الحلقة الثانية

مصيدة فينوس
الحلقة الثانية
اخذ ياسين التقرير وجمع كل ما يثبتها وكتب توضيح لها وذهب الى مدرية الامن، دخل الى مكتب احد القادة كان يعرفه منذ وقت التدريب، رحب به واجلسه وبدأ يستمع اليه، بدى عليه الذهول وعدم التصديق للامر، صمت لبعض الوقت وهو يقرأ التقارير ويشاهد بعض الصور التى التقطتها مصطفي للجث، كان ياسين ينظر اليه بعينين صقر ينتظر ما سيقول، ظل يقلب بالاوراق ويقرأ التقراير اكثر من مرة، فما سمعه ويقرأه لا يصدقه عاقل، ضرب بقبضته على المكتب كانه ييقظ نفسه من غفلة أصابته، اخذ نفس وزفره مصمص شفتيه:
- لا اعرف كيف يمكن تصديق ذلك؟! ولولا أن ما قلته عليه أدلة واثباتات، لما ناقشته معك من الاساس، لكن لا يمكننى إتخاذ القرار فى شيء كهذا.
هم واقفا جمع الاورق وتحرك نحو الباب وقبل أن يخرج التف الى ياسين وأردف:
- انتظرني هنا حتى أعد.
وخرج مسرعا كمن يهرب من عاصفه تلحقه، ظل ياسين مكانه يجوب الغرفة بنظرة ليشغل نفسه عن التفكير بالامر، ورغم أن الفترة التى تركه بها قائده صغيرة، الا أنه شعر أنها ساعات بل أعوام يمر الوقت بها بطئ جدا مثل سلحفة فقدت الطريق، عاد القائد وجلس على مكتبه نظر له قائلا:
- سنرسل لكم أنت والطبيب الذى اكتشف ذلك فريق كامل ليتحقق من الامر، وسيكن له كل الصلاحيات لمساعدتكم فى القضية.
قدم له الاوراق أخذها ياسين ووقف قدم التحية:
- تمام يا فندم سانتظره انا ومصطفى فى مكتبي.
التف ليخرج هتف القائد به منبها:
- أهم شيء السرية التامة لا أريد أن يعلم أحد بهذا الامر، لا أريد بلبلة الرأى العام وخلق حالة من الذعر من امر كهذا.
أومأ ياسين بالموافقه وخرج من عنده، فقد رأى على وجهه عند عودته نظرات مغايرة للتي رأها قبل ذهابه، عاد الى مكتبه إتصل ب مصطفى واخبره بكل ما حدث، وطلب منه الحضور، أتى إليه وجلس معه قائلا:
- هل شعرت أنه صدق الامر؟
ابتسم ياسين ساخرا:
- إن كنا نحن حتى الان لم نصدق الامر اتظن انه سيصدقه.
ابتسم مصطفى وهز رأسه:
- معك حق لكنه قال أنه سيرسل فريق للتحقق من الامر.
أخذ ياسين نفس وزفره:
- لا أعلم فتعابير وجهه لم تظهر إن كان مصدق أم لا، أعتقد أن الفريق الذى سيرسله هو ما سيكشف ذلك.
فكر مصطفى:
- هل أخبرك متى سيأتى هذا الفريق؟
أومأ ياسين رافضا ووجهه يمتلاء بالحيرة والقلق، كمن يبحث عن شعاع شمس فى يوم غائم، وقف مصطفى وهم خارجا:
- سأعد الى المشرحه لديا عمل وعندما ياتى هذا الفريق أرسل إلي سلام.
تركه مصطفى وخرج لم ينتظر رده، وهو الاخر لم يعقب، فقد شعر في نظرات القائد عدم التصديق، وهذا طبيعي فهو نفسه حتى اللحظه لم يتقبله، مر اليوم ولم يأتي أحد فتأكد ياسين أن ما شك به حقيقه، وأن القائد لم يأخذ كلامه على محمل الجد، مر على مصطفى واصتحبه معه بسيارته التى ورثها عن والده، ورغم أنها قديمة بعض الشيء الا أنها جيده، توقفا على الكورنيش وجلسا معا، نظر كل منهم للاخر وزفر مط مصطفى شفتيه:
- هذا متوقع كيف لاحد أن يصدق، لكنك قلت أن هذا الشخص يحبك وسيساعك.
تنهد ياسين:
- كنت أظن ذلك ويبدو أنه عندما سأل غيره شكك بالكلام.
أخذ مصطفى نفس وزفره:
- ماذا سنفعل إذًا هل نسكت؟
نظر ياسين إلى منظر النيل ومياه وكأنه تشبه حالتهم تبدو من الاعلى جميله وشفافه، لكنها عميقه وقد تبتلع أى شخص يقتحمها، فكر قائلا:
- أتعرف نحن أخطأنا الافضل أن نعمل معا فى سرية تامه، وعندما نكتشف الامر سنفرض الحقيقة على الجميع، من صدق منهم أو كذب.
أومأ مصطفى رافضا:
- لكن هذا سيكلف الكثير من الابرياء حياتهم، وهذا ما كنت أريد منعه.
أردف ياسين:
- وأنا مثلك لا أريد أن يتأزى أحد ولكن ما باليد حيله، من ظننت أنه سيساعدنا إستخف بالامر.
أومأ مصطفى بالموافقه:
- معك حق علينا البحث وحدنا ولن ننسي أمر فريق العمل الذي أخبرك به.
ابتسم ياسين ساخرا:
- أظنه نسي الامر بعد إرسالي هيا بنا نعد إلى منازلنا، والغد نكمل مناقشة ما سنفعل.
وقف مصطفى وتحرك نحو السيارة:
- معك حق لقد إنطفأت حماستي بعد ما حدث.
لحق به ياسين دون تعقيب وركبا السياره أوصل مصطفى أولا، وعاد إلى منزله فهم قربين من بعض، كان كل شيء فى عينيهم مظلم مقبر، فقد أغلقت عليهم أبواب الإمداد وأصبح عليهم فك تلاسم هذا اللغز وحدهم،
وفي اليوم التالي بعد وصله إلى مكتبه بوقت قليل، دق المجند الباب أخبره أن هناك فتاة تريد مقابلته، فسمح لها بالدخول إقتربت من المكتب ونظرت إليه قائله:
- هل انت الضابط ياسين؟
نظر اليها بنظرة متفحصه فهى متوسطة الطول، قمحية البشره ذات ملامح هادئه تضع نظارت على عيونها، ترتدى فستان فضفاض وحجاب طويل منمق بشكل جميل، عبست من نظراته التى تخترق كل جسدها، القته بنظرة محذرة وقالت بلهجة شديده:
- هلا أبعدت عينك هذه عني أم سابعدها أنا بطريقتي.
رغم شدة لهجتها المحذرة إلا أنه لم يغضب منها وابتسم وأبعد حدقتيه عنها قائلا:
- لم أقصد تفضلى بالجلوس واخبرينى ماذا تريدى.
زفرت وقللت كلماتها من حدتها وغضبها قائله:
- أنا تيسير محمد طبيبة شرعية أرسلني القائد للعمل معكم والتحقيق فى أحد القضيا.
نزلت كلماتها عليه كأنها جبل جليد صقط فوق رأسه جمده مكانه للحظات، ثم إنفجر ضاحكا كانما القيت عليه أحد النكات الجيده، إمتلاء وجهها بالغضب واشاحت بوجهها بعيدا، تمالك نفسه قليلا وأشار لها بالجلوس قائلا:
- عذرا منكِ لكن أعتقد أنكِ ستلتمسي لي العذر تفضلى سارسل إلى مصطفى زميلى ليأتي.
جلست بالمقعد أمام المكتب وهى عابسة الوجه، تمتلاء بالغضب كأنها بالون سينفجر، أرسل الى مصطفى ساخرا:
- أسرع يا صديقي لقد أتى المدد أرسلوا لنا فريق كامل لمساعدتنا تعالى بسرعه.
تعجب مصطفى من لهجة السخرية فى كلماته، لكنه أسرع بالذهاب إليه ليرى اللجنة التى أرسلت لهم، رغم أن المسافة بينهم ليست كبيرة الا انه لم يشعر بها من كثرة الافكار التى حاسرته، وما أن فتح باب المكتب ودخل حتى إنهارت كلها فوق رأسه فور دخوله، جاب الغرفة بأكملها بعينه عدت مرات بحثا عن هذا الفريق، حتى أن حدقتيه لم يلتقطا هذه الفتاة الجالسة، أو لأنه لم يجول بخاطره أنها هي الفريق، إقترب من المكتب وأشار بيده متسائلاً:
- أين هذا الفريق الذى تحدثت عنه؟
أشار بيده على الفتاة عن يمينه وهو يكتم ضحكته، التف ونظر إليها وتجمد مكانه ولم ينطق بشفا كلمه، رمقتهم بنظرة حادة تمتلاء بالغضب والثقه استندت على ظهر مقعدها قائلة:
- هل انتهيتم من السخريه منى والاستهزاء بي، رغم عدم معرفتكم بقدارتي ولا ماهية الاشياء التى يمكننى القيام بها، ومع ذلك أتمنى أن يكن هذا الامر مهما كي لا أشعر أني سأهدر وقتي معكم.
شعر ياسين بالحرج الشديد من نفسه وحدق فى المكتب دون كلام، رفع مصطفى حاجبيه وانزلهم اعجابً بثقتها ورسم بسمتة على شفتيه، وجلس وضعا صاق فوق صاق وضع يده على المكتب مشيرا الى ياسين وهو يحدق بها:
- أحضر لها الدوسيه لتطلع على الامر.
وأشاح بوجه ونظر إلى ياسين مومأ له بابتسامة ماكره، بداله الابتسامه وأخرج الملف من درج مكتبه وقدمه لها، أخذته وهى ترى بنظراتهم وابتسامتهم ما لم تقوله شفاههم، واستشعرت أن الامر ليس بسيط أو أن به لغز معقد، دب الخوف فى قلبها من الخذلان لنفسها، فتحت الملف وبدأت تقراه فى تأنى وتركيز، فهى لا تريد أن يفوتها شيء أو تخطئ، وما أن وقعت عينيها على أحد الجمل، الا وأنها لم تستوعبها فأعادتها مرة اخرى بصوت مرتفه مليئ بالدهشه والاستنكار:
- امتص أحد دمائهم بالكامل( ابعدت حدقتيها عن الورق) مصاص دماء هل هذا ممكن هذا جنون أيعقل ذلك؟!
ابتسم الاثنان وهم ينظرا لها وعلامات الدهشه على وجهها كأن ضربتها صاعقه، زفر مصطفى مؤكد:
- نعم مصاص دماء.
شخصت إليه مستنكرة:
- وأنت كطبيب تصدق هذا؟
أخذ نفس وزفره:
- طبيا غير معقول ولكن كم من الاشياء التى كنا نراه مستحيله أصبحت حقيقه مؤكده.
أصابتها أجابته بالصمت كأنها سهم اطلق عليها، واكملت الاطلاع على الملف فأجابته زلزتها واوقفت الكلمات فى فاها، انتهت منه ونظرت الى مصطفى:
- هل ماتزال أحد هذه الجثث موجوده فى المشرحه، أريد رؤيتها بنفسي وفحصها.
أومأ مصطفى:
- نعم إن كنتِ تريدى رؤيتها هيا بنا ساذهب إلى المشرحه على كل حال.
وقفت وهمت بالخروج فاوقفها ياسين قائلا:
- هل تصدقينا أم أنكِ تسايرينا فقط؟
صمتت فهي فى قرارة نفسها لا تعلم الاجابه، فعقلها لا يصدق هذا وقلبها ايضا ينكره، تردد قائله:
- لا أعلم فالامر ليس بسيط وقبل أن أصدر حكما يجب أن أتأكد أولا بنفسي.
أومأ ياسين ولم يعقب على كلامها، فهو يعلم أنها محقه ليس من السهل تصديق كلام كهذا، فالامور دائما تحكم بالعقل، ولا يمكن لعقل أن يقبل ذلك، وصلا إلى المشرحه سبقها ياسين بالدخول، وقفت هي للحظات أمام الباب تنظر الى المكان وتحرك شفتيها مهمهمه ببعض الكلمات، إلتف ياسين ليرها لِمَ لمْ تدخل، قطب جبينه ورمقها بنظرة مستنكرة:
- هل أنتِ خائفة؟!
لم تعيره اهتمام وظلت على حالها دون الالتفات له، حتى انتهت من همهمتها واقتربت منه وقالت بصوت خفيض:
- الا تعلم أن لهذه الاماكن حرمتها وعليك التسليم عليهم أولا واستاذنهم فى الدخول؟!
ابتسم وقطب جبينه متعجبا:
- أتصدقين بهذا الهراء انتِ طبيبة شرعية لا تصدقي هذه الخرفات.
أومأت رافضه:
- ليست خرفات إنها حقيقه رأيتها بعيني، المهم الان هيا لارى الجثه واتفحصها.
القى الامر بعيدا فهو لم ولن يقتنع بمثل هذه الترهات، بدأت فى فحص الجثه وقف يراقبها دون تدخل، شخص اليها بنظرات تمتلاء بالعجاب بطريقتها ورقي تعاملها من الجثه، من يراه يظن أنه يشاهد فتاة توأدى رقصة باليه فى أروع أداء لها، تنحنحنت ووجهة حدقتها إليه، فاتربك وتصنع أنه ينظر إلى إتجاه أخر، ابتسمت من صنيعه لكنها اخفت ابتسامتها مسرعة كي لا يرها، ابتلعت ريقها قائله:
- يبدو أن ما خمنته صحيح رغم غير معقولتيته، وهذا يوصلنا إلى نقطة البداية.
تحشرجت الكلمات على لسانه فتنحنح قائلا:
- هذا صحيح لهذا لجأنا الى القائد طلبا للعون، لكنه لم يصدقنا وارسلك لتتثبتي من الامر.
أومأت رافضة:
- ليس صحيح هو فقط إستصغر الامر ورفض عقله تصديقه، واظن أن علينا إثبات الحقيقه له وللجميع.
لفت انتباه صيغة الجميع التى تتحدث بها، فرمقها بنظرة متسائله:
- هذا يعنى إنكِ مؤمنه ومصدقة لنا؟
ابتسمت ونظرت إليه بثقة:
- نعم وأنا معكم بهذا الامر إلى أن نكتشف حقيقته.
بادلها الابتسامة ونظر إليها حتى التقت عينية بعينيها وكأن سهما اطلق اليه، فخرجت الكلمات من شفتيه دون قصد:
- ما أجمل هاتين العينين لم ارى مثلهما من قبل.
فارتبكت واشاحت بوجهها بعيدا تنحنح معتذرا:
- لم أقصد لا أعرف كيف خرجت الكلمات دون قصد مني أعتذر مرة أخرى.
شعرت بالارتباك الشديد واحمر وجهها خجلا، فهذه المرة الاولى التي يقل لها أحد مثل هذه الكلمات، التى جعلتها تشعر أن زلزال بقوة عشره رختر ضرب جسدها بالكامل، خرجت مسرعه وهي تقول بكلمات مبعثرة:
- الخروج .. يجب .. علينا .. فى الخارج سانتظر.
ابتسم مصطفى من ارتباكها وشعر بسعادة لم يفهم سببها، لكنه شعر بأن قلبه قد تأهب لخوض معرقته المنتظرة، لحق بها مسرعا وجدها قد تركت المستشفى كاملة وتقف عند الباب، إقترب منها فقد هدأت وتمالكت نفسها، تنحنحت قائله:
- سأذهب الان أبحث عن طريق الانترنت والكتب فقد اجد تفسير للامر، وسأتي غدا لمكتب الضابط ياسين لنتحدث عن كل ما وجدته.
أومأ مردفا:
- وأنا ايضا سابحث فى الامر ولكن فى المساء فلدي بعض العمل..
قاطعه جرس الهاتف فأشار لها بالانتظار للحظه، واجاب قائلا:
- ما الامر ياسين هل حدث شيء؟
زفر ياسين:
- جثة جديدة على الطريق وقد تجهزت الحملة ألزلت بالمشرحه نمر عليك لاخذك؟
- نعم سانتظرك.
أنهى المكالمه ونظر اليها وقبل أن ينطق سبقته قائله:
- هل هي جثة جديدة اتشك انها مثلهم؟
أومأ بالموافقه فابتسمت:
- هل يمكننى المجئ معك أريد رؤيتها وهي ماتزال حديثه؟
ابتسم:
- مؤكد لا مانع انتظرى ستأتى السيارة لتقلنا بعد قليل.
اغلقت قبضتها ورفعتها بحماس وسعادة، اتسعت ابتسامته وهو يرمقها بنظرات تمتلاء بالاعجاب، فشعرت ببعض الخجل ونظرت بعيدا عنه، سيطر الصمت على الموقف لبعض الوقت، فلم يستطع ان ينطق أى منهم، فهناك شيء يحاول تملكهم وكل منهم لم يجربه من قبل، اتت السيارة وتوقفت بجوارهم، تعجب ياسين من وجودها معه لكنه ارجأ السؤال، أشار لها لتركب وقفت للحظات متحيرة، ثم اتخذت قرارها وتحركت جلست بجوار السائق، ركب مصطفى بجوار ياسين بالخلف، رمقه بنظرة متسائلة عن سبب مجيأها، فاشار له أنها تريد أن ترى الجثه، فأومأ متفهما دون كلام، اخرج هاتفه وكتب له عبر رسائل الوتساب:
- هل صدقت ما راته بالملف؟
فهم هو الاخر أنه يكتب له فاخرج هاتفه واجاب:
- نعم وستكن معنا للمساعدة.
نظر إليه وعوج فاهه غير مباليا فهو لا يرى أهمية لمساعدتها، عبس مصطفى واشاح بوجهه بعيدا عنه، وظل الامر على هذا الحال حتى وصلوا إلى الموقع، نزل ياسين وبدأ يعياين المكان للبحث عن أدلة، لحق به مصطفى واقترب من الجثة لتفقدها، حدق تجاه تيسير ليرى أين هي، وجدها تقف بجوار السيارة وقد تغير وجهها وبدى عليها التوتر، نظرت إلى المكان فهي المرة الاولى التى تحضر بها معاينة موقع الجريمه، ظلت مكانها فبداخلها نوع من الرهبة
توقاعتكو بقا للحلقه الجايه
سلااااااااااااااااااااام
تحياتى / هدى مرسي ابوعوف
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي