الخدعة من الاخ

الفصل الرابع والثلاثون
سأكون
الجزء الثانى
يحاول رزق بكل طريقة ان يجعله يأكل ولو أقل القليل إلا أنه لا يستطيع مضغ او استساغة لقمة عيش واحدة داخل فمه، الخوف على أسماء وابنتيه أصبح غولا يلتهمه ويقلق راحته ليل نهار، يفكر في جنون؛ اذا كان هو ابنه فعل به هذا اذا ماذا سيفعل بزوجته وأحفاده، هو في الأساس لا يعترف به او بهن، يا الله يا رحيم ماذا يفعل ضعيف مثله ملقى في السجن بلا حول ولا قوة ويكاد المرض والرعب يفتك به .
تنهدت رزق هاتفا في مواساة:
-  استحلفك بالله يا صابر أن تأكل وقريبا جدا ستأتى لنا الأخبار والبشرى عن زوجتك وابنتيك فقط اصبر واحتسب.
رفع صابر عينين مظلمتين يكاد لا يرى منهما إلا شعاعا ضئيلا ويشعر أنهما قريبا ما ينطفأن هما أيضا مثلما انطفأت روحه وانكسرت هامته ومن أقرب الناس إليه، تنهد في حزن وهو يزيح الطعام جانبا هاتفا في مرارة:
-  لا استطيع حتى النظر إليه رزق، أنت لا تشعر بما يضيق به صدري أكاد أموت حسرة وكمدا.
تنهد رزق وهو ينظر إليه في صمت، لقد دخل هذا الرجل قلبه وشعر أنه من واجبه الدفاع عنه ومؤازرته وخصوصا أنه مظلوم ظلم بين.
ما إن تحرك رزق حتى نادى عليه إحدى حراس السجن في تؤدة كأنه صديق له يتسامرا وليس سجين وسجان.
اقترب منه رزق في تؤدة و بساطة شديدة وهو يرفع يده لتحيته ليهمس له الحارس ببضع كلمات في عجالة لينعقد حاجبا رزق ويظهر التوتر والقلق الشديد عليه ويهتف في استنكار:
-  هل أنت جاد! هل أنت واثق مما تقول أيها الشاويش؟
هز الحارس رأسه في تأكيد صامت مما جعل رزق يهز رأسه متعجبا في جنون مما يحدث في هذه الدنيا وأعاد نظره إلى صابر الذى ما زال على وضعه دون تغير.
تحرك ناحيته وهو يزفر في حيرة غير مصدق ما سمع ولا يدرى هل من الأفضل اخبار صابر بما حدث اما يكفيه ما هو فيه من كرب وهم .
أتخذ رزق قراره وهتف لنفسه في تأكيد:
-  من الأفضل أن يعرف ماذا حدث ، لربما أطمئن قلبه قليلا ومن يدرى قد يكون ما حدث أفضل مما توقع بكثير.
اسرع اليه رزق وجلس بجوار صابر مرة أخرى وهتف دفعة واحدة ودون مقدمات حتى يتخلص من عبء ثقيل شعر به فجأة على قلبه:
-  من الأفضل أن تعرف يا صابر، لقد طرد والدك زوجتك وابنتيك من المنزل من أول يوم دخلت فيه السجن.
دموع انفجرت فقط كانت هى الرد وتمتمات بكلمات غير واضحة ومبهمة.
ظل الموقف لفترة طويلة على هذا الحال حتى هدأ صابر كثيرا ثم نظر ناحية رزق للمرة الأولى وهتف به:
-  ارجوك رزق أريد الهرب من هنا وبأقصى سرعة.
لم يجاوبه رزق بل قرر مراوغته وإبعاد فكره عن الهرب هاتفا:
-  أريد أن أعرف ما هى القضية التى دخلت بها السجن وكيف حدث هذا يا صابر واريد كل التفاصيل فسأخرجك بالفعل ولكن بطريقة قانونية تماما فلا يصح إلا الصحيح .
تنهد صابر في راحة وهو يريح ظهره على أحد الأحجار وهتف في اختناق:
-  وهل هناك ما يقال يا صديقى. لقد تم الزج بي هنا وبمكيدة متكاملة الأطراف. قالها وعقله يستعيد ذلك اليوم وكيف سقط في فخ بسيط متكامل الأطراف والأكثر حزنا ان أحمد اخيه أيضا شارك فيه وكم يحزنه هذا ويكسر قلبه لشظايا متناثرة.
____
يقف في تعب وارهاق ليلتقط أنفاسه بعد يوم طويل قام فيه بالعديد من الأعمال الطارئة.
لا أحد يساعده على الإطلاق ولا أحد يتحمله ويتحمل وجوده أيضا وحقا هو لا يعرف سببا لكل هذا الكره من جانب والده واخويه.
تنهد وهو يرمى وراء ظهره هذا الكلام ويبدأ مرة أخرى في التنظيف والاهتمام بما يربونه من مواشى كثيرة العدد وبدأ يدندن بصوت خفيض ويعمل بهمة ونشاط وجد، سمع صوت مصطفى ينادى عليه فتعجب للغاية فهذه تعتبر المرة الأولى التي ينادى عليه مصطفى، ترك ما بيده سريعا وغسل يديه بالماء حتى لا تتسخ يد أخيه ان قرر مثلا أن يخطأ ويسلم عليه على الرغم من أن هذا أيضا غير وارد في الحسبان.
وصل سريعا إلى مصطفى ووقف أمامه في سعادة معتقدا أنه يحاول التقرب منه أو حتى قول كلمة حسنة طيبة في حق والعجيب انه حدث حين سمعه يهتف في خفوت وانكسار:
-  صابر لا يوجد من هنا مثلك في طيبة القلب والاخلاق، أخى أحتاج إليك ولا اعرف إن كنت ستقف بجوارى أم ستخذلني في أول طلب لي؟
خبط صابر على رقبته في حركة شهيرة تثبت أنه سيكون معه أيا ما كانت الظروف واتبعه بقوله:
-  وهل تسأل مصطفى صدقا! بالطبع لن اخذلك مهما حدث فقط ماذا هناك ؟
وضع يده على أخيه في وداعة وبراءة تخدع طفل صغير وصابر ذو القلب الكبير بالطبع وهتف في تأثر مخادع كاذب:
-  أريد منك أن تكن الضامن لي في مشروع وقرض من البنك يا أخى، يكفى ما ضاع من العمر.
نغز الشك قلب صابر وهتف في عدم تصديق ولكن بنفس البراءة:
-  ولما تحتاج إلى قرض من البنك يا أخى، والدي سيسعده تقديم أي شئ لك أنت بالذات وسيبيع ويدبر كل ما تحتاجه دون اللجوء لتلك الطريقة .
ابتسم مصطفى ابتسامة صفراء متلاعبة وهتف في مكر واضح:
-  أنت إلى الآن لا تعرف والدنا يا صابر لأنك طيب القلب تثق في الجميع دون تفكير، والدى مستحيل أن يبيع اى شئ من أجل أحد أبنائه ولو تتذكر كان يريد بيع ممتلكاتك أنت من أجل سداد بعض الديون الضئيلة التى لا تذكر وكانت بسبب زيادة أسعار ومصروفات الأولاد كما تعرف أي هو لن يحقق لي حلم حياتى، وهذا قد يدمر لي حياتى كلها، والحقيقة التى قلتها له وجعله يرفض في شدة.
ثم تنهد في ضيق وعدم راحة هاتفة في صوت ملئ بالعفوية ولكن الكذب لمن يري اوضح:
-  لقد أخبرته أنك ستعمل معى في هذا المشروع حتى تكن حر نفسك وتستطيع الخروج من تحت ذراعه التى يضغط عليك به بشدة.
خفق قلب المسكين صابر وهو يتخيل نفسه يعمل مع مصطفى ويدخل لنفسه دخلا بعيدا عن والده وتحكماته ورفضه إعطائه أى نقود إلا فقط طعامه وشرابه هو وأسرته الصغيرة التى تعيش في فقر وذل بسبب تلك المعاملة رغم الثراء الواسع الذى يتمتع به والده.
تنهد صابر في راحة وهو يهتف في سعادة:
-  وما هو هذا المشروع مصطفى ؟ وهل سأكون ضامن لك فقط ؟ وأذهب معك إلى البنك للتأكد من الإجراءات القانونية بنفسى. متى هذا يا أخى؟
أبتسم مصطفى وقد عرف أنه قد أبتلع الطعم تماما وهو الآن جاهز للصيد ولا مشكلة أمامه إلا بعض الاحترازات البسيطة وهتف في هدوء حذر
-  استعد غدا أخى ستذهب معى إلى البنك الذى سيمول المشروع ونقابل الموظف المختص بالقرض ويقدم لنا كل التسهيلات الازمة للتحرك في بساطة وسلاسة وثق سينجح مشروعنا مؤكد هذا دون أي شك او تعب وسنصبح أغنياء في غضون شهور قليلة ونخرج من عباءة أبى، هل اتفقنا؟
ومد يده مصافحا اياه في قوة معلنا بداية عهد الخيانة والكره والانتقام ما بين الاخوة، والقادم لا يعلمه إلا الله.
_______
يتطلع إليه رزق في حيرة وعدم فهم وترجم هذا لكلمات تخرج سريعا غير متناسقة من فمه:
-  لا افهم حقا. هل تقصد أن مصطفى من كنت تعرف وتعلم علم اليقين أنه فاسد هو من أوقع بك بمنتهى البساطة!؟ هل هذا معقول! أين كان عقلك يا رجل؟
تنهد صابر في ضيق وهو يتذكر كيف كان كالغر الساذج الذى وقع في شر أعماله بسبب طمعه في الراحة والخروج من ضغط والده والابتعاد المادى والمعنوي عنه.
تحدث اخيرا بعد فترة صمت طويلة شارحا ما حدث في كلمات صعبة الوقع على نفسه الكسيرة:
لقد ذهبت معه إلى الموظف المختص في نفس اليوم الذي حدده هو وبالفعل كان الكلام جميل منمق ازاح كل الشكوك من رأسى تماما حتى أنى وقعت دون أن أقرأ أو أرى ماذا كان في الورق، لقد كنت اثق فيما قيل لى الى. حد لا نهائي، أنا أستحق ما حدث لى بالفعل ولكن زوجتى وابنتاي ما ذنبهما.
لم يرد عليه رزق بل كان يفكر وعقله يعمل بسرعة الصاروخ ثم سأله على حين غرة:
-  حتى الآن لا أعرف تهمتك وما سبب سجنك يا أذكى من خلق على وجه الأرض، صدقا انت لست بإنسان طبيعى تصدق من كانت فضائحه تملأ الإرجاء ووالده كان دائم الدفاع عنه هل لديك عقل من الأساس يا هذا؟
خفض صابر رأسه ارضا في خجل واعترافا بغبائه الواضح وهتف في خفوت:
-  لقد سجنت بعدد من وصلات الأمانة التى قمت بالتوقيع عليها على غفلة منى وتم الحكم بخمس سنوات كاملة والمبلغ يفوق ثمن الأرض التى لدى يا رزق.
وصمت رزق تماما وعقله يدبر ويفكر ويخطط ويحاول أن يجد طريقة ينقذ بها هذا البائس مما هو فيه، فالحق يقال هو لا يستحق ما هو فيه مطلقا.
ومع شخص مثله ومع قضية سهلة كهذه لا شئ مستحيل وإن غدا لناظره لقريب وسيرى هذا المصطفى ووالده سليم من هو رزق صديق صابر وماذا يستطيع أن يفعل بهم والشر دائما دوائه الشر.
نهاية الفصل الرابع والثلاثون
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي