثيرة كل يوم .
استمر المدير في التحدث دون أن يهتم برد شمس عليه من الأساس، بل كأنه يحدث نفسه في هدوء ويخبرها بمكنونة نفسه فابتسم وهو يرفع عينيه للسقف هاتفا في استسلام:
-  على ما يبدو أنه لا فائدة من العلم الذى قضيت طوال عمرى أبحث وادقق من أجل أن اخفف الألم عن المرضى وفشلت، فشلت في أن اخففه عن اعز اصدقائي كم أنا محظوظ للغاية .
هز رأسه في ضيق ووقف ليرى سامح ويطمئن عليه هاتفا:
-  كم أتمنى لو أعرف ماذا يحدث لك يا صديقي؟ آه لو استطيع الولوج إلى داخل جسدك وارى من أين الألم؟
كانت شمس تسمعه جيدا ولكن ليس لديها النية للحديث، هى فعلا لا تعرف لما يحدث سببا ولكن تثق أن هذا لا يحدث من تلقاء نفسه، ولن تصمت حتى يشفى تماما.
تحركت شمس لتحاول تحريكه لوضعية مريحة أكثر مما اضطرها أن ترفع رأسه للأعلى قليلا فشعرت بحركة سريعة على جفنيه فارتجف قلبها وهمست بالدعاء من أجل أن يشفيه رب العباد.
جلست وغاصت في ذكريات سعيدة كانت منذ قليل مع من امتلك قلبها ومازال عقلها يرفض التصديق مع الطبيب أحمد.
لاح لها في الأفق شيء عمر مزاجها حيث تذكرت موقفاً سخيفا عندما تدخلت في الحديث الطبيبة سعاد وكانت تتهكم على وجودهما معا وتذكرت كيف كان رد أحمد قاسٍ عليها وكانت الحق تستحق واسترجعت ذاكرتها كل هذا الموقف في سرعة.
___
تتنفس شمس في ضعف واحراج شديد من مقارعة سعاد وكلامها الفج الواضح التصريح.
نظر إليها أحمد هاتفا في غضب وحزم عنيف بعض الشيء:
-  لا يحق لك ايتها الطبيبة المحترمة التدخل فيما لا يعنيكِ، أظن أن من حق الجميع أخذ مساحته في الحرية.
ابتسمت سعاد في سماجة وهى تنظر إليه في خبث هاتفة:
-  بالطبع الحق يقال لكل حريته في الإيقاع بأي شخص يريد وبكل طريقة ممكنة ولكن أظن أنه هناك حدود للأحلام لا يجب لمن هم دون المستوى تخطيها يا دكتور.
رفع أحمد حاجبيه هاتفا في سخرية شديدة أحرقت برودة قلبها وصدت كلماتها القاسية في حق شمس:
-  ومن الذى يحدد المستوى سيدتي؟ هل هو أنتِ؟
نظرت إليه محاولة السيطرة على طريقة كلامه التي بدأت باتخاذ طريق لا يعجبها على الاطلاق وهتفت في ضيق:
-  بل المجتمع هو من يحددها يا دكتور أحمد، هناك معايير للتناسب الاجتماعي الجميع يعلمها.
هتف في برود أفقدها تماسكها وسيطرتها على نفسها حين سمعته يهتف بها يقصدها هى بتلميحاته:
-  حقا وهل كل ما يمليه علينا المجتمع نفعله سيدتي، أعرف الكثيرات لا تحترمن أبدا معايير المجتمع فتتحدث مع الجميع دون تمييز عزيزتي.
تحركت في غضب دون أن ترد عليه لينظر أحمد ناحية شمس هاتفا في رقة لا تتناسب مع الموقف السابق:
-  أين كنا قبل أن تصل شمس ؟
تبسمت وهى تدلك يدها في الم بعد أن رفعت رأس سامح عدة مرات فقد شعرت أن هذه الحركة تزيد من سرعة استرداده اوعيه.
فجأة ارتجفت حين شعرت بيده تمسك بيدها في ضعف وصوت أشد ضعفا يهتف بها:
شمس ارجوكِ أريد أن أخرج من هنا وعلى وجه السرعة.
وانتفضت شمس في رعب وهى تدرك أخيرا ان الموقف في منتهى الخطورة ولا أحد يعرف كيف يخرج منه بسلام .
نهاية الفصل الثالث والثلاثون.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي