الفصل الثالث

مأساة حياة سما الكردان

وجدت قسوة الحياة بوجود جشع وطمع الإنسان، وهذا الجشع دمر حياة فتاة بريئة.

أرادت أن تحبَ وتُحب، وأن تحيا حياة بسيطة هادئة، رغم أمتلكها القوى والمال بسبب والدها الثري، ولكن مع ذلك أرادت الحياة البسيطة الهادئة الممتلئ بالحب والاطمئنان.

ولكن رغم كل ذلك لاحقها دائماً الحزن والتعاسة منذ لحظة الولادة، منذ اللحظة الأولى من تواجدها فى تلك الحياة، حين بدأ ذلك مع فقدانها والدتها البيولوجية أثناء الولادة، وانتهى ذلك مع حرمانها من طفلها العزيز.

ولكن رغم مصيرها القاسي، كان عوض الله لها فى الدنيا، هو والدها الذي وضع الله بداخله الحنان والرحيم، والدها الشخص الوحيد الذي كان يعاملها معاملة حسنة بدون مقابل.

عندما كانت سما طفلة رضيعة، كانت تضيء مثل الملاك، ومنذ اللحظة الأولى أصبحت سما نواسة قلب والدها، بعد ولادتها مباشرةً قرر والدها أن يجلب العالم كله بين يديها من أجل سعادتها، وكل شيء يستطيع امتلاكه فى هذه الحياة.

لذلك عندما حملها لأول مرة، وعد نفسه بعدم إرهاق ذلك الملاك البريء، وعدم وضعها فى مشقة الحياة، ، أقسم على توفير حياة ممتلأ بالرفاهية من أجلها، وأنه سوف يقوم بحمايتها من طمع وغدر البشر.

واتخذ قرر بعدم الزواج مرة أخرى، حتى لا يجلب لها منافسين يتسببون بالتعاسة والألم، ويكونون سبب شقاها فى الحياة، حتى لا تعاني تلك الملاك الصغير فى حياتها أبداً، لذلك قرر أن يصبح أفضل والد بالنسبة إلى أبنته الوحيدة.

ولكنه لم يكون يعلم أن قدرها السيئ لم يستطيع أبداً تغيره.

كان أحدى أسباب رفض والدها فى الزواج مرة ثانية، هو حبه الكبير إلى زوجته المتوفية، التى كانت امرأة مثاليه يعشقها بجنون، لذلك لم يستطيع الزواج مرة أخرى والعيش مع امرأة ثانية.

أطلق صلاح الكردان على الرضيعة اسم سما، لكي تصبح سماه ودنياه، وبالفعل استطاع تحقيق ذلك الوعد، الذي قطعه إلى الطفلة ووالدتها الميتة أثناء ولادتها، وهو جعل الطفلة تحيا حياة مريحة ممتلئ بكل سبل الراحة والسعادة.

كان يعاملها الجميع معاملة مثل الأميرات، ولم تشعر يوم أن ينقصها شيء أبداً، كان يدللها الجميع ويمنحها الحب وكل ما تريد، ورغم كل ذلك لم تكون سما شخص أناني أو مغرور، فقد نشأت سما بشخصية حنونة وطيبة وقنوعة.

كانت شخصية سما شخصية حليمة وعاطفية وبريئة، وكانت الطفلة قريبة جداً من والدها وحبيبة إلى قلبه، الذي سوف يجلب العالم بأكمله تحت قدمها عندما تريد ذلك، رغم شخصية الجميلة المتواضعة.

كانت سما طفلة ذات نسبة ذكاء مرتفع، الذي ورثته من والدها رجل الأعمال الأشهر فى الوطن العربي، وجمالها المبهر الذي ورثته عن والدتها المتوفية، ولكن فشلت سما وعانت كثير أثناء فترة المراهقة.

كانت سما ترى الحياة من منظور مختلف عن والدها، مثل الحب والرومانسية، وكان ذلك الشيء الوحيد الذي تبحث عنه بين الجميع، لذلك عندما وصلت إلى سن السادس عشر عام، دخلت سما فى أول علاقة حب.

كانت مع معلم فصلها، وهو مدرس مادة الموسيقى فى المدرسة الثانوية، وكانت تعشقه بجنون إلى درجة التضحية بكل شيء من أجله، حتى أنها خدعت والدها وخانت ثقة فيها، الذي كان هو صديقها الوحيد.

ولكن عندما وقعت فى الحب ابتعدت عن والدها، ولم تستطيع أخباره عن مشاعرها، وأخفت عنه ذلك الموضوع من أجل حماية معلمها، الذي تحبه بجنون خوفا عليه من عقاب والدها.

ولكن كان ذلك الوقت الوحيد، الذي شعرت سما فيها بالاشتياق إلى والدتها المتوفية، وكان ذلك عندما وقعت فى الحب لأول مرة، كانت المرة الأولى التي تمنت فيها سما وجود والدتها بجوارها، حتى تحكي لها عن حبها الأول.

عندما شعرت سما بمدى احتياجها إلى أم شعرت حينها بالحرمان والفقدان، عندما أرادت والدة تحكي معها مثل معظم الفتيات عن حبها الأول، بديلا عن والدها التي حرجت أن تصرح له عن حبها من المعلم إلى والدها العزيز.

ولكن من قسوة مصيرها كان ذلك الرجل حقير أناني، قام باستغلال الفتاة البريئة الصغيرة وتلاعب بمشاعرها الساذجة.

استغل حبها الكبير إليه وثقتها العمياء به، وقام بابتزاز والدها المليونير صلاح الكردان مادياً، طمعاً فى سمعة وثروة الكبيرة، التي كان يعرف عنها الجميع.

أمر علاء أمين معلم مادة الموسيقى، شخص أخر كي يقوم بتصويره مع سما الكردان فى لحظة رومانسية، كان فى ذلك الوقت يقوم باحتضانها وتقبيلها فجأة بدون مقدمات.

وبعد ذلك أرسل تلك الصور إلى والدها على عنوان الشركة، محاولاً ابتزازه مادياً ومعنوياً، وقام بتهديده بتلك الصور، وطلب من الكردان مبلغ كبير من المال، مقابل تلك الصور المضرة بسمعة أبنته الوحيدة وسمعة والدها المشرفة.

عندها ذهب صلاح الكردان وأخبر سما أنه يعلم عن حقيقة ارتباطها مع معلمها:
-  لقد علمت كل شيء تفعله فى الخفاء يا سما.

سما بتوتر وقلق:
-  ماذا تقصد يا والدي؟

الوالد بصوت مرتفع:
-  أنتِ فى علاقة حب مع معلمك؟

سما بخوف:
-  لا يا والدي ذلك ليس صحيح.

الوالد بغضب:
-  وأيضاً تكذبين بوجهي؛ لم أربيكِ كي تصبحي شخص هكذا.

تغلغلت عين سما بالدموع خوفاً:
-  أسفه يا والدي ولكن معلمي يحبني وسوف يأتي يطلبني منك بعد انتهاء الدراسة.

الوالد بعصبية:
-  أيتها الساذجة الغبية هل تعتقدي أنه يحبك بحق؛ أنه يستغلك.

سما اثناء البكاء:
-  لماذا تقول ذلك هل تعتقد أن الجميع طماع فى أموالك، وأنا لا أستحق الحب؟!

الوالد:
-  نعم الجميع طماع فى أموالي، أنتِ أيتها الطفلة ماذا تعلمي عن الحب حتى تبكي على شخص حقير هكذا؟!

سما:
-  هو يحبني حقا ولا يحب مالك.

الوالد:
-  هو لا يحبك ويحب أموالي.

سما:
-  لماذا تقول ذلك.

الوالد:
-  هل تعلمي كيف علمت بارتباطك مع معلمك لأنه جاء بنفسه وابتززني بعلاقتك معه مقابل المال.

أخذت سما نفسا عميقا وبكل قوتها قالت:
-  ذلك كذب أنت تكذب عليا.

ذهبت سما إلى المنضدة القريبة من سريرها، تبحث عن هاتفها، وعندما وجدته التقطت الهاتف، وحاولت الاتصال بالمعلم أكثر من مرة ولكن لم يرد عليه، حتى المرة الأخيرة قطع حينها المعلم اتصالها وأغلق الهاتف.

عندما حدث ذلك اقتنعت سما أن والدها محق، أن المعلم كان يقوم على استغلالها لأجل أموال والدها، وكانت تلك هى المرة الأولى، التي تتعرض سما فيها مثل ذلك الموقف المقيت.

كانت سما شخص مرهف الحس، لذلك لم تستطيع مقاومة ذلك الألم، وبعد بكاء لفترة طويل فقدت سما الوعي، وبعد مرور أيام من البكاء لم تستطيع سما تناول الطعام أو التحدث مرة أخرى.

لذلك جلب والدها لها أطباء نفسياً كثير، وكان الحل الوحيد هو أخذ سما إلى مشفى للأمراض النفسية، حتى يتم علاجها باحترافية.

رفض والدها فى البداية عرض الطبيب من أجل سمعة أبنته الوحيدة، ولكن بعد فترة انهارت سما من الصدمة، لذلك أرسلها والدها إلى المشفى، وتم حجزها داخل مشفى للأمراض النفسية، لفترة من الوقت بسبب انهيارها النفسي والعاطفي.

كانت سما فى البداية لم تستطيع أن تصدق أقوال والدها فما يتعلق عن حبيبها، ظنت أن والدها يحاول التفريق بينهما، واعتقدت أن والدها يظلمه وحبيبها لم يقوم باستغلالها أو ابتزاز والدها أبداً.

كانت سما تعتقد أن والدها يفعل كل ذلك حتى يبعد عنها المعلم التي تحبه، ولكن عندما فقد والدها الأمل فى أقناعها.

وبرغم تحذير الطبيب إليه من استفزاز مشاعرها، جلب والدها الصور التي أعطها إليه معلمها، وقام بتهديد والدها بهما، ووضعهم أمام نظرها على سريرها الذي تجلس عليه بحزن.

ولكن لم يتوقع والدها أن ذلك الوضع سوف يفاقم لهذه الدرجة، ويضعها ذلك الموقف فى أزمة نفسية كبيرة.

لم تتوقع سما أن معلمها من الممكن أن يفعل بها ذلك العمل الغير أخلاقي، وأن يقوم باستغلال مشاعرها وقلبها من أجل المال.

وعندما أظهر والد سما الصور إليها كي تتعقل وتفهم الوضع جيداً خسرت سما حينها ثقتها فى البداية لم تستوعب سما الوضع، ولم تستطيع تصدق حقيقة أن معلمها استغلها، وأنه يمتلك تلك الأخلاق القذرة المريضة.

لذلك كانت الصدمة كبيرة عليها، ولم تستطيع تحملها بسبب صغر سنها، وضعف جسدها، ورقيقة شخصيتها؛ فلم تكون سما تعلم شيء عن أساليب الحياة الواقعية، من حقارة ودناءة البشر الممتلئ بالجشع والحقد.

ولكنها الآن تعلمت الدرس جيداً، عندما شاهدت مدى حقارة الشخص الذي أحبته بصدق واخلصت له، لذلك قررت سما أنها سوف تكون المرة الأولى والأخيرة، التى سوف تقع بها فى الحب.

تعلمت سما درسها الأول بطريقة صعبة ومريرة، ولكن ذلك الموقف جعل منها شخصيه عملية، واستطعت حينها فهم ما تعني قوة المال والسلطة على البشر، من دون سلطة المال لم يكون هناك خوف أو احترام أو تقدير.

ولكن ذلك المال قوته العظيمة على المجتمع، جعلت من الإنسان يتحول إلى شيطان فى هيئة بشرية.

عندما تعلمت سما ذلك الدرس تعلمته بأصعب الطرق الممكنة، حينها تعلمت ما تعني كلمة غدر البشر.

صلاح الكردان والد سما لم يكن رجل أعمال عادياً، فإنها رجل أعمال رائد وناجح فى المجال، ولم يكون يستطيع الوصول إلى تلك المكان دون جموده وذكائه.

لأنه أذا كان رجل عادي يمتلك قلب رقيق، فلم يكون حينها رجل الأعمال الناجح فى المجتمع رواد الأعمال الناجحين صلاح الكردان.

لذلك عندما شاهد أبنته الوحيدة تعاني هكذا، وتتعرض إلى انهيار عصبي يأثر على حياتها، ومكوثها داخل المشفى لمدة طويلة، تعاني من ذلك الوضع الذي أهان سمعتها وكبريائها، ورؤيتها فى تلك الحالة متأثرة نفسياً وعاطفياً، بسبب ذلك الحقير التى وثقت به وأساء إليها.

جعل كل ذلك والد سما يشتط غضباً، لذلك بعد دفع المال إلى ذلك المعلم الحقير، وأخذ كل الصور التي كانت مع ذلك القذر لأجل شراء صمته، قرر استئجار عصابة من الرجال وإرسالهم إلى ذلك الحقير.

لأجل معاقبة والهجوم عليه ليجعله عبرة لكل شخص يحاول استغلال أبنته أو تهديده مرة أخرى.

وبعدما تم علاج سما وتقبلها الواقع وأصبحت إنسانة طبيعية، أرسلها صلاح الكردان إلى مدرسة داخلية عريقة فى لندن، تخلى عن أبنته الوحيدة لأجل تعلم أفضل من الاتيكيت والأخلاق ،إتقان اللغة، تركها تركز على الدراسة ومستقبلها.

تعلم الوالد الدرس من ذلك الموقف، وأرسل أبنته الوحيدة بعد علاجها بعيد عن حضنه، إرسالها إلى مدرسة داخلية للفتيات من أكبر وأفخم المدارس فى روما، مختص فى تعليم الفتيات الأخلاق والاتيكيت.

بعد مرور سنتين من وجودها فى تلك المدرسة تفوقت سما الكردان على الجميع، وأصبحت من الطلاب الأوائل المتفوقين، حولت طاقتها وحزنها وخيبة أملها إلى اجتهاد وكفاح.

لذلك استطاعت سما الالتحاق بأكبر جامعة فى أوروبا، فى قسم إدارة أعمال بأعلى تقدير على مستوى العالم.

وبرغم تم اختيارها من أعظم الجامعات الخارجية الكبرى، من أجل منحة دارسة فى الخارج بسبب تفوقها.

ولكن كانت سما ترفض دائماً تلك المنح الموجهة إليها، وتطلب من الجامعات التي تختارها، أن تهيب تلك المنحة إلى أشخاص أخرين موهوبين، يحتاجون إلى تلك المنحة أكثر منها.

رغم علمها ماذا تعني تلك المنح فى ذلك المجال، تلك المنح التي يتقاتل من أجلها الجميع، أنها شيء كبير بالنسبة المتخرجين من أجل العمل فى الشركات الكبرى فى العالم.

تلك المنحة كانت تساعد الطلاب على التوظيف بعد التخرج فى كبرى الشركات عالمياً، ولكن كان ذلك من عظمة أخلاقها، وطيبة قلبها، لأنها كانت تعلم أنها بعد التخرج، سوف ترجع إلى مصر لأجل إدارة عمل والدها.

لذلك شعرت أنها لم تحتاج تلك المنحة، وهناك أخرين يستحقونها أكثر منها، وقررت التضحية بتلك المنح على طيب خاطر، وذهبت إلى الجامعة التي تريدها على نفقتها الخاصة.

ذهبت سما إلى جامعة هارفارد فى كامبريدج ماساتشوستس، على حسابها الخاص مع ملفها الشخصي، بكل أعمالها وأبحاثها وتقديرها العالى، خلال العامين السابقين فى المدرسة الداخلية.

وبعد انتهاء الدراسة نجحت سما بتفوق مع مرتبة الشرف، حينها عرض عليها عميد الجامعة، العمل فى منصب معيدة فى الجامعة، ومساعدتها أثناء تحضيرها الدكتوراه.

ولكنها رفضت وضحت بذلك المنصب والدكتور من أجل والدها، وقررت العودة إلى مصر والعمل تحت إدارة والدها فى مجموعة شركاته.

حين سافرت سما فى الماضي إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى ولاية ماساتشوستس، من أجل الدراسة فى الجامعة، ذهب والدها مع سكرتيره خلفها لأجل توفير سبل الراحة.

أشترى حينها شقة فى أرقى منطقة فى كامبريدج، حتى تكون قريبة من الجامعة، كي تدرس فيها بدون قلق أو إرهاق جسدي.

وأشتري سيارة أحدث موديل حتى تسهل عليها التنقل براحة داخل المدينة، وفتح لها حساب بنكي فى أحدى البنوك حتى تستطيع الصرف دون قلق.

استطلعت سما خلال الأربعة أعوام، تكوين صدقات كثيرة من مختلف الدول والجنسيات، رغم خوفها فى البداية من الاقتراب من الناس، ولكن خلال السنة الأولى من الدراسة فى الجامعة.

اكتشفت أن العزلة لم تفيد فى الدراسة، بسبب أغلبية المشاريع الدراسية التى يطلب بتنفيذها الدكتورة، تكون دائما بين مجميع الطلاب، ودرجات النجاح يكون بسبب العمل الجماعي.

بعد فشلها فى السنة الأولى أدركت سما الأمور، وخلال السنة الثانية استطعت سما استيعاب الأمور، وانها لا تستطيع الحياة كثير فى ذلك الوضع المغلق، ويجب عليها تكوين صدقات، وإنشاء علاقات ومعارف لأجل انهاء الدراسة دون قلق.

بعد مرور خمس أعوام عادت الابنة الغائبة سما الكردان إلى بلادها، بطريقة مشرفة تحمل شهادة ذات مؤهل عالي، وتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، حتى تستطيع مساعدة والدها فى الشركة، وتتحمل أعباء منصب الوراثة.

لأنها سما كانت الابنة الوحيدة لذلك سوف تستلم العمل بعد والدها، وتدير كل أعمال الشركة ويجب أن تديرها بدون مشاكل، ومحاولة السيطرة على اصحاب الأسهم.

بدأت سما العمل على الفور فى الشركة الرئيسية، التي تدير كل المصانع والشركات من المقر الرئيسي، وبعد مرور سنة من العمل، استطعت سما التحكم والسيطرة على الشركة والموظفين وأصحاب الأسهم، وأصبح الجميع داخل قبضة يديها أو كما كانت تعتقد.

كانت البداية صعبة رغم قوة ذكائها وتفوقها فى الدراسة، ولكن رغم صعوبة العمل استطعت سما استوعبه بسرعة والتحكم به، رغم أن ذلك أخذ منها وقت طويل، وإرهاق نفسي وجسدي شديد، ولكن فى النهاية استطعت احتواء الأمور.

بعد مرور عامين من عودتها إلى القاهرة من استلمها العمل فى الشركة، استطاعت سما تحجيم الأمور، لأنها عندما عادت كانت بالفعل شركات والدها تحتوي قنبلة مؤقتة.

كانت المجموعة واقعة فى مشاكل وديون كثيرة، غير المشاكل التي كانت مع الموظفين وأصحاب الأسهم ، ولكن بعد مرور العامين استطاعت سما بمساعدة والدها صلاح الكردان تحجيم الأمور إلى أقسى حد.

ولكن كانت الخيانة هي القشة التي قضمت ظهرها، وجعلتها تفقد السيطرة على كل شيء.

بدأ كل ذلك منذ عدة سنين بسبب الديون الكثيرة التي تمتلكها الشركة، بسبب البزغ الزائد عن حده من صلاح الكردان على أبنته سما، وكل الأموال التي قام بأهدرها على ابنته عندما كانت تدرس فى الخارج، خلال فترة الدراسة فى المدرسة الخاصة والجامعة.

لذلك اصبح وضع الشركة خطير جداً، ووجود خطر تعرض الشركة إلى الإفلاس، الذي أصبح معروف لدى الجميع.

حينها رفضت جميع البنوك المساعدة والتعامل مع مجموعة الكردان، ومنعوا تقديم امتدادات من المبلغ المالية، إلى سما الكردان المديرة التنفيذية أو والدها صلاح رئيس الشركة.

مجموعة الكردان عبارة عن ماركة سيارات مشهورة، ولديهم عدة مصانع مرتبطة من المجموعة، والشركة تضم أكثر من 100 ألف موظف وعامل، وقد يتسبب ذلك الإفلاس فى كوارث عاصفة لدى الجميع.

ولكن الكارثة الأكبر التي واجهة الشركة، كانت سرقة مدير المالية عباس الدمراني الحسابات الخارجية والداخلية للشركة، وهروب بتلك الحسابات إلى الخارج مع عائلته.

قام بتحويل كل الحسابات المالية إلى حساب مجهول فى الخارج، ورغم كل محاولات سما فى أرجعها فشلت، ولم تستطيع الولوج إلى تلك الحسابات مرة أخرى.

الاسوأ من كل ذلك هو ما حدث قبل هروب المدير المالي إلى الخارج، بكل أموال الشركة البالغة بالملايين، كان عندما ذهب إلى مصلحة الضرائب، وقام بتسليم مستندات حسابات بنكية تبلغ ثروته بالملايين، وكانت بالطبع اغالبيتها مستندات مزورة.

ولم تستطيع سما أثبت صحة تزوير تلك المستندات المقدمة إلى الضرائب لعدم وجودة أدلة كافة.

فعل المدير المالي ذلك من أجل أشغالنا وتحجيما لعدم أرسل أحد خلفه والبحث عنه أثناء هروبه إلى الخارج.

وبذلك أصبحنا مديونين إلى الدولة، وبعض البنوك، والموظفين برواتبهم، وأصحاب الأسهم، وكان الحل الوحيد الذي أمام صلاح الكردان، هو مشاركة أحد رجال الأعمال الأغنياء، الذين يطمعون فى أمتلك ماركات العالمية، وقبول أموالهم لأجل سداد ديونهم.

تمثل ماركة مجموعة الكردان المال، ولكن الآن تلك الماركة تمتلك ديون كثيرة، لذلك يجب بيعها لمستثمر آخر، فإن تلك الماركة بمفردها تساوي المال.

لذلك كان على صلاح يجد أحد يطمع فى أمتلك شهرة الماركة، ويدفع فى مقابل شرائها المال، من أجل تسديد ديون المجموعة، وهكذا يتم الشراكة بين رجال الأعمال فى الوقت الحالي.

ذلك الوقت كان المرة الأولى الذي يتعرف فيها صلاح الكردان على رجل الأعمال عماد الصاوي، هو رجل أعمال صغير فى المجال، شهير فى مجال إكسسوارات السيارات وقطاع الغيار، ولكن كان يشتهر عنه سمعه سيئة، ويقول عنه الجميع أن أغلبية أعماله مشبوهة.

ولكن كان الحل الوحيد الذي أمام صلاح، هو العمل مع ذلك الشخص الذي يمتلك الأموال المطلوبة، لأنه الوحيد الذي بادر فى المساعدة إلى فى ذلك الوقت الذي يهرب منه الجميع.

وكان الحل الوحيد أمام صلاح وهو الشراكة، أو بيع المصانع، وتشريد العمال والموظفين، وغير كل ذلك كان أمام صلاح وسما السجن الذي ينتظرهما.

جاء عماد الصاوي إلى مقابلة صلاح الكردان وعرض عليه الشراكة، ولكن ما كان يريده فى المقابل ليس الماركة أو تلك الشركة المديونه، ولكن كان ما يريد أمتلكه هو شيء أكبر وأغلى.

كان عماد الصاوي رجل أعمال معروف عنه فى الدولة بأعماله المشبوهة، وعندما عرض الشراكة والمساعدة على صلاح الكردان مقابل تسدد ديونه، كان بالفعل قام حسبها وخططها جيداً، ولكن كان مقابل ذلك الشرط وهو:-

عماد الصاوي:
-   الشركة ليس الشيء الأهم؛ لكن.

صلاح الكردان:
-   ولكن ماذا؟

عماد:
-   المال ليست المشكلة بالنسبة إلي، ولكن أريد شيء أخر غير الشركة مقابل ذلك المال.

صلاح:
-   ماذا تريد؟!

عماد:
-   أريد نسب.

صلاح:
-   ماذا تعني؟

عماد:
-   أنت لديك بنة جميلة ومثقفة أريدها زوجة إلى ابني الصغير منير؟

صلاح:
-   أنت مجنون بالتأكيد.

عماد:
-   لماذا مجنون هل تعتقد أن ابني لا يستحق ابنتك؟

صلاح:
-   ابنك فاشل وعربيدي وابنتي بالطبع أفضل منه مليون مرة.

عماد:
-   سوف أعطيك فرصة تفكر فى ذلك الموضوع.

صلاح:
-   بدون تفكير لا أريد ذلك النسب، أو تلك الشراكة التي سوف تقيد أبنتي مع شخص هكذا إلى الأبد شخص فاشل.

عماد:
-   على العموم معك رقم هاتفي عندما توافق على ارتباط النسب وعقد الزواج بين الأبناء، سوف أعتبر ذلك المال مهر إلى ابنتك العروسة الجميلة.

صلاح:
-  إلى اللقاء وأظن أنه اللقاء الأخير.

رفض صلاح الكردان بشدة على ذلك النسب لعلمه بوضع هذه العائلة السيئة، وأيضاً كان من حول منير ابن عماد الصاوي شائعات كثيرة، عن أنه ابن غير لائق ومدمن كحول ونسونيكي، لذلك لم يخبر صلاح ابنته سما عن تلك الأمور.

ولكن فى تلك البلد فى ذلك الوسط داخل ذلك المجتمع الرقى لم يخفى سر أبداً.

عندما سمعت سما عن ذلك الموضوع لم تستطيع النوم، واستمرت فى التفكير طول الليل خلال اليومين، وعندها تذكرت كل تضحيات التي قام بها والدها من أجلها.

كانت تعلم سما جيد إن والدها ضحى بالكثير من أجل رفاهيتها، والآن جاء الوقت وأصبح دورها فى الاعتناء بوالدها العجوز، الذي يمتلك مرض السكر والضغط، والذي لم يستطيع أن يتحمل كل ما يحدث الآن، من كوارث ومشاكل أو حتى السجن.

لذلك جاء دورها فى حماية والدها العجوز، ويجب الا أن يستمر والدها فى حماية ابنته بعد الآن، لأنها أصبحت ناضجة، وحان دورها فى التضحية من أجل والدها والمجموعة، وحماية كل الموظفين والعاملين بها، الذين أصبحوا مسئولية سما الكردان هما وذويهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي